الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) إجازته في مرض موته - فإنما اعتبرت من ثلثه لا لكون الإجازة منه تمليكا ، وإيجابا للملك ; لأن الإجازة لا تنبئ عن التمليك بل هي إزالة المانع عن وقوع التصرف تمليكا بإسقاط الحق عن مال التصرف ، وهو متبرع في هذا الإسقاط فيعتبر تبرعه من الثلث كما يعتبر تبرعه بالتمليك بالهبة من الثلث فإن أجاز بعض الورثة ، ورد بعضهم جازت الوصية بقدر حصة المجيز منهم ، وبطلت بقدر أنصباء الرادين ; لأن لكل واحد منهم ولاية الإجازة والرد في قدر حصته فتصرف كل واحد منهم في نصيبه صدر عن ولاية شرعية فينفذ ، ثم إنما تعتبر إجازة من أجاز إذا كان المجيز من أهل الإجازة بأن كان بالغا عاقلا .

                                                                                                                                فإن كان مجنونا أو صبيا لا يعقل لا تعتبر إجازته ، فإن كان عاقلا بالغا لكنه مريض مرض الموت - جازت إجازته ، ثم إن كان الوارث واحدا كانت إجازته بمنزلة ابتداء الوصية حتى لو كان الموصى له وارثه لا تجوز إجازته إلا أن تجيزها ورثة المريض بعد موته ، وإن كان أجنبيا تجوز إجازته ، وتعتبر من الثلث ، ثم وقت الإجازة هو ما بعد موت الموصي ، ولا تعتبر الإجازة حال حياته حتى إنهم لو أجازوا في حياته لهم أن يرجعوا عن ذلك بعد موته ، وهذا قول عامة العلماء رضي الله عنهم .

                                                                                                                                وقال ابن أبي ليلى - رحمه الله - : تجوز إجازتهم بعد موته ، وحال حياته ، وإذا أجازوا في حياته فليس لهم أن يرجعوا بعد موته ، ولا خلاف في أنهم إذا أجازوا بعد موته ليس لهم أن [ ص: 371 ] يرجعوا بعد ذلك .

                                                                                                                                ( وجه ) قول ابن أبي ليلى : أن إجازتهم في حال الحياة صادفت محلها ; لأن حقهم يتعلق بماله في مرض موته إلا أنه لا يظهر كون هذا المرض مرض الموت إلا بالموت ، فإذا اتصل به الموت تبين أنه كان مرض الموت ، فتبين أن حقهم كان متعلقا بماله فتبين أنهم أسقطوا حقهم بالإجازة فجازت إجازتهم .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن حقهم إنما يثبت عند الموت ; لأنه إنما يعلم بكون المرض مرض الموت عند الموت ، فإذا مات الآن علم كونه مرض الموت فيثبت حقهم الآن إلا أنه إذا ثبت حقهم عند الموت استند الحق الثابت إلى أول المرض ، والاستناد إنما يظهر في القائم لا في الماضي ، وإجازتهم قد مضت لغوا ضائعا ; لانعدام الحق حال وجودها فلا تلحقها الإجازة ، والدليل على أن حق الورثة لا يثبت في حال المرض بطريق الظهور المحض : أن المريض يحل له أن يطأ جاريته ، ولو ثبت الملك عند الموت بطريق الظهور المحض لتبين أنه وطئ ملك غيره فتبين أنه كان حراما ، وليس كذلك بالإجماع على أن في إثبات الحق في المرض على طريق الظهور المحض إبطال الحقيقة عند الموت فلا يجوز اعتبار الحق للحال ; لإبطال الحقيقة عند الموت ، فكان اعتباره من طريق الاستناد فيظهر في القائم لا في الماضي .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية