الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وعلى هذا يخرج ما إذا ذبح بالمروة أو بليطة القصب أو بشقة العصا أو غيرها من الآلات التي تقطع أنه يحل لوجود معنى الذبح وهو فري الأوداج ، وجملة الكلام فيه أن الآلة على ضربين : آلة تقطع ، وآلة تفسخ .

                                                                                                                                والتي تقطع نوعان : حادة ، وكليلة .

                                                                                                                                أما الحادة فيجوز الذبح بها حديدا كانت أو غير حديد والأصل في جواز الذبح بدون الحديد ما روي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه قال { : قلت يا رسول الله ، أرأيت أحدنا أصاب صيدا وليس معه سكين أيذكي بمروة أو بشقة العصا ؟ فقال عليه الصلاة والسلام أنهر الدم بما شئت واذكر اسم الله تعالى } .

                                                                                                                                وروي { أن جارية لكعب بن مالك رضي الله عنه ذبحت شاة بمروة فسأل كعب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمر بأكلها } ; ولأنه يجوز بالحديد والجواز ليس لكونه من جنس الحديد بل لوجود معنى الحديد بدليل أنه لا يجوز بالحديد الذي لا حد له فإذا وجد معنى الحد في المروة والليطة جاز الذبح بهما وأما الكليلة فإن كانت تقطع يجوز لحصول معنى الذبح لكنه يكره لما فيه من زيادة إيلام لا حاجة إليها ، ولهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحديد الشفرة وإراحة الذبيحة .

                                                                                                                                وكذلك إذا جرح بظفر منزوع أو سن منزوع جاز الذبح بهما ويكره ، وقال الشافعي رحمه الله : لا يجوز واحتج بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { : أنهر الدم بما شئت إلا ما كان من سن أو ظفر فإن الظفر مدى الحبشة والسن عظم من الإنسان } استثنى عليه الصلاة والسلام الظفر والسن من الإباحة ، والاستثناء من الإباحة يكون حظرا وعلل عليه الصلاة والسلام بكون الظفر مدى الحبشة وكون السن عظم الإنسان ، وهذا خرج مخرج الإنكار ولنا أنه لما قطع الأوداج فقد وجد الذبح بهما فيجوز كما لو ذبح بالمروة وليطة القصب .

                                                                                                                                وأما الحديث فالمراد السن القائم والظفر القائم ; لأن الحبشة إنما كانت تفعل ذلك لإظهار الجلادة وذاك بالقائم لا بالمنزوع والدليل عليه أنه روي في بعض الروايات إلا ما كان قرضا بسن أو حزا بظفر والقرض إنما يكون بالسن القائم .

                                                                                                                                وأما الآلة التي تفسخ فالظفر القائم والسن القائم ولا يجوز الذبح بهما بالإجماع ولو ذبحهما كان ميتة للخبر الذي روينا ولأن الظفر والسن إذا لم يكن منفصلا فالذابح يعتمد على الذبيح فيخنق وينفسخ فلا يحل أكله حتى قالوا : لو أخذ غيره يده فأمر يده كما أمر السكين وهو ساكت يجوز ويحل أكله .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية