الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
213 - ( 473 ) - حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا عبد العزيز بن سياه ، حدثنا حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي وائل ، قال : أتيته فسألته عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي ، قال : قلت : فيم فارقوه ؟ وفيم استحلوه ؟ وفيم دعاهم ؟ وفيم فارقوه ؟ وبم استحل دماءهم ؟ قال : إنه لما استحر القتل في أهل الشام بصفين اعتصم معاوية وأصحابه بحيل ، فقال له عمرو بن العاص : [ ص: 365 ] أرسل إلي بالمصحف ، فلا والله لا نرده عليك ، قال : فجاء رجل يحمله فنادى : بيننا وبينكم كتاب الله ، ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ، الآية . قال علي : نعم ، بيننا وبينكم كتاب الله ، إنا أولى به منكم ، فجاءت الخوارج ، وكنا نسميهم يومئذ القراء ، وجاؤوا بأسيافهم على عواتقهم ، وقالوا : يا أمير المؤمنين ، ألا تمشي إلى هؤلاء القوم حتى يحكم الله بيننا وبينهم ، فقام سهل بن حنيف ، فقال : أيها الناس اتهموا أنفسكم ، لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ، ولو نرى قتالا قاتلنا ، وذاك في الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين ، فجاء عمر بن الخطاب ، فقال : يا رسول الله ، ألسنا على حق وهم على باطل ؟ قال : بلى ، قال : أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال : بلى ، قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ، ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم ؟ قال : يا ابن الخطاب ، إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا ، فانطلق عمر ولم يصبر متغيظا ، حتى أتى أبا بكر ، فقال : يا أبا بكر ، ألسنا على حق ، وهم على باطل ؟ قال : بلى ، قال : أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال : بلى ، قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ، ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم ؟ قال : يا ابن الخطاب ، إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدا ، فنزل القرآن على محمد بالفتح ، فأرسل إلى عمر فأقرأه ، فقال : يا رسول الله ، أوفتح هو ؟ قال : نعم ، قال : فطابت نفسه ورجع ، ورجع الناس . ثم إنهم خرجوا بحروراء - أولئك العصابة من الخوارج بضعة عشر ألفا - فأرسل إليهم علي [ ص: 366 ] ينشدهم الله ، فأبوا عليه ، فأتاهم صعصعة بن صوحان فأنشدهم ، وقال : علام تقاتلون خليفتكم ؟ قالوا : مخافة الفتنة ، قال : فلا تعجلوا ضلالة العام مخافة فتنة عام قابل ، فرجعوا ، وقالوا : نسير على ما جئنا ، فإن قبل علي القضية قاتلنا على ما قاتلنا يوم صفين ، وإن نقضها قاتلنا معه ، فساروا حتى بلغوا النهروان ، فافترقت منهم فرقة فجعلوا يهدون الناس ليلا ، قال أصحابهم : ويلكم ما على هذا فارقنا عليا ، فبلغ عليا أمرهم ، فقام ، فخطب الناس ، فقال : ما ترون ؟ أنسير إلى أهل الشام أم نرجع إلى هؤلاء الذين خلفوا إلى ذراريكم ؟ قالوا : بل نرجع إليهم ، فذكر أمرهم فحدث عنهم بما قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن فرقة تخرج عند اختلاف من الناس يقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق ، علامتهم رجل منهم يده كثدي المرأة ، فساروا حتى التقوا بالنهروان ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فجعلت خيل علي لا تقوم لهم ، فقام علي ، فقال : يا أيها الناس ، إن كنتم إنما تقاتلون لي فوالله ما عندي ما أجزيكم ، وإن كنتم إنما تقاتلون لله ، فلا يكون هذا فعالكم ، فحمل الناس حملة واحدة ، فانجلت عنهم وهم مكبون على وجوههم ، فقال علي : اطلبوا الرجل فيهم ، فطلب الناس الرجل فلم يجدوه ، حتى قال بعضهم : غرنا ابن أبي طالب من إخواننا حتى قتلناهم ، قال : فدمعت عين علي ، فدعا بدابته فركبها فانطلق حتى أتى وهدة فيها [ ص: 367 ] قتلى بعضهم على بعض ، فجعل يجر بأرجلهم حتى وجد الرجل تحتهم ، فأخبروه ، فقال علي : الله أكبر ، وفرح وفرح الناس ورجعوا ، وقال علي : لا أغزو العام ، ورجع إلى الكوفة ، وقتل رحمه الله ، واستخلف حسن ، وسار سيرة أبيه ، ثم بعث بالبيعة إلى معاوية   .

التالي السابق


الخدمات العلمية