الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون  إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون  قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين  ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين  

إنه ليس له سلطان ، يعني ملك، على الذين آمنوا في علم الله في الشرك، فيضلهم عن الهدى، وعلى ربهم يتوكلون ، يقول: بالله يتقون.

إنما سلطانه ، يعني ملكه، على الذين يتولونه ، يعني يتبعونه على أمره، فيضلهم عن دينهم الإسلام، والذين هم به ، يعني بالله، مشركون ، كقوله سبحانه: وما كان لي عليكم من سلطان من ملك، يعني إبليس على أمره.

قوله عز وجل: وإذا بدلنا آية مكان آية ، يعني وإذا حولنا آية فيها شدة فنسخناها وجئنا مكانها بغيرها ألين منها، والله أعلم بما ينزل من التبديل من غيره، قالوا ، قال كفار مكة للنبي صلى الله عليه وسلم: إنما أنت مفتر ، يعني متقول على الله الكذب من تلقاء نفسك، قلت كذا وكذا، ثم نقضته وجئت بغيره، [ ص: 238 ] بل أكثرهم لا يعلمون أن الله أنزله، فإنك لا تقول إلا ما قد قيل لك.

قل يا محمد لكفار مكة: هذا القرآن، نزله علي روح القدس ، يعني جبريل، عليه السلام، من ربك بالحق ، لم ينزله باطلا، ليثبت ، يعني ليستيقن، الذين آمنوا ، يعني صدقوا بما في القرآن من الثواب، وهدى من الضلالة، وبشرى لما فيه من الرحمة، للمسلمين ، يعني المخلصين بالتوحيد، وأنزل الله عز وجل: يمحو الله ما يشاء من القرآن ويثبت ، فينسخه ويثبت الناسخ، وعنده أم الكتاب . ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر ، وذلك أن غلاما لعامر بن الحضرمي القرشي يهوديا أعجميا، كان يتكلم بالرومية يسمى يسارا، ويكنى أبا فكيهة ، كان كفار مكة إذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يحدثه، قالوا: إنما يعلمه يسار أبو فكيهة ، فأنزل الله تعالى: ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر ، ثم أخبر عن كذبهم، فقال سبحانه: لسان الذي يلحدون إليه ، يعني يميلون، كقوله سبحانه: ومن يرد فيه بإلحاد ، يعني يميل، أعجمي ، رومي، يعني أبا فكيهة ، وهذا القرآن لسان عربي مبين ، يعني بين يعقلونه، نظيرها في حم السجدة قوله سبحانه: ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ، لقالوا: محمد صلى الله عليه وسلم عربي، والقرآن أعجمي، فذلك قوله سبحانه: قرآنا أعجميا إلى آخر الآية.

فضربه سيده، فقال: إنك تعلم محمدا صلى الله عليه وسلم، فقال أبو فكيهة: بل هو يعلمني، فأنزل الله عز وجل في قولهم: وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين لقولهم: إنما يعلم محمدا صلى الله عليه وسلم يسار أبو فكيهة.


التالي السابق


الخدمات العلمية