الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا  فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا  قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا  قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا  قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا  فحملته فانتبذت به مكانا قصيا فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا  فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا  

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 91 ] واذكر في الكتاب يقول للنبي : اقرأ عليهم أمر مريم إذ انتبذت يعني : إذ انفردت من أهلها مكانا شرقيا إلى قوله : تقيا كان زكريا كفل مريم ،  وكانت أختها تحته ، وكانت تكون في المحراب ، فلما أدركت ، كانت إذا حاضت أخرجها إلى منزله إلى أختها ، وإذا طهرت رجعت إلى المحراب ، فطهرت مرة ، فلما فرغت من غسلها قعدت في مشرفة في ناحية الدار ، وعلقت عليها [ثوبا] سترة ؛ فجاء جبريل إليها في ذلك الموضع في صورة آدمي ، فلما رأته قالت : إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال الحسن : تقول : إن كنت تقيا لله فاجتنبني (قال إنما أنا رسول ربك ليهب لك غلاما زكيا) أي : صالحا قالت أنى يكون من أين يكون لي غلام ولم يمسسني بشر أي : يجامعني زوج ولم أك بغيا أي : زانية قال كذلك قال ربك هو علي هين أن أخلقه ولنجعله آية للناس ورحمة منا أي : لمن قبل دينه وكان أمرا مقضيا يعني : كان عيسى أمرا من الله مكتوبا في اللوح المحفوظ أنه يكون . فأخذ جبريل جيبها بأصبعه فنفخ فيه ، فصار إلى بطنها ، فحملت . قال الحسن : حملته تسعة أشهر في بطنها [ ص: 92 ] فانتبذت به مكانا قصيا أي : انفردت به في مكان شاسع فأجاءها المخاض قال مجاهد : يعني : ألجأها .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : وأصل الكلمة من : المجيء ؛ يقال : جاءت بي الحاجة إليك ، وأجاءتني الحاجة إليك ، قال زهير :


                                                                                                                                                                                                                                      وجار سار معتمدا عليكم أجاءته المخافة والرجاء



                                                                                                                                                                                                                                      والمخاض : دنو الولادة ، يقال : مخضت المرأة ومخضت . قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا قال قتادة : تعني شيئا لا يعرف ، ولا يذكر ؛ قالت هذا مما خشيت من الفضيحة .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : النسي في كلام العرب أصله الشيء الحقير الذي إذا ألقي نسي غفلة عنه .

                                                                                                                                                                                                                                      فناداها من تحتها قال قتادة : كنا نحدث أنه جبريل .

                                                                                                                                                                                                                                      قال يحيى : وقال بعضهم : فناداها من تحتها يعني : عيسى .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : لم يبين لنا [يحيى] كيف القراءة في قوله : (من تحتها) وذكر [ ص: 93 ] أبو عبيد : أنها تقرأ (من تحتها) بكسر الميم والتاء التي بعد الحاء ، وتقرأ أيضا بفتحهما ؛ فمن قرأ بالكسر فتأويلها : أن جبريل ناداها ، ومن قرأها بالفتح فتأويلها : عيسى هو الذي ناداها .

                                                                                                                                                                                                                                      ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا السري : الجدول ، وهو النهر الصغير وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا أي : حين اجتني ، وكان الجذع يابسا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية