580 - وقال أبو عبيد في حديث عمر [رضي الله عنه ] "إذا مر أحدكم بحائط فليأكل منه ، ولا يتخذ ثبانا " .
قال : حدثناه أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن عمر .
قال : وحدثناه هشيم ، عن أبي بشر ، عن مجاهد ، عن عمر .
قال أحدهما : ولا يتخذ ثبانا .
وقال الآخر : ولا يتخذ خبنة .
قوله : الثبان . قال أبو عمرو : هو الوعاء الذي يحمل فيه الشيء ، فإن حملته بين يديك فهو ثبان .
يقال [منه ] : قد تثبنت ثبانا . فإن حملته على ظهرك فهو الحال : يقال منه : [قد ] تحولت كسائي ، إذا جعلت فيه شيئا ، ثم حملته على ظهرك .
فإن جعلته في حضنك ، فهو خبنة .
ومنه الحديث المرفوع ، قال : حدثناه أبو معاوية ، عن هشام بن سعد ، عن عمرو بن شعيب يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا [ ص: 160 ] .
يقال منه : خبنت أخبن خبنا .
قال أبو عبيد : وإنما يوجه هذا الحديث أنه رخص فيه للجائع المضطر ، الذي لا شيء معه ليشتري به ، وهو مفسر في حديث آخر .
قال : حدثناه الأنصاري محمد بن عبد الله ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : رخص رسول الله [صلى الله عليه وسلم ] للجائع المضطر إذا مر بالحائط أن يأكل منه ولا [يتخذ ] خبنة .
ومما يبين لك أنه إنما رخص لذلك خاصة قوله : "ولا يتخذ خبنة" أو "ولا يتخذ ثبانا " .
فلم يجعل له الثبان والخبنة إلا ما في بطنه قدر قوته ، فكيف يرخص لأهل الزاد الواسع أن يصيبوا أموال الناس ، وكذلك حديث "عمر " الآخر في الإبل يمر بها المسافر ، قال : "يصوت يا راعي الإبل ثلاثا ، فإن جاء ، وإلا فليشرب " .
فإنما هو للمضطر الذي يخاف الموت على نفسه ، ولا يقدر على الشراء .
ومما يبين ذلك حديثه في الأنصار الذين مروا بحي من العرب [ ص: 161 ] فسألوهم القرى ، فأبوا ، فسألوا الشرى فأبوا ، فضبطوهم ، فأصابوا منهم ، فأتوا "عمر " فذكروا ذلك له ، فهم بالأعراب ، وقال : "ابن السبيل أحق بالماء من التأني عليه " .
قال : حدثناه حجاج ، عن شعبة ، عن محمد بن عبيد الله الثقفي ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن عمر . فهذا مفسر ، إنما هو لمن لم يقدر على قرى ولا شراء .
وكذلك قال في الحديث الأول : ليصوت : يا راعي الإبل ثلاثا ؛ ليكون طلب القرى قبل .
وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "لا يحل لأحد أن يحل صرار ناقة إلا بإذن أهلها فإن خاتم أهلها عليها " .
قال : حدثناه شريك ، عن عبد الله بن عصم ، قال : سمعت أبا سعيد الخدري بقوله ، فقيل لشريك : أرفعه ؟ فقال : نعم [ ص: 162 ] .
وقد روي عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن ذلك أيضا .
فكل هذه تقوية لمن كره أن يأخذ من الثمار أو الألبان إلا بإذن أهلها ، والحديث في هذا كثير ، وله موضع غير هذا .


