التنبيه الثاني  
ذكر   أبو حامد الغزالي  في كتابه "  التفرقة بين الإيمان والزندقة      " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "  ستفترق أمتي نيفا وسبعين فرقة   ، كلهم في الجنة إلا الزنادقة ، وهي فرقة     " . هذا لفظ الحديث في بعض الروايات . قال : وظاهر الحديث يدل على أنه أراد الزنادقة من أمته ، إذ قال : ستفترق أمتي ، ومن لم يعترف بنبوته فليس من أمته ، والذين ينكرون أصل المعاد والصانع ، فليسوا معترفين بنبوته ، إذ يزعمون أن الموت عدم محض ، وأن العالم لم يزل كذلك موجودا بنفسه من غير صانع ، ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، وينسبون الأنبياء إلى التلبيس ، فلا يمكن نسبتهم إلى الأمة . انتهى .  
قال  شيخ الإسلام ابن تيمية   في  الإسكندرية      : أما هذا الحديث فلا أصل له ، بل هو موضوع كذب باتفاق أهل العلم بالحديث ، ولم يروه أحد من أهل الحديث المعروفين بهذا اللفظ ، بل الحديث الذي في كتب السنن والمسانيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه أنه قال : "  ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة في الجنة ، وثنتان وسبعون في النار     " . وروي عنه أنه قال : "  هي الجماعة     " . وفي حديث آخر : "  هي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي     " . وضعفه   ابن حزم  ، لكن رواه  الحاكم  في صحيحه ، وقد رواه  أبو داود   والترمذي  ، وغيرهم قال : وأيضا لفظ الزندقة لا يوجد في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - كما لا يوجد في القرآن ، وأما  الزنديق الذي      [ ص: 93 ] تكلم الفقهاء في توبته   قبولا وردا ، فالمراد به عندهم المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر . انتهى .  
قلت : وقد ذكر الحديث الذي ذكره   الغزالي  الحافظ   ابن الجوزي  في الموضوعات ، وذكر أنه روي من حديث  أنس  ، ولفظه : "  تفترق أمتي على سبعين ، أو إحدى وسبعين فرقة كلهم في الجنة إلا فرقة واحدة " . قالوا : يا رسول الله ، من هم ؟ قال : " الزنادقة ، وهم  القدرية      " . أخرجه العقيلي ،   وابن عدي  ، ورواه   الطبراني  أيضا ، قال  أنس     : كنا نراهم  القدرية      . قال   ابن الجوزي     : وضعه  الأبرد بن أشرس  ، وكان وضاعا كذابا ، وأخذه منه  ياسين الزيات  ، فقلب إسناده وخلطه ، وسرقه   عثمان بن عفان القرشي  ، وهؤلاء كذابون متروكون ، وأما الحديث الذي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -  أن أمته ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة في الجنة ، واثنتان وسبعون في النار  ، فروي من حديث أمير المؤمنين   علي بن أبي طالب  ،   وسعد بن أبي وقاص  ،   وابن عمر  ،   وأبي الدرداء  ،  ومعاوية   وابن عباس  ،  وجابر  وأبي أمامة  ،  وواثلة   وعوف بن مالك  ،  وعمرو بن عوف المزني  ، فكل هؤلاء قالوا :  واحدة في الجنة ، وهي الجماعة     . ولفظ حديث  معاوية  ما تقدم ، فهو الذي ينبغي أن يعول عليه دون الحديث المكذوب على النبي - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم . ثم أخذ يذكر بعض ما عليه أهل الفرقة الناجية فقال :  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					