الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير  وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد  ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير  وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير  وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير  ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام  إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور  أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص  

قوله : ولو بسط الله الرزق ، يعني ولو وسع الله الرزق ، لعباده ، في ساعة واحدة ، لبغوا يعني لعصوا ، في الأرض ، فيها تقديم ، ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير بهم.

وهو الذي ينزل الغيث ، يعني المطر الذي حبس عنهم بمكة سبع سنين ، من بعد ما قنطوا ، يعني من بعد الإياسة ، وينشر رحمته ، يعني نعمته ببسط المطر ، وهو الولي ، ولي المؤمنين ، الحميد عند خلقه في نزول الغيث عليهم.

ومن آياته ، أن تعرفوا توحيد الرب وصنعه ، وإن لم تروه ، خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة ، يعني الملائكة في السماوات والخلائق في الأرض ، [ ص: 179 ] وهو على جمعهم في الآخرة ، إذا يشاء قدير . قوله : وما أصابكم من مصيبة ، يعني المؤمنين من بلاء الدنيا وعقوبة من اختلاج عرق ، أو خدش عود ، أو نكبة حجر ، أو عثرة قدم ، فصاعدا إلا بذنب ، فذلك قوله : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم من المعاصي ، ويعفو عن كثير ، يعني ويتجاوز عن كثير من الذنوب ، فلا يعاقب بها في الدنيا.

حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : قال أبو صالح : بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ما عفا الله عنه فهو أكثر" ، وقال : بلغني أنه قال ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم : "ما عفا الله عنه ، فلم يعاقب به في الآخرة" ، ثم تلا هذه الآية : من يعمل سوءا يجز به ، قال : هاتان الآيتان في الدنيا للمؤمنين.

قوله تعالى : وما أنتم بمعجزين ، يعني بسابقي الله هربا ، في الأرض بأعمالكم الخبيثة حتى يجزيكم بها ، وما لكم من دون الله من ولي ، يعني قريب ينفعكم ، ولا نصير ، يقول : ولا مانع يمنعكم من الله جل وعز.

ومن آياته ، أن تعرفوا توحيده بصنعه ، وإن لم تروه ، الجوار في البحر كالأعلام ، يعني السفن تجري في البحر بالرياح كالأعلام ، شبه السفن في البحر كالجبال في البر.

وقال : إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره قائمات على ظهر الماء ، فلا تجري ، إن في ذلك الذي ترون ، يعني السفن إذا جرين وإذا ركدن ، لآيات ، يعني لعبرة ، لكل صبار ، يقول : كل صبور على أمر الله ، شكور لله تعالى في هذه النعمة.

ثم قال : أو يوبقهن ، يقول : وإن يشأ يهلكهن ، يعني السفن ، بما كسبوا ، يعني بما عملوا من الشرك ، ويعف ، يعني يتجاوز ، عن كثير ، من الذنوب ، فينجيهم من الغرق والهلكة.

قال : ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص ، قال : ويعني من فرار.

التالي السابق


الخدمات العلمية