المسألة الثانية عشرة  
مذهب الجمهور أن  الإجماع لا ينسخ به   خلافا لبعض  المعتزلة    وعيسى بن أبان     .  
[1] ودليل الامتناع أن المنسوخ به إما أن يكون حكم نص أو إجماع أو قياس .  
الأول : محال لأن الإجماع إما أن يكون مستندا إلى دليل أو ليس مستندا إلى دليل ، فإن لم يكن مستندا إلى دليل فهو خطأ .  
وإن كان مستندا إلى دليل فذلك الدليل إما أن يكون نصا أو قياسا ، لا جائز أن يكون قياسا لما سنبينه بعد ، وإن كان نصا فالناسخ ذلك النص لا الإجماع .  
وإن قيل : إن الإجماع ناسخ فليس إلا بمعنى أنه يدل على الناسخ وإن كان ناسخا لحكم إجماع سابق ، فهو باطل بما سبق في المسألة التي قبلها ، وإن كان ناسخا لحكم قياس فالقياس إما أن يكون صحيحا أو لا يكون صحيحا ، فإن كان صحيحا فإجماع الأمة على خلاف مقتضاه ، إن كان لا لدليل فهو خطأ ، وإن كان لدليل فذلك الدليل إما أن يكون نصا أو قياسا ، فإن كان نصا فالرافع لحكم ذلك القياس هو النص ، وإن كان قياسا ، فإما أن يكون راجحا على القياس الأول أو مرجوحا أو مساويا ، فإن كان راجحا فالأول لا يكون مقتضاه ثابتا ; لأن شرط ثبوت الحكم رجحان مقتضيه ، وكذلك إن كان مساويا ، وإن كان القياس الأول راجحا فالإجماع على القياس الثاني خطأ وهو ممتنع .  
 [ ص: 162 ] فإن قيل : ما ذكرتموه معارض بالنقل والمعنى .  
أما النقل : فهو  أن   ابن عباس  حين قال  لعثمان     : كيف تحجب الأم عن الثلث بالأخوين والله تعالى يقول : (  فإن كان له إخوة فلأمه السدس      ) والأخوان ليسا بإخوة ؟ قال  عثمان     : حجبها قومك يا غلام     .  [2] وذلك  دليل النسخ بالإجماع      .  
وأما المعنى فهو أن الإجماع دليل من أدلة الشرع القطعية فجاز النسخ به كالقرآن والسنة المتواترة .  
قلنا : أما قصة   ابن عباس  مع  عثمان  إنما يصح الاستدلال بها أن لو كان حكم الأم مع الأخوين منسوخا وليس كذلك ، إلا أن يكون الأخوان ليسا بإخوة وليس كذلك على ما سبق بيانه في مسائل العموم .  
وما ذكروه من المعنى فحاصله يرجع إلى إثبات كونه ناسخا بالقياس على النص ، وهو غير مسلم الصحة في مثل هذه المسائل وإن كان صحيحا غير أنه مما يمتنع التمسك به لما بيناه .  
				
						
						
