الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
580 - وقال أبو عبيد في حديث عمر [رضي الله عنه ] "إذا مر أحدكم بحائط فليأكل منه ، ولا يتخذ ثبانا " .

قال : حدثناه أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن عمر .

قال : وحدثناه هشيم ، عن أبي بشر ، عن مجاهد ، عن عمر .

قال أحدهما : ولا يتخذ ثبانا .

وقال الآخر : ولا يتخذ خبنة .

قوله : الثبان . قال أبو عمرو : هو الوعاء الذي يحمل فيه الشيء ، فإن حملته بين يديك فهو ثبان .

يقال [منه ] : قد تثبنت ثبانا . فإن حملته على ظهرك فهو الحال : يقال منه : [قد ] تحولت كسائي ، إذا جعلت فيه شيئا ، ثم حملته على ظهرك .

فإن جعلته في حضنك ، فهو خبنة .

ومنه الحديث المرفوع ، قال : حدثناه أبو معاوية ، عن هشام بن سعد ، عن عمرو بن شعيب يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا [ ص: 160 ] .

يقال منه : خبنت أخبن خبنا .

قال أبو عبيد : وإنما يوجه هذا الحديث أنه رخص فيه للجائع المضطر ، الذي لا شيء معه ليشتري به ، وهو مفسر في حديث آخر .

قال : حدثناه الأنصاري محمد بن عبد الله ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : رخص رسول الله [صلى الله عليه وسلم ] للجائع المضطر إذا مر بالحائط أن يأكل منه ولا [يتخذ ] خبنة .  

ومما يبين لك أنه إنما رخص لذلك خاصة قوله : "ولا يتخذ خبنة" أو "ولا يتخذ ثبانا " .

فلم يجعل له الثبان والخبنة إلا ما في بطنه قدر قوته ، فكيف يرخص لأهل الزاد الواسع أن يصيبوا أموال الناس ، وكذلك حديث "عمر " الآخر في الإبل يمر بها المسافر ، قال : "يصوت يا راعي الإبل ثلاثا ، فإن جاء ، وإلا فليشرب " .

فإنما هو للمضطر الذي يخاف الموت على نفسه ، ولا يقدر على الشراء .

ومما يبين ذلك حديثه في الأنصار الذين مروا بحي من العرب [ ص: 161 ] فسألوهم القرى ، فأبوا ، فسألوا الشرى فأبوا ، فضبطوهم ، فأصابوا منهم ، فأتوا "عمر " فذكروا ذلك له ، فهم بالأعراب ، وقال : "ابن السبيل أحق بالماء من التأني عليه " .

قال : حدثناه حجاج ، عن شعبة ، عن محمد بن عبيد الله الثقفي ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن عمر . فهذا مفسر ، إنما هو لمن لم يقدر على قرى ولا شراء .

وكذلك قال في الحديث الأول : ليصوت : يا راعي الإبل ثلاثا ؛ ليكون طلب القرى قبل .

وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "لا يحل لأحد أن يحل صرار ناقة إلا بإذن أهلها فإن خاتم أهلها عليها " .  

قال : حدثناه شريك ، عن عبد الله بن عصم ، قال : سمعت أبا سعيد الخدري بقوله ، فقيل لشريك : أرفعه ؟ فقال : نعم [ ص: 162 ] .

وقد روي عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن ذلك أيضا .

فكل هذه تقوية لمن كره أن يأخذ من الثمار أو الألبان إلا بإذن أهلها ، والحديث في هذا كثير ، وله موضع غير هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية