( وأما ) بيان حكم قضاياهم ، فنقول :
nindex.php?page=treesubj&link=9659الخوارج إذا ولوا قاضيا فالأمر لا يخلو من أحد وجهين : إما أن ولوا رجلا من أهل البغي ، وإما أن ولوا رجلا من أهل العدل فإن ولوا رجلا من أهل البغي فقضى بقضايا ثم رفعت قضاياه إلى قاضي أهل العدل لا ينفذها ; لأنه لا يعلم كونها حقا ; لأنهم يستحلون دماءنا وأموالنا ، فاحتمل أنه قضى بما هو باطل على رأي الجماعة ، فلا يجوز له تنفيذه مع الاحتمال ، ولو كتب قاضي أهل البغي إلى قاضي أهل العدل بكتاب ، فإن علم أنه قضى بشهادة أهل العدل أنفذه ; لأنه تنفيذ لحق ظاهر ، وإن كان لا يعلم لا ينفذه ; لأنه لا يعلم كونه حقا ، فلا يجوز تنفيذه لقوله - تبارك وتعالى - {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36ولا تقف ما ليس لك به علم }
وإن ولوا رجلا من أهل العدل فقضى فيما بينهم بقضايا ، ثم رفعت قضاياه إلى قاضي أهل العدل نفذها ; لأن التولية إياه قد صحت ، ولأنه يقدر على تنفيذ القضايا بمنعتهم وقوتهم ، فصحت التولية ، والظاهر أنه قضى على رأي أهل العدل ، فلا يملك إبطاله ، كما إذا رفعت قضايا قاضي أهل العدل إلى بعض قضاة أهل العدل .
وما أخذوا من البلاد التي ظهروا عليها من الخراج والزكاة التي ولاية أخذها للإمام لا يأخذه الإمام ثانيا ; لأن حق الأخذ للإمام لمكان حمايته ، ولم توجد ، إلا أنهم يفتون بأن يعيدوا الزكاة استحسانا ; لأن الظاهر أنهم لا يصرفونها إلى مصارفها ، فأما الخراج فمصرفه المقاتلة ، وهم يقاتلون أهل الحرب والله - تعالى - أعلم .
( وَأَمَّا ) بَيَانُ حُكْمِ قَضَايَاهُمْ ، فَنَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=9659الْخَوَارِجُ إذَا وَلَّوْا قَاضِيًا فَالْأَمْرُ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ : إمَّا أَنْ وَلَّوْا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ ، وَإِمَّا أَنْ وَلَّوْا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَإِنْ وَلَّوْا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فَقَضَى بِقَضَايَا ثُمَّ رُفِعَتْ قَضَايَاهُ إلَى قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ لَا يُنْفِذُهَا ; لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ كَوْنَهَا حَقًّا ; لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا ، فَاحْتَمَلَ أَنَّهُ قَضَى بِمَا هُوَ بَاطِلٌ عَلَى رَأْيِ الْجَمَاعَةِ ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَنْفِيذُهُ مَعَ الِاحْتِمَالِ ، وَلَوْ كَتَبَ قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ إلَى قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ بِكِتَابٍ ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَضَى بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْعَدْلِ أَنْفَذَهُ ; لِأَنَّهُ تَنْفِيذٌ لِحَقٍّ ظَاهِرٍ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ لَا يُنْفِذُهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ كَوْنَهُ حَقًّا ، فَلَا يَجُوزُ تَنْفِيذُهُ لِقَوْلِهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ }
وَإِنْ وَلَّوْا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَقَضَى فِيمَا بَيْنَهُمْ بِقَضَايَا ، ثُمَّ رُفِعَتْ قَضَايَاهُ إلَى قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ نَفَّذَهَا ; لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ إيَّاهُ قَدْ صَحَّتْ ، وَلِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى تَنْفِيذِ الْقَضَايَا بِمَنْعَتِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ ، فَصَحَّتْ التَّوْلِيَةُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَضَى عَلَى رَأْيِ أَهْلِ الْعَدْلِ ، فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ ، كَمَا إذَا رُفِعَتْ قَضَايَا قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ إلَى بَعْضِ قُضَاةِ أَهْلِ الْعَدْلِ .
وَمَا أَخَذُوا مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي ظَهَرُوا عَلَيْهَا مِنْ الْخَرَاجِ وَالزَّكَاةِ الَّتِي وِلَايَةُ أَخْذِهَا لِلْإِمَامِ لَا يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ ثَانِيًا ; لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِلْإِمَامِ لِمَكَانِ حِمَايَتِهِ ، وَلَمْ تُوجَدْ ، إلَّا أَنَّهُمْ يُفْتُونَ بِأَنْ يُعِيدُوا الزَّكَاةَ اسْتِحْسَانًا ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ لَا يَصْرِفُونَهَا إلَى مَصَارِفهَا ، فَأَمَّا الْخَرَاجُ فَمَصْرِفُهُ الْمُقَاتِلَةُ ، وَهُمْ يُقَاتِلُونَ أَهْلَ الْحَرْبِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ .