الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون  وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون   [ ص: 236 ] وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون  وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: أولم ير الذين كفروا أولم يعلموا، أن السماوات والأرض كانتا رتقا الرتق: السد، يقال: رتقت الشيء فارتتق.

                                                                                                                                                                                                                                      ففتقناهما قال ابن عباس: فتق الله السماء بالمطر، والأرض بالنبات، كانت السماوات لا تنزل مطرا، والأرض لا تنبت نباتا.

                                                                                                                                                                                                                                      وجعلنا من الماء كل شيء حي أي: وأحيينا بالماء الذي ننزله من السماء كل شيء حي من الحيوان، ويدخل فيه النبات والشجر، يعني أنه سبب لحياة كل شيء، والمفسرون يقولون: يعني أن كل شيء فهو مخلوق من الماء، كقوله: والله خلق كل دابة من ماء قال أبو العالية: يعني النطفة، وعلى هذا لا يتعلق هذا بما قبله، وهو احتجاج على المشركين بقدرة الله.

                                                                                                                                                                                                                                      أفلا يؤمنون أفلا يصدقون بعد هذا البيان؟ وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم مفسر في سورة النحل، وجعلنا فيها في الرواسي، فجاجا قال أبو عبيدة: هي المسالك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزجاج: كل مخترق بين جبلين هو فج.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس: جعلنا بين الجبال طرقا حتى يهتدوا إلى مقاصدهم في الأسفار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: سبلا تفسير للفجاج، وبيان أن تلك الفجاج نافذة مسلوكة، فقد يكون الفج غير نافذ.

                                                                                                                                                                                                                                      وجعلنا السماء سقفا السقف من أسماء السماء، قال الله تعالى: والسقف المرفوع والسماء للأرض كالسقف للبيت، وقوله: محفوظا قال ابن عباس: من الشياطين بالنجوم، دليله قوله: وحفظناها من كل شيطان رجيم .

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر الزجاج وجها آخر، قال: حفظه من الوقوع على الأرض إلا بإذنه، دليله قوله: ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه .

                                                                                                                                                                                                                                      وهم يعني المشركين، عن آياتها شمسها وقمرها ونجومها، معرضون لا يتدبرونها ولا يتفكرون فيها، فيعلموا أن خالقها لا شريك له.

                                                                                                                                                                                                                                      وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل يعني الطوالع، في فلك الفلك في كلام العرض: كل شيء مستدير، وجمعه أفلاك، ومنه فلكة المغزل، وتفلك ثدي الجارية، قال السدي: في مجرى واستدارة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الكلبي: الفلك استدارة السماء، وكل شيء استدار فهو فلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا قول أكثر المفسرين، قالوا: الفلك مدار النجوم الذي يضمها.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحسن: الفلك طاحونة كهيئة فلك المغزل، يريد أن الذي تجري فيه النجوم مستدير كاستدارة الطاحونة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يسبحون أي: يجرون بسرعة كالسابح في الماء، وقد قال في موضع آخر: والسابحات سبحا يعني النجوم، والسبح لا يختص بالجري في الماء، فقد يقال للفرس الذي يمد يديه في الجري: سابح.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية