الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما شرائط صحتها فأنواع ، منها العقل ، فلا تصح ردة المجنون والصبي الذي لا يعقل ; لأن العقل من شرائط الأهلية خصوصا في الاعتقادات ، ولو كان الرجل ممن يجن ويفيق فإن ارتد في حال جنونه لم يصح ، وإن ارتد في حال إفاقته صحت ; لوجود دليل الرجوع في إحدى الحالتين دون الأخرى ، وكذلك السكران الذاهب العقل لا تصح ردته استحسانا ، والقياس أن تصح في حق الأحكام .

                                                                                                                                ( وجه ) القياس أن الأحكام مبنية على الإقرار بظاهر اللسان لا على ما في القلب ، إذ هو أمر باطن لا يوقف عليه .

                                                                                                                                ( وجه ) الاستحسان أن أحكام الكفر مبنية على الكفر ، كما أن أحكام الإيمان مبنية على الإيمان ، والإيمان والكفر يرجعان إلى التصديق والتكذيب ، وإنما الإقرار دليل عليهما ، وإقرار السكران الذاهب العقل لا يصلح دلالة على التكذيب ، فلا يصح إقراره .

                                                                                                                                وأما البلوغ فهل هو شرط اختلف فيه ؟ قال أبو حنيفة ومحمد رضي الله عنهما : ليس بشرط فتصح ردة الصبي العاقل ، وقال أبو يوسف - رحمه الله : شرط حتى لا تصح ردته .

                                                                                                                                ( وجه ) قوله أن عقل الصبي في التصرفات الضارة المحضة ملحق بالعدم ; ولهذا لم يصح طلاقه وإعتاقه وتبرعاته ، والردة مضرة محضة فأما الإيمان فيقع محضا ; لذلك صح إيمانه ولم تصح ردته .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهما أنه صح إيمانه فتصح ردته ، وهذا لأن صحة الإيمان والردة مبنية على وجود الإيمان والردة حقيقة ; لأن الإيمان والكفر من الأفعال الحقيقية ، وهما أفعال خارجة القلب بمنزلة أفعال سائر الجوارح ، والإقرار الصادر عن عقل دليل وجودهما ، وقد وجد هاهنا إلا أنهما مع وجودهما منه حقيقة لا يقتل ، ولكن يحبس لما نذكر إن شاء - الله تعالى - والقتل ليس من لوازم الردة عندنا فإن المرتدة لا تقتل بلا خلاف بين أصحابنا ، والردة موجودة وأما الذكورة فليست بشرط فتصح ردة المرأة عندنا ; لكنها لا تقتل بل تجبر على الإسلام ، وعند الشافعي - رحمه الله - تقتل ; وستأتي المسألة في موضعها إن شاء - الله تعالى ومنها الطوع ، فلا تصح ردة المكره على الردة استحسانا إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان ، والقياس أن تصح في أحكام الدنيا وسنذكر وجه القياس والاستحسان في كتاب الإكراه إن شاء - الله تعالى .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية