الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ثم عاد إلى توبيخ المشركين، فقال: أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون  لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون  لا يسأل عما يفعل وهم يسألون  

                                                                                                                                                                                                                                      أم اتخذوا آلهة هذا استفهام معناه الجحد، أي لم يتخذوا آلهة، من الأرض وأصنامهم كانت من الأرض، من أي جنس كان، من خشب، أو حجارة، أو ذهب، أو فضة.

                                                                                                                                                                                                                                      هم ينشرون يحيون، يقال: أنشر الله الميت فنشر.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا توبيخ لهم على عبادتهم جمادا من الأرض، لا يقدر على شيء.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم ذكر الدلالة على توحيده، وأنه لا يجوز أن يكون معه إله سواه، فقال: لو كان فيهما أي: في السماء والأرض، آلهة معبودون يستحقون العبادة، إلا الله معناه: غير الله، وهو صفة للآلهة، على معنى آلهة هم غير الله، كما يزعم المشركون، وهذا قول جميع النحويين: الأخفش، والزجاج، وأبي علي الفسوي، [ ص: 234 ] كلهم قالوا: إلا ليس باستثناء هاهنا، ولكنه مع ما بعده صفة للآلهة في معنى غير.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج: وكذلك ارتفع ما بعدها على لفظ الذي قبلها، وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                                      وكل أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان

                                                                                                                                                                                                                                      قال: المعنى وكل أخ غير الفرقدين مفارقه أخوه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لفسدتا أي: لخربتا وبطلتا وهلكتا، وهلك من فيهما لوجود التماني بين الآلهة، فلا يجري أمر العالم على النظام؛ لأن كل أمر صدر عن اثنين فأكثر لم يجر على النظام.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم نزه نفسه عما يصفه به الكافرون عن الشريك والولد بقوله: فسبحان الله رب العرش عما يصفون لا يسأل عما يفعل وهم يسألون أي: لا يسأل الله عما يفعله ويقضيه في خلقه، والناس يسألون عن أعمالهم، والمعنى أنه لا يسأل عما يحكم في عباده من إعزاز وإذلال، وهدى وإضلال، وإسعاد وإشقاء؛ لأنه الرب مالك الأعيان، والخلق يسألون سؤال توبيخ، يقال لهم يوم القيامة: لم فعلتم كذا؟ لأنهم عبيد يجب عليهم امتثال أمر مولاهم، والله تعالى ليس فوقه أحد يقول له لشيء فعلته : لم فعلته؟

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو بكر الحارثي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، أنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم، نا عقبة بن مكرم، نا أبو عاصم، نا عروة بن ثابت، حدثني يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن أبي الأسود الديلي، قال: قال لي عمران بن حصين: أرأيت ما يعمل الناس ويكدحون فيه، أليس قد قضي عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق، أو فيما يستقبلون فيما أتاهم به نبيهم وأخذت عليهم به الحجة؟ قلت: بل هو شيء قد قضي عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق، قال: فهل يكون ذلك ظلما؟ قلت: إنه ليس من شيء إلا وهو خلق الله وملك يده، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فقال: ثبتك الله، إنما أردت أن أحرز عقلك، قال عمران بن حصين: جاء رجل من جهينة، أو مزينة، إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أرأيت ما يعمل الناس فيه ويكدحون، أليس قد قضي عليهم من قدر قد سبق، أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم وأخذت عليهم به الحجة؟ فقال: بل شيء قضي عليهم ومضى، قال: ففيم العمل، أو فيم نعمل؟  قال: من خلقه الله لإحدى المنزلتين ألهمه وتصديق ذلك في كتاب الله فألهمها فجورها وتقواها ولما أبطل الله أن يكون إله سواه من حيث العقل بقوله: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا أبطل جواز اتخاذ إله سواه من حيث الأمر فقال:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية