الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
578 - وقال أبو عبيد في حديث عمر [رضي الله عنه ] : "حين أتاه رجل يسأله ، فقال : هلكت وأهلكت .

فقال عمر : اسكت ، أهلكت وأنت تنث نثيت الحميت .

وبعضهم يرويه بالميم "تمث" ولا أرى المحفوظ إلا بالنون .

ثم قال : أعطوه ربعة من الصدقة ، فخرجت يتبعها ظئراها " .

قال : حدثنيه أزهر بن حفص ، عن قيل بن عرادة ، عن جراد بن طارق ، عن عمر .

قال : وحدثنيه يزيد بن هارون ، عن الصعق بن حزن ، عن قيل بن عرادة ، عن جراد بن شييط - ولم يقل : ابن طارق - عن عمر .

وزاد فيه "يزيد" قال فقال : بعد ما أمر له بربعة يتبعها ظئراها .

قال : ثم أنشأ عمر يحدثنا بعد عن نفسه فقال : "لقد رأيتني أنا وأختا لي ، نرعى على أبوينا ناضحا لنا ، قد ألبستنا أمنا نقبتها ، وزودتنا يمينتيها من الهبيد ، فنخرج بناضحنا ، فإذا طلعت الشمس ألقيت النقبة إلى [ ص: 155 ] أختي ، وخرجت أسعى عريانا ، فنرجع إلى أمنا ، وقد جعلت لنا لفيتة من ذلك الهبيد فيا خصباه " .

قوله : تنث . النثيث : أن يعرق ، ويرشح ، من عظمه وكثرة لحمه .  

يقال منه : نث الرجل ينث نثيثا ، ويقال : نث الرجل الحديث ينثه نثا ، هذا بالضم وذاك بالكسر .

وأما الحميت ، فزعم الأحمر أنه الزق المشعر الذي يجعل فيه السمن والعسل والزيت ، وجمعه حمت ، وهو الذي يقال له : النحى ، وجمعه أنحاء .

قال أبو عبيد : وأما الزق الذي يجعل فيه اللبن ، فهو الوطب ، وجمعه وطاب . وما كان منها للشراب ، فهي الذوارع ، واسم الزق يجمع ذلك كله .

وأما ما كان للماء فهي الأسقية .

وقوله : أعطوه ربعة ، فالربعة ما ولد في أول النتاج ، والذكر ربع .

و [أما ] قوله : ناضحا لنا . الناضح : هو البعير الذي يسنى عليه ، فتسقى به الأرضون ، والأنثى ناضحة ، قالها "الكسائي " . وهي السانية أيضا ، وجمعها سوان . وقد سنت تسنو ، ولا يقال : ناضح لغير المستقى [ ص: 156 ] .

وقوله : ألبستنا نقبتها : فإن النقبة : أن تؤخذ القطعة من الثوب قدر السراويل ، فتجعل لها حجزة مخيطة من غير نيفق ، وتشد كما تشد حجزة السراويل ، فإذا كان لها نيفق وساقان ، فهي سراويل ، وإذا لم يكن لها نيفق ولا ساقان ولا حجرة ، فهو النطاق ، وذلك : أن تأخذ المرأة الثوب . فتشتمل به ، ثم تشد وسطها بخيط ، ثم ترسل الأعلى على الأسفل ، فهذا النطاق فيما فسره لي أبو زياد الكلابي ، وبه سميت أسماء بنت أبي بكر "ذات النطاقين" وقال بعض الناس : إنما سميت بذلك أنها كانت تطارق نطاقا بنطاق استتارا . ويقال : بل كان لها نطاقان ، فكان أحدهما عليها كما تنتطق المرأة . وكان الآخر تجعل فيه طعاما تأتي به رسول الله [صلى الله عليه وسلم ] وأبا بكر [رضي الله عنه ] وهما في الغار .

وقوله : زودتنا يمينتيها من الهبيد - هكذا جاء الحديث ، ولكن الوجه في الكلام أن يكون يمينتيها - بالتشديد ؛ لأن تصغير يمين ، وتصغير الواحدة يمين بلا هاء .

وإنما قال : يمينتيها ، ولم يقل : يديها ، ولا كفيها ؛ لأنه لم يرد أنها جمعت كفيها ثم أعطتهما بجميع الكفين ، ولكنه أراد أنها أعطت كل واحد كفا واحدة بيمينها ، فهاتان يمينان ، [ولو جمعتهما لكانتا يمينا وشمالا ] .

وأما قوله : الهبيد ، فإنه حب الحنظل ، زعموا أنه يعالج حتى يمكن أكله ، ويطيب [ ص: 157 ] .

يقال منه : تهبد الرجل ، وتهبد الظليم تهبدا : إذا أخذه من شجره .

وأما اللفيتة ، فإنها : ضرب من الطبيخ ، لا أقف على حده ، وأراه كالحساء ونحوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية