الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا  فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا  فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا  قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا  وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا  وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا  والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون  ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون  وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم  فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم  أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين

                                                                                                                                                                                                                                      فكلي واشربي وقري عينا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 94 ] قال محمد : يقال : قررت به عينا أقر بفتح القاف في المستقبل قرورا ، وقررت في المكان أقر بكسر القاف ، و(عينا) منصوب على التمييز . فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما أي : صمتا فلن أكلم اليوم إنسيا أذن لها في هذا الكلام ، وكانت آية جعلها الله لها يومئذ .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : يقال للممسك عن الطعام أو الكلام : صائم .

                                                                                                                                                                                                                                      لقد جئت شيئا فريا أي : عظيما .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : يقال : فلان يفري الفري إذا عمل عملا أو قال قولا فبالغ فيه ؛ كان في خير أو شر ، وأنشد بعضهم :


                                                                                                                                                                                                                                      ألا رب من يدعو صديقا ولو ترى مقالته بالغيب ساءك ما يفري



                                                                                                                                                                                                                                      قوله : يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء أي : ما كان زانيا . قال قتادة : ليس بهارون أخي موسى ، ولكنه هارون آخر كان يسمى هارون الصالح المحبب في عشيرته ، المعنى : يا شبيهة هارون في عبادته وفضله .

                                                                                                                                                                                                                                      فأشارت إليه بيدها قال قتادة : أمرتهم بكلامه قالوا كيف نكلم أي : [ ص: 95 ] كيف نكلم من كان أي : من هو في المهد صبيا والمهد : الحجر ، في تفسير قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      وجعلني مباركا أين ما كنت يقول : جعلني معلما مؤدبا ولم يجعلني جبارا أي : مستكبرا عن عبادة الله والسلام علي يوم ولدت الآية ، ولم يتكلم بعد ذلك بشيء حتى بلغ مبلغ الغلمان ذلك عيسى ابن مريم قول الحق قال الحسن : الحق : هو الله .  

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : من قرأ (قول) بالرفع ؛ فالمعنى : هو قول الحق . الذي فيه يمترون قال قتادة : امترت فيه اليهود والنصارى ؛ أما اليهود ؛ فزعموا أنه ساحر كذاب ، وأما النصارى فزعموا أنه ابن الله وثالث ثلاثة [وإله] ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه ينزه نفسه عما يقولون إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون [يعني : عيسى ] كان في علمه أن يكون من غير أب .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : قوله : أن يتخذ من ولد المعنى : أن يتخذ ولدا ومن مؤكدة .

                                                                                                                                                                                                                                      وإن الله ربي وربكم الآية ، هذا قول عيسى لهم فاختلف الأحزاب من بينهم يعني : النصارى ، فتجادلوا في عيسى ؛ فقالت فرقة : هو ابن الله ، وقالت فرقة : إن الله هو المسيح ابن مريم ، وقالت فرقة : الله إله ، وعيسى إله ، ومريم إله .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 96 ] قال الله : فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا وذلك يوم القيامة يقول : ما أسمعهم يومئذ وما أبصرهم ؛ سمعوا حين لم ينفعهم السمع ، وأبصروا حين لم ينفعهم البصر .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية