وأما المسائل فثمان :      [ ص: 27 ] المسألة الأولى  
مذهب الأكثرين أن  الفعل يكون بيانا   ، خلافا لطائفة شاذة .  
ويدل على ذلك النقل والعقل ، أما النقل : فما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه عرف الصلاة والحج بفعله حيث قال : "  صلوا كما رأيتموني أصلي     " ، "  وخذوا عني مناسككم     " .  
وأما العقل : فهو أن الإجماع منعقد على كون القول بيانا ، والإتيان بأفعال الصلاة والحج ؛ لكونها مشاهدة أدل على معرفة تفصيلها من الإخبار عنها بالقول ، فإنه ( ليس الخبر كالمعاينة )  [1] ولهذا كانت مشاهدة زيد في الدار أدل على معرفة كونه فيها من الإخبار عنه بذلك .  
وإذا كان القول بيانا ، مع قصوره في الدلالة عن الفعل المشاهد ، فكون الفعل بيانا أولى .  
فإن قيل : أما النقل فالبيان فيه إنما وقع بالقول لا بالفعل ، وهو قوله : "  صلوا كما رأيتموني أصلي  ،  وخذوا عني مناسككم     " ، وأما المعقول : فهو أن الفعل وإن كان مشاهدا غير أن زمان البيان به مما يطول ، ويلزم من ذلك تأخير البيان مع إمكانه بما هو أفضى إليه ، وهو القول ، وذلك ممتنع .  
قلنا : أما القول بأن البيان إنما حصل بالقول ليس كذلك ، فإنه لم يتضمن تعريف شيء من أفعال الصلاة والحج ، بل غايته تعريف أن الفعل هو البيان لذلك .  
وأما  القول بأن البيان بالفعل مما يفضي إلى تأخير البيان مع إمكان تقدمه   فهو غير مسلم ، بل التعريف بالقول . وذكر كل فعل بصفته وهيئته ، وما يتعلق به أبعد عن التشبث بالذهن من الفعل المشاهد ، وربما احتيج في ذلك إلى تكرير في أزمنة تزيد على زمان وقوع ( الفعل ) بأزمنة كثيرة ، على ما يشهد به العرف والعادة .  
وإن سلمنا أن زمان التعريف بالفعل يكون أطول ، فليس في ذلك ما يدل على كونه غير صالح للبيان والتعريف ، والخلاف إنما هو في ذلك ، وقد بينا أنه مع صلاحيته للتعريف أدل من القول .  
 [ ص: 28 ] قولهم : إنه يفضي إلى تأخير البيان ، مع إمكان تقديمه بالقول .  
قلنا : لا يخلو إما أن لا تكون الحاجة قد دعت إلى البيان في الحال ، أو دعت إليه : فإن كان الأول ، فلا محذور في التأخير مع حصول البيان بما هو أدل من القول ، وإن كان الثاني ، فلا نسلم امتناع التأخير على قولنا بجواز التكليف بما لا يطاق على ما قررناه .  
وبتقدير امتناعه فإنما نسلم ذلك فيما إذا كان التأخير لا لفائدة ، وأما إذا كان لفائدة فلا .  
وقد بينا الفائدة في البيان بالفعل من جهة كونه أدل على المقصود .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					