[ ص: 5 ] تفسير سورة سبحان ، وهي مكية كلها
(بسم الله الرحمن الرحيم)
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير
قوله : سبحان الذي أسرى بعبده يعني : محمدا عليه السلام ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى يعني : بيت المقدس . لنريه من آياتنا يعني : ما أراه الله ليلة أسري به .
قال : معنى (أسري به) أي : سيره ؛ محمد سرى وأسرى . ولا يكون السرى إلا ليلا ، وفيه لغتان :
يحيى : [عن حماد ] عن ، أبي هارون العبدي عن ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بينما أنا عند البيت ؛ إذ أتيت فشق النحر فاستخرج القلب ، فغسل بماء زمزم ، ثم أعيد مكانه ، ثم أتيت بدابة أبيض ، يقال له : البراق ؛ فوق الحمار ودون البغل مضطرب الأذنين ، يقع خطوه عند منتهى طرفه ، فحملت عليه ، فسار بي نحو أبي سعيد الخدري بيت المقدس فإذا مناد ينادي عن يمين [ ص: 6 ] الطريق : يا محمد ، على رسلك اسلك ، يا محمد ، على رسلك اسلك ، فمضيت ولم أعرج عليه ، ثم إذا أنا بمناد ينادي عن يسار الطريق : يا محمد ، على رسلك اسلك ، يا محمد ، على رسلك اسلك ، يا محمد ، على رسلك اسلك ، يا محمد ، على رسلك اسلك ، فمضيت ولم أعرج عليه ، ثم إذا أنا بامرأة على قارعة الطريق -أحسبه قال : حسناء- (حملا) عليها من كل الحلي والزينة ، ناشرة شعرها رافعة يديها تقول : يا محمد ، على رسلك اسلك ، يا محمد ، على رسلك اسلك ، يا محمد ، على رسلك اسلك ، فمضيت ولم أعرج عليها ، حتى انتهيت إلى بيت المقدس ، فأوثقت الدابة بالحلقة التي توثق بها الأنبياء ، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ، ثم خرجت فأتاني جبريل بإناءين : إناء من لبن ، وإناء من خمر ، فتناولت اللبن ، فقال : أصبت الفطرة ، ثم قال لي جبريل : يا محمد ، ما رأيت في رحلتك هذه ؟ قال : سمعت مناديا ينادي عن يمين الطريق : يا محمد ، على رسلك اسلك يا محمد ، على رسلك اسلك ، يا محمد ، على رسلك اسلك قال : فما صنعت ، قلت : مضيت ولم أعرج عليه . قال : ذاك داعية اليهود ؛ أما إنك لو عرجت عليه ، لتهودت أمتك . قلت : ثم إذا أنا بمناد ينادي عن يسار الطريق : يا محمد ، على رسلك اسلك ، يا محمد ، على رسلك اسلك ، يا محمد ، على رسلك اسلك . قال : فما صنعت ؟ قال : مضيت ولم أعرج عليه . قال : ذاك داعية النصارى ؛ أما إنك لو عرجت عليه لتنصرت أمتك . قلت : ثم إذا أنا بامرأة -أحسبه قال : حسناء- (حملا) عليها من كل الحلي [ ص: 7 ] والزينة ، ناشرة شعرها رافعة يديها تقول : يا محمد ، على رسلك اسلك ، يا محمد ، على رسلك اسلك ، يا محمد ، على رسلك اسلك . قال : فما صنعت ؟ قلت : مضيت ولم أعرج عليها . قال : تلك الدنيا ؛ أما إنك لو عرجت عليها لملت إلى الدنيا . ثم فقعدنا فيه ، فعرج بنا حتى انتهينا إلى سماء الدنيا ، وعليها ملك يقال له أتينا بالمعراج ؛ فإذا أحسن ما خلق الله ، : إسماعيل جنده سبعون ألف ملك ، جند كل ملك سبعون ألف ملك ، ثم تلا هذه الآية وما يعلم جنود ربك إلا هو . فاستفتح جبريل ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : أو قد بعث إليه ؟ قال : نعم . قالوا : مرحبا به ، ولنعم المجيء جاء . ففتح لنا فأتيت على آدم ، فقلت : يا جبريل ، من هذا ؟ قال : هذا أبوك آدم فرحب بي ، ودعا لي بخير . قال : وإذا الأرواح تعرض عليه ؛ فإذا مر به روح مؤمن ، قال : روح طيب وريح طيبة ، [وإذا] مر به روح كافر قال : روح خبيث وريح خبيثة قال : ثم مضيت فإذا أنا بأخاوين عليها لحوم منتنة ، وأخاوين عليها لحوم طيبة ، وإذا رجال ينهشون اللحوم المنتنة ، ويدعون اللحوم الطيبة ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء قال : ثم مضيت فإذا برجال تفك ألحيتهم ، وآخرون يجيئون بالصخور من النار ، فيقذفونها في أفواههم ، فتخرج من أدبارهم . قال : قلت : من هؤلاء [ ص: 8 ] يا الزناة ؛ يدعون الحلال ويتبعون الحرام . جبريل ؟ قال : هؤلاء ظلما ، ثم تلا هذه الآية : الذين يأكلون أموال اليتامى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ، ثم مضيت فإذا أنا بقوم يقطع من لحومهم بدمائهم فيضفزونها ولهم جؤار ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الهمازون اللمازون ، ثم تلا هذه الآية : أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه وإذا أنا بنسوة معلقات بثديهن -وأحسبه قال : وإذا حيات وعقارب تنهشهن- فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الظؤرة يقتلن أولادهن . قال : ثم أتيت على سابلة آل فرعون حيث ينطلق جمع إلى النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ؛ فإذا رأوها قالوا : ربنا لا تقومن الساعة ؛ لما يرون من عذاب الله ، وإذا أنا برجال بطونهم كالبيوت يقومون فيقعون لظهورهم وبطونهم ، يأتي عليهم آل فرعون فيثردونهم بأرجلهم ثردا ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء ، ثم تلا هذه الآية : أكلة الربا الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ، ثم عرج بنا حتى انتهينا إلى السماء الثانية ، فاستفتح جبريل . فقيل : من هذا ؟ فقال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : أو قد بعث إليه ؟ قال : نعم . قال : مرحبا به ، وإنه لنعم المجيء جاء . ففتح لنا ؛ فإذا أنا بابني الخالة : يحيى وعيسى ، [ ص: 9 ] فرحبا بي ودعوا لي بخير ، ثم عرج بنا حتى انتهينا إلى السماء الثالثة ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : أو قد بعث إليه ؟ قال : نعم . قالوا : مرحبا به ، ولنعم المجيء جاء ، ففتح لنا ؛ فإذا أنا بيوسف ، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن . قال : فرحب بي ودعا لي بخير ، ثم عرج بنا حتى انتهينا إلى السماء الرابعة ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : أو قد بعث [إليه] قال : نعم . قالوا : مرحبا به ، ولنعم المجيء جاء . ففتح لنا ؛ فإذا أنا بإدريس ، فرحب بي ودعا لي بخير ، ثم عرج بنا حتى انتهينا إلى السماء الخامسة ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : أو قد بعث إليه ؟ قال : نعم . قالوا : مرحبا به ، ولنعم المجيء جاء . ففتح لنا ، فإذا أنا بهارون وإذا بلحيته شطران : شطر أبيض وشطر أسود ، فقلت : من هذا يا جبريل ؟ قال : هذا المحبب في قومه ، وأكثر من رأيت تبعا . قال : فرحب بي ودعا لي بخير . قال : ثم عرج بنا حتى انتهينا إلى السماء السادسة ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من هذا ؟ قال جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : أو قد بعث إليه ؟ قال : نعم ؟ قالوا : مرحبا به ، ولنعم المجيء جاء ، ففتح لنا ؛ فإذا أنا بموسى ، وإذا هو رجل أشعر . فقلت : من هذا يا جبريل ؟ قال : هذا أخوك موسى . قال : فرحب بي ودعا لي بخير ، قال : فمضيت ، فسمعت موسى يقول : يزعم بنو إسرائيل أني أكرم الخلق على الله ، وهذا أكرم على الله مني . ثم عرج بنا حتى انتهينا إلى السماء السابعة ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ [ ص: 10 ] قال : محمد ؟ قيل : أو قد بعث إليه ؟ قال : نعم . قالوا : مرحبا به ، ولنعم المجيء جاء ، ففتح لنا فأتيت على إبراهيم وإذا هو مستند إلى -ويدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى أن تقوم الساعة- قلت : من هذا يا البيت المعمور جبريل ؟ قال : هذا أبوك إبراهيم . فسلمت عليه ؛ فرحب بي ودعا لي بخير . وإذا أمتي عنده شطران : شطر عليهم ثياب بيض ، وشطر عليهم ثياب رمد ؛ فدخل أصحاب الثياب البيض ، واحتبس الآخرون . فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ ! فقال : هؤلاء الذين خلطوا عملا صالحا وعملا سيئا ، وكل على خير ، ثم قيل : هذه منزلتك ومنزلة أمتك ، ثم تلا هذه الآية : إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين قال : ثم انتهينا إلى ؛ فإذا هي أحسن ما خلق الله ، وإذا الورقة من ورقها لو غطيت بها هذه الأمة لغطتهم ، ثم انفجر من تحتها السلسبيل ، ثم انفجر من السلسبيل نهران : نهر الرحمة ، السدرة المنتهى ، فاغتسلت من نهر الرحمة فغفر الله لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر ، ثم أعطيت الكوثر فسلكته حتى إنه ليجري في الجنة ؛ فإذا طيرها كالبخت ؟ قال : ونظرت إلى جارية ، فقلت : لمن أنت يا جارية ؟ فقالت : ونهر الكوثر لزيد بن حارثة . قال : ثم نظرت إلى النار ، (فإذا) عذاب ربي لشديد لا تقوم له الحجارة ولا الحديد ، قال : ثم رجعت إلى السدرة المنتهى ، فغشيها من أمر الله ما غشى ، ووقع على كل ورقة ملك ، وأيدها الله بأيده ، وفرض علي في كل يوم وليلة خمسين صلاة ، فرجعت إلى موسى ، فقال : ماذا فرض عليك ربك ؟ فقلت : فرض علي في كل يوم وليلة خمسين صلاة . فقال : ارجع إلى ربك فسله التخفيف ؛ [ ص: 11 ] فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم ، فرجعت إلى ربي فقلت : أي ربي حط عن أمتي ؛ فإن أمتي لا تطيق ذلك ، فحط عني خمسا . قال : فرجعت إلى موسى فقال لي : ما فرض عليك ربك ؟ قلت : حط عني خمسا ، فقال : ارجع إلى ربك فسله التخفيف ؛ فإن أمتك لا تطيق ذلك ، قال : فرجعت إلى ربي فحط عني خمسا قال : فلم أزل أختلف ما بين ربي وموسى حتى قال : يا محمد ، لا تبديل ؛ إنه لا يبدل القول لدي ، هي ؛ لكل صلاة عشر ، فتلك خمسون صلاة ، قال : فرجعت إلى خمس صلوات في كل يوم وليلة موسى فأخبرته ، فقال : ارجع إلى ربك فسله التخفيف . قلت : قد راجعته حتى استحييت " .
[ ص: 12 ]