( فصل ) :
وأما حكم السرقة فنقول - وبالله التوفيق - : للسرقة حكمان : أحدهما : يتعلق بالنفس ، والآخر : يتعلق بالمال ( أما )
nindex.php?page=treesubj&link=10096الذي يتعلق بالنفس فالقطع لقوله سبحانه وتعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } ; ولما روينا من الأخبار ، وعليه إجماع الأمة ، فالكلام في هذا الحكم يقع في مواضع : في بيان صفات هذا الحكم ، وفي بيان محل إقامته ، وفي بيان من يقيمه ، وفي بيان ما يسقط بعد ثبوته ، وفي بيان حكم السقوط بعد الثبوت ، أو عدم الثبوت أصلا لمانع من الشبهة .
( أما )
nindex.php?page=treesubj&link=10270_10096صفات هذا الحكم فأنواع : ( منها ) أن يبقى وجوب ضمان المسروق عندنا فلا يجب الضمان والقطع في سرقة واحدة ، ولقب المسألة أن
nindex.php?page=treesubj&link=10270الضمان ، والقطع هل يجتمعان في سرقة واحدة ؟ عندنا لا يجتمعان حتى لو هلك المسروق في يد السارق بعد القطع ، أو قبله لا ضمان عليه ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - : فيقطع ، ويضمن ما استهلكه .
( وجه ) قوله : أنه وجد من السارق سبب وجوب القطع والضمان ; فيجبان جميعا ، وإنما قلنا ذلك ; لأنه وجد منه السرقة ، وإنها سبب لوجوب القطع ، والضمان ; لأنها جناية حقين : حق الله - عز وجل - وحق المسروق منه .
( أما ) الجناية على حق الله - سبحانه وتعالى - فهتك حرمة حفظ الله - سبحانه وتعالى - إذ المال حال غيبة المالك محفوظ بحفظ الله - سبحانه وتعالى - .
( وأما ) الجناية على حق العبد فبإتلاف ماله ، فكانت الجناية على حقين ، فكانت مضمونة بضمانين فيجب ضمان القطع من حيث إنها جناية على حق الله - سبحانه وتعالى - وضمان المال من حيث إنها جناية على حق العبد ، كمن شرب خمر الذمي أنه يجب عليه الحد حقا لله تعالى ، والضمان حقا للعبيد ، وكذا قتل الخطأ يوجب الكفارة حقا لله تعالى ، والدية حقا للعبد ، كذا هذا ، والدليل عليه أن المسروق لو كان قائما يجب رده على المالك فدل أنه بقي معصوما حقا للمالك .
( ولنا ) الكتاب ، والسنة ، والمعقول : أما الكتاب العزيز فقوله سبحانه وتعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38، والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا } ، والاستدلال بالآية من وجهين : أحدهما : أن الله - سبحانه وتعالى - سمى القطع جزاء ، والجزاء يبنى على الكفاية فلو ضم إليه الضمان لم يكن القطع كافيا فلم يكن جزاء تعالى الله - سبحانه عز شأنه - عن الخلف في الخبر والثاني : أنه جعل القطع كل الجزاء ; لأنه عز شأنه ذكره ، ولم يذكر غيره فلو أوجبنا الضمان لصار القطع بعض الجزاء ; فيكون نسخا لنص الكتاب العزيز .
وأما السنة فما روي عن - سيدنا - عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {
: إذا قطع السارق فلا غرم عليه } ، والغرم في اللغة ما يلزم أداؤه ، وهذا نص في الباب .
( وأما ) المعقول فمن وجهين : أحدهما : بناء ، والآخر ابتداء ( أما ) وجه البناء فهو : أن المضمونات عندنا تملك عند أداء الضمان ، أو اختياره من وقت الأخذ فلو ضمنا السارق
[ ص: 85 ] قيمة المسروق ، أو مثله لملك المسروق من وقت الأخذ فتبين أنه قطع في ملك نفسه ، وذلك لا يجوز .
( وأما ) ، وجه الابتداء فما قاله بعض مشايخنا وهو : أن الضمان إنما يجب بأخذ مال معصوم ثبتت عصمته حقا للمالك ; فيجب أن يكون المضمون بهذه الصفة ; ليكون اعتداء بالمثل في ضمان العدوانات ، والمضمون حالة السرقة خرج من أن يكون معصوما حقا للمالك بدلالة وجوب القطع ، ولو بقي معصوما حقا للمالك لما وجب ، إذ الثابت حقا للعبد يثبت لدفع حاجته ، وحاجة السارق كحاجة المسروق منه فتتمكن فيه شبهة الإباحة ، وإنها تمنع وجوب القطع .
والقطع واجب فينتفي الضمان ضرورة إلا أنه وجب رد المسروق حال قيامه ; لأن وجوب الرد يقف على الملك لا على العصمة ، ألا ترى أن من غصب خمر المسلم يؤمر بالرد إليه ; لقيام ملكه فيها ، ولو هلكت في يد الغاصب لا ضمان عليه ; لعدم العصمة فلم يكن من ضرورة سقوط العصمة الثابتة حقا للعبد زوال ملكه عن المحل ، وههنا الملك قائم فيؤمر بالرد إليه ، والعصمة زائلة فلا يكون مضمونا بالهلاك ، ويخرج على هذا الأصل مسائل
nindex.php?page=treesubj&link=10270_10192إذا استهلك السارق المسروق بعد القطع لا يضمن في ظاهر الرواية ، وروى
الحسن عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة - رحمه الله - أنه يضمن .
( وجه ) هذه الرواية : أن المسروق بعد القطع بقي على ملك المسروق منه ألا ترى أنه يجب رده على المالك ، وقبض السارق ليس بقبض مضمون ، فكان المسروق في يده بمنزلة الأمانة فإذا استهلكها ضمن .
( وجه ) ظاهر الرواية : أن عصمة المحل الثابتة حقا للمالك قد سقطت في حق السارق لضرورة إمكان إيجاب القطع ، فلا يعود إلا بالرد إلى المالك فلم يكن معصوما قبله ; فلا يكون مضمونا ، ولو استهلك ; رجل آخر يضمنه ; لأن العصمة إنما سقطت في حق السارق لا في حق غيره ; فيضمن ، ولو سقط القطع لشبهة ضمن ; لأن المانع من الضمان هو القطع ، قد زال المانع .
ولو باع السارق المسروق من إنسان ، أو ملكه منه بوجه من الوجوه ، فإن كان قائما فلصاحبه أن يأخذه ; لأنه عين ملكه ، وللمأخوذ منه أن يرجع على السارق بالثمن الذي دفعه ; لأن الرجوع بالثمن لا يوجب ضمانا على السارق في عين المسروق ; لأنه يرجع عليه بثمن المسروق لا بقيمته ليوجب ذلك ملك المسروق للسارق ، وإن كان هلك في يده فلا ضمان على السارق ، ولا على القابض هكذا روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ، أما السارق ; فلأن القطع ينفي الضمان .
( وأما ) المشتري ; فلأنه لو ضمنه المالك لكان له أن يرجع بالضمان على السارق فيصير كأن المالك ضمن السارق ، وقطعه ينفي الضمان عنه ، وإن كان استهلكه القابض كان للمالك أن يضمنه القيمة ; لأنه قبض ماله بغير إذنه ، وهلك في يده ، وللمشتري أن يرجع على السارق بالثمن ; لأن الرجوع بالثمن ليس بتضمين
nindex.php?page=treesubj&link=10693_10192_10270ولو اغتصبه إنسان من السارق فهلك في يده بعد القطع فلا ضمان للسارق ، ولا للمسروق منه ، ( أما ) السارق ; فلأنه ليس بمالك .
( وأما ) المالك ; فلأن العصمة الثابتة له حقا قد بطلت ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري : وكان للمولى أن يضمنه الغاصب ; لأنه لو ضمن لا يرجع بالضمان على السارق ، وعلى هذا يخرج ما إذا
nindex.php?page=treesubj&link=10268_16763سرق ثوبا فخرقه في الدار خرقا فاحشا ، ثم أخرجه وهو يساوي عشرة دراهم لا يقطع ; لأن الخرق الفاحش سبب لوجوب الضمان ، وأنه يوجب ملك المضمون ، وذلك يمنع القطع ، وإن خرقه عرضا ; فقد مر الاختلاف فيه .
( فَصْلٌ ) :
وَأَمَّا حُكْمُ السَّرِقَةِ فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ - : لِلسَّرِقَةِ حُكْمَانِ : أَحَدُهُمَا : يَتَعَلَّقُ بِالنَّفْسِ ، وَالْآخَرُ : يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ ( أَمَّا )
nindex.php?page=treesubj&link=10096الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالنَّفْسِ فَالْقَطْعُ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } ; وَلِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ ، وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ ، فَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْحُكْمِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ : فِي بَيَانِ صِفَاتِ هَذَا الْحُكْمِ ، وَفِي بَيَانِ مَحِلِّ إقَامَتِهِ ، وَفِي بَيَانِ مَنْ يُقِيمُهُ ، وَفِي بَيَانِ مَا يَسْقُطُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ السُّقُوطِ بَعْدَ الثُّبُوتِ ، أَوْ عَدَمِ الثُّبُوتِ أَصْلًا لِمَانِعٍ مِنْ الشُّبْهَةِ .
( أَمَّا )
nindex.php?page=treesubj&link=10270_10096صِفَاتُ هَذَا الْحُكْمِ فَأَنْوَاعٌ : ( مِنْهَا ) أَنْ يَبْقَى وُجُوبُ ضَمَانِ الْمَسْرُوقِ عِنْدَنَا فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ وَالْقَطْعُ فِي سَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلَقَبُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10270الضَّمَانَ ، وَالْقَطْعَ هَلْ يَجْتَمِعَانِ فِي سَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ ؟ عِنْدَنَا لَا يَجْتَمِعَانِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْمَسْرُوقُ فِي يَدِ السَّارِقِ بَعْدَ الْقَطْعِ ، أَوْ قَبْلَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : فَيُقْطَعُ ، وَيَضْمَنُ مَا اسْتَهْلَكَهُ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِ : أَنَّهُ وُجِدَ مِنْ السَّارِقِ سَبَبُ وُجُوبِ الْقَطْعِ وَالضَّمَانِ ; فَيَجِبَانِ جَمِيعًا ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ السَّرِقَةُ ، وَإِنَّهَا سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْقَطْعِ ، وَالضَّمَانِ ; لِأَنَّهَا جِنَايَةُ حَقَّيْنِ : حَقُّ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَحَقُّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ .
( أَمَّا ) الْجِنَايَةُ عَلَى حَقِّ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فَهَتْكُ حُرْمَةِ حِفْظِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - إذْ الْمَالُ حَالَ غَيْبَةِ الْمَالِكِ مَحْفُوظٌ بِحِفْظِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - .
( وَأَمَّا ) الْجِنَايَةُ عَلَى حَقِّ الْعَبْدِ فَبِإِتْلَافِ مَالِهِ ، فَكَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى حَقَّيْنِ ، فَكَانَتْ مَضْمُونَةً بِضَمَانَيْنِ فَيَجِبُ ضَمَانُ الْقَطْعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وَضَمَانُ الْمَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى حَقِّ الْعَبْدِ ، كَمَنْ شَرِبَ خَمْرَ الذِّمِّيِّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى ، وَالضَّمَانُ حَقًّا لِلْعَبِيدِ ، وَكَذَا قَتْلُ الْخَطَأِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى ، وَالدِّيَةَ حَقًّا لِلْعَبْدِ ، كَذَا هَذَا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَسْرُوقَ لَوْ كَانَ قَائِمًا يَجِبُ رَدُّهُ عَلَى الْمَالِكِ فَدَلَّ أَنَّهُ بَقِيَ مَعْصُومًا حَقًّا لِلْمَالِكِ .
( وَلَنَا ) الْكِتَابُ ، وَالسُّنَّةُ ، وَالْمَعْقُولُ : أَمَّا الْكِتَابُ الْعَزِيزُ فَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38، وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا } ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْآيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - سَمَّى الْقَطْعَ جَزَاءً ، وَالْجَزَاءُ يُبْنَى عَلَى الْكِفَايَةِ فَلَوْ ضَمَّ إلَيْهِ الضَّمَانُ لَمْ يَكُنْ الْقَطْعُ كَافِيًا فَلَمْ يَكُنْ جَزَاءً تَعَالَى اللَّهُ - سُبْحَانَهُ عَزَّ شَأْنُهُ - عَنْ الْخُلْفِ فِي الْخَبَرِ وَالثَّانِي : أَنَّهُ جَعَلَ الْقَطْعَ كُلَّ الْجَزَاءِ ; لِأَنَّهُ عَزَّ شَأْنُهُ ذَكَرَهُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ فَلَوْ أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ لَصَارَ الْقَطْعُ بَعْضَ الْجَزَاءِ ; فَيَكُونُ نَسْخًا لِنَصِّ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ .
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ - سَيِّدِنَا - عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ {
: إذَا قُطِعَ السَّارِقُ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ } ، وَالْغُرْمُ فِي اللُّغَةِ مَا يَلْزَمُ أَدَاؤُهُ ، وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ .
( وَأَمَّا ) الْمَعْقُولُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : بِنَاءٌ ، وَالْآخَرُ ابْتِدَاءٌ ( أَمَّا ) وَجْهُ الْبِنَاءِ فَهُوَ : أَنَّ الْمَضْمُونَاتِ عِنْدَنَا تُمْلَكُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ ، أَوْ اخْتِيَارِهِ مِنْ وَقْتِ الْأَخْذِ فَلَوْ ضَمَّنَّا السَّارِقَ
[ ص: 85 ] قِيمَةَ الْمَسْرُوقِ ، أَوْ مِثْلَهُ لَمَلَكَ الْمَسْرُوقَ مِنْ وَقْتِ الْأَخْذِ فَتَبَيَّنَّ أَنَّهُ قُطِعَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ .
( وَأَمَّا ) ، وَجْهُ الِابْتِدَاءِ فَمَا قَالَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَهُوَ : أَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِأَخْذِ مَالٍ مَعْصُومٍ ثَبَتَتْ عِصْمَتُهُ حَقًّا لِلْمَالِكِ ; فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَضْمُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ; لِيَكُونَ اعْتِدَاءً بِالْمِثْلِ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانَات ، وَالْمَضْمُونُ حَالَةَ السَّرِقَةِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا حَقًّا لِلْمَالِكِ بِدَلَالَةِ وُجُوبِ الْقَطْعِ ، وَلَوْ بَقِيَ مَعْصُومًا حَقًّا لِلْمَالِكِ لَمَا وَجَبَ ، إذْ الثَّابِتُ حَقًّا لِلْعَبْدِ يَثْبُتُ لِدَفْعِ حَاجَتِهِ ، وَحَاجَةُ السَّارِقِ كَحَاجَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَتَتَمَكَّنُ فِيهِ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ ، وَإِنَّهَا تَمْنَعُ وُجُوبَ الْقَطْعِ .
وَالْقَطْعُ وَاجِبٌ فَيَنْتَفِي الضَّمَانُ ضَرُورَةً إلَّا أَنَّهُ وَجَبَ رَدُّ الْمَسْرُوقِ حَالَ قِيَامِهِ ; لِأَنَّ وُجُوبَ الرَّدِّ يَقِفُ عَلَى الْمِلْكِ لَا عَلَى الْعِصْمَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ خَمْرَ الْمُسْلِمِ يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ إلَيْهِ ; لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهَا ، وَلَوْ هَلَكَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ; لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ سُقُوطِ الْعِصْمَةِ الثَّابِتَةِ حَقًّا لِلْعَبْدِ زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْ الْمَحِلّ ، وَهَهُنَا الْمِلْكُ قَائِمٌ فَيُؤْمَرُ بِالرَّدِّ إلَيْهِ ، وَالْعِصْمَةُ زَائِلَةٌ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْهَلَاكِ ، وَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ
nindex.php?page=treesubj&link=10270_10192إذَا اسْتَهْلَكَ السَّارِقُ الْمَسْرُوقَ بَعْدَ الْقَطْعِ لَا يَضْمَنُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَرَوَى
الْحَسَنُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَضْمَنُ .
( وَجْهُ ) هَذِهِ الرِّوَايَةِ : أَنَّ الْمَسْرُوقَ بَعْدَ الْقَطْعِ بَقِيَ عَلَى مِلْكِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ رَدُّهُ عَلَى الْمَالِكِ ، وَقَبْضُ السَّارِقِ لَيْسَ بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ ، فَكَانَ الْمَسْرُوقُ فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْأَمَانَةِ فَإِذَا اسْتَهْلَكَهَا ضَمِنَ .
( وَجْهُ ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ : أَنَّ عِصْمَةَ الْمَحِلِّ الثَّابِتَةِ حَقًّا لِلْمَالِكِ قَدْ سَقَطَتْ فِي حَقِّ السَّارِقِ لِضَرُورَةِ إمْكَانِ إيجَابِ الْقَطْعِ ، فَلَا يَعُودُ إلَّا بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ فَلَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا قَبْلَهُ ; فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا ، وَلَوْ اُسْتُهْلِكَ ; رَجُلٌ آخَرُ يَضْمَنُهُ ; لِأَنَّ الْعِصْمَةَ إنَّمَا سَقَطَتْ فِي حَقِّ السَّارِقِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ ; فَيَضْمَنُ ، وَلَوْ سَقَطَ الْقَطْعُ لِشُبْهَةٍ ضَمِنَ ; لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الضَّمَانِ هُوَ الْقَطْعُ ، قَدْ زَالَ الْمَانِعُ .
وَلَوْ بَاعَ السَّارِقُ الْمَسْرُوقَ مِنْ إنْسَانٍ ، أَوْ مَلَكَهُ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ، فَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ ; لِأَنَّهُ عَيْنُ مِلْكِهِ ، وَلِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى السَّارِقِ بِالثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَهُ ; لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ لَا يُوجِبُ ضَمَانًا عَلَى السَّارِقِ فِي عَيْنِ الْمَسْرُوقِ ; لِأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِثَمَنِ الْمَسْرُوقِ لَا بِقِيمَتِهِ لِيُوجِبَ ذَلِكَ مِلْكَ الْمَسْرُوقِ لِلسَّارِقِ ، وَإِنْ كَانَ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى السَّارِقِ ، وَلَا عَلَى الْقَابِضِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبِي يُوسُفَ ، أَمَّا السَّارِقُ ; فَلِأَنَّ الْقَطْعَ يَنْفِي الضَّمَانَ .
( وَأَمَّا ) الْمُشْتَرِي ; فَلِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَهُ الْمَالِكُ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالضَّمَانِ عَلَى السَّارِقِ فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْمَالِكَ ضَمِنَ السَّارِقَ ، وَقَطْعُهُ يَنْفِي الضَّمَانَ عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهُ الْقَابِضُ كَانَ لِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ الْقِيمَةَ ; لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَهَلَكَ فِي يَدِهِ ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى السَّارِقِ بِالثَّمَنِ ; لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ لَيْسَ بِتَضْمِينٍ
nindex.php?page=treesubj&link=10693_10192_10270وَلَوْ اغْتَصَبَهُ إنْسَانٌ مِنْ السَّارِقِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْقَطْعِ فَلَا ضَمَانَ لِلسَّارِقِ ، وَلَا لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ ، ( أَمَّا ) السَّارِقُ ; فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ .
( وَأَمَّا ) الْمَالِكُ ; فَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ الثَّابِتَةَ لَهُ حَقًّا قَدْ بَطَلَتْ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14972الْقُدُورِيُّ : وَكَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يُضَمِّنَهُ الْغَاصِبَ ; لِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ بِالضَّمَانِ عَلَى السَّارِقِ ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=10268_16763سَرَقَ ثَوْبًا فَخَرَقَهُ فِي الدَّارِ خَرْقًا فَاحِشًا ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَهُوَ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَا يُقْطَعُ ; لِأَنَّ الْخَرْقَ الْفَاحِشَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ ، وَأَنَّهُ يُوجِبُ مِلْكَ الْمَضْمُونِ ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْقَطْعَ ، وَإِنْ خَرَقَهُ عَرْضًا ; فَقَدْ مَرَّ الِاخْتِلَافُ فِيهِ .