أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد
ثم ضرب الله تعالى مثل الكفر والإيمان، ومثل الحق والباطل، فقال: أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها ، وهذا مثل القرآن الذي علمه المؤمنون، وتركه الكفار، فسال الوادي الكبير على قدر كبره، منهم من حمل منهم كبيرا، والوادي الصغير على قدره، فاحتمل السيل ، يعني سيل الماء، زبدا رابيا ، يعني عاليا، ومما يوقدون عليه في النار أيضا، ابتغاء حلية ، يعني الذهب، والفضة.
ثم قال: أو متاع ، يعني المشبه، والصفر، والحديد، والرصاص، له أيضا زبد مثله ، فالسيل زبد لا ينتفع به، والحلي والمتاع له أيضا زبد، إذا أدخل النار أخرج خبثه، ولا ينتفع به، والذهب والفضة والمتاع ينتفع به، ومثل الماء مثل القرآن، وهو الحق، ومثل الأودية مثل القلوب، ومثل السيل مثل الأهواء، فمثل الماء والحلي والمتاع الذي ينتفع به مثل الحق الذي في القرآن، ومثل زبد الماء، وحيث المتاع الذي لا ينتفع به مثل الباطل، فكما ينتفع بالماء، وما خلص من الحلي، والمتاع الذي ينتفع به أهله في الدنيا، فكذلك الحق ينتفع به أهله في الآخرة، وكما لا ينتفع بالزبد وخبيث الحلي والمتاع أهله في الدنيا، فكذلك الباطل لا ينتفع أهله في الآخرة، كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء ، يعني يابسا لا ينتفع به الناس كما ينتفع بالسيل، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ، فيستقون ويزرعون عليه وينتفعون به، يقول: كذلك يضرب الله الأمثال ، يعني الأشباه، فهذه الثلاثة الأمثال ضربها الله في مثل واحد.
للذين استجابوا لربهم الحسنى ، لهم في الآخرة، وهي الجنة، والذين لم يستجيبوا له بالإيمان وهم الكفار، لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ، فقدروا على أن يفتدوا به أنفسهم من العذاب، لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ، يعني شدة الحساب حين لا يتجاوز عن شيء من ذنوبهم، ومأواهم [ ص: 174 ] يعني مصيرهم جهنم وبئس المهاد ، يعني بئس ما مهدوا لأنفسهم.