( فصل ) .
وأما بيان أحكام البغاة فالكلام فيه في مواضع : في تفسير البغاة ، وفي بيان ما يلزم إمام أهل العدل عند خروجهم عليه ، وفي بيان ما يصنع بهم وبأموالهم عند الظفر بهم والاستيلاء على أموالهم ، وفي بيان من يجوز قتله منهم ، ومن لا يجوز ، وفي بيان حكم إصابة الدماء والأموال من الطائفتين ، وفي بيان ما يصنع بقتلى الطائفتين ، وفي بيان حكم قضاياهم أما تفسير البغاة ، فالبغاة هم الخوارج ، وهم قوم من رأيهم أن كل ذنب كفر ، كبيرة كانت أو صغيرة ، يخرجون على إمام أهل العدل ، ويستحلون القتال والدماء والأموال بهذا التأويل ، ولهم منعة وقوة .
وأما بيان
nindex.php?page=treesubj&link=9525_9531_9534_9516_9536_25725ما يلزم إمام العدل عند خروجهم فنقول - وبالله التوفيق : إن علم الإمام أن الخوارج يشهرون السلاح ويتأهبون للقتال ، فينبغي له أن يأخذهم ويحبسهم حتى يقلعوا عن ذلك ، ويحدثوا توبة ; لأنه لو تركهم لسعوا في الأرض بالفساد ، فيأخذهم على أيديهم ولا يبدؤهم الإمام بالقتال حتى يبدءوه ; لأن قتالهم لدفع شرهم لا لشر شركهم لأنهم مسلمون ، فما لم يتوجه الشر منهم لا يقاتلهم ، وإن لم يعلم الإمام بذلك حتى تعسكروا وتأهبوا للقتال فينبغي له أن يدعوهم إلى العدل ، والرجوع إلى رأي الجماعة أولا لرجاء الإجابة وقبول الدعوة ، كما في حق أهل الحرب .
وكذا روي أن سيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا رضي الله عنه لما خرج عليه أهل
حروراء ندب إليهم
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ليدعوهم إلى العدل ، فدعاهم وناظر هم ، فإن أجابوا كف عنهم وإن أبوا قاتلهم ; لقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } وكذا قاتل سيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه أهل
حروراء بالنهروان بحضرة الصحابة رضي الله عنهم تصديقا لقوله عليه الصلاة والسلام لسيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=8علي {
إنك تقاتل على التأويل كما تقاتل على التنزيل } والقتال على التأويل هو القتال مع
الخوارج ، ودل الحديث على إمامة سيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه ; لأن النبي عليه الصلاة والسلام شبه قتال سيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه على التأويل بقتاله على التنزيل ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتاله بالتنزيل ، فلزم أن يكون سيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=8علي محقا في قتاله بالتأويل ، فلو لم يكن إمام حق لما كان محقا في قتاله إياهم ، ولأنهم ساعون في الأرض بالفساد فيقتلون دفعا للفساد على وجه الأرض .
وإن قاتلهم قبل الدعوة لا بأس بذلك ; لأن الدعوة قد بلغتهم لكونهم في دار الإسلام ، ومن المسلمين أيضا ويجب على كل من دعاه الإمام إلى قتالهم أن يجيبه إلى ذلك ولا يسعه التخلف إذا كان عنده غنى وقدرة ; لأن طاعة الإمام فيما ليس بمعصية فرض ، فكيف فيما هو طاعة ؟ والله - سبحانه وتعالى الموفق وما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رضي الله عنه أنه إذا وقعت الفتنة بين المسلمين فينبغي للرجل أن يعتزل الفتنة ، ويلزم بيته ، محمول على وقت خاص ، وهو أن لا يكون إمام يدعوه إلى القتال وأما إذا كان فدعاه يفترض عليه الإجابة لما ذكرنا .
( فَصْلٌ ) .
وَأَمَّا بَيَانُ أَحْكَامِ الْبُغَاةِ فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ : فِي تَفْسِيرِ الْبُغَاةِ ، وَفِي بَيَانِ مَا يَلْزَمُ إمَامَ أَهْلِ الْعَدْلِ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ عَلَيْهِ ، وَفِي بَيَانِ مَا يُصْنَعُ بِهِمْ وَبِأَمْوَالِهِمْ عِنْدَ الظَّفَرِ بِهِمْ وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَى أَمْوَالِهِمْ ، وَفِي بَيَانِ مَنْ يَجُوزُ قَتْلُهُ مِنْهُمْ ، وَمَنْ لَا يَجُوزُ ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ إصَابَةِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ ، وَفِي بَيَانِ مَا يُصْنَعُ بِقَتْلَى الطَّائِفَتَيْنِ ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ قَضَايَاهُمْ أَمَّا تَفْسِيرُ الْبُغَاةِ ، فَالْبُغَاةُ هُمْ الْخَوَارِجُ ، وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ رَأْيِهِمْ أَنَّ كُلَّ ذَنْبٍ كُفْرٌ ، كَبِيرَةً كَانَتْ أَوْ صَغِيرَةً ، يَخْرُجُونَ عَلَى إمَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ ، وَيَسْتَحِلُّونَ الْقِتَالَ وَالدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ ، وَلَهُمْ مَنَعَةٌ وَقُوَّةٌ .
وَأَمَّا بَيَانُ
nindex.php?page=treesubj&link=9525_9531_9534_9516_9536_25725مَا يَلْزَمُ إمَامَ الْعَدْلِ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ : إنْ عَلِمَ الْإِمَامُ أَنَّ الْخَوَارِجَ يُشْهِرُونَ السِّلَاحَ وَيَتَأَهَّبُونَ لِلْقِتَالِ ، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُمْ وَيَحْبِسَهُمْ حَتَّى يُقْلِعُوا عَنْ ذَلِكَ ، وَيُحْدِثُوا تَوْبَةً ; لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُمْ لَسَعَوْا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ ، فَيَأْخُذُهُمْ عَلَى أَيْدِيهِمْ وَلَا يَبْدَؤُهُمْ الْإِمَامُ بِالْقِتَالِ حَتَّى يَبْدَءُوهُ ; لِأَنَّ قِتَالَهُمْ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ لَا لِشَرِّ شِرْكِهِمْ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ ، فَمَا لَمْ يَتَوَجَّهُ الشَّرُّ مِنْهُمْ لَا يُقَاتِلُهُمْ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْإِمَامُ بِذَلِكَ حَتَّى تَعَسْكَرُوا وَتَأَهَّبُوا لِلْقِتَالِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إلَى الْعَدْلِ ، وَالرُّجُوعِ إلَى رَأْيِ الْجَمَاعَةِ أَوَّلًا لِرَجَاءِ الْإِجَابَةِ وَقَبُولِ الدَّعْوَةِ ، كَمَا فِي حَقِّ أَهْلِ الْحَرْبِ .
وَكَذَا رُوِيَ أَنْ سَيِّدَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا خَرَجَ عَلَيْهِ أَهْلُ
حَرُورَاءَ نَدَبَ إلَيْهِمْ
nindex.php?page=showalam&ids=11عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِيَدْعُوَهُمْ إلَى الْعَدْلِ ، فَدَعَاهُمْ وَنَاظَرَ هُمْ ، فَإِنْ أَجَابُوا كَفَّ عَنْهُمْ وَإِنْ أَبَوْا قَاتَلَهُمْ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ } وَكَذَا قَاتَلَ سَيِّدُنَا
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَهْلَ
حَرُورَاءَ بِالنَّهْرَوَانِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِسَيِّدِنَا
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ {
إنَّكَ تُقَاتِلُ عَلَى التَّأْوِيلِ كَمَا تُقَاتِلُ عَلَى التَّنْزِيلِ } وَالْقِتَالُ عَلَى التَّأْوِيلِ هُوَ الْقِتَالُ مَعَ
الْخَوَارِجِ ، وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى إمَامَةِ سَيِّدِنَا
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شَبَّهَ قِتَالَ سَيِّدِنَا
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى التَّأْوِيلِ بِقِتَالِهِ عَلَى التَّنْزِيلِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِتَالِهِ بِالتَّنْزِيلِ ، فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ سَيِّدُنَا
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ مُحِقًّا فِي قِتَالِهِ بِالتَّأْوِيلِ ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إمَامَ حَقٍّ لَمَا كَانَ مُحِقًّا فِي قِتَالِهِ إيَّاهُمْ ، وَلِأَنَّهُمْ سَاعُونَ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَيُقْتَلُونَ دَفْعًا لِلْفَسَادِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ .
وَإِنْ قَاتَلَهُمْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُمْ لِكَوْنِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَمِنْ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ دَعَاهُ الْإِمَامُ إلَى قِتَالِهِمْ أَنْ يُجِيبَهُ إلَى ذَلِكَ وَلَا يَسَعُهُ التَّخَلُّفُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ غِنًى وَقُدْرَةٌ ; لِأَنَّ طَاعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ فَرْضٌ ، فَكَيْفَ فِيمَا هُوَ طَاعَةٌ ؟ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ وَمَا رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْتَزِلَ الْفِتْنَةَ ، وَيَلْزَمَ بَيْتَهُ ، مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتٍ خَاصٍّ ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ إمَامٌ يَدْعُوهُ إلَى الْقِتَالِ وَأَمَّا إذَا كَانَ فَدَعَاهُ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ لِمَا ذَكَرْنَا .