الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
610 - وقال أبو عبيد في حديث عمر [رضي الله عنه ] حين قال للرجل الذي وجد منبوذا ، فأتاه به ، فقال عمر : "عسى الغوير أبؤسا " .

فقال عريفه : يا أمير المؤمنين : إنه وإنه ، فأثنى عليه خيرا .

فقال : هو حر ، وولاؤه لك .

قال : حدثناه يزيد ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن سنين أبي جميلة : أنه وجد منبوذا ، فأتى به عمر ، ثم ذكر الحديث [ ص: 219 ] .

قال الأصمعي : "قوله : عسى الغوير أبؤسا " الأبؤس : جمع البأس ، وأصل هذا أنه كان غار فيه ناس ، فانهار [الغار ] عليهم .

أو قال : فأتاهم فيه عدو [لهم ] فقتلوهم ، فصار مثلا لكل شيء يخاف أن يأتي منه شر ، ثم صغر الغار ، فقيل : غوير .

[حدثنا أبو عبيد ] ، قال : وأخبرنا ابن الكلبي بغير هذا .

قال : الغوير : ماء لكلب معروف يسمى الغوير ، وأحسبه قال : هو ناحية السماوة .

قال : وهذا المثل إنما تكلمت به الزباء ، وذلك أنها لما وجهت قصيرا اللخمي بالعير ، ليحمل لها من بر العراق وألطافه ، وكان يطلبها بزحل جذيمة الأبرش ، فجعل الأحمال صناديق ، وقد قيل : غرائر ، وجعل في كل واحد منها رجلا معه السلاح ، ثم تنكب بهم الطريق المنهج ، وأخذ على الغوير ، فسألت عن خبره ، فأخبرت بذلك ، فقالت : "عسى الغوير أبؤسا" تقول : عسى أن يأتي ذلك الطريق بشر ، واستنكرت شأنه ، حين أخذ على غير الطريق .

قال [ أبو عبيد ] : وهذا القول عندي أشبه صوابا من القول الأول [ ص: 220 ] .

وإنما أراد "عمر " بهذا المثل أن يقول للرجل : لعلك صاحب هذا المنبوذ ، حتى أثنى عليه عريفه خيرا .

وفي هذا الحديث من الفقه : أنه جعل المنبوذ حرا ،  ولم يجعله مملوكا لواجده ، ولا للمسلمين .

وأما قوله للرجل : لك ولاؤه ؛ فإنما نراه فعل ذلك ؛ لأنه لما التقطه ، فأنقذه من الموت ، وأنقذه من أن يأخذه غيره ، فيدعي رقبته ، جعله مولاه لهذا ؛ لأنه كأنه الذي أعتقه .

وهذا حكم تركه الناس ، وصاروا إلى أن جعلوا حرا ، وجعلوا ولاءه للمسلمين ، وجريرته عليهم .

وفي هذا الحديث من العربية : أنه نصب أبؤسا ، وهو في الظاهر في موضع رفع ، وإنما نرى أنه نصب ؛ لأنه على طريق النصب ، ومعناه ، كأنه أراد : عسى الغوير أن يحدث أبؤسا ، أو أن يأتي بأبؤس ، فهذا طريق النصب ، ومما يبينه قول "الكميت " :

عسى الغوير بإباس وإغوار

التالي السابق


الخدمات العلمية