الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو أشهر على رجل سلاحا نهارا أو ليلا في غير مصر ، أو في مصر فقتله المشهور عليه عمدا فلا شيء عليه ، وكذلك إن شهر عليه عصا ليلا في غير مصر ، أو في مصر ، وإن كان نهارا في مصر فقتله المشهور عليه يقتل به ، والأصل في هذا أن من قصد قتل [ ص: 93 ] إنسان لا ينهدر دمه ، ولكن ينظر إن كان المشهور عليه يمكنه دفعه عن نفسه بدون القتل لا يباح له القتل ، وإن كان لا يمكنه الدفع إلا بالقتل يباح له القتل ; لأنه من ضرورات الدفع ، فإن شهر عليه سيفه يباح له أن يقتله ; لأنه لا يقدر على الدفع إلا بالقتل ألا ترى أنه لو استغاث الناس لقتله قبل أن يلحقه الغوث إذ السلاح لا يلبث ، فكان القتل من ضرورات الدفع ; فيباح قتله فإذا قتله فقد قتل شخصا مباح الدم فلا شيء عليه .

                                                                                                                                وكذا إذا أشهر عليه العصا ليلا ; لأن الغوث لا يلحق بالليل عادة سواء كان في المفازة ، أو في المصر ، وإن أشهر عليه نهارا في المصر لا يباح قتله ; لأنه يمكنه دفع شره بالاستغاثة بالناس ، وإن كان في المفازة يباح قتله ; لأنه لا يمكنه الاستغاثة فلا يندفع شره إلا بالقتل ; فيباح له القتل ، وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة رضي الله عنهما أنه لو قصد قتله بما لو قتله به لوجب عليه القصاص فقتله المقصود قتله لا يجب عليه القصاص ; لأنه يباح قتله إذ لو لم يبح لقتله القاصد .

                                                                                                                                وإذا قتله يقتل به قصاصا ، فكان فيه إتلاف نفسين ، فإذا أبيح قتله كان فيه إتلاف أحدهما ، فكان أهون ولو قصد قتله بما لو قتله به لكان لا يجب القصاص لا يباح للمقصود قتله أن يقتل القاصد فإن قتله يجب عليه القصاص ; لأنه ليس في ترك الإباحة ههنا إتلاف نفس فلا يباح ، فإذا قتله فقد قتل شخصا معصوم الدم على الأبد فيجب القصاص ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية