( فصل ) :
وأما الإحصان ، فالإحصان نوعان : إحصان الرجم ، وإحصان القذف أما
nindex.php?page=treesubj&link=25860_10380_25859_10388_10387_10386_10385_10384_10383_10382إحصان الرجم فهو عبارة - في الشرع - عن اجتماع صفات اعتبرها الشرع لوجوب الرجم ، وهي سبعة : العقل والبلوغ والحرية والإسلام والنكاح الصحيح وكون الزوجين جميعا على هذه الصفات ، وهو أن يكونا جميعا عاقلين بالغين حرين مسلمين ، فوجود هذه الصفات جميعا فيهما شرط ; لكون كل واحد منهما محصنا ، والدخول في النكاح الصحيح بعد سائر الشرائط متأخرا عنها ، فإن تقدمها لم يعتبر ما لم يوجد دخول آخر بعدها ، فلا إحصان للصبي والمجنون والعبد والكافر ، ولا بالنكاح الفاسد
[ ص: 38 ] ولا بنفس النكاح ما لم يوجد الدخول .
وما لم يكن الزوجان جميعا وقت الدخول على صفة الإحصان ، حتى أن الزوج العاقل البالغ الحر المسلم إذا دخل بزوجته ، وهي صبية أو مجنونة أو أمة أو كتابية ، ثم أدركت الصبية وأفاقت المجنونة وأعتقت الأمة وأسلمت الكافرة ; لا يصير محصنا ما لم يوجد دخول آخر بعد زوال هذه العوارض ، حتى لو زنى قبل دخول آخر - لا يرجم ، فإذا وجدت هذه الصفات صار الشخص محصنا ; لأن الإحصان في اللغة عبارة عن الدخول في الحصن ، يقال : أحصن ، أي دخل الحصن ، كما يقال : أعرق أي دخل
العراق ، وأشأم أي دخل
الشام ، وأحصن أي دخل في الحصن ، ومعناه دخل حصنا عن الزنا إذا دخل فيه ، وإنما يصير الإنسان داخلا في الحصن عن الزنا عند توفر الموانع ، وكل واحد من هذه الجملة مانع عن الزنا ، فعند اجتماعها تتوفر الموانع .
أما العقل ; فلأن للزنا عاقبة ذميمة ، والعقل يمنع عن ارتكاب ما له عاقبة ذميمة .
وأما البلوغ فإن الصبي ; لنقصان عقله ولقلة تأمله لاشتغاله باللهو واللعب لا يقف على عواقب الأمور فلا يعرف الحميدة منها والذميمة .
وأما الحرية ; فلأن الحر يستنكف عن الزنا وكذا الحرة ; ولهذا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=33317لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم آية المبايعة على النساء وبلغ إلى قول الله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=12ولا يزنين } قالت هند امرأة أبي سفيان : أوتزني الحرة يا رسول الله ؟ } وأما الإسلام ; فلأنه نعمة كاملة موجبة للشكر فيمنع من الزنا الذي هو وضع الكفر في موضع الشكر .
وأما اعتبار اجتماع هذه الصفات في الزوجين جميعا ; فلأن اجتماعها فيهما يشعر بكمال حالهما ، وذا يشعر بكمال اقتضاء الشهوة من الجانبين ; لأن اقتضاء الشهوة بالصبية والمجنونة قاصر ، وكذا بالرقيق ; لكون الرق من نتائج الكفر فينفر عنه الطبع ، وكذا بالكافرة ; لأن طبع المسلم ينفر عن الاستمتاع بالكافرة .
ولهذا {
قال النبي عليه الصلاة والسلام nindex.php?page=showalam&ids=21لحذيفة رضي الله عنه حين أراد أن يتزوج يهودية : دعها فإنها لا تحصنك } وأما الدخول بالنكاح الصحيح ; فلأنه اقتضاء الشهوة بطريق حلال فيقع به الاستغناء عن الحرام ، والنكاح الفاسد لا يفيد فلا يقع به الاستغناء .
وأما كون الدخول آخر الشرائط ; فلأن الدخول قبل استيفاء سائر الشرائط لا يقع اقتضاء الشهوة على سبيل الكمال ، فلا تقع الغنية به عن الحرام على التمام ، وبعد استيفائها تقع به الغنية على الكمال والتمام ، فثبت أن هذه الجملة موانع عن الزنا فيحصل بها معنى الإحصان وهو الدخول في الحصن عن الزنا ، ولا خلاف في هذه الجملة إلا في الإسلام ، فإنه روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف أنه ليس من شرائط الإحصان حتى لا يصير المسلم محصنا بنكاح الكتابية ، والدخول بها في ظاهر الرواية .
وكذلك الذمي العاقل البالغ الحر الثيب إذا زنى لا يرجم في ظاهر الرواية بل يجلد ، وعلى ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف يصير المسلم محصنا بنكاح الكتابية ، ويرجم الذمي به ، وبه أخذ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله تعالى - واحتجا بما روي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7540أنه عليه الصلاة والسلام رجم يهوديين ، } ولو كان الإسلام شرطا لما رجم ; ولأن اشتراط الإسلام للزجر عن الزنا ، والدين المطلق يصلح للزجر عن الزنا ; لأن الزنا حرام في الأديان كلها .
( ولنا ) في زنا الذمي قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } أوجب سبحانه وتعالى الجلد على كل زان وزانية ، أو على مطلق الزاني والزانية من غير فصل بين المؤمن والكافر ، ومتى وجب الجلد انتفى وجوب الرجم ضرورة ; ولأن زنا الكافر لا يساوي زنا المسلم في كونه جناية ، فلا يساويه في استدعاء العقوبة كزنا البكر مع زنا الثيب .
وبيان ذلك : أن زنا المسلم اختص بمزيد قبح انتفى ، ذلك في زنا الكافر وهو كون زناه وضع الكفران في موضع الشكر ; لأن دين الإسلام نعمة ودين الكفر ليس بنعمة ، وفي زنا المسلم بالكتابية {
قوله عليه الصلاة والسلام nindex.php?page=showalam&ids=21لحذيفة رضي الله عنه حين أراد أن يتزوج يهودية : دعها فإنها لا تحصنك } وقوله عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35504من أشرك بالله فليس بمحصن } والذمي مشرك على الحقيقة فلم يكن محصنا وما ذكرنا أن في اقتضاء الشهوة بالكافرة قصورا ، فلا يتكامل معنى النعمة فلا يتكامل الزاجر ، وقوله الزجر يحصل بأصل الدين قلنا : نعم ، لكنه لا يتكامل إلا بدين الإسلام ; لأنه نعمة فيكون الزنا - من المسلم - وضع الكفران في موضع الشكر ، ودين الكفر ليس بنعمة ; فلا يكون في كونه زاجرا مثله .
وأما حديث رجم اليهوديين فيحتمل أنه كان قبل نزول آية الجلد ; فانتسخ بها .
ويحتمل أنه كان بعد نزولها ، ونسخ خبر الواحد أهون من نسخ الكتاب العزيز ، وإحصان كل واحد من الزانيين ليس بشرط
[ ص: 39 ] لوجوب الرجم على أحدهما ، حتى لو كان أحدهما محصنا والآخر غير محصن ، فالمحصن منهما يرجم ، وغير المحصن يجلد ، ثم إذا ظهر إحصان الزاني بالبينة أو بالإقرار يرجم بالنص والمعقول ، أما النص فالحديث المشهور ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31391لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى معان ثلاث : كفر بعد إيمان ، وزنا بعد إحصان ، وقتل نفس بغير حق } .
وروي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7538أنه عليه الصلاة والسلام رجم ماعزا وكان محصنا } .
وأما المعقول فهو أن المحصن إذا توفرت عليه الموانع من الزنا ، فإذا أقدم عليه مع توفر الموانع - صار زناه غاية في القبح ، فيجازى بما هو غاية في العقوبات الدنيوية وهو الرجم ; لأن الجزاء على قدر الجناية ، ألا ترى أن الله سبحانه وتعالى توعد نساء النبي عليه الصلاة والسلام بمضاعفة العذاب إذا أتين بفاحشة ; لعظم جنايتهن ; لحصولها مع توفر الموانع فيهن ; لعظم نعم الله - سبحانه وتعالى - عليهن ; لنيلهن صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضاجعته ، فكانت جنايتهن على تقدير الإتيان غاية في القبح ، فأوعدن بالغاية من الجزاء .
كذا ههنا ، ولا يجمع بين الجلد والرجم عند عامة العلماء ، وقال بعض الناس : يجمع بينهما ; لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39727والثيب بالثيب جلد مائة ، ورجم بالحجارة } .
( ولنا ) {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7538أنه عليه الصلاة والسلام رجم ماعزا ولم يجلده } ، ولو وجب الجمع بينهما لجمع ; ولأن الزنا جناية واحدة فلا يوجب إلا عقوبة واحدة ، والجلد والرجم كل واحد منهما عقوبة على حدة ، فلا يجبان لجناية واحدة ، والحديث محمول على الجمع بينهما في الجلد والرجم ، لكن في حالين فيكون عملا بالحديث ، وإذا فقد شرط من شرائط الإحصان لا يرجم بل يجلد ; لأن الواجب بنفس الزنا هو الجلد بآية الجلد ; ولأن زنا غير المحصن لا يبلغ غاية في القبح فلا تبلغ عقوبته النهاية ، فيكتفى بالجلد
nindex.php?page=treesubj&link=10411_10420_10378وهل يجمع بين الجلد والتغريب ؟ اختلف فيه قال أصحابنا : لا يجمع إلا إذا رأى الإمام المصلحة في الجمع بينهما ; فيجمع وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله : يجمع بينهما ، احتج بما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13909البكر بالبكر جلد مائة ، وتغريب عام } وروي عن سيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه أنه جلد وغرب ، وكذا روي عن سيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه أنه فعل كذا ، ولم ينكر عليهما أحد من الصحابة ، فيكون إجماعا .
( ولنا ) قوله عز وجل {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } .
والاستدلال به من وجهين : أحدهما - أنه - عز وجل - أمر بجلد الزانية والزاني ، ولم يذكر التغريب ، فمن أوجبه فقد زاد على كتاب الله - عز وجل - والزيادة عليه نسخ ، ولا يجوز نسخ النص بخبر الواحد ، والثاني - أنه سبحانه وتعالى جعل الجلد جزاء ، والجزاء اسم لما تقع به الكفاية مأخوذ من الاجتزاء - وهو الاكتفاء - فلو أوجبنا التغريب لا تقع الكفاية بالجلد ، وهذا خلاف النص ; لأن التغريب تعريض للمغرب على الزنا ; لأنه ما دام في بلده يمتنع عن العشائر والمعارف حياء منهم ، وبالتغريب يزول هذا المعنى فيعرى الداعي عن الموانع فيقدم عليه ، والزنا قبيح فما أفضى إليه مثله ، وفعل الصحابة محمول على أنهم رأوا ذلك مصلحة على طريق التعزير ، ألا يرى أنه روي عن سيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه أنه نفى رجلا فلحق
بالروم فقال : لا أنفي بعدها أبدا .
وعن سيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه أنه قال : كفى بالنفي فتنة فدل أن فعلهم كان على طريق التعزير ، ونحن به نقول : إن للإمام أن ينفي إن رأى المصلحة في التغريب ، ويكون النفي تعزيرا لا حدا ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم وأما إحصان القذف فنذكره في حد القذف إن شاء الله تعالى .
( فَصْلٌ ) :
وَأَمَّا الْإِحْصَانُ ، فَالْإِحْصَانُ نَوْعَانِ : إحْصَانُ الرَّجْمِ ، وَإِحْصَانُ الْقَذْفِ أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=25860_10380_25859_10388_10387_10386_10385_10384_10383_10382إحْصَانُ الرَّجْمِ فَهُوَ عِبَارَةٌ - فِي الشَّرْعِ - عَنْ اجْتِمَاعِ صِفَاتٍ اعْتَبَرَهَا الشَّرْعُ لِوُجُوبِ الرَّجْمِ ، وَهِيَ سَبْعَةٌ : الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ وَكَوْنُ الزَّوْجَيْنِ جَمِيعًا عَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ ، فَوُجُودُ هَذِهِ الصِّفَاتِ جَمِيعًا فِيهِمَا شَرْطٌ ; لِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحْصَنًا ، وَالدُّخُولُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ بَعْدَ سَائِرِ الشَّرَائِطِ مُتَأَخِّرًا عَنْهَا ، فَإِنْ تَقَدَّمَهَا لَمْ يُعْتَبَرْ مَا لَمْ يُوجَدْ دُخُولٌ آخَرُ بَعْدَهَا ، فَلَا إحْصَانَ لِلصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْعَبْدِ وَالْكَافِرِ ، وَلَا بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ
[ ص: 38 ] وَلَا بِنَفْسِ النِّكَاحِ مَا لَمْ يُوجَدْ الدُّخُولُ .
وَمَا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجَانِ جَمِيعًا وَقْتَ الدُّخُولِ عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ ، حَتَّى أَنَّ الزَّوْجَ الْعَاقِلَ الْبَالِغَ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ إذَا دَخَلَ بِزَوْجَتِهِ ، وَهِيَ صَبِيَّةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ أَوْ أَمَةٌ أَوْ كِتَابِيَّةٌ ، ثُمَّ أَدْرَكَتْ الصَّبِيَّةُ وَأَفَاقَتْ الْمَجْنُونَةُ وَأُعْتِقَتْ الْأَمَةُ وَأَسْلَمَتْ الْكَافِرَةُ ; لَا يَصِيرُ مُحْصَنًا مَا لَمْ يُوجَدْ دُخُولٌ آخَرُ بَعْدَ زَوَالِ هَذِهِ الْعَوَارِضِ ، حَتَّى لَوْ زَنَى قَبْلَ دُخُولٍ آخَرَ - لَا يُرْجَمُ ، فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ صَارَ الشَّخْصُ مُحْصَنًا ; لِأَنَّ الْإِحْصَانَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْحِصْنِ ، يُقَالُ : أَحْصَنَ ، أَيْ دَخَلَ الْحِصْنَ ، كَمَا يُقَالُ : أَعْرَقَ أَيْ دَخَلَ
الْعِرَاقَ ، وَأَشْأَمَ أَيْ دَخَلَ
الشَّامَ ، وَأَحْصَنَ أَيْ دَخَلَ فِي الْحِصْنِ ، وَمَعْنَاهُ دَخَلَ حِصْنًا عَنْ الزِّنَا إذَا دَخَلَ فِيهِ ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْإِنْسَانُ دَاخِلًا فِي الْحِصْنِ عَنْ الزِّنَا عِنْدَ تَوَفُّرِ الْمَوَانِعِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَانِعٌ عَنْ الزِّنَا ، فَعِنْدَ اجْتِمَاعِهَا تَتَوَفَّرُ الْمَوَانِعُ .
أَمَّا الْعَقْلُ ; فَلِأَنَّ لِلزِّنَا عَاقِبَةً ذَمِيمَةً ، وَالْعَقْلُ يَمْنَعُ عَنْ ارْتِكَابِ مَا لَهُ عَاقِبَةٌ ذَمِيمَةٌ .
وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَإِنَّ الصَّبِيَّ ; لِنُقْصَانِ عَقْلِهِ وَلِقِلَّةِ تَأَمُّلِهِ لِاشْتِغَالِهِ بِاللَّهْوِ وَاللَّعِبِ لَا يَقِفُ عَلَى عَوَاقِبِ الْأُمُورِ فَلَا يَعْرِفُ الْحَمِيدَةَ مِنْهَا وَالذَّمِيمَةَ .
وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ ; فَلِأَنَّ الْحُرَّ يَسْتَنْكِفُ عَنْ الزِّنَا وَكَذَا الْحُرَّةُ ; وَلِهَذَا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=33317لَمَّا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةَ الْمُبَايَعَةِ عَلَى النِّسَاءِ وَبَلَغَ إلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=12وَلَا يَزْنِينَ } قَالَتْ هِنْدُ امْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ : أَوَتَزْنِي الْحُرَّةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ } وَأَمَّا الْإِسْلَامُ ; فَلِأَنَّهُ نِعْمَةٌ كَامِلَةٌ مُوجِبَةٌ لِلشُّكْرِ فَيَمْنَعُ مِنْ الزِّنَا الَّذِي هُوَ وَضْعُ الْكُفْرِ فِي مَوْضِعِ الشُّكْرِ .
وَأَمَّا اعْتِبَارُ اجْتِمَاعِ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِي الزَّوْجَيْنِ جَمِيعًا ; فَلِأَنَّ اجْتِمَاعَهَا فِيهِمَا يُشْعِرُ بِكَمَالِ حَالِهِمَا ، وَذَا يُشْعِرُ بِكَمَالِ اقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ; لِأَنَّ اقْتِضَاءَ الشَّهْوَةِ بِالصَّبِيَّةِ وَالْمَجْنُونَةِ قَاصِرٌ ، وَكَذَا بِالرَّقِيقِ ; لِكَوْنِ الرِّقِّ مِنْ نَتَائِجِ الْكُفْرِ فَيَنْفِرُ عَنْهُ الطَّبْعُ ، وَكَذَا بِالْكَافِرَةِ ; لِأَنَّ طَبْعَ الْمُسْلِمِ يَنْفِرُ عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْكَافِرَةِ .
وَلِهَذَا {
قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ nindex.php?page=showalam&ids=21لِحُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً : دَعْهَا فَإِنَّهَا لَا تُحْصِنُكَ } وَأَمَّا الدُّخُولُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ ; فَلِأَنَّهُ اقْتِضَاءُ الشَّهْوَةِ بِطَرِيقٍ حَلَالٍ فَيَقَعُ بِهِ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ الْحَرَامِ ، وَالنِّكَاحُ الْفَاسِدُ لَا يُفِيدُ فَلَا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِغْنَاءُ .
وَأَمَّا كَوْنُ الدُّخُولِ آخِرَ الشَّرَائِطِ ; فَلِأَنَّ الدُّخُولَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ لَا يَقَعُ اقْتِضَاءَ الشَّهْوَةِ عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ ، فَلَا تَقَعُ الْغُنْيَةُ بِهِ عَنْ الْحَرَامِ عَلَى التَّمَامِ ، وَبَعْدَ اسْتِيفَائِهَا تَقَعُ بِهِ الْغُنْيَةُ عَلَى الْكَمَالِ وَالتَّمَامِ ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مَوَانِعُ عَنْ الزِّنَا فَيَحْصُلُ بِهَا مَعْنَى الْإِحْصَانِ وَهُوَ الدُّخُولُ فِي الْحِصْنِ عَنْ الزِّنَا ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ إلَّا فِي الْإِسْلَامِ ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ حَتَّى لَا يَصِيرَ الْمُسْلِمُ مُحْصَنًا بِنِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ ، وَالدُّخُولِ بِهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ .
وَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ الْحُرُّ الثَّيِّبُ إذَا زَنَى لَا يُرْجَمُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَلْ يُجْلَدُ ، وَعَلَى مَا رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبِي يُوسُفَ يَصِيرُ الْمُسْلِمُ مُحْصَنًا بِنِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ ، وَيُرْجَمُ الذِّمِّيُّ بِهِ ، وَبِهِ أَخَذَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاحْتَجَّا بِمَا رُوِيَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7540أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ ، } وَلَوْ كَانَ الْإِسْلَامُ شَرْطًا لَمَا رَجَمَ ; وَلِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِسْلَامِ لِلزَّجْرِ عَنْ الزِّنَا ، وَالدِّينُ الْمُطْلَقُ يَصْلُحُ لِلزَّجْرِ عَنْ الزِّنَا ; لِأَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ فِي الْأَدْيَانِ كُلِّهَا .
( وَلَنَا ) فِي زِنَا الذِّمِّيِّ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } أَوْجَبَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْجَلْدَ عَلَى كُلِّ زَانٍ وَزَانِيَةٍ ، أَوْ عَلَى مُطْلَقِ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ ، وَمَتَى وَجَبَ الْجَلْدُ انْتَفَى وُجُوبُ الرَّجْمِ ضَرُورَةً ; وَلِأَنَّ زِنَا الْكَافِرِ لَا يُسَاوِي زِنَا الْمُسْلِمِ فِي كَوْنِهِ جِنَايَةً ، فَلَا يُسَاوِيهِ فِي اسْتِدْعَاءِ الْعُقُوبَةِ كَزِنَا الْبِكْرِ مَعَ زِنَا الثَّيِّبِ .
وَبَيَانُ ذَلِكَ : أَنَّ زِنَا الْمُسْلِمِ اُخْتُصَّ بِمَزِيدِ قُبْحٍ انْتَفَى ، ذَلِكَ فِي زِنَا الْكَافِرِ وَهُوَ كَوْنُ زِنَاهُ وَضْعَ الْكُفْرَانِ فِي مَوْضِعِ الشُّكْرِ ; لِأَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ نِعْمَةٌ وَدِينَ الْكُفْرِ لَيْسَ بِنِعْمَةٍ ، وَفِي زِنَا الْمُسْلِمِ بِالْكِتَابِيَّةِ {
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ nindex.php?page=showalam&ids=21لِحُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً : دَعْهَا فَإِنَّهَا لَا تُحْصِنُكَ } وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35504مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ } وَالذِّمِّيُّ مُشْرِكٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا وَمَا ذَكَرْنَا أَنَّ فِي اقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ بِالْكَافِرَةِ قُصُورًا ، فَلَا يَتَكَامَلُ مَعْنَى النِّعْمَةِ فَلَا يَتَكَامَلُ الزَّاجِرُ ، وَقَوْلُهُ الزَّجْرُ يَحْصُلُ بِأَصْلِ الدِّينِ قُلْنَا : نَعَمْ ، لَكِنَّهُ لَا يَتَكَامَلُ إلَّا بِدِينِ الْإِسْلَامِ ; لِأَنَّهُ نِعْمَةٌ فَيَكُونُ الزِّنَا - مِنْ الْمُسْلِمِ - وَضْعَ الْكُفْرَانِ فِي مَوْضِعِ الشُّكْرِ ، وَدِينُ الْكُفْرِ لَيْسَ بِنِعْمَةٍ ; فَلَا يَكُونُ فِي كَوْنِهِ زَاجِرًا مِثْلُهُ .
وَأَمَّا حَدِيثُ رَجْمِ الْيَهُودِيَّيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْجَلْدِ ; فَانْتَسَخَ بِهَا .
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ نُزُولِهَا ، وَنَسْخُ خَبَرِ الْوَاحِدِ أَهْوَنُ مِنْ نَسْخِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ ، وَإِحْصَانُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّانِيَيْنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ
[ ص: 39 ] لِوُجُوبِ الرَّجْمِ عَلَى أَحَدِهِمَا ، حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُحْصَنًا وَالْآخَرُ غَيْرَ مُحْصَنٍ ، فَالْمُحْصَنُ مِنْهُمَا يُرْجَمُ ، وَغَيْرُ الْمُحْصَنِ يُجْلَدُ ، ثُمَّ إذَا ظَهَرَ إحْصَانُ الزَّانِي بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ يُرْجَمُ بِالنَّصِّ وَالْمَعْقُولِ ، أَمَّا النَّصُّ فَالْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31391لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى مَعَانٍ ثَلَاثٍ : كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ ، وَزِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ ، وَقَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ حَقٍّ } .
وَرُوِيَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7538أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَجَمَ مَاعِزًا وَكَانَ مُحْصَنًا } .
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ الْمُحْصَنَ إذَا تَوَفَّرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَانِعُ مِنْ الزِّنَا ، فَإِذَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ مَعَ تَوَفُّرِ الْمَوَانِعِ - صَارَ زِنَاهُ غَايَةً فِي الْقُبْحِ ، فَيُجَازَى بِمَا هُوَ غَايَةٌ فِي الْعُقُوبَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَهُوَ الرَّجْمُ ; لِأَنَّ الْجَزَاءَ عَلَى قَدْرِ الْجِنَايَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَوَعَّدَ نِسَاءَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِمُضَاعَفَةِ الْعَذَابِ إذَا أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ ; لِعِظَمِ جِنَايَتِهِنَّ ; لِحُصُولِهَا مَعَ تَوَفُّرِ الْمَوَانِعِ فِيهِنَّ ; لِعِظَمِ نِعَمِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - عَلَيْهِنَّ ; لِنَيْلِهِنَّ صُحْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُضَاجَعَتَهُ ، فَكَانَتْ جِنَايَتُهُنَّ عَلَى تَقْدِيرِ الْإِتْيَانِ غَايَةً فِي الْقُبْحِ ، فَأُوعِدْنَ بِالْغَايَةِ مِنْ الْجَزَاءِ .
كَذَا هَهُنَا ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ : يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا ; لِظَاهِرِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39727وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ ، وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ } .
( وَلَنَا ) {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7538أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَجَمَ مَاعِزًا وَلَمْ يَجْلِدْهُ } ، وَلَوْ وَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَجَمَعَ ; وَلِأَنَّ الزِّنَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يُوجِبُ إلَّا عُقُوبَةً وَاحِدَةً ، وَالْجَلْدُ وَالرَّجْمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُقُوبَةٌ عَلَى حِدَةٍ ، فَلَا يَجِبَانِ لِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ ، لَكِنْ فِي حَالَيْنِ فَيَكُونُ عَمَلًا بِالْحَدِيثِ ، وَإِذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ لَا يُرْجَمُ بَلْ يُجْلَدُ ; لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِنَفْسِ الزِّنَا هُوَ الْجَلْدُ بِآيَةِ الْجَلْدِ ; وَلِأَنَّ زِنَا غَيْرَ الْمُحْصَنِ لَا يَبْلُغُ غَايَةً فِي الْقُبْحِ فَلَا تَبْلُغُ عُقُوبَتُهُ النِّهَايَةَ ، فَيُكْتَفَى بِالْجَلْدِ
nindex.php?page=treesubj&link=10411_10420_10378وَهَلْ يُجْمَعُ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالتَّغْرِيبِ ؟ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا : لَا يُجْمَعُ إلَّا إذَا رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ; فَيَجْمَعُ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ : يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا ، احْتَجَّ بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13909الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ } وَرُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ جَلَدَ وَغَرَّبَ ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا .
( وَلَنَا ) قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } .
وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَمَرَ بِجَلْدِ الزَّانِيَةِ وَالزَّانِي ، وَلَمْ يَذْكُرْ التَّغْرِيبَ ، فَمَنْ أَوْجَبَهُ فَقَدْ زَادَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ نَسْخٌ ، وَلَا يَجُوزُ نَسْخُ النَّصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ، وَالثَّانِي - أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ الْجَلْدَ جَزَاءً ، وَالْجَزَاءُ اسْمٌ لِمَا تَقَعُ بِهِ الْكِفَايَةُ مَأْخُوذٌ مِنْ الِاجْتِزَاءِ - وَهُوَ الِاكْتِفَاءُ - فَلَوْ أَوْجَبْنَا التَّغْرِيبَ لَا تَقَعُ الْكِفَايَةُ بِالْجَلْدِ ، وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ ; لِأَنَّ التَّغْرِيبَ تَعْرِيضٌ لِلْمُغَرَّبِ عَلَى الزِّنَا ; لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي بَلَدِهِ يَمْتَنِعُ عَنْ الْعَشَائِرِ وَالْمَعَارِفِ حَيَاءً مِنْهُمْ ، وَبِالتَّغْرِيبِ يَزُولُ هَذَا الْمَعْنَى فَيُعَرَّى الدَّاعِي عَنْ الْمَوَانِعِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ ، وَالزِّنَا قَبِيحٌ فَمَا أَفْضَى إلَيْهِ مِثْلُهُ ، وَفِعْلُ الصَّحَابَةِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَلِكَ مَصْلَحَةً عَلَى طَرِيقِ التَّعْزِيرِ ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ نَفَى رَجُلًا فَلَحِقَ
بِالرُّومِ فَقَالَ : لَا أَنْفِي بَعْدَهَا أَبَدًا .
وَعَنْ سَيِّدِنَا
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةً فَدَلَّ أَنَّ فِعْلَهُمْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ التَّعْزِيرِ ، وَنَحْنُ بِهِ نَقُولُ : إنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْفِيَ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي التَّغْرِيبِ ، وَيَكُونُ النَّفْيُ تَعْزِيرًا لَا حَدًّا ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَأَمَّا إحْصَانُ الْقَذْفِ فَنَذْكُرُهُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .