المسألة الرابعة عشرة  
اختلفوا في  النسخ بالقياس   على ثلاثة أقوال :  
ثالثها :  الفرق بين القياس الجلي والخفي   ، وهو قول   أبي القاسم الأنماطي  [1] من أصحاب   الشافعي     .  
والمختار : أنه إن كانت العلة الجامعة في القياس منصوصة فهي في معنى النص ، فيصح النسخ به .  
وإن كانت غير منصوصة ، فإما أن يكون القياس قطعيا أو ظنيا بأن تكون العلة فيه مستنبطة بنظر المجتهد .  
فإن كان قطعيا كقياس الأمة على العبد في تقويم النصيب على السيد المعتق ، فإنه وإن كان مانعا من إثبات حكم دليل آخر كان نصا أو قياسا فلا يكون ذلك نسخا ، وإن كان في معنى النسخ لكونه ليس بخطاب على ما بيناه من أن النسخ إنما هو الخطاب الدال على ارتفاع حكم خطاب آخر .  
وإن كان القياس ظنيا فيمتنع أن يكون ناسخا ; لأن المنسوخ حكمه :  
إما أن يكون نصا أو إجماعا أو قياسا ، الأول والثاني محال إن كان النص والإجماع      [ ص: 165 ] خاصا لكون النص الخاص والإجماع مقدما على القياس الظني بالاتفاق ، وإن كان عاما فلا نسخ لأن القياس ليس بخطاب على ما سبق ، وإن كان قياسا فلا بد وأن يكون القياس الثاني راجحا على الأول .  
وعند ذلك ، فتارة نقول : إن القياس الأول لا يكون قياسا لعدم ترجحه وأن الترجح شرط في الاقتضاء ، وتارة نقول : إنه وإن لزم منه رفع حكمه فهو في معنى النسخ ، ولكنه ليس بنسخ لما بيناه من أن النسخ هو الخطاب الدال على ارتفاع حكم خطاب ، وهو غير متحقق فيما نحن فيه ، وللمخالف شبهتان :  
الأولى : قوله تعالى : (  الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله      ) أوجب نسخ ثبات الواحد للعشرة ، وليس مصرحا به وإنما هو منبه عليه ، وذلك هو نفس نسخ حكم النص بالقياس .  
الثاني : أنهم قالوا : النسخ أحد البيانين فجاز بالقياس كالتخصيص .  
والجواب عن الأولى : أنها إنما تصح أن لو كان ثبوت الواحد للاثنين الرافع ثبوت الواحد للعشرة مستفادا من القياس ، وليس كذلك بل استفادته إنما هي من نفس مفهوم اللفظ .  
وعن الثانية : أنها منقوضة بالإجماع ، وبدليل العقل وبخبر الواحد فإنه يخصص به ولا ينسخ به .  
				
						
						
