الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال  ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال  له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال  

هو الذي يريكم البرق خوفا ، للمسافر من الصواعق، وطمعا للمزارع المقيم في رحمته، يعني المطر، وينشئ ، يعني ويخلق، مثل قوله: وله الجوار المنشآت ، يعني المخلوقات، السحاب الثقال من الماء.

ويسبح الرعد بحمده ، يقول: ويذكر الرعد بأمره يحمده، والرعد ملك من الملائكة اسمه الرعد، وهو موكل بالسحاب، صوته تسبيحه، يزجر السحاب ويؤلف [ ص: 171 ] بعضه إلى بعض، ويسوقه بتسبيحه إلى الأرض التي أمر الله تعالى أن تمطر فيها، ثم قال: "و" تسبح والملائكة بزجرته من خيفته ، يعني من مخافة الله تعالى، فميز بين الملائكة وبين الرعد، وهما سواء كما ميز بين جبريل وميكائيل في البقرة، وكما ميز بين الفاكهة، وبين النخل والرمان وهما سواء.

ثم قال: ويرسل الصواعق ، هذا أنزل في أمر عامر ، والأربد بن قيس ، حين أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن عامر بن الطفيل العامري دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أسلم على أن لك المدر ولي الوبر؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما أنت امرؤ من المسلمين، لك ما لهم، وعليك ما عليهم"، قال: فلك الوبر ولي المدر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، قال: فلي الأمران من بعدك، قال له النبي صلى الله عليه وسلم مثل قوله الأول: "لك ما لهم، وعليك ما عليهم"، فغضب عامر ، فقال: لأملانها عليك خيلا، ورجالا، ألف أشقر، عليها ألف أمرد.

ثم خرج مغضبا، فلقي ابن عمه أربد بن قيس العامري ، فقال عامر لأربد: ادخل بنا على محمد، فألهه في الكلام، وأنا أقتله، وإن شئت ألهيته بالكلام وقتلته أنت، قال أربد: ألهه أنت وأنا أقتله، فدخلا على النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحدثه وهو ينظر إلى أربد متى يحمل عليه فيقتله، ثم طال مجلسه، فقام عامر ، وأربد فخرجا، فقال عامر لأربد: ما منعك من قتله؟ قال: كلما أردت قتله وجدتك تحول بيني وبينه، وأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بما أرادا، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهما، فقال: "اللهم اكفني عامرا ، وأربد ، واهد بني عامر "
، فأما أربد ، فأصابته صاعقة فمات، فذلك قوله تعالى: ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ، يعني أربد بن قيس ، وهم يجادلون في الله ، يعني يخاصمون في الله.

وذلك أن عامرا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني عن ربك، أهو من ذهب، أو من فضة، أو من نحاس، أو من حديد، أو ما هو؟ فهذا القول خصومته، فأنزل الله تعالى: قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، يقول: ليس هو من نحاس ولا من غيره، وسلط الله عليه الطاعون في بيت امرأة من بني سلول، فجعل يقول: عامر قتيل بغير سلاح، غدة كغدة البعير، وموت في بيت سلولية، ابرز يا ملك الموت حتى أقاتلك: فذلك قوله: وهو شديد المحال ، يعني الرب [ ص: 172 ] تعالى نفسه، يعني شديد الأخذ إذا أخذ، نزلت في عامر بن الطفيل ، وأربد بن قيس.

له دعوة الحق ، يعني كلمة الإخلاص، والذين يدعون من دونه ، يعني والذين يعبدون من دون الله من الآلهة، وهي الأصنام، لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ، يقول: لا تجيب الآلهة من يعبدها ولا تنفعهم، كما لا ينفع العطشان الماء يبسط يده إلى الماء وهو على شفير بئر، يدعوه أن يرتفع إلى فيه، ليبلغ فاه وما هو ببالغه ، حتى يموت من العطش، فكذلك لا تجيب الأصنام، ثم قال: فادعوا، يعني فادعوا الأصنام، وما دعاء الكافرين ، يعني وما عبادة الكافرين، إلا في ضلال ، يعني خسران وباطل.

التالي السابق


الخدمات العلمية