الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب  وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد  قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد  قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد  قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب  فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود  مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد

                                                                                                                                                                                                                                      ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم قال الحسن : ساءه دخولهم ؛ لما تخوف عليهم من قومه وضاق بهم ذرعا قال الكلبي : لم يدر أين ينزلهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قال : وكان قوم لوط لا يؤون ضيفا بليل ، وكانوا يعترضون من مر بالطريق نهارا للفاحشة ، فلما جاءت الملائكة لوطا حين أمسوا ، كرههم ولم يستطع دفعهم ، فقال : هذا يوم عصيب شديد .

                                                                                                                                                                                                                                      وجاءه قومه يهرعون إليه أي : يسرعون .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : يقال : أهرع الرجل ؛ أي : أسرع ؛ على لفظ ما لم يسم فاعله . ومن قبل كانوا يعملون السيئات يعني : يأتون الرجال في أدبارهم ؛ وكان لا يفعل ذلك بعضهم ببعض ، إنما كانوا يفعلونه بالغرباء قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم أحل لكم من الرجال ، قال قتادة : أمرهم أن يتزوجوا النساء .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : وذكر أبو عبيد عن مجاهد أنه قال : كل نبي أبو أمته ، وإنما عنى ببناته : نساء أمته .

                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو عبيد : وهذا شبيه بما يروى عن قراءة أبي بن كعب : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 302 ] فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي الضيف : يقال للواحد وللاثنين ، ولأكثر من ذلك أليس منكم رجل رشيد .

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق من حاجة وإنك لتعلم ما نريد أي : إنا نريد أضيافك دون بناتك قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد قال قتادة : يعني : إلى عشيرة قوية فدافعوه الباب ، وقالت الملائكة : يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل أي : سر بهم في ظلمة من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم فقال : لا ؛ بل أهلكوهم الساعة! فقالوا : إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب فطمس جبريل عليه السلام أعينهم بأحد جناحيه ، فبقوا ليلتهم لا يبصرون فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها قال : فلما كان في السحر ، خرج لوط وأهله ، ورفع جبريل عليه السلام أرضهم بجناحه الآخر ،  حتى بلغ بها السماء الدنيا ؛ حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم وأصوات دجاجهم ، فقلبها عليهم ، وكان قد عهد إلى لوط ألا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك ؛ فلما سمعت العجوز -عجوز السوء- الهدة التفتت ، فأصابها ما أصاب قومها ، ثم اتبعت الحجارة من كان خارجا من مدائنهم ، قال قتادة : كانت ثلاثا .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحسن : فلم يبعث الله -سبحانه- بعد لوط نبيا إلا في عز من قومه ، وكانت امرأة لوط منافقة ، تظهر الإسلام ، وقلبها على الكفر   .

                                                                                                                                                                                                                                      وأمطرنا عليها حجارة من سجيل قال قتادة : من طين منضود أي : [ ص: 303 ] بعضه على بعض مسومة عند ربك قال الحسن : عليها سيما ؛ أنها ليست من حجارة الدنيا ، وأنها من حجارة العذاب .

                                                                                                                                                                                                                                      قال : وتلك السيما على الحجر منها مثل الخاتم وما هي من الظالمين ببعيد يقول : وما هي من ظالمي أمتك يا محمد ببعيد أن يحصبهم بها .

                                                                                                                                                                                                                                      يحيى : عن همام بن يحيى ، عن القاسم بن عبد الواحد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أكثر ما أتخوف على أمتي عمل قوم لوط " .  

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 304 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية