[ ص: 91 ] واذكر في الكتاب يقول للنبي : اقرأ عليهم أمر مريم إذ انتبذت يعني : إذ انفردت من أهلها مكانا شرقيا إلى قوله : تقيا كان زكريا كفل مريم ، وكانت أختها تحته ، وكانت تكون في المحراب ، فلما أدركت ، كانت إذا حاضت أخرجها إلى منزله إلى أختها ، وإذا طهرت رجعت إلى المحراب ، فطهرت مرة ، فلما فرغت من غسلها قعدت في مشرفة في ناحية الدار ، وعلقت عليها [ثوبا] سترة ؛ فجاء جبريل إليها في ذلك الموضع في صورة آدمي ، فلما رأته قالت : إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال الحسن : تقول : إن كنت تقيا لله فاجتنبني (قال إنما أنا رسول ربك ليهب لك غلاما زكيا) أي : صالحا قالت أنى يكون من أين يكون لي غلام ولم يمسسني بشر أي : يجامعني زوج ولم أك بغيا أي : زانية قال كذلك قال ربك هو علي هين أن أخلقه ولنجعله آية للناس ورحمة منا أي : لمن قبل دينه وكان أمرا مقضيا يعني : كان عيسى أمرا من الله مكتوبا في اللوح المحفوظ أنه يكون . فأخذ جبريل جيبها بأصبعه فنفخ فيه ، فصار إلى بطنها ، فحملت . قال الحسن : حملته تسعة أشهر في بطنها [ ص: 92 ] فانتبذت به مكانا قصيا أي : انفردت به في مكان شاسع فأجاءها المخاض قال : يعني : ألجأها . مجاهد
قال : وأصل الكلمة من : المجيء ؛ يقال : جاءت بي الحاجة إليك ، وأجاءتني الحاجة إليك ، قال محمد زهير :
وجار سار معتمدا عليكم أجاءته المخافة والرجاء
والمخاض : دنو الولادة ، يقال : مخضت المرأة ومخضت . قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا قال : تعني شيئا لا يعرف ، ولا يذكر ؛ قالت هذا مما خشيت من الفضيحة . قتادة
قال : النسي في كلام العرب أصله الشيء الحقير الذي إذا ألقي نسي غفلة عنه . محمد
فناداها من تحتها قال : كنا نحدث أنه قتادة جبريل .
قال يحيى : وقال بعضهم : فناداها من تحتها يعني : عيسى .
قال : لم يبين لنا محمد [يحيى] كيف القراءة في قوله : (من تحتها) وذكر [ ص: 93 ] أبو عبيد : أنها تقرأ (من تحتها) بكسر الميم والتاء التي بعد الحاء ، وتقرأ أيضا بفتحهما ؛ فمن قرأ بالكسر فتأويلها : أن جبريل ناداها ، ومن قرأها بالفتح فتأويلها : عيسى هو الذي ناداها .
ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا السري : الجدول ، وهو النهر الصغير وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا أي : حين اجتني ، وكان الجذع يابسا .