فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور
[ ص: 180 ] فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا ، تتمتعون بها قليلا ، وما عند الله خير مما أوتيتم في الدنيا ، وأبقى وأدام للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ، يعني وبربهم يثقون.
ثم نعتهم ، فقال : والذين يجتنبون كبائر الإثم ، يقول : كل ذنب يختم بنار ، والفواحش ، ما يقام فيه الحد في الدنيا ، وإذا ما غضبوا هم يغفرون ، يعني يتجاوزون عن ظلمهم ، فيكظمون الغيظ ويعفون ، نزلت في عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن فرط بن رازح بن عدي بن لؤي حين شتم بمكة ، فذلك قوله : قل للذين آمنوا يغفروا ، يعني يتجاوزوا عن الذين لا يرجون أيام الله .
وقال : والذين استجابوا لربهم ، في الإيمان ، وأقاموا الصلاة ، يقول : وأتموا الصلوات الخمس ، نزلت في الأنصار ، داوموا عليها ، وأمرهم شورى بينهم ، قال : كانت قبل الإسلام ، وقبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، إذا كان بينهم أمر ، أو أرادوا أمرا ، اجتمعوا فتشاوروا بينهم ، فأخذوا به ، فأثنى الله عليهم خيرا ، ثم قال : ومما رزقناهم من الأموال ، ينفقون في طاعة الله.
قال : والذين إذا أصابهم البغي ، يعني الظلم ، هم ينتصرون ، يعني المجروح ينتصر من الظالم ، فيقتص منه.
وجزاء سيئة سيئة مثلها ، أن يقتص منه المجروح كما أساء إليه ، ولا يزيد شيئا ، فمن عفا ، يعني فمن ترك الجارح ولم يقتص ، وأصلح العمل كان العفو من الأعمال الصالحة ، فأجره على الله ، قال : جزاؤه على الله ، إنه لا يحب الظالمين ، يعني من بدأ بالظلم والجراءة.
[ ص: 181 ] ثم قال : ولمن انتصر بعد ظلمه ، يقول : إذا انتصر المجروح ، فاقتص من الجارح ، فأولئك ما عليهم ، يعني على الجارح ، من سبيل ، يعني العدوان ، حين انتصر من الجارح.
إنما السبيل ، يعني العدوان ، على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق ، يقول : يعملون فيها بالمعاصي ، أولئك لهم عذاب أليم ، يعني وجيع.
ثم بين أن الصبر والتجاوز أحب إلى الله ، وأنفع لهم من غيره ، ثم رجع إلى المجروح ، فقال : ولمن صبر ولم يقتص ، وغفر وتجاوز ، فـ إن ذلك الصبر والتجاوز ، لمن عزم الأمور ، يقول : من حق الأمور التي أمر الله عز وجل بها.