الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما الذي يرجع إلى المسروق فيه ، وهو المكان فهو أن تكون السرقة في دار العدل فلا يقطع بالسرقة في دار الحرب ، ودار البغي ; لأنه لا يد للإمام في دار الحرب ، ولا على دار البغي ، فالسرقة الموجودة فيهما لا تنعقد سببا لوجوب القطع ، وبيان هذا في مسائل التجار ، أو الأسارى من أهل الإسلام في دار الحرب إذا سرق بعضهم من بعض ، ثم خرجوا إلى دار الإسلام فأخذ السارق لا يقطعه الإمام ; لأنه لا يد للإمام في دار الحرب ، فالسرقة الموجودة فيهما لم تنعقد سببا لوجوب القطع ، فلا تستوفي في دار الإسلام ، وكذلك التجار من أهل العدل في معسكر أهل البغي ، أو الأسارى في أيديهم إذا سرق بعضهم من بعض .

                                                                                                                                ثم خرجوا إلى أهل العدل فأخذ السارق لم يقطعه الإمام ; لأن السرقة وجدت في موضع لا يد للإمام عليه فأشبهت السرقة في دار الحرب ، وكذلك رجل من أهل البغي جاء للإمام تائبا ، وقد سرق من أهل البغي لم يقطعه ; لما قلنا ، وكذلك رجل من أهل العدل أغار على معسكر أهل البغي فسرق منهم لم يقطعه الإمام ; لأن السرقة لم تنعقد موجبة للقطع لعدم ولاية الاستيفاء فيه ; ولأنه أخذ عن تأويل ; لأن لأهل العدل أن يأخذوا أموال أهل البغي ، ويحبسونها عندهم حتى يتوبوا ، فكان في العصمة شبهة العدم ، وكذلك الرجل من أهل البغي إذا سرق من معسكر أهل العدل ، وعاد إلى معسكره ، ثم أخذ بعد ذلك لم يقطع ; لأنهم يعتقدون إباحة أموالنا ، ولهم منعة ، فكان أخذه عن تأويل فلا يقطع بالسرقة كما لا يضمن بالإتلاف .

                                                                                                                                ولو أن رجلا من أهل العدل سرق من إنسان مالا ، وهو يشهد عليه بالكفر ، ويستحل دمه ، وماله يقطع ; لأن مجرد اعتقاد الإباحة لا عبرة به ، ولأنا لو اعتبرنا ذلك لأدى إلى سد باب الحد [ ص: 81 ] لأن كل سارق لا يعجز عن إظهار ذلك فيسقط القطع عن نفسه ، وهذا قبيح فما يؤدي إليه مثله .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية