الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              مسألة: لا يسن الجهر بالبسملة   . وقال الشافعي: يسن.

                                                              لنا حديثان [ ص: 349 ] [ ص: 350 ]

                                                              الحديث الأول:

                                                              456 - أخبرنا هبة الله بن محمد ، أنبأنا أبو علي الحسن بن علي ، قال: أنبأنا أبو بكر أحمد بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا وكيع ، قال: حدثنا شعبة ، عن قتادة عن أنس ، قال: "صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر ، وعمر ، وعثمان وكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم" أخرجه البخاري ، ومسلم في الصحيحين ، ولفظ حديثهما "فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم . وفي لفظ "كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين" وقد روينا في لفظ متقدم "كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" .

                                                              الحديث الثاني:

                                                              457 - أخبرنا ابن الحصين ، قال: أنبأنا ابن المذهب ، حدثنا القطيعي ، حدثنا [ ص: 351 ] عبد الله بن أحمد ، قال: حدثنا أبي ، حدثنا عفان ، قال: حدثنا وهيب ، عن أبي مسعود الجريري سعيد بن إياس ، عن قيس بن عباية ، قال: حدثنا ابن عبد الله بن مغفل ، قال: "سمعني أبي وأنا أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين فلما انصرف قال: يا بني إياك والحدث في الإسلام فإني صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفأبي بكر ، وعمر ، وعثمان فكانوا لا يستفتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم ولم أر رجلا قط أبغض إليه الحدث منه" ورواه الترمذي فقال: فيه "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقول" . ثم إن مذهبنا مروي عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن مسعود ، وعمار بن ياسر ، وعبد الله بن مغفل ، وابن الزبير ، وابن عباس وقال به من كبراء التابعين ومن بعدهم الحسن ، والشعبي ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم ، وقتادة ، وعمر ابن عبد العزيز ، والأعمش ، والثوري ، ومالك ، وأبو حنيفة ، وأبو عبيد في خلق كثير وإنما يروى خلاف هذا عن معاوية ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد .

                                                              وقد سلك أصحاب الشافعي في الاعتراض على أحاديثنا أربعة مسالك:

                                                              المسلك الأول: الطعن فتعرضوا لحديث أنس بشيئين: أحدهما: أنه قد نقل عنه ضد هذا وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر على ما سنذكره في حجتهم. والثاني: أنه قد روي عنه إنكار هذا في الجملة.

                                                              458 - أخبرنا هبة الله بن محمد ، أنبأنا الحسن بن علي ، أنبأنا أحمد بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثنا أبي ، حدثنا غسان بن مضر ، حدثنا سعيد بن يزيد أبو مسلمة ، قال: سألت أنسا "أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم أو الحمد لله رب العالمين فقال: إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه أو ما سألني عنه أحد قبلك" قال الدارقطني : إسناده صحيح. قالوا: وحديث ابن المغفل يرويه قيس بن عباية وقد حكى الخطيب أن بعض الفقهاء قال: قيس غير ثابت الرواية قال الخطيب: وابن عبد الله بن المغفل مجهول.

                                                              المسلك الثاني: التأويل قالوا" أما قوله "فكانوا لا يجهرون" فليس في الصحيح ويحتمل أنهم ما كانوا يجهرون بها كجهرهم ببقية السورة؛ وهذا لأن القارئ يبتدئ القراءة خفيف الصوت ثم يرفعه يدل عليه قول أنس "فلم أسمع أحدا منهم يجهر بها" وهذا يدل على أنه سمعها منهم وإذا سمع المأموم قراءة الإمام فهذا هو الجهر. ثم قوله لم أسمع [ ص: 352 ] شهادة منه ومن ابن المغفل على النفي فيحتمل أنهما لم يسمعا لبعدهما عن الإمام وقد كان أنس صبيا حينئذ وإنما كان يتقدم الأكابر. وقوله كانوا يفتتحون بالحمد: أي بالسورة.

                                                              المسلك الثالث: المعارضة ، وقد احتجوا بأحاديث رواها الدارقطني ، والخطيب تلخيصها في تسعة نسردها من غير إسناد لئلا يطول الكتاب ، ونبين عللها فكأننا بذكر العلل قد ذكرنا الأسانيد ، على أننا قد ذكرنا في المسألة قبلها ما يصلح للاحتجاج به ههنا وإنما نذكر الآن ما يختص بالجهر.

                                                              الحديث الأول:

                                                              459 - عن نعيم المجمر ، قال: "صليت خلف أبي هريرة فقال: وفي لفظ فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن فلما سلم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله" .

                                                              الحديث الثاني:

                                                              460 - عن أبي هريرة أيضا "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أم الناس جهر ببسم الله الرحمن الرحيم" وفي لفظ عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "علمني جبريل الصلاة فقام فكبر لنا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم فيما يجهر به في كل ركعة" وقد رواه النعمان بن بشير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أمني جبريل عند البيت فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم" .

                                                              الحديث الثالث:

                                                              461 - عن علي ، وعمار "أنهما صليا خلف رسول الله فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم" .

                                                              الحديث الرابع:

                                                              462 - عن ابن عباس ، قال: "لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وفي لفظ لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر في السورتين ببسم الله" وقد رواه علي رضي الله عنه قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في السورتين جميعا" [ ص: 353 ]

                                                              الحديث الخامس:

                                                              463 - عن أنس ، قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم" وقد روى مثل هذا ابن عباس وعائشة وفي لفظ عن أنس "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، وعمر يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم" .

                                                              الحديث السادس:

                                                              364 - عن سمرة ، قال "كانت للنبي صلى الله عليه وسلم سكتتان: إذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم وسكتة إذا فرغ من القراءة" .

                                                              الحديث السابع:

                                                              465 - عن الحكم بن عمير ، قال: "صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاة الليل وصلاة الغداة وصلاة الجمعة" .

                                                              الحديث الثامن:

                                                              466 - عن عبيد بن رفاعة "أن معاوية قدم المدينة فصلى بالناس صلاة فجهر بها بالقراءة قرأ أم الكتاب ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم ركع ولم يكبر ثم قام في الثانية فلم يكبر فلما صلى وسلم ناداه المهاجرون والأنصار من كل ناحية يا معاوية أسرقت صلاتك أم نسيت؟ أين بسم الله الرحمن الرحيم حين افتتحت أم القرآن؟ وأين الله أكبر حين وضعت جبينك وحين قمت؟ فلما صلى بهم الصلاة الأخرى قرأ بسم الله الرحمن الرحيم وكبر حين سجد وحين قام" قالوا: وأما الصحابة فقد ذكرنا عن أنس رواية الجهر عن أبي بكر ، وعمر وروى ابن المسيب "أن أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليا كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم" . وروى عطاء الخرساني ، قال: صليت خلف علي بن أبي طالب وعدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم" . وروى ضميرة عن علي ، قال: "من لم يجهر في صلاته ببسم الله الرحمن الرحيم فقد خدج صلاته" . وقال صالح بن نبهان: "صليت خلف أبي قتادة ، وأبي سعيد ، وأبي هريرة ، وابن عباس فكانوا يجهرون . وكذلك روي عن ابن عمر .

                                                              المسلك الرابع: الترجيح. فقالوا: نرجح أحاديثنا على أحاديثكم من خمسة أوجه: أحدها: أن أخباركم رواها صحابيان وأخبارنا رواها أربعة عشر صحابيا. والثاني: أن ما [ ص: 354 ] رواه الصحابيان يحمل على ما سبق بيانه وأخبارنا صريحة لا تحتمل. والثالث: أن أخباركم شهادة على نفي وكيف يؤخذ حكم من عدم سماع وأخبارنا شهادة على إثبات والإثبات مقدم كما قدمنا قول بلال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت وصلى وعلى قول أسامة لم يصل. والرابع: أن أخبارنا تقتضي الزيادة والأخذ بالزائد أولى. والخامس: أنه يمكننا الجمع بين الأحاديث فنقول كان يفتتح بالحمد -أي بالسورة- ولم يسمع منه الجهر من أنكره وسمعه من رواه ، وأنتم لا يمكنكم إثبات روايتنا إلا بإسقاط روايتكم.

                                                              والجواب: أما المسلك الأول: فإن التعرض بالطعن لحديث أنس لا وجه له لاتفاق الأئمة على صحته ، ومعارضته بما لا يقارب سنده في الصحة قبيح بمن يدعي علم النقل.

                                                              وأما حديث أبي سلمة فجوابه من ثلاثة أوجه: أحدها: أن حديثنا في الصحاح بخلافه فلا يقوى على المعارضة. والثاني: أنه يحتمل أن يكون أنس نسي في تلك لكبره ، وكم ممن حدث ونسي؟ وقد صرح أنس بمثل هذا فسئل يوما عن مسألة فقال: عليكم بالحسن فسلوه فإنه حفظ ونسينا. والثالث: أنه يحتمل أن يكون مراد السائل أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها في الصلاة أو يتركها أصلا فلا يكون هذا سؤالا عن الجهر بها.

                                                              وأما حديث ابن مغفل فرجاله ثقات وقيس بن عباية قد ذكره البخاري في تاريخه ، وقال أبو بكر الخطيب لا أعلم أحدا رماه ببدعة في دينه ولا كذب في روايته. وأما ابن عبد الله بن مغفل فاسمه يزيد وقد ذكره البخاري في تاريخه.

                                                              وأما المسلك الثاني: وقولهم "ليس ذكر الجهر في الصحيح" قلنا: رجاله رجال الصحيح فيلزم أن يحكم بصحته. وقولهم يحتمل أنهم ما كانوا يجهرون بها كالجهر بالسورة قد ذكرنا في حديث أنس أنهم ما كانوا يذكرونها وفي حديث عائشة "كان يفتتح القراءة بالحمد" وقولهم هو شهادة على النفي. قلنا: هذا هو في معنى الإثبات لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر إلىالمدينة ولأنس عشر سنين ومات وله عشرون سنة فكيف يتصور أن يصلي خلفه عشر سنين ولا يسمعه يوما من الدهر يجهر ثم قدروا وقوع هذا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف وهو رجل في زمن أبي بكر ، وعمر وكهل في زمن عثمان مع تقدمه في زمانهم وروايته للحديث. وأما عبد الله بن المغفل فإنه كان رجلا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ممن بايع تحت الشجرة وكان يومئذ يمد أغصانها يظلل بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من البكائين وبعثه عمر إلى أهل البصرة يفقههم ويؤكد هذا أن عمر كان جهوري الصوت فلو خفي من الكل لم يخف منه. وقولهم: لولا سماعهم ما نقلوا الإخفات. قلنا: يحتمل علمهم بالإخفات أمرين: أحدهما: أن يكون الراوي قريبا من [ ص: 355 ] الإمام فيسمع ما يخافت به وذلك لا يسمى جهرا. والثاني: أن يكونوا علموا بقول منفرد وتعليم منفصل عن الصلاة كما علموا الاستفتاح والتعوذ. وقولهم: "المراد بقوله: يفتتحون بالحمد أي بالسورة". قلنا: البسملة ليست من السورة على ما سبق بيانه.

                                                              وأما المسلك الثالث: فجوابه أن جميع أحاديثكم ضعاف وأثبتها حديث نعيم ولا حجة فيه لأنه حكى أن أبا هريرة قرأها ولم يقل جهر بها فجائز أن يكون سمعها في مخافتته لقربه منه.

                                                              وأما الحديث الثاني: فاللفظ الأول منه: قال فيه أبو أحمد بن عدي الحافظ: لا يعرف إلا بأبي أويس المدني ، قال يحيى بن معين: كان أبو أويس يسرق الحديث.

                                                              وأما اللفظ الثاني فيرويه خالد بن إلياس وأجمعوا على ترك حديثه ثم نحمله على أنه قرأها من غير جهر.

                                                              وأما لفظ حديث النعمان فيرويه فطر بن خليفة ، وقال السعدي هو غير ثقة.

                                                              وأما الحديث الثالث: فيرويه إسماعيل بن أبان ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي الطفيل. أما إسماعيل فقال أحمد: حدث بأحاديث موضوعة ، وقال يحيى: هو كذاب قال: ولا يكتب حديث عمرو بن شمر ولا حديث جابر. وأما أبو الطفيل فكان مغيرة يكره الرواية عنه.

                                                              وأما الرابع: فاللفظان عن ابن عباس يرويهما عمر بن حفص وقد أجمعوا على ترك حديثه. ولفظ حديث علي يرويه عيسى بن عبد الله بن محمد بن علي ، قال ابن عدي ولا يتابع عليه.

                                                              وأما الخامس فاللفظ الأول: يرويه أحمد بن محمد اليمامي ، قال ابن عدي حدث بأحاديث مناكير عن الثقات ونسخ عجائب.

                                                              ولفظ حديث ابن عباس الموافق له قد رواه سعيد بن خثيم ، قال ابن عدي: وأحاديثه ليست بالمستقيمة ، ورواه شريك وكان يحيى القطان لا يعبأ بشريك ، وقال ابن المبارك ليس حديثه بشيء ورواه أيضا الحسن بن عنبر الوشاء ، قال ابن عدي: حدث بأحاديث أنكرت عليه.

                                                              وأما لفظ حديث عائشة الموافق له فيرويه العباس بن الفضل من حديث أبي الجوزاء ويرويه الحكم بن عبد الله من حديث القاسم كلاهما عنها قال يحيى: العباس [ ص: 356 ] والحكم ليسا بثقة ، وقال ابن عدي: أحاديث الحكم موضوعة. منها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر".

                                                              وأما لفظ الثاني: عن أنس فيرويه إسماعيل المكي ، قال ابن المديني: لا يكتب حديثه.

                                                              وأما لفظ بريدة الموافق له فيرويه عمرو بن شمر ، عن جابر وقد ذكرنا قول يحيى فيهما.

                                                              وأما اللفظ الثالث عن أنس فيرويه الحجاج بن أرطاة وقد ضعفه يحيى وغيره وفي الجملة لا يثبت عن أنس شيء من هذا بل قد صحت الأحاديث عنه بخلافه قولا وفعلا.

                                                              وأما السادس: فذكر السكتة بعد البسملة غلط ، وقد رواه أحمد ، وأبو داود والدارقطني على الصحة عن سمرة فقال: "حفظت سكتتين من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، سكتة إذا كبر الإمام ، وسكتة إذا فرغ من الفاتحة ، .

                                                              وأما السابع فرواه موسى بن أبي حبيب وليس بمعروف.

                                                              وأما الثامن فيرويه صاعد بن طالب بن نواس يرفعه كل واحد عن أب إلى أب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلهم مجاهيل.

                                                              وأما التاسع فيرويه عبد الله بن عثمان بن خثيم ، وقال يحيى: أحاديثه ليست بالقوية ، وأما الرواية عن أبي بكر ، وعمر فقد تكلمنا على رواية أنس عنهما ، وأما رواية ابن المسيب فيرويها عثمان بن عبد الرحمن ، عن الزهري وقد أجمعوا على تضعيف عثمان .

                                                              ورواية عطاء يرويها عنه ابنه يعقوب وقد ضعفه أحمد ، ويحيى .

                                                              وأما رواية حسين فقد أجمعوا على تكذيبه .

                                                              وأما المروي ، عن ابن عمر فهو من طريق أبي سعد البقال ، وعمر بن نافع وقد ضعفهما يحيى ، وقال النسائي: ليسا بشيء.

                                                              وأما المأثور عن ابن عباس فمن طريق أبي سعد أيضا وشريك وقد بينا القدح فيهما. وقول صالح مردود لأن مالكا ، قال: ليس بثقة.

                                                              وهذه الأحاديث في الجملة لا يحسن بمن له علم بالنقل أن يعارض بها الأحاديث [ ص: 357 ] الصحاح ولولا أن يعرض للمتفقه شبهة عند سماعها فيظنها صحيحة لكان الإضراب عن ذكرها أولى ، ويكفي في هجرانها إعراض المصنفين للمسانيد والسنن عن جمهورها. وقد ذكر الدارقطني منها طرفا في سننه فبين ضعف بعضها وسكت عن بعضها وقد حكى لنا مشايخنا أن الدارقطني لما ورد مصر سأله بعض أهلها تصنيف شيء في الجهر فصنف فيه جزءا فأتاه بعض المالكية فأقسم عليه أن يخبره بالصحيح من ذلك فقال: كل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الجهر فليس بصحيح. فأما عن الصحابة: فمنه صحيح ومنه ضعيف.

                                                              ثم تجرد أبو بكر الخطيب لجمع أحاديث الجهر فأزرى على علمه بتغطية ما ظن أنه لا ينكشف وقد حصرنا ما ذكره وبينا وهنه ووهيه على قدر ما يحتمله التعليق ، ولم نر أحدا ممن صنف تعاليق الخلاف ذكر في تعاليقه ما ذكرنا ، ولعل أكثرهم لا يهتدي إلى ما فعلنا ، وإنما بسطنا الكلام بعض البسط؛ لأن هذه المسألة من أعلام المسائل وهي شعار المذهب من الجانبين ومبناها على النقل ثم إنا بعد هذا نحمل جميع أحاديثهم على أحد أمرين إما أن يكون جهر بها للتعليم أو كما يتفق كما روي "أنه كان يصلي بهم الظهر فيسمعهم الآية والآيتين بعد الفاتحة أحيانا" والثاني: أن يكون ذلك قبل الأمر بترك الجهر فقد روى أبو داود بإسناده عن سعيد بن جبير "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم" وكان مسيلمة يدعى رحمان اليمامة فقال أهل مكة: إنما يدعو إله اليمامة فأمر الله رسوله بإخفائها فما جهر بها حتى مات وهذا يدل على نسخ الجهر.

                                                              وأما مسلكهم الرابع ، فجوابه أن الاعتماد على ما صح لا على ما كثر رواته وقد دفعنا وجه الاحتمال وبينا أنها شهادة معناها الإثبات وإن ظهرت في صورة النفي بخلاف حديث بلال وإنما تقتضي أخبارهم الزيادة أن لو صحت وهذا جواب قولهم يجمع بين الأحاديث.

                                                              مسألة: يجهر الإمام والمأموم بآمين. وقال أبو حنيفة: لا يجهران بها.

                                                              لنا حديثان [ ص: 358 ]

                                                              الحديث الأول:

                                                              467 - أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم ، قال: أنبأنا الأزدي ، والغورجي ، قالا: أنبأنا الجراحي ، قال: حدثنا ابن محبوب ، قال: حدثنا أبو عيسى الترمذي ، قال: حدثنا بندار ، حدثنا [ ص: 359 ] يحيى بن سعيد ، وعبد الرحمن بن مهدي ، قالا: حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر ، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم- "قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضآلين فقال: آمين مد بها صوته" قال الدارقطني : هذا حديث صحيح. قالوا: قد رواه شعبة فقال فيه: وأخفى بها صوته.

                                                              والجواب: أن الدارقطني ، قال: يقال إن شعبة وهم فيه لأن سفيان الثوري ، ومحمد بن سلمة ، وابن كهيل وغيرهما رووه عن سلمة فقالوا: "ورفع صوته بآمين" وهو الصواب.

                                                              الحديث الثاني:

                                                              468 - أخبرنا ابن عبد الخالق ، قال: أنبأنا عبد الرحمن بن أحمد ، قال: أنبأنا أبو بكر بن بشران ، قال: حدثنا علي بن عمر ، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الفارسي ، حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال: حدثني عمرو بن الحارث ، قال: حدثني عبد الله بن سالم ، عن الزبيري ، قال: أخبرني الزهري ، عن أبي سلمة ، وسعيد عن أبي هريرة ، قال "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته وقال: آمين" قال الدارقطني : هذا إسناد حسن وقد روي هذا الحديث عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن الراوي بحر السقاء وهو متروك فلا يحتج به .

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية