[ ص: 2 ] كتاب آداب القاضي الكلام في هذا الكتاب في مواضع ، في بيان فرضية نصب القاضي ، وفي بيان من يصلح للقضاء ، وفي بيان من يفترض عليه قبول تقليد القضاء ، وفي بيان شرائط جواز القضاء ، وفي بيان آداب القضاء ، وفي بيان ما ينفذ من القضايا ، وما ينقض منها ; إذا رفع إلى قاض آخر ، وفي بيان ما يحله القاضي وما لا يحله ، وفي بيان حكم خطأ القاضي في القضاء ، وفي بيان ما يخرج به القاضي عن القضاء .
( أما )
nindex.php?page=treesubj&link=15032_15034_20230_15036الأول فنصب القاضي فرض ; لأنه ينصب لإقامة أمر مفروض ، وهو القضاء قال الله سبحانه وتعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26 : يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق } وقال تبارك وتعالى لنبينا المكرم عليه أفضل الصلاة والسلام : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48فاحكم بينهم بما أنزل الله } والقضاء هو : الحكم بين الناس بالحق ، والحكم بما أنزل الله عز وجل ، فكان نصب القاضي ; لإقامة الفرض ، فكان فرضا ضرورة ; ولأن نصب الإمام الأعظم فرض ، بلا خلاف بين أهل الحق ، ولا عبرة - بخلاف بعض القدرية - ; لإجماع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك ، ولمساس الحاجة إليه ; لتقيد الأحكام ، وإنصاف المظلوم من الظالم ، وقطع المنازعات التي هي مادة الفساد ، وغير ذلك من المصالح التي لا تقوم إلا بإمام ، لما علم في أصول الكلام ، ومعلوم أنه لا يمكنه القيام بما نصب له بنفسه ، فيحتاج إلى نائب يقوم مقامه في ذلك وهو القاضي ; ولهذا {
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث إلى الآفاق قضاة ، فبعث سيدنا nindex.php?page=showalam&ids=32معاذا رضي الله عنه إلى اليمن ، وبعث عتاب بن أسيد إلى مكة ، فكان نصب القاضي من ضرورات نصب الإمام ، فكان فرضا } ، وقد سماه
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد فريضة محكمة ; لأنه لا يحتمل النسخ ; لكونه من الأحكام التي عرف وجوبها بالعقل ، والحكم العقلي لا يحتمل الانتساخ ، والله تعالى أعلم .
[ ص: 2 ] كِتَابُ آدَابِ الْقَاضِي الْكَلَامُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي مَوَاضِعَ ، فِي بَيَانِ فَرْضِيَّةِ نَصْبِ الْقَاضِي ، وَفِي بَيَانِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ ، وَفِي بَيَانِ مَنْ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ قَبُولُ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ جَوَازِ الْقَضَاءِ ، وَفِي بَيَانِ آدَابِ الْقَضَاءِ ، وَفِي بَيَانِ مَا يَنْفُذُ مِنْ الْقَضَايَا ، وَمَا يُنْقَضُ مِنْهَا ; إذَا رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ ، وَفِي بَيَانِ مَا يُحِلُّهُ الْقَاضِي وَمَا لَا يُحِلُّهُ ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ خَطَأِ الْقَاضِي فِي الْقَضَاءِ ، وَفِي بَيَانِ مَا يَخْرُجُ بِهِ الْقَاضِي عَنْ الْقَضَاءِ .
( أَمَّا )
nindex.php?page=treesubj&link=15032_15034_20230_15036الْأَوَّلُ فَنَصْبُ الْقَاضِي فَرْضٌ ; لِأَنَّهُ يُنْصَبُ لِإِقَامَةِ أَمْرٍ مَفْرُوضٍ ، وَهُوَ الْقَضَاءُ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26 : يَا دَاوُد إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ } وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّنَا الْمُكَرِّمِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } وَالْقَضَاءُ هُوَ : الْحُكْمُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ، وَالْحُكْمُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَكَانَ نَصْبُ الْقَاضِي ; لِإِقَامَةِ الْفَرْضِ ، فَكَانَ فَرْضًا ضَرُورَةً ; وَلِأَنَّ نَصْبَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَرْضٌ ، بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ ، وَلَا عِبْرَةَ - بِخِلَافِ بَعْضِ الْقَدَرِيَّةِ - ; لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، وَلِمِسَاسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ; لِتَقَيُّدِ الْأَحْكَامِ ، وَإِنْصَافِ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ ، وَقَطْعِ الْمُنَازَعَاتِ الَّتِي هِيَ مَادَّةُ الْفَسَادِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ الَّتِي لَا تَقُومُ إلَّا بِإِمَامٍ ، لِمَا عُلِمَ فِي أُصُولِ الْكَلَامِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِمَا نُصِبَ لَهُ بِنَفْسِهِ ، فَيَحْتَاجُ إلَى نَائِبٍ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ الْقَاضِي ; وَلِهَذَا {
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ إلَى الْآفَاقِ قُضَاةً ، فَبَعَثَ سَيِّدَنَا nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى الْيَمَنِ ، وَبَعَثَ عَتَّابَ بْنَ أُسَيْدٍ إلَى مَكَّةَ ، فَكَانَ نَصْبُ الْقَاضِي مِنْ ضَرُورَاتِ نَصْبِ الْإِمَامِ ، فَكَانَ فَرْضًا } ، وَقَدْ سَمَّاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدٌ فَرِيضَةً مُحْكَمَةً ; لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ ; لِكَوْنِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي عُرِفَ وُجُوبُهَا بِالْعَقْلِ ، وَالْحُكْمُ الْعَقْلِيُّ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِسَاخَ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .