المسألة الرابعة  
اختلفوا في  قوله - صلى الله عليه وسلم - : "  لا صلاة إلا بطهور      "  [1] ، "  ولا صلاة إلا بفاتحة الكتاب     "  [2] ، "  ولا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل     "  [3] ، "  ولا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل     "  [4] ونحوه .  
 [ ص: 17 ] فمذهب الكل أنه لا إجمال فيه ، خلافا  للقاضي أبي بكر  وأبي عبد الله البصري  فإنهما قالا بإجماله لأن حرف النفي دخل على هذه المسميات مع تحققها ، فلا بد من إضمار حكم يلحق ، وتمام تقريره كما مر في المسألة المتقدمة .  
والمختار : أنه لا إجمال في هذه الصور ، لأنه لا يخلو إما أن يقال بأن الشارع له في هذه الأسماء عرف أو لا عرف له فيها ، بل هي منزلة على الوضع اللغوي .  
فإن قيل بالأول ، فيجب تنزيل كلام الشارع على عرفه ، إذ الغالب منه أنه إنما يناطقنا فيما له فيه عرف بعرفه ، فيكون لفظه منزلا على نفي الحقيقة الشرعية من هذه الأمور ونفي الحقيقة الشرعية ممكن .  
والأصل حمل الكلام على ما هو حقيقة فيه .  
وعلى هذا ، فلا إجمال ، وإن كان مسمى هذه الأمور بالوضع اللغوي غير منفي .  
وإن قيل بالثاني فالإجمال أيضا إنما يتحقق إن لو لم يكن اللفظ ظاهرا بعرف استعمال أهل اللغة قبل ورود الشرع في مثل هذه الألفاظ في نفي الفائدة والجدوى وليس كذلك .  
وبيانه أن المتبادر إلى الفهم من نفي كل فعل كان متحقق الوجود إنما هو نفي فائدته وجدواه .  
ومنه قولهم : " لا علم إلا ما نفع ، ولا كلام إلا ما أفاد ، ولا حكم إلا لله ، ولا طاعة إلا له ، ولا بلد إلا بسلطان ، " إلى غير ذلك .  
وإذا كان النفي محمولا على نفي الفائدة والجدوى فلا إجمال فيه .  
وإن سلمنا أنه لا عرف للشارع ، ولا لأهل اللغة في ذلك ، وأنه لا بد من الإضمار غير أن الاتفاق واقع على أنه لا خروج للمضمر هاهنا عن الصحة والكمال ، وعند ذلك فيجب اعتقاد ظهوره في نفي الصحة والكمال لوجهين :  
الأول : أنه أقرب إلى موافقة دلالة اللفظ على النفي لأنه إذا قال : " لا صلاة ، لا صوم إلا بكذا " فقد دل على نفي أصل الفعل بدلالة المطابقة ، وعلى صفاته بدلالة الالتزام ، فإذا تعذر العمل بدلالة المطابقة تعين العمل بدلالة الالتزام تقليلا لمخالفة الدليل .  
 [ ص: 18 ] الثاني : أنه إذا كان اللفظ قد دل على نفي العمل وعدمه ، فيجب عند تعذر حمل اللفظ على حقيقته حمله على أقرب المجازات الشبيهة به ، ولا يخفى أن مشابهة الفعل الذي ليس بصحيح ولا كامل للفعل المعدوم أكثر من مشابهة الفعل الذي نفي عنه أحد الأمرين دون الآخر ، فكان الحمل عليه أولى .  
فإن قيل : ما ذكرتموه معارض من وجهين :  
الأول : أنه يلزم منه الزيادة في الإضمار والتجوز المخالف للأصل .  
الثاني : أن حمله على نفي الكمال دون الصحة مستيقن ، من حيث إنه يلزم من نفي الصحة نفي الكمال ، ولا عكس ، وإذا تقابلت الاحتمالات لزم الإجمال .  
قلنا : بل الترجيح لما ذكرناه ؛ لأنه لا يلزم منه تعطيل دلالة اللفظ ، بخلاف ما ذكرتموه ، ولأنه على وفق النفي الأصلي ، وما ذكرتموه على خلافه ، فكان ما ذكرناه أولى .  
وعلى هذا ، فقوله - صلى الله عليه وسلم - : "  لا عمل إلا بنية ، وإنما الأعمال بالنيات     " .  
وإن لم يكن للشارع فيه عرف ، كما في الصلاة والصوم ونحوهما ، فعرف أهل اللغة في نفيه نفي الفائدة والجدوى ، كما قررناه فيما تقدم ، فلا إجمال فيه أيضا ، خلافا  لأبي الحسين البصري  وأبي عبد الله البصري  وغيرهما من  المعتزلة      .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					