الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين  إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون  لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون  لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون  إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون  لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون  لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون  

فذلك قوله عز وجل: واقترب الوعد الحق يعني وعد البعث أنه حق كائن فإذا هي شاخصة يعني فاتحة أبصار الذين كفروا بالبعث لا يطرفون مما يرون من العجائب التي كانوا يكفرون بها في الدنيا، قالوا: يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا اليوم، ثم ذكر قول الرسل لهم في الدنيا أن البعث كائن، فقالوا: بل كنا ظالمين أخبرنا بهذا اليوم فكذبنا به.

إنكم يعني كفار مكة وما تعبدون من دون الله حصب جهنم يعني رميا في جهنم ترمون فيها أنتم لها واردون يعني داخلون.

لو كان هؤلاء الأوثان آلهة ما وردوها يعني ما دخلوها، يعني [ ص: 370 ] جهنم، لامتنعت من دخولها وكل يعني الأوثان ومن يعبدها فيها يعني في جهنم خالدون نزلت في بني سهم، منهم: العاص بن وائل ، والحارث ، وعدي ابنا قيس ، وعبد الله بن الزبعرى بن قيس ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد الحرام، ونفر من بني سهم جلوس في الحطيم، وحول الكعبة ثلاث مائة وستون صنما، فأشار بيده إليهم، فقال: إنكم وما تعبدون من دون الله يعني الأصنام حصب جهنم أنتم لها واردون إلى آيتين، ثم خرج فدخل ابن الزبعرى ، وهم يخوضون فيما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لهم ولآلهتهم، فقال: ما هذا الذي تخوضون ؟ فذكروا له قول النبي صلى الله عليه وسلم، فقال ابن الزبعرى: والله، لئن قالها بين يدي لأخصمنه. فدخل النبي صلى الله عليه وسلم من ساعته، فقال ابن الزبعرى: أهي لنا ولآلهتنا خاصة ؟ أم لنا ولآلهتنا ولجميع الأمم ولآلهتهم ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم ولآلهتهم ". قال: خصمتك ورب الكعبة، ألست تزعم أن عيسى نبي، وتثني عليه، وعلى أمه خيرا، قد علمت أن النصارى يعبدونهما، وعزير يعبد، والملائكة تعبد، فإن كان هؤلاء معنا قد رضينا أنهم معنا، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم .

ثم قال سبحانه: لهم فيها زفير يعني آخر نهيق الحمار وهم فيها لا يسمعون الصوت، وذلك حين يقال لأهل النار: اخسؤوا فيها ولا تكلمون، فصاروا بكما وعميا وصما.

ثم استثنى ممن كان يعبد أنهم لا يدخلون جهنم، فقال سبحانه: إن الذين سبقت لهم منا الحسنى الجنة أولئك عنها يعني جهنم مبعدون يعني عيسى ، وعزيرا ، ومريم ، والملائكة، عليهم السلام لا يسمعون حسيسها يقول: لا يسمع أهل الجنة صوت جهنم  حين يقال لهم: اخسؤوا فيها، ولا تكلموا، فتغلق عليهم أبوابها، فلا تفتح عنهم أبدا، ولا يسمع أحد صوتها.

وهم يعني هؤلاء في ما اشتهت أنفسهم خالدون يعني لا يموتون، فلما سمع بنو سهم بما استثنى الله، عز وجل، ممن يعبد من الآلهة، عزير ، وعيسى، ومريم ، والملائكة، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: هلا استثنيت هؤلاء حين سألناك، فلما خلوت تفكرت.

قوله سبحانه: لا يحزنهم الفزع الأكبر .

[ ص: 371 ] حدثنا أبو محمد ، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، عن نعمان ، عن سليم ، عن ابن عباس ، أنه قال على منبر البصرة: ما تقولون في تفسير هذه الآية: [لا يحزنهم الفزع الأكبر] ؟ ثلاث مرات فلم يجبه أحد.

فقال: تفسير هذه الآية: أن الله، عز وجل، إذا أدخل أهل الجنة، ورأوا ما فيها من النعيم ذكروا الموت، فيخافون أن يكون آخر ذلك الموت فيحزنهم ذلك، وأهل النار إذا دخلوا النار ورأوا ما فيها من العذاب يرجون أن يكون آخر ذلك الموت، فأراد الله، عز وجل، أن يقطع حزن أهل الجنة، ويقطع رجاء أهل النار، فيبعث الله، عز وجل، ملكا وهو جبريل، عليه السلام، ومعه الموت في صورة كبش أملح، فيشرف به على أهل الجنة؛ فينادي: يا أهل الجنة، فيسمع أعلاها درجة وأسفلها درجة، والجنة درجات، فيجيبه أهل الجنة، فيقول: هل تعرفون هذا ؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، قال: ثم ينصرف به إلى النار، فيشرف به عليهم فينادي أهل النار، فيسمع أعلاها دركا، وأسفلها دركا، والنار دركات، فيجيبونه، فيقول: هل تعرفون هذا ؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، قال: ثم يرده إلى مكان مرتفع بين الجنة والنار حيث ينظر إليه أهل الجنة، وأهل النار، فيقول الملك: إنا ذابحوه، فيقول أهل الجنة بأجمعهم: نعم، لكي يأمنوا الموت، ويقول أهل النار بأجمعهم: لا، لكي يذوقوا الموت، قال: فيعمد الملك إلى الكبش الأملح، وهو الموت فيذبحه،  وأهل الجنة وأهل النار ينظرون إليه، فينادي الملك: يا أهل الجنة، خلود لا موت فيه، فيأمنون الموت. فذلك قوله تعالى: لا يحزنهم الفزع الأكبر ثم ينادي الملك: يا أهل النار، خلود لا موت فيه.

قال ابن عباس: فلولا ما قضى الله، عز وجل، على أهل الجنة من الخلود في الجنة، لماتوا من فرحتهم تلك، ولولا ما قضى الله، عز وجل، على أهل النار من تعمير الأرواح في الأبدان لماتوا حزنا. فذلك قوله، عز وجل: وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر يعني إذ وجب لهم العذاب، يعني ذبح الموت،  فاستيقنوا الخلود في النار والحسرة والندامة، فذلك قول الله، عز وجل، للمؤمنين: لا يحزنهم الفزع الأكبر يعني الموت بعد ما دخلوا الجنة.

وتتلقاهم الملائكة يعني الحفظة الذين كتبوا أعمال بني آدم، حين خرجوا من قبورهم، قالوا للمؤمنين: هذا يومكم الذي كنتم توعدون فيه الجنة.

[ ص: 372 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية