( فصل ) :
وأما بيان ما تظهر به السرقة عند القاضي فنقول : - وبالله التوفيق - السرقة الموجبة للقطع عند القاضي تظهر بأحد أمرين : أحدهما : البينة ، والثاني : الإقرار .
أما البينة فتظهر بها السرقة إذا استجمعت شرائطها ; لأنها خبر يرجح فيه جنبة الصدق على جنبة الكذب فيظهر المخبر به
nindex.php?page=treesubj&link=10241_16200_10228_10232_10231_10240_10227_10222_10204، وشرائط قبول البينة في باب السرقة بعضها يعم البينات كلها ، قد ذكرنا ذلك في كتاب الشهادات ، وبعضها يخص أبواب الحدود ، والقصاص ، وهو الذكورة ، والعدالة ، والأصالة فلا تقبل فيها شهادة النساء ، ولا شهادة الفساق ، ولا الشهادة على الشهادة ; لأن في شهادة هؤلاء زيادة شبهة ، لا ضرورة إلى تحملها فيما يحتال لدفعه ، ويحتاط لدرئه ، وكذا عدم تقادم العهد إلا في حد القذف ، والقصاص حتى لو شهدوا بالسرقة بعد حين لم تقبل ولا يقطع ، ويضمن المال ، والأصل أن التقادم يبطل الشهادة على الحدود الخالصة ، ولا يبطلها على حد القذف ، ولا يبطل الإقرار أيضا .
والفرق ذكرناه في كتاب الحدود ، وإنما ضمن المال ; لأن التقادم إنما يمنع من الشهادة على الحدود الخالصة للشبهة ، والشبهة تمنع وجوب الحد ، ولا تمنع وجوب المال ، وبعضها يخص أرباب الأموال والحقوق ، وهو الخصومة ، والدعوى ممن له يد صحيحة ، حتى لو شهدوا أنه سرق من فلان الغائب لم تقبل شهادتهم ما لم يحضر المسروق ، منه ويخاصم لما ذكرنا أن كون المسروق ملكا لغير السارق شرط لكون الفعل سرقة ولا يظهر ذلك إلا بالخصومة فإذا لم توجد الخصومة لم تقبل شهادتهم ، ولكن يحبس السارق ; لأن إخبارهم أورث تهمة ، ويجوز الحبس بالتهمة ; لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19470حبس رجلا بالتهمة }
nindex.php?page=treesubj&link=10151_26685_25664وهل يشترط حضور المولى لقبول البينة القائمة على سرقة عبده مال إنسان ، والعبد يجحد اختلف فيه قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة - عليه الرحمة - : يشترط حتى لو كان مولاه غائبا لم تقبل البينة ، وهو إحدى الروايتين عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف - رحمه الله - رواية أخرى أنه لا يشترط ، ويقضى عليه بالقطع ، وإن كان مولاه غائبا .
( وجه ) هذه الرواية أن القطع إنما يجب على العبد بالسرقة من حيث إنه آدمي مكلف لا من حيث إنه مال مملوك للمولى ، ومن هذا الوجه المولى أجنبي عنه فلا معنى لاشتراط حضرته ، كما لا تشترط حضرة سائر الأجانب ; ولهذا لو أقر بالسرقة نفذ إقراره ، ولا يشترط حضور المولى كذا هذا .
( وجه ) قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة - عليه الرحمة - : أن هذه البينة تتضمن إتلاف ملك المولى فلا يقضى بها مع غيبة المولى كالبينة القائمة على ملك شيء من رقبة العبد ، ولأن من الجائز أنه لو كان حاضرا لادعى شبهة مانعة من قبول الشهادة ، والحدود تدرأ ما أمكن ، بخلاف الإقرار ; لأنه بعد ما وقع موجبا للحد لا يملك المولى رده بوجه فلم تتمكن فيه شبهة ، ولا تظهر السرقة بالنكول حتى لو ادعى على رجل سرقة فأنكر فاستخلف فنكل لا يقضى عليه بالقطع ، ويقضى بالمال ; لأن النكول إما أن يجري مجرى البدل .
والقطع مما لا يحتمل البدل والإباحة ، والمال يحتمل البدل والإباحة ، وإما أن يجري مجرى إقرار فيه شبهة العدم ; لكونه إقرارا من طريق السكوت لا صريحا ، والشبهة تمنع وجوب الحد ، ولا تمنع وجوب المال .
( وأما ) الإقرار فتظهر به السرقة الموجبة للقطع أيضا ; لأن الإنسان غير متهم في الإقرار على نفسه بالإضرار بنفسه فتظهر به السرقة ، كما تظهر بالبينة ، وبل أولى ; لأن المرء قد يتهم في حق غيره ما لا يتهم في حق نفسه ، وسواء كان الذي أقر بالسرقة عبدا مأذونا ، أو محجورا بعد أن كان من أهل وجوب القطع عليه ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر - رحمه الله - لا يقطع بإقرار العبد من غير تصديق المولى .
وجملة الكلام : أن
nindex.php?page=treesubj&link=10270_10211العبد إذا أقر بسرقة عشرة دراهم لا يخلو إما أن كان مأذونا ، أو محجورا ، والمال قائم ، أو هالك فإن كان مأذونا ; يقطع ثم إن كان المال هالكا ، أو مستهلكا لا ضمان عليه سواء صدقه مولاه في إقراره ، أو كذبه ; لأن القطع مع الضمان لا يجتمعان عندنا ، وإن كان المال قائما فهو للمسروق منه ، وهذا قول
أصحابنا الثلاثة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر - رحمه الله - : لا يقطع من غير تصديق المولى ، والمال للمسروق منه .
( وجه ) قوله : أن إقرار العبد يتضمن إتلاف مال المولى ; لأن ما في يد العبد مال مولاه فلا يقبل من غير تصديق المولى .
( ولنا ) أن العبد غير متهم في هذا الإقرار ; لأن المولى إن كان يتضرر به فضرر العبد أعظم ، فلم يكن متهما في إقراره فيقبل ; ولأنه لا ملك للمولى في يد العبد في حق القطع ، كما لا ملك له في نفسه في حق القتل ، فكان العبد فيه مبقى على أصل الحرية فيقبل إقراره كالحر ، وبه
[ ص: 82 ] تبين أن إقراره لم يتضمن إبطال حق المولى في حق القطع لعدم الحق له في حقه ، وإن كان محجورا تقطع يده ، ثم إن كان المال هالكا ، أو مستهلكا لا ضمان عليه كذبه مولاه ، أو صدقه ، وإن كان قائما ، فإن صدقه مولاه ; تقطع يده ، والمال للمسروق منه ، وإن كذبه بأن قال : هذا مالي اختلف فيه أصحابنا الثلاثة قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : " تقطع يده ، والمال للمسروق منه " ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف : " تقطع يده ، والمال للمولى ، ولا ضمان على العبد في الحال ، ولا بعد العتق " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد : " لا تقطع يده ، والمال للمولى ، ويضمن مثله للمقر له بعد العتق " .
( وجه ) قوله ظاهر ; لأن إقرار المحجور بالمال لا يصح ; لأن ما في يده ملك مولاه ظاهرا وغالبا ، وإذا لم ينفذ إقراره بالمال بقي المال على حكم ملك المولى ، ولا قطع في مال المولى ، بخلاف المأذون ; لأن إقراره بالمال جائز ، وإذا جاز إقراره بالمال لغيره تثبت السرقة منه فيقطع .
( وجه ) قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف : أن إقراره بالحد جائز ، وإن كان لا يجوز بالمال إذ ليس من ضرورة جواز إقراره في حق الحد جوازه في المال ألا ترى أنه لو قال : سرقت هذا المال الذي في يد زيد من عمرو يقبل إقراره في القطع ، ولا يقبل في المال كذا هذا .
( وجه ) قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة - رحمه الله - : أن إقرار العبد بالحد جائز ; لما ذكرنا في العبد المأذون فلزمه القطع ، فبعد ذلك لا يخلو إما أن يقطع في المال المقر به بعينه ، ويرد المسروق إلى المولى ، وإما أن يقطع في مال بغير عينه لا سبيل إلى الأول ; لأن قطع اليد في مال محكوم به لمولاه لا يجوز ، ولا يجوز أن يقطع في مال بغير عينه ; لأن الإقرار صادف مالا معينا فتعين أن يقطع في المال المقر به بعينه ، ويرد المال إلى المسروق منه هذا إذا كان العبد بالغا عاقلا وقت الإقرار ، فأما إذا كان صبيا عاقلا فلا قطع عليه ; لأنه ليس من أهل الخطاب بالشرائع ، ثم ينظر إن كان مأذونا يصح إقراره بالمال فإن كان قائما يرد عليه .
وإن كان هالكا يضمن ، وإن كان محجورا لا يصح إقراره إلا بتصديق المولى ، فإن كذبه فالمال للمولى إن كان قائما ، وإن كان هالكا لا ضمان عليه لا في الحال ، ولا بعد العتاق ولو
nindex.php?page=treesubj&link=26166_10180_10191_10211أقر العبد بسرقة ما دون العشرة لا يقطع ; لأن النصاب شرط ، ثم ينظر إن كان مأذونا يصح إقراره ، ويرد المال إلى المسروق منه ، وإن كان هالكا يضمن سواء كان العبد مخاطبا أو لم يكن ، وإن كان محجورا ، فإن صدقه مولاه فكذلك ، وإن كذبه فالمال للمولى ، ويضمن العبد بعد العتق إن كان مخاطبا وقت الإقرار .
وإن كان صغيرا لا ضمان عليه ، والأصل في جنس هذه المسائل : أن كل ما لا يصح إقرار المولى على عبده يصح إقرار العبد فيه ، ثم المولى إذا أقر على عبده بالقصاص ، أو حد الزنا ، أو حد القذف ، أو السرقة ، أو القطع في السرقة لا يصح ، فإذا أقر العبد بهذه الأشياء يصح .
( وأما ) إذا
nindex.php?page=treesubj&link=15581_24814أقر المولى على عبده بالجناية فيما دون النفس فيما يجب فيه الدفع ، أو الفداء فإنه ينظر إن لم يكن عليه دين صح ; لأن الجناية فيما دون النفس يسلك فيها مسلك الأموال فكأن المولى أقر عليه بالدين .
ولو أقر عليه بالدين يصح كذا هذا ، وإن كان عليه دين لا يصح ; لأنه لو أقر عليه بالدين ، وعليه دين لا يصح كذا إذا أقر عليه بالجناية ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم ،
nindex.php?page=treesubj&link=15767_10211وعدم التقادم في الإقرار ( إقرار العبد بالسرقة ) ليس بشرط لجوازه فيجوز سواء تقادم عهد السرقة ، أو لا ، بخلاف البينة ، والفرق ذكرناه في كتاب الحدود ، واختلف في
nindex.php?page=treesubj&link=10205العدد في هذا الإقرار : أنه هل هو شرط : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد - رحمهما الله - : ليس بشرط ، ويظهر بالإقرار مرة واحدة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف - رحمه الله - شرط فلا يقطع ما لم يقر مرتين في مكانين ، والدلائل ذكرناها في كتاب الحدود .
وكذا اختلف في
nindex.php?page=treesubj&link=10219دعوى المسروق منه أنها هل هي شرط كون الإقرار مظهرا للسرقة كما هي شرط كون البينة مظهرة لها ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد - رحمهما الله - شرط حتى لو أقر السارق أنه سرق مال فلان الغائب لم يقطع ما لم يحضر المسروق منه ، ويخاصم عندهما ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف الدعوى في الإقرار ليست بشرط ، ويقطع حال غيبة المسروق منه .
( وجه ) قوله : أن إقراره بالسرقة إقرار على نفسه ، والإنسان يصدق في الإقرار على نفسه ; لعدم التهمة ، ولهذا لو أقر بالزنا بامرأة ، وهي غائبة قبل إقراره حد كذا هذا ، ولهما ما روي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6448أن سمرة رضي الله عنه قال للنبي عليه الصلاة والسلام : إني سرقت لآل فلان فأنفذ إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم فقالوا : إنا فقدنا بعيرا لنا في ليلة كذا فقطعه } فلولا أن المطالبة شرط ظهور السرقة بالإقرار لم يكن ليسألهم ، بل كان يقطع السارق ، ولأن كل من في يده شيء فالظاهر أنه ملكه .
( فأما ) إذا أقر به لغيره لم يحكم بزوال ملكه عنه حتى يصدقه المقر له ، والغائب يجوز أن يصدقه فيه ، ويجوز أن يكذبه فبقي على حكم
[ ص: 83 ] ملك السارق فلا يقطع ، ولأن في ظهور السرقة بهذا الإقرار شبهة العدم لاحتمال التكذيب من المسروق منه فإنه يحتمل أن يحضر فيكذبه في إقراره ، بخلاف الإقرار بالزنا بامرأة غائبة أنه يحد المقر ، وإن كان يحتمل أن تحضر المرأة فتدعي شبهة ; لأن هناك لو كانت حاضرة ، وادعت الشبهة يسقط الحد لأجل الشبهة فلو سقط عند غيبتها لسقط لشبهة الشبهة ، وأنها غير معتبرة في درء الحد ، وههنا ، بخلافه ; لأن المسروق منه لو كان حاضرا ، وكذب السارق في إقراره بالسرقة منه لم يقطع لا لمكان الشبهة ، بل لانعدام فعل السرقة .
فلم يكن السقوط حال الغيبة اعتبار شبهة الشبهة والله تعالى أعلم قال
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد : لو
nindex.php?page=treesubj&link=10150قال سرقت هذه الدراهم ، ولا أدري لمن هي ، أو قال : سرقتها ، ولا أخبرك من صاحبها : لا يقطع ; لأن جهالة المسروق منه فوق غيبته ، ثم الغيبة لما منعت القطع على أصله فالجهالة أولى ; ولأن الخصومة لما كانت شرطا ، فإذا كان المسروق منه مجهولا تتحقق الخصومة فلا يقطع ، وإذا عرف أن الخصومة شرط ظهور السرقة الموجبة للقطع بالبينة على الاتفاق ، وبالإقرار على الاختلاف فلا بد من بيان
nindex.php?page=treesubj&link=10219_10156_10155_10152_10154من يملك الخصومة ، ومن لا يملكها فنقول : - وبالله التوفيق - الأصل أن كل من كان له يد صحيحة يملك الخصومة ، ومن لا فلا ، فللمالك أن يخاصم السارق إذا سرق منه لا شك فيه ; لأن يد المالك يد صحيحة .
وأما المودع ، والمستعير ، والمضارب ، والمبضع ، والغاصب ، والقابض على سوم الشراء ، والمرتهن فلا خلاف بين أصحابنا رضي الله عنهم في أن لهم أن يخاصموا السارق ، وتعتبر خصومتهم في حق ثبوت ولاية الاسترداد ، والإعادة إلى أيديهم .
وأما في حقوق القطع فكذلك عند
أصحابنا الثلاثة - رحمهم الله - ويقطع السارق بخصومتهم ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر - رحمه الله - : لا تعتبر خصومتهم في حق القطع ، ولا يقطع السارق بخصومة هؤلاء ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - : لا يعتبر بخصومة غير المالك أصلا لا في حق القطع ، ولا في حق ولاية الاسترداد .
( ووجه ) قول
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر - رحمه الله - : أن يد هؤلاء ليست بيد صحيحة في الأصل أما يد المرتهن فظاهر ; لأنها يد حفظ لا أنه يثبت له ولاية الخصومة لضرورة الإعادة إلى يد الحفظ ليتمكن من التسليم من المالك ، وكذلك يد الغاصب ، والقابض - على سوم الشراء - والمرتهن يدهم يد ضمان لا يد خصومة ، وإنما يثبت لهم ولاية الخصومة لإمكان الرد إلى المالك ، فكان ثبوت ولاية الخصومة لهم بطريق الضرورة ، والثابت بضرورة يكون عدما فيما ، وراء محل الضرورة ; لانعدام علة الثبوت ، وهي الضرورة ، فكانت الخصومة منعدمة في حق القطع ، ولا قطع بدون الخصومة ; ولهذا لا يقطع بخصومة السارق كذا هذا .
( ولنا ) أن الخصومة شرط صيرورة البينة : حجة مظهرة للسرقة ; لما بينا أن الفعل لا يتحقق سرقة ما لم يعلم أن المسروق ملك غير السارق ، وإنما يعلم ذلك بالخصومة ، فكانت الخصومة شرط كون البينة مظهرة للسرقة ، وكونها مظهرة للسرقة ثبت بخصومة هؤلاء ، وإذا ظهرت السرقة يقطع لقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } ، بخلاف السارق أنه لا يقطع بخصومته ; لأن يده ليست بصحيحة ; لما نذكر على أن عدم القطع هناك لخلل في ملك المسروق ; لما بينا فيما تقدم ، وههنا لا خلل في العصمة ألا ترى أن هناك لا يقطع بخصومة المالك ، وههنا يقطع ولو
nindex.php?page=treesubj&link=10155_10219حضر المالك ، وغاب المرتهن هل له أن يخاصم السارق ، ويقطعه ، ذكر في الجامع الصغير أن له ذلك ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13234ابن سماعة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد - رحمه الله - أنه ليس له ذلك .
( وجه ) رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13234ابن سماعة أن ولاية الخصومة للمسروق منه ، والمالك ليس بمسروق منه ; لأن السارق لم يسرق منه ، وإنما سرق من غيره فلم يكن له ولاية الخصومة .
( وجه ) رواية الجامع أن الخصومة في باب السرقة إنما شرطت ليعلم أن المسروق ملك غير السارق ، وهذا يحصل بخصومة المالك فتصح خصومته كما تصح خصومة المرتهن ، بل أولى ; لأن يد المرتهن يد نيابة فلما صحت الخصومة بيد النيابة فيد الأصالة أولى .
ولو حضر المغصوب منه ، وغاب الغاصب ، ذكر في الجامع الصغير أن له أن يخاصم ، ويطالب بالقطع ، ولم يذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13234ابن سماعة في الغصب خلافا ، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري - عليه الرحمة - أنه ينبغي أن يكون الخلاف فيهما ، واحدا ، وليس للراهن أن يخاصم السارق فيقطعه ; لأنه ليس له حق القبض قبل قضاء الدين فلا يملك المطالبة ، حتى لو قضى الدين له أن يخاصم ; لأنه ثبت ولاية القبض بالفكاك قال
nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري - رحمه الله - : وعلى قياس رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13234ابن سماعة لا يثبت للراهن ولاية المطالبة مع غيبة المرتهن كما في المودع ، بل أولى ; لأن يد المرتهن أقوى من يد المودع ; لأن يد المرتهن لنفسه ، ويد المودع لغيره .
ولو هلك الرهن
[ ص: 84 ] في يد السارق كان للمرتهن أن يقطعه ، ولا سبيل للراهن عليه ; لأن المرتهن كان له ولاية القطع قبل الهلاك ، وهلاك المحل لا يسقط القطع فيثبت الولاية .
( فأما ) الراهن فلم يبق له حق في المرهون ألا ترى أنه سقط عنه الدين بهلاكه فلا تثبت له ولاية المطالبة .
( وأما ) السارق فلا يملك الخصومة ; لأن يده ليست بمضمونة ; لأنها ليست بيد ملك ، ولا يد ضمان ، ولا يد أمانة فصار الأخذ من يده كالأخذ من الطريق فلم يكن له أن يخاصم الثاني بالقطع ، ولا للمالك أيضا ولاية المخاصمة ; لأن أخذ المال من اليد الصحيحة شرط وجوب القطع ، ولم يوجد فلا يجب القطع ، فلا تثبت له ولاية المطالبة .
nindex.php?page=treesubj&link=10152_10157_26166_10191وهل للسارق الأول أن يطالب الثاني برد المسروق إلى يده قالوا : فيه روايتان في رواية له ذلك ، وفي رواية ليس له ذلك .
( وجه ) الرواية الأولى على نحو ما بينا : أن المسروق منه لم تكن له يد صحيحة فصار الأخذ منه كالأخذ من الطريق سواء .
( وجه ) الرواية الثانية : أن من الجائز أن يختار المالك الضمان ، ويترك القطع فيحتاج إلى أن يسترده من يده فيدفع إليه فيتخلص عن الضمان كما في الغصب ، ونحوه على ما مر وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري - عليه الرحمة - أنه يجوز أن يقال ما لم يقطع فله ذلك .
( وأما ) بعد القطع فليس له ذلك ; لأن قبل القطع يحتمل اختيار الضمان ، وبعده لا ، قال ويجوز أن يقال له ذلك بعد القطع أيضا ; لأن الضمان إن لم يجب عليه في القضاء فهو واجب عليه فيما بينه وبين الله تعالى ; فيحتاج إلى الاسترداد ليتخلص عن الضمان الواجب عليه فيما بينه وبين الله - سبحانه وتعالى - ولا تظهر السرقة الموجبة للقطع بعلم القاضي ، سواء استفاده قبل زمان القضاء ، أو في زمان القضاء ; لما ذكرنا في كتاب أدب القاضي ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
( فَصْلٌ ) :
وَأَمَّا بَيَانُ مَا تَظْهَرُ بِهِ السَّرِقَةُ عِنْدَ الْقَاضِي فَنَقُولُ : - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ - السَّرِقَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْقَطْعِ عِنْدَ الْقَاضِي تَظْهَرُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : الْبَيِّنَةُ ، وَالثَّانِي : الْإِقْرَارُ .
أَمَّا الْبَيِّنَةُ فَتَظْهَرُ بِهَا السَّرِقَةُ إذَا اُسْتُجْمِعَتْ شَرَائِطُهَا ; لِأَنَّهَا خَبَرٌ يُرَجَّحُ فِيهِ جَنَبَةُ الصِّدْقِ عَلَى جَنَبَةِ الْكَذِبِ فَيَظْهَرُ الْمُخْبَرُ بِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=10241_16200_10228_10232_10231_10240_10227_10222_10204، وَشَرَائِطُ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ فِي بَابِ السَّرِقَةِ بَعْضُهَا يَعُمُّ الْبَيِّنَاتِ كُلَّهَا ، قَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ ، وَبَعْضُهَا يَخُصُّ أَبْوَابَ الْحُدُودِ ، وَالْقِصَاصِ ، وَهُوَ الذُّكُورَةُ ، وَالْعَدَالَةُ ، وَالْأَصَالَةُ فَلَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ ، وَلَا شَهَادَةُ الْفُسَّاقِ ، وَلَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ ; لِأَنَّ فِي شَهَادَةِ هَؤُلَاءِ زِيَادَةَ شُبْهَةٍ ، لَا ضَرُورَةَ إلَى تَحَمُّلِهَا فِيمَا يُحْتَالُ لِدَفْعِهِ ، وَيُحْتَاطُ لِدَرْئِهِ ، وَكَذَا عَدَمُ تَقَادُمِ الْعَهْدِ إلَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ ، وَالْقِصَاصِ حَتَّى لَوْ شَهِدُوا بِالسَّرِقَةِ بَعْد حِينٍ لَمْ تُقْبَلْ وَلَا يُقْطَعُ ، وَيَضْمَنُ الْمَالَ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ التَّقَادُمَ يُبْطِلُ الشَّهَادَةَ عَلَى الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ ، وَلَا يُبْطِلُهَا عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ ، وَلَا يُبْطِلُ الْإِقْرَارَ أَيْضًا .
وَالْفَرْقُ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ الْمَالَ ; لِأَنَّ التَّقَادُمَ إنَّمَا يَمْنَعُ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلشُّبْهَةِ ، وَالشُّبْهَةُ تَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَدِّ ، وَلَا تَمْنَعُ وُجُوبَ الْمَالِ ، وَبَعْضُهَا يَخُصُّ أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ وَالْحُقُوقِ ، وَهُوَ الْخُصُومَةُ ، وَالدَّعْوَى مِمَّنْ لَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ ، حَتَّى لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَسْرُوقُ ، مِنْهُ وَيُخَاصِمُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ كَوْنَ الْمَسْرُوقِ مِلْكًا لِغَيْرِ السَّارِقِ شَرْطٌ لِكَوْنِ الْفِعْلِ سَرِقَةً وَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ إلَّا بِالْخُصُومَةِ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ الْخُصُومَةُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ ، وَلَكِنْ يُحْبَسُ السَّارِقُ ; لِأَنَّ إخْبَارَهُمْ أَوْرَثَ تُهْمَةً ، وَيَجُوزُ الْحَبْسُ بِالتُّهْمَةِ ; لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19470حَبَسَ رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ }
nindex.php?page=treesubj&link=10151_26685_25664وَهَلْ يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمَوْلَى لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ الْقَائِمَةِ عَلَى سَرِقَةِ عَبْدِهِ مَالَ إنْسَانٍ ، وَالْعَبْدُ يَجْحَدُ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - : يُشْتَرَطُ حَتَّى لَوْ كَانَ مَوْلَاهُ غَائِبًا لَمْ تُقْبَلْ الْبَيِّنَةُ ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبِي يُوسُفَ .
وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ، وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ ، وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ غَائِبًا .
( وَجْهُ ) هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ بِالسَّرِقَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ مُكَلَّفٌ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ الْمَوْلَى أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ حَضْرَتِهِ ، كَمَا لَا تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ سَائِرِ الْأَجَانِبِ ; وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ نَفَذَ إقْرَارُهُ ، وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمَوْلَى كَذَا هَذَا .
( وَجْهُ ) قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - : أَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ تَتَضَمَّنُ إتْلَافَ مِلْكِ الْمَوْلَى فَلَا يُقْضَى بِهَا مَعَ غِيبَةِ الْمَوْلَى كَالْبَيِّنَةِ الْقَائِمَةِ عَلَى مِلْكِ شَيْءٍ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ ، وَلِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَادَّعَى شُبْهَةً مَانِعَةً مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ مَا أَمْكَنَ ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ ; لِأَنَّهُ بَعْدَ مَا وَقَعَ مُوجِبًا لِلْحَدِّ لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى رَدَّهُ بِوَجْهٍ فَلَمْ تَتَمَكَّنْ فِيهِ شُبْهَةٌ ، وَلَا تَظْهَرُ السَّرِقَةُ بِالنُّكُولِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ سَرِقَةً فَأَنْكَرَ فَاسْتُخْلِفَ فَنَكَلَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ ، وَيُقْضَى بِالْمَالِ ; لِأَنَّ النُّكُولَ إمَّا أَنْ يَجْرِيَ مَجْرَى الْبَدَلِ .
وَالْقَطْعُ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْبَدَلَ وَالْإِبَاحَةَ ، وَالْمَالُ يَحْتَمِلُ الْبَدَلَ وَالْإِبَاحَةَ ، وَإِمَّا أَنْ يَجْرِيَ مَجْرَى إقْرَارٍ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ ; لِكَوْنِهِ إقْرَارًا مِنْ طَرِيقِ السُّكُوتِ لَا صَرِيحًا ، وَالشُّبْهَةُ تَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَدِّ ، وَلَا تَمْنَعُ وُجُوبَ الْمَالِ .
( وَأَمَّا ) الْإِقْرَارُ فَتَظْهَرُ بِهِ السَّرِقَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْقَطْعِ أَيْضًا ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي الْإِقْرَارِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْإِضْرَارِ بِنَفْسِهِ فَتَظْهَرَ بِهِ السَّرِقَةُ ، كَمَا تَظْهَرُ بِالْبَيِّنَةِ ، وَبَلْ أَوْلَى ; لِأَنَّ الْمَرْءَ قَدْ يُتَّهَمُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مَا لَا يُتَّهَمُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الَّذِي أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ عَبْدًا مَأْذُونًا ، أَوْ مَحْجُورًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَيْهِ ، وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=15922زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُقْطَعُ بِإِقْرَارِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقِ الْمَوْلَى .
وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10270_10211الْعَبْدَ إذَا أَقَرَّ بِسَرِقَةِ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ مَأْذُونًا ، أَوْ مَحْجُورًا ، وَالْمَالُ قَائِمٌ ، أَوْ هَالِكٌ فَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا ; يُقْطَعُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَالُ هَالِكًا ، أَوْ مُسْتَهْلَكًا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ مَوْلَاهُ فِي إقْرَارِهِ ، أَوْ كَذَّبَهُ ; لِأَنَّ الْقَطْعَ مَعَ الضَّمَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدَنَا ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا فَهُوَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ ، وَهَذَا قَوْلُ
أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15922زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : لَا يُقْطَعُ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقِ الْمَوْلَى ، وَالْمَالُ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِ : أَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ يَتَضَمَّنُ إتْلَافَ مَالِ الْمَوْلَى ; لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ مَالُ مَوْلَاهُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقِ الْمَوْلَى .
( وَلَنَا ) أَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ ; لِأَنَّ الْمَوْلَى إنْ كَانَ يَتَضَرَّرُ بِهِ فَضَرَرُ الْعَبْدِ أَعْظَمُ ، فَلَمْ يَكُنْ مُتَّهَمًا فِي إقْرَارِهِ فَيُقْبَلَ ; وَلِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى فِي يَدِ الْعَبْدِ فِي حَقِّ الْقَطْعِ ، كَمَا لَا مِلْكَ لَهُ فِي نَفْسِهِ فِي حَقِّ الْقَتْلِ ، فَكَانَ الْعَبْدُ فِيهِ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ كَالْحُرِّ ، وَبِهِ
[ ص: 82 ] تَبَيَّنَ أَنَّ إقْرَارَهُ لَمْ يَتَضَمَّنْ إبْطَالَ حَقِّ الْمَوْلَى فِي حَقِّ الْقَطْعِ لِعَدَمِ الْحَقِّ لَهُ فِي حَقِّهِ ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا تُقْطَعْ يَدُهُ ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَالُ هَالِكًا ، أَوْ مُسْتَهْلَكًا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَذَّبَهُ مَوْلَاهُ ، أَوْ صَدَّقَهُ ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا ، فَإِنْ صَدَّقَهُ مَوْلَاهُ ; تُقْطَعُ يَدُهُ ، وَالْمَالُ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ بِأَنْ قَالَ : هَذَا مَالِي اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ : " تُقْطَعُ يَدُهُ ، وَالْمَالُ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ " ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبُو يُوسُفَ : " تُقْطَعُ يَدُهُ ، وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْحَالِ ، وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ " .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدٌ : " لَا تُقْطَعُ يَدُهُ ، وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى ، وَيَضْمَنُ مِثْلَهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ " .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَحْجُورِ بِالْمَالِ لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِلْكُ مَوْلَاهُ ظَاهِرًا وَغَالِبًا ، وَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ بَقِيَ الْمَالُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَوْلَى ، وَلَا قَطْعَ فِي مَالِ الْمَوْلَى ، بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ ; لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْمَالِ جَائِزٌ ، وَإِذَا جَازَ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ لِغَيْرِهِ تَثْبُتُ السَّرِقَةُ مِنْهُ فَيُقْطَعُ .
( وَجْهُ ) قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبِي يُوسُفَ : أَنَّ إقْرَارَهُ بِالْحَدِّ جَائِزٌ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ بِالْمَالِ إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ جَوَازِ إقْرَارِهِ فِي حَقِّ الْحَدِّ جَوَازُهُ فِي الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : سَرَقْت هَذَا الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِ زَيْدٍ مِنْ عَمْرٍو يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي الْقَطْعِ ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الْمَالِ كَذَا هَذَا .
( وَجْهُ ) قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : أَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ بِالْحَدِّ جَائِزٌ ; لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فَلَزِمَهُ الْقَطْعُ ، فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُقْطَعَ فِي الْمَالِ الْمُقِرِّ بِهِ بِعَيْنِهِ ، وَيُرَدَّ الْمَسْرُوقُ إلَى الْمَوْلَى ، وَإِمَّا أَنْ يُقْطَعَ فِي مَالٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ قَطْعَ الْيَدِ فِي مَالٍ مَحْكُومٍ بِهِ لِمَوْلَاهُ لَا يَجُوزُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ فِي مَالٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ; لِأَنَّ الْإِقْرَارَ صَادَفَ مَالًا مُعَيَّنًا فَتَعَيَّنَ أَنْ يُقْطَعَ فِي الْمَالِ الْمُقِرِّ بِهِ بِعَيْنِهِ ، وَيُرَدَّ الْمَالُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ هَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَالِغًا عَاقِلًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ صَبِيًّا عَاقِلًا فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْخِطَابِ بِالشَّرَائِعِ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ فَإِنْ كَانَ قَائِمًا يُرَدُّ عَلَيْهِ .
وَإِنْ كَانَ هَالِكًا يَضْمَنْ ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمَوْلَى ، فَإِنْ كَذَّبَهُ فَالْمَالُ لِلْمَوْلَى إنْ كَانَ قَائِمًا ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَا فِي الْحَالِ ، وَلَا بَعْدَ الْعَتَاقِ وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=26166_10180_10191_10211أَقَرَّ الْعَبْدُ بِسَرِقَةِ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ لَا يُقْطَعُ ; لِأَنَّ النِّصَابَ شَرْطٌ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا يَصِحَّ إقْرَارُهُ ، وَيُرَدُّ الْمَالُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا يَضْمَنْ سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ مُخَاطَبًا أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا ، فَإِنْ صَدَّقَهُ مَوْلَاهُ فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ فَالْمَالُ لِلْمَوْلَى ، وَيَضْمَنُ الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ إنْ كَانَ مُخَاطَبًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ .
وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ : أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ يَصِحُّ إقْرَارُ الْعَبْدِ فِيهِ ، ثُمَّ الْمَوْلَى إذَا أَقَرَّ عَلَى عَبْدِهِ بِالْقِصَاصِ ، أَوْ حَدِّ الزِّنَا ، أَوْ حَدِّ الْقَذْفِ ، أَوْ السَّرِقَةِ ، أَوْ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ لَا يَصِحُّ ، فَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَصِحُّ .
( وَأَمَّا ) إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=15581_24814أَقَرَّ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ بِالْجِنَايَةِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الدَّفْعُ ، أَوْ الْفِدَاءُ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ صَحَّ ; لِأَنَّ الْجِنَايَةَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ يُسْلَكُ فِيهَا مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ فَكَأَنَّ الْمَوْلَى أَقَرَّ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ .
وَلَوْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ يَصِحُّ كَذَا هَذَا ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَصِحُّ كَذَا إذَا أَقَرَّ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=15767_10211وَعَدَمُ التَّقَادُمِ فِي الْإِقْرَارِ ( إقْرَارُ الْعَبْدِ بِالسَّرِقَةِ ) لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِهِ فَيَجُوزُ سَوَاءٌ تَقَادَمَ عَهْدُ السَّرِقَةِ ، أَوْ لَا ، بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ ، وَالْفَرْقُ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ ، وَاخْتُلِفَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=10205الْعَدَدِ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ : أَنَّهُ هَلْ هُوَ شَرْطٌ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16908وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - : لَيْسَ بِشَرْطٍ ، وَيَظْهَرُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَرْطٌ فَلَا يُقْطَعُ مَا لَمْ يُقِرَّ مَرَّتَيْنِ فِي مَكَانَيْنِ ، وَالدَّلَائِلُ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْحُدُودِ .
وَكَذَا اُخْتُلِفَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=10219دَعْوَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَنَّهَا هَلْ هِيَ شَرْطُ كَوْنِ الْإِقْرَارِ مُظْهِرًا لِلسَّرِقَةِ كَمَا هِيَ شَرْطُ كَوْنِ الْبَيِّنَةِ مُظْهِرَةً لَهَا ؟ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16908وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - شَرْطٌ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ السَّارِقُ أَنَّهُ سَرَقَ مَالَ فُلَانٍ الْغَائِبِ لَمْ يُقْطَعْ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ ، وَيُخَاصَمُ عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبُو يُوسُفَ الدَّعْوَى فِي الْإِقْرَارِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ ، وَيُقْطَعُ حَالَ غَيْبَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِ : أَنَّ إقْرَارَهُ بِالسَّرِقَةِ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ ، وَالْإِنْسَانُ يُصَدَّقُ فِي الْإِقْرَارِ عَلَى نَفْسِهِ ; لِعَدَمِ التُّهْمَةِ ، وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا بِامْرَأَةٍ ، وَهِيَ غَائِبَةٌ قَبْلَ إقْرَارِهِ حُدَّ كَذَا هَذَا ، وَلَهُمَا مَا رُوِيَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6448أَنَّ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : إنِّي سَرَقْت لِآلِ فُلَانٍ فَأَنْفَذَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا : إنَّا فَقَدْنَا بَعِيرًا لَنَا فِي لَيْلَةِ كَذَا فَقَطَعَهُ } فَلَوْلَا أَنَّ الْمُطَالَبَةَ شَرْطُ ظُهُورِ السَّرِقَةِ بِالْإِقْرَارِ لَمْ يَكُنْ لِيَسْأَلَهُمْ ، بَلْ كَانَ يَقْطَعُ السَّارِقَ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِلْكُهُ .
( فَأَمَّا ) إذَا أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ لَمْ يُحْكَمْ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ حَتَّى يُصَدِّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ، وَالْغَائِبُ يَجُوزُ أَنْ يُصَدِّقَهُ فِيهِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُكَذِّبَهُ فَبَقِيَ عَلَى حُكْمِ
[ ص: 83 ] مِلْكِ السَّارِقِ فَلَا يُقْطَعُ ، وَلِأَنَّ فِي ظُهُورِ السَّرِقَةِ بِهَذَا الْإِقْرَارِ شُبْهَةَ الْعَدَمِ لِاحْتِمَالِ التَّكْذِيبِ مِنْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَحْضُرَ فَيُكَذِّبُهُ فِي إقْرَارِهِ ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا بِامْرَأَةٍ غَائِبَةٍ أَنَّهُ يُحَدُّ الْمُقِرُّ ، وَإِنْ كَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَحْضُرَ الْمَرْأَةُ فَتَدَّعِي شُبْهَةً ; لِأَنَّ هُنَاكَ لَوْ كَانَتْ حَاضِرَةً ، وَادَّعَتْ الشُّبْهَةَ يَسْقُطُ الْحَدُّ لِأَجْلِ الشُّبْهَةِ فَلَوْ سَقَطَ عِنْدَ غَيْبَتِهَا لَسَقَطَ لِشُبْهَةِ الشُّبْهَةِ ، وَأَنَّهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي دَرْءِ الْحَدِّ ، وَهَهُنَا ، بِخِلَافِهِ ; لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا ، وَكَذَّبَ السَّارِقَ فِي إقْرَارِهِ بِالسَّرِقَةِ مِنْهُ لَمْ يُقْطَعْ لَا لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ ، بَلْ لِانْعِدَامِ فِعْلِ السَّرِقَةِ .
فَلَمْ يَكُنْ السُّقُوطُ حَالَ الْغَيْبَةِ اعْتِبَارَ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدٌ : لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=10150قَالَ سَرَقْت هَذِهِ الدَّرَاهِمَ ، وَلَا أَدْرِي لِمَنْ هِيَ ، أَوْ قَالَ : سَرَقْتهَا ، وَلَا أُخْبِرُك مَنْ صَاحِبُهَا : لَا يُقْطَعُ ; لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَوْقَ غَيْبَتِهِ ، ثُمَّ الْغَيْبَةُ لَمَّا مَنَعَتْ الْقَطْعَ عَلَى أَصْلِهِ فَالْجَهَالَةُ أَوْلَى ; وَلِأَنَّ الْخُصُومَةَ لَمَّا كَانَتْ شَرْطًا ، فَإِذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مَجْهُولًا تَتَحَقَّقُ الْخُصُومَةُ فَلَا يُقْطَعُ ، وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطُ ظُهُورِ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الِاتِّفَاقِ ، وَبِالْإِقْرَارِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=10219_10156_10155_10152_10154مَنْ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ ، وَمَنْ لَا يَمْلِكُهَا فَنَقُولُ : - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ - الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ ، وَمَنْ لَا فَلَا ، فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُخَاصِمَ السَّارِقَ إذَا سَرَقَ مِنْهُ لَا شَكَّ فِيهِ ; لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ يَدٌ صَحِيحَةٌ .
وَأَمَّا الْمُودِعُ ، وَالْمُسْتَعِيرُ ، وَالْمُضَارِبُ ، وَالْمُبْضِعُ ، وَالْغَاصِبُ ، وَالْقَابِضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ ، وَالْمُرْتَهِنُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي أَنَّ لَهُمْ أَنْ يُخَاصِمُوا السَّارِقَ ، وَتُعْتَبَرُ خُصُومَتُهُمْ فِي حَقِّ ثُبُوتِ وَلَايَةِ الِاسْتِرْدَادِ ، وَالْإِعَادَةِ إلَى أَيْدِيهِمْ .
وَأَمَّا فِي حُقُوقِ الْقَطْعِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ
أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَيُقْطَعُ السَّارِقُ بِخُصُومَتِهِمْ ، وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=15922زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : لَا تُعْتَبَرُ خُصُومَتُهُمْ فِي حَقِّ الْقَطْعِ ، وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ بِخُصُومَةِ هَؤُلَاءِ ، وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : لَا يُعْتَبَرُ بِخُصُومَةِ غَيْرِ الْمَالِكِ أَصْلًا لَا فِي حَقِّ الْقَطْعِ ، وَلَا فِي حَقِّ وَلَايَةِ الِاسْتِرْدَادِ .
( وَوَجْهُ ) قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=15922زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : أَنَّ يَدَ هَؤُلَاءِ لَيْسَتْ بِيَدٍ صَحِيحَةٍ فِي الْأَصْلِ أَمَّا يَدُ الْمُرْتَهِنِ فَظَاهِرٌ ; لِأَنَّهَا يَدُ حِفْظٍ لَا أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ وَلَايَةُ الْخُصُومَةِ لِضَرُورَةِ الْإِعَادَةِ إلَى يَدِ الْحِفْظِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّسْلِيمِ مِنْ الْمَالِكِ ، وَكَذَلِكَ يَدُ الْغَاصِبِ ، وَالْقَابِضِ - عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ - وَالْمُرْتَهِنِ يَدُهُمْ يَدُ ضَمَانٍ لَا يَدُ خُصُومَةٍ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُمْ وَلَايَةُ الْخُصُومَةِ لِإِمْكَانِ الرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ ، فَكَانَ ثُبُوتُ وَلَايَةِ الْخُصُومَةِ لَهُمْ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ ، وَالثَّابِتُ بِضَرُورَةٍ يَكُونُ عَدَمًا فِيمَا ، وَرَاءَ مَحِلِّ الضَّرُورَةِ ; لِانْعِدَامِ عِلَّةِ الثُّبُوتِ ، وَهِيَ الضَّرُورَةُ ، فَكَانَتْ الْخُصُومَةُ مُنْعَدِمَةً فِي حَقِّ الْقَطْعِ ، وَلَا قَطْعَ بِدُونِ الْخُصُومَةِ ; وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ السَّارِقِ كَذَا هَذَا .
( وَلَنَا ) أَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطُ صَيْرُورَةِ الْبَيِّنَةِ : حُجَّةً مُظْهِرَةً لِلسَّرِقَةِ ; لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَتَحَقَّقُ سَرِقَةً مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِلْكُ غَيْرِ السَّارِقِ ، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ بِالْخُصُومَةِ ، فَكَانَتْ الْخُصُومَةُ شَرْطُ كَوْنِ الْبَيِّنَةِ مُظْهِرَةً لِلسَّرِقَةِ ، وَكَوْنُهَا مُظْهِرَةً لِلسَّرِقَةِ ثَبَتَ بِخُصُومَةِ هَؤُلَاءِ ، وَإِذَا ظَهَرَتْ السَّرِقَةُ يُقْطَعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } ، بِخِلَافِ السَّارِقِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ ; لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ ; لِمَا نَذْكُرُ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْقَطْعِ هُنَاكَ لِخَلَلٍ فِي مِلْكِ الْمَسْرُوقِ ; لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَهَهُنَا لَا خَلَلَ فِي الْعِصْمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ هُنَاكَ لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ ، وَهَهُنَا يُقْطَعُ وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=10155_10219حَضَرَ الْمَالِكُ ، وَغَابَ الْمُرْتَهِنُ هَلْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ السَّارِقَ ، وَيَقْطَعَهُ ، ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ ، وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13234ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ .
( وَجْهُ ) رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=13234ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّ وَلَايَةَ الْخُصُومَةِ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ ، وَالْمَالِكُ لَيْسَ بِمَسْرُوقٍ مِنْهُ ; لِأَنَّ السَّارِقَ لَمْ يَسْرِقْ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا سَرَقَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَايَةُ الْخُصُومَةِ .
( وَجْهُ ) رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَنَّ الْخُصُومَةَ فِي بَابِ السَّرِقَةِ إنَّمَا شُرِطَتْ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِلْكُ غَيْرِ السَّارِقِ ، وَهَذَا يَحْصُلُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ فَتَصِحُّ خُصُومَتُهُ كَمَا تَصِحُّ خُصُومَةُ الْمُرْتَهِنِ ، بَلْ أَوْلَى ; لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ يَدُ نِيَابَةٍ فَلَمَّا صَحَّتْ الْخُصُومَةُ بِيَدِ النِّيَابَةِ فَيَدُ الْأَصَالَةِ أَوْلَى .
وَلَوْ حَضَرَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ ، وَغَابَ الْغَاصِبُ ، ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ ، وَيُطَالِبَ بِالْقَطْعِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ
nindex.php?page=showalam&ids=13234ابْنُ سِمَاعَةَ فِي الْغَصْبِ خِلَافًا ، وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14972الْقُدُورِيُّ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِيهِمَا ، وَاحِدًا ، وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُخَاصِمَ السَّارِقَ فَيَقْطَعَهُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ ، حَتَّى لَوْ قَضَى الدَّيْنَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ ; لِأَنَّهُ ثَبَتَ وَلَايَةُ الْقَبْضِ بِالْفِكَاكِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14972الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَعَلَى قِيَاسِ رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=13234ابْنِ سِمَاعَةَ لَا يَثْبُتُ لِلرَّاهِنِ وَلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ مَعَ غَيْبَةِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا فِي الْمُودِعِ ، بَلْ أَوْلَى ; لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ أَقْوَى مِنْ يَدِ الْمُودِعِ ; لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ لِنَفْسِهِ ، وَيَدَ الْمُودِعِ لِغَيْرِهِ .
وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ
[ ص: 84 ] فِي يَدِ السَّارِقِ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَقْطَعَهُ ، وَلَا سَبِيلَ لِلرَّاهِنِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ كَانَ لَهُ وَلَايَةُ الْقَطْعِ قَبْلَ الْهَلَاكِ ، وَهَلَاكُ الْمَحِلِّ لَا يُسْقِطُ الْقَطْعَ فَيُثْبِتَ الْوَلَايَةَ .
( فَأَمَّا ) الرَّاهِنُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ فِي الْمَرْهُونِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ فَلَا تَثْبُتُ لَهُ وَلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ .
( وَأَمَّا ) السَّارِقُ فَلَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ ; لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِيَدِ مِلْكٍ ، وَلَا يَدِ ضَمَانٍ ، وَلَا يَدِ أَمَانَةٍ فَصَارَ الْأَخْذُ مِنْ يَدِهِ كَالْأَخْذِ مِنْ الطَّرِيقِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الثَّانِيَ بِالْقَطْعِ ، وَلَا لِلْمَالِكِ أَيْضًا وَلَايَةُ الْمُخَاصَمَةِ ; لِأَنَّ أَخْذَ الْمَالِ مِنْ الْيَدِ الصَّحِيحَةِ شَرْطُ وُجُوبِ الْقَطْعِ ، وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ ، فَلَا تَثْبُتُ لَهُ وَلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=10152_10157_26166_10191وَهَلْ لِلسَّارِقِ الْأَوَّلِ أَنْ يُطَالِبَ الثَّانِيَ بِرَدِّ الْمَسْرُوقِ إلَى يَدِهِ قَالُوا : فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَهُ ذَلِكَ ، وَفِي رِوَايَةٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ .
( وَجْهُ ) الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا : أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ فَصَارَ الْأَخْذُ مِنْهُ كَالْأَخْذِ مِنْ الطَّرِيقِ سَوَاءٌ .
( وَجْهُ ) الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ : أَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَخْتَارَ الْمَالِكُ الضَّمَانَ ، وَيَتْرُكَ الْقَطْعَ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْ يَدِهِ فَيَدْفَعُ إلَيْهِ فَيَتَخَلَّصُ عَنْ الضَّمَانِ كَمَا فِي الْغَصْبِ ، وَنَحْوِهِ عَلَى مَا مَرَّ وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14972الْقُدُورِيُّ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مَا لَمْ يُقْطَعْ فَلَهُ ذَلِكَ .
( وَأَمَّا ) بَعْدَ الْقَطْعِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ قَبْلَ الْقَطْعِ يُحْتَمَلُ اخْتِيَارُ الضَّمَانِ ، وَبَعْدَهُ لَا ، قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَطْعِ أَيْضًا ; لِأَنَّ الضَّمَانَ إنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ; فَيَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِرْدَادِ لِيَتَخَلَّصَ عَنْ الضَّمَانِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وَلَا تَظْهَرُ السَّرِقَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْقَطْعِ بِعِلْمِ الْقَاضِي ، سَوَاءٌ اسْتَفَادَهُ قَبْلَ زَمَانِ الْقَضَاءِ ، أَوْ فِي زَمَانِ الْقَضَاءِ ; لِمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .