( كتاب الغصب )
جمع
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله في كتاب الغصب بين مسائل الغصب وبين مسائل الإتلاف ، وبدأ بمسائل الغصب ، فنبدأ بما بدأ به
[ ص: 143 ] فنقول وبالله التوفيق : معرفة مسائل الغصب في الأصل مبنية على معرفة حد الغصب ، وعلى معرفة حكم اختلاف الغاصب والمغصوب منه .
( أما )
nindex.php?page=treesubj&link=10681حد الغصب فقد اختلف العلماء فيه قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وأبو يوسف رضي الله عنهما : هو إزالة يد المالك عن ماله المتقوم على سبيل المجاهرة والمغالبة بفعل في المال وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله : الفعل في المال ليس بشرط ; لكونه غصبا وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله : هو إثبات اليد على مال الغير بغير إذنه ، والإزالة ليست بشرط .
( أما ) الكلام مع
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله فهو احتج لتمهيد أصله بقوله سبحانه وتعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=79وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا } جعل الغصب مصدر الأخذ ، فدل أن الغصب والأخذ واحد ، والأخذ : إثبات اليد ، إلا أن الإثبات إذا كان بإذن المالك يسمى : إيداعا وإعارة وإبضاعا في عرف الشرع ، وإذا كان بغير إذن المالك يسمى في متعارف الشرع : غصبا ، ولأن الغصب إنما جعل سببا لوجوب الضمان بوصف كونه تعديا ، فإذا وقع الإثبات بغير إذن المالك وقع تعديا ، فيكون سببا لوجوب الضمان بوصف كونه تعديا ، والدليل عليه : أن غاصب الغاصب ضامن ، وإن لم يوجد منه إزالة يد المالك لزوالها بغصب الغاصب الأول ، وإزالة الزائل محال ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
( ولنا ) الاستدلال بضمان الغصب من وجهين : أحدهما : أن المالك استحق إزالة يد الغاصب عن الضمان ، فلا بد وأن يكون الغصب منه إزالة يد المالك ; لأن الله تبارك وتعالى لم يشرع الاعتداء إلا بالمثل بقوله سبحانه وتعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } والثاني : أن
nindex.php?page=treesubj&link=16755_10687_10707ضمان الغصب لا يخلو إما أن يكون ضمان زجر ، وإما أن يكون ضمان جبر ، ولا سبيل إلى الأول ; لأنه يجب على من ليس من أهل الزجر ، ولأن الانزجار لا يحصل به ، فدل أنه : ضمان جبر ، والجبر يستدعي الفوات ، فدل أنه لا بد من التفويت لتحقق الغصب ، ولا حجة له في الآية ; لأن الله تعالى فسر أخذ الملك تلك السفينة بغصبه إياها ، كأنه قال سبحانه وتعالى : وكان وراءهم ملك يغصب كل سفينة وهذا لا يدل على أن كل أخذ غصب ، بل هي حجة عليه ; لأن غصب ذلك الملك كان إثبات اليد على السفينة مع إزالة أيدي المساكين عنها ، فدل على أن الغصب إثبات على وجه يتضمن الإزالة .
( وأما ) قوله : الغصب إنما أوجب الضمان لكونه تعديا فمسلم ، لكن التعدي في الإزالة لا في الإثبات ; لأن وقوعه تعديا بوقوعه ضارا بالمالك ، وذلك بإخراجه من أن يكون منتفعا به في حق المالك ، وإعجازه عن الانتفاع به ، وهو تفسير تفويت اليد وإزالتها .
( فأما ) مجرد الإثبات فلا ضرر فيه ، فلم يكن الإثبات تعديا ، وعلى هذا الأصل يخرج زوائد الغصب أنها ليست بمضمونة ، سواء كانت منفصلة كالولد واللبن والثمرة ، أو متصلة كالسمن والجمال ; لأنها لم تكن في يد المالك وقت غصب الأم ، فلم توجد إزالة يده عنها ، فلم يوجد الغصب .
وعند
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد مضمونة ; لأن الغصب عنده : إثبات اليد على مال الغير بغير إذن مالكه ، وقد وجد الغصب ، وهل تصير مضمونة عندنا بالبيع والتسليم والمنع أو الاستهلاك أو الاستخدام جبرا .
( أما ) المنفصلة : فلا خلاف بين أصحابنا رضي الله عنهم في أنها تصير مضمونة بها .
( وأما ) المتصلة : فذكر في الأصل أنها تصير مضمونة بالبيع والتسليم ، ولم يذكر الخلاف ، وصورة المسألة :
nindex.php?page=treesubj&link=10712_10717_23652إذا غصب جارية قيمتها ألف درهم ، فازدادت في بدنها خيرا حتى صارت قيمتها ألفي درهم فباعها ، وسلمها إلى المشتري فهلكت في يده ، فالمالك بالخيار إن شاء ضمن المشتري قيمتها ألفي درهم ، وإن شاء ضمن البائع ، فإن اختار تضمين المشتري ضمنه قيمتها يوم القبض ألفي درهم ، وإن اختار تضمين البائع ضمنه بالبيع والتسليم قيمتها ألفي درهم أيضا ، كذا ذكر في الأصل ، ولم يذكر الخلاف .
وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=13234ابن سماعة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمهما الله الخلاف : أن على قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله إن شاء ضمن المشتري قيمتها يوم القبض ألفي درهم ، وإن شاء ضمن الغاصب قيمتها يوم الغصب ألف درهم ، وليس له أن يضمنه زيادة بالبيع والتسليم وكذا ذكره
الحاكم الشهيد في المنتقى ، وحكى الخلاف ، وهكذا ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي في مختصره ، إلا أنه ذكر الاستهلاك مطلقا ، فقال : إلا أن يستهلكها ، وفسره
nindex.php?page=showalam&ids=14330الجصاص في شرحه مختصر
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي فقال : إلا أن يكون عبدا أو جارية فيقتل ، وهذا هو الصحيح ، أن
nindex.php?page=treesubj&link=25486_10710المغصوب إذا كان عبدا أو جارية فقتله الغاصب خطأ يكون المالك بالخيار ، إن شاء ضمن الغاصب قيمته يوم الغصب ، وإن شاء ضمن عاقلة القاتل قيمته وقت القتل زائدة في ثلاث سنين .
( وجه ) قولهما أن البيع والتسليم غصب ; لأنه تفويت إمكان الأخذ ; لأن المالك
[ ص: 144 ] كان متمكنا من أخذه منه قبل البيع والتسليم ، وبعد البيع والتسليم لم يبق متمكنا ، وتفويت إمكان الأخذ تفويت اليد معنى ، فكان غصبا موجبا للضمان ، وهذا لأن تفويت يد المالك إنما كان غصبا موجبا للضمان ; لكونه إخراج المال من أن يكون منتفعا به في حق المالك ، وإعجازه عن الانتفاع بماله ، وهذا يحصل بتفويت إمكان الأخذ فيوجب الضمان ، ولهذا يجب الضمان على غاصب الغاصب ومودع الغاصب والمشتري من الغاصب ، كذا هذا
nindex.php?page=showalam&ids=11990ولأبي حنيفة رضي الله عنه أن الأصل مضمون بالغصب الأول ، فلا يقع البيع والتسليم غصبا له ; لأن غصب المغصوب لا يتصور ، والزيادة المتصلة لا يتصور إفرادها بالغصب لتصير مغصوبة بالبيع والتسليم ، بخلاف الزيادة المنفصلة فإن إفرادها بالغصب بدون الأصل متصور ، فلم تكن مغصوبة بالغصب الأول لانعدامها ، فجاز أن تصير مغصوبة بالبيع والتسليم ، فهذا الفرق بين الزيادتين ، وبخلاف القتل ; لأن قتل المغصوب متصور ; لأن محل القتل غير محل الغصب ، فمحل القتل هو الحياة ، ومحل الغصب هو مالية العين ، فتحقق الغصب لا يمنع تحقق القتل ، إلا أن المضمون واحد ، والمستحق للضمان واحد ، فيخير ، ولأن الأصل مضمون بالغصب السابق لا شك فيه ، فيصير مملوكا للغاصب من ذلك الوقت بلا خلاف بين أصحابنا رحمهم الله .
( وأما ) الزيادة المتصلة : فالزيادة حصلت على ملك الغاصب ; لأنها نماء ملكه فتكون ملكه ، فكان البيع والتسليم والمنع والاستخدام والاستهلاك في غير بني
آدم تصرفا في ملك نفسه ، فلا يكون مضمونا عليه ، كما لو تصرف في سائر أملاكه بخلاف الزيادة المنفصلة ; لأنا أثبتنا الملك بطريق الاستناد فالمستند يظهر من وجه ويقتصر على الحال من وجه ، فيعمل بشبهة الظهور في الزوائد المتصلة وبشبهة الاقتصار في المنفصلة ، إذ لا يكون العمل به على العكس ليكون عملا بالشبهين بقدر الإمكان .
( وأما ) على طريق الظهور المحض فتخريجهما مشكل والله تعالى الموفق ، بخلاف القتل ; لأن العبد إنما يضمن بالقتل من حيث إنه آدمي لا من حيث إنه مال ، والغاصب إنما ملكه بالضمان من وقت الغصب من حيث إنه مال لا من حيث إنه آدمي ; لأنه من حيث إنه آدمي لا يحتمل التملك ، فلم يكن هو بالقتل متصرفا في ملك نفسه ، لهذا افترقا والله سبحانه وتعالى أعلم .
ثم على أصلها : إذا اختار المالك تضمين البائع ، هل يثبت له الخيار بين أن يضمنه ألفي درهم وقت البيع ، وبين أن يضمنه ألف درهم وقت الغصب ، قال بعض مشايخنا : يثبت ، وهذا غير سديد ; لأن التخيير بين القليل والكثير عند اتحاد الذمة من باب السفه ، بخلاف التخيير بين البائع والمشتري عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله ; لأن هناك الذمة مختلفة ، فمن الجائز أن يكون أحدهما مليا والآخر مفلسا ، فكان التخيير مفيدا وبخلاف القتل ; لأن ضمان القتل ضمان الدم وأنه مؤجل إلى ثلاث سنين ، وضمان الغصب ضمان المال وأنه حال ، فكان التخيير مفيدا ، ثم
nindex.php?page=treesubj&link=23652_24713إذا ضمن المالك الغاصب قيمة المغصوب وقت الغصب أو وقت البيع والتسليم جاز البيع ; لأنه تبين أنه باع ملك نفسه والثمن له ; لأنه بدل ملكه
nindex.php?page=treesubj&link=10711_23652_24713وإن ضمن المشتري قيمته وقت القبض بطل البيع ورجع المشتري بالثمن على البائع ; لأنه تبين أنه أخذه بغير حق .
وليس له أن يرجع على البائع بالضمان .
( كِتَابُ الْغَصْبِ )
جَمَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ بَيْنَ مَسَائِلِ الْغَصْبِ وَبَيْنَ مَسَائِلِ الْإِتْلَافِ ، وَبَدَأَ بِمَسَائِلِ الْغَصْبِ ، فَنَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ
[ ص: 143 ] فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ : مَعْرِفَةُ مَسَائِلِ الْغَصْبِ فِي الْأَصْلِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ حَدِّ الْغَصْبِ ، وَعَلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِ اخْتِلَافِ الْغَاصِبِ وَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ .
( أَمَّا )
nindex.php?page=treesubj&link=10681حَدُّ الْغَصْبِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : هُوَ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ عَنْ مَالِهِ الْمُتَقَوِّمِ عَلَى سَبِيلِ الْمُجَاهَرَةِ وَالْمُغَالَبَةِ بِفِعْلٍ فِي الْمَالِ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّد رَحِمَهُ اللَّهُ : الْفِعْلُ فِي الْمَالِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ; لِكَوْنِهِ غَصْبًا وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : هُوَ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مَالٍ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَالْإِزَالَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ .
( أَمَّا ) الْكَلَامُ مَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَهُوَ احْتَجَّ لِتَمْهِيدِ أَصْلِهِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=79وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا } جَعَلَ الْغَصْبَ مَصْدَرَ الْأَخْذِ ، فَدَلَّ أَنَّ الْغَصْبَ وَالْأَخْذَ وَاحِدٌ ، وَالْأَخْذُ : إثْبَاتُ الْيَدِ ، إلَّا أَنَّ الْإِثْبَاتَ إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ يُسَمَّى : إيدَاعًا وَإِعَارَةً وَإِبْضَاعًا فِي عُرْفِ الشَّرْعِ ، وَإِذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْن الْمَالِكِ يُسَمَّى فِي مُتَعَارَفِ الشَّرْعِ : غَصْبًا ، وَلِأَنَّ الْغَصْبَ إنَّمَا جُعِلَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ بِوَصْفِ كَوْنِهِ تَعَدِّيًا ، فَإِذَا وَقَعَ الْإِثْبَاتُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ وَقَعَ تَعَدِّيًا ، فَيَكُونُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ بِوَصْفِ كَوْنِهِ تَعَدِّيًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ : أَنْ غَاصِبَ الْغَاصِبِ ضَامِنٌ ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ لِزَوَالِهَا بِغَصْبِ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ ، وَإِزَالَةُ الزَّائِلِ مُحَالٌ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( وَلَنَا ) الِاسْتِدْلَال بِضَمَانِ الْغَصْبِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمَالِكَ اسْتَحَقَّ إزَالَةَ يَدِ الْغَاصِبِ عَنْ الضَّمَانِ ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الْغَصْبُ مِنْهُ إزَالَةَ يَدِ الْمَالِكِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يُشَرِّعْ الِاعْتِدَاءَ إلَّا بِالْمِثْلِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } وَالثَّانِي : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=16755_10687_10707ضَمَانَ الْغَصْبِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ ضَمَانَ زَجْرٍ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ضَمَانَ جَبْرٍ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ ; لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الزَّجْرِ ، وَلِأَنَّ الِانْزِجَارَ لَا يَحْصُلُ بِهِ ، فَدَلَّ أَنَّهُ : ضَمَانُ جَبْرٍ ، وَالْجَبْرُ يَسْتَدْعِي الْفَوَاتَ ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَا بُدّ مِنْ التَّفْوِيتِ لِتَحَقُّقِ الْغَصْبِ ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْآيَةِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَسَّرَ أَخْذَ الْمَلِكِ تِلْكَ السَّفِينَةَ بِغَصْبِهِ إيَّاهَا ، كَأَنَّهُ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَغْصِبُ كُلَّ سَفِينَةٍ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ أَخْذٍ غَصْبٌ ، بَلْ هِيَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ غَصْبَ ذَلِكَ الْمَلِكِ كَانَ إثْبَاتَ الْيَدِ عَلَى السَّفِينَةِ مَعَ إزَالَةِ أَيْدِي الْمَسَاكِينِ عَنْهَا ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْغَصْبَ إثْبَاتٌ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَمَّنُ الْإِزَالَةَ .
( وَأَمَّا ) قَوْلُهُ : الْغَصْبُ إنَّمَا أَوْجَبَ الضَّمَانَ لِكَوْنِهِ تَعَدِّيًا فَمُسَلَّمٌ ، لَكِنَّ التَّعَدِّيَ فِي الْإِزَالَةِ لَا فِي الْإِثْبَاتِ ; لِأَنَّ وُقُوعَهُ تَعَدِّيًا بِوُقُوعِهِ ضَارًّا بِالْمَالِكِ ، وَذَلِكَ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ فِي حَقِّ الْمَالِكِ ، وَإِعْجَازِهِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ ، وَهُوَ تَفْسِيرُ تَفْوِيتِ الْيَدِ وَإِزَالَتِهَا .
( فَأَمَّا ) مُجَرَّدُ الْإِثْبَاتِ فَلَا ضَرَرَ فِيهِ ، فَلَمْ يَكُنْ الْإِثْبَاتُ تَعَدِّيًا ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَخْرُجُ زَوَائِدُ الْغَصْبِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالثَّمَرَةِ ، أَوْ مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ ; لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ الْمَالِكِ وَقْتَ غَصْبِ الْأُمِّ ، فَلَمْ تُوجَدْ إزَالَةُ يَدِهِ عَنْهَا ، فَلَمْ يُوجَدْ الْغَصْبُ .
وَعِنْد
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدٍ مَضْمُونَةٌ ; لِأَنَّ الْغَصْبَ عِنْدَهُ : إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ ، وَقَدْ وُجِدَ الْغَصْبُ ، وَهَلْ تَصِيرُ مَضْمُونَةً عِنْدَنَا بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَالْمَنْعِ أَوْ الِاسْتِهْلَاكِ أَوْ الِاسْتِخْدَامِ جَبْرًا .
( أَمَّا ) الْمُنْفَصِلَةُ : فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي أَنَّهَا تَصِيرُ مَضْمُونَةً بِهَا .
( وَأَمَّا ) الْمُتَّصِلَةُ : فَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهَا تَصِيرُ مَضْمُونَةً بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ :
nindex.php?page=treesubj&link=10712_10717_23652إذَا غَصَبَ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَازْدَادَتْ فِي بَدَنِهَا خَيْرًا حَتَّى صَارَتْ قِيمَتهَا أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَبَاعَهَا ، وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ ، فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهَا أَلْفَيْ دِرْهَم ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْبَائِعَ ، فَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْمُشْتَرِي ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ ، وَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْبَائِعِ ضَمَّنَهُ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ قِيمَتَهَا أَلْفَيْ دِرْهَمٍ أَيْضًا ، كَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ .
وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=13234ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْخِلَافَ : أَنْ عَلَى قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهَا يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْغَصْبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ زِيَادَةً بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَكَذَا ذَكَرَهُ
الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُنْتَقَى ، وَحَكَى الْخِلَافَ ، وَهَكَذَا ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ الِاسْتِهْلَاكَ مُطْلَقًا ، فَقَالَ : إلَّا أَنْ يَسْتَهْلِكَهَا ، وَفَسَّرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14330الْجَصَّاصُ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطَّحَاوِيِّ فَقَالَ : إلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً فَيُقْتَلُ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ، أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25486_10710الْمَغْصُوبَ إذَا كَانَ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً فَقَتَلَهُ الْغَاصِبُ خَطَأً يَكُونُ الْمَالِكُ بِالْخِيَارِ ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ عَاقِلَةَ الْقَاتِلِ قِيمَتَهُ وَقْتَ الْقَتْلِ زَائِدَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْبَيْعَ وَالتَّسْلِيمَ غَصْبٌ ; لِأَنَّهُ تَفْوِيتُ إمْكَانِ الْأَخْذِ ; لِأَنَّ الْمَالِكَ
[ ص: 144 ] كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَخْذِهِ مِنْهُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ ، وَبَعْدَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ لَمْ يَبْقَ مُتَمَكِّنًا ، وَتَفْوِيتُ إمْكَانِ الْأَخْذِ تَفْوِيتُ الْيَدِ مَعْنًى ، فَكَانَ غَصْبًا مُوجِبًا لِلضَّمَانِ ، وَهَذَا لِأَنَّ تَفْوِيتَ يَدِ الْمَالِكِ إنَّمَا كَانَ غَصْبًا مُوجِبًا لِلضَّمَانِ ; لِكَوْنِهِ إخْرَاجَ الْمَالِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ فِي حَقِّ الْمَالِك ، وَإِعْجَازُهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمَالِهِ ، وَهَذَا يَحْصُلُ بِتَفْوِيتِ إمْكَانِ الْأَخْذِ فَيُوجِبُ الضَّمَانَ ، وَلِهَذَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى غَاصِبِ الْغَاصِبِ وَمُودِعِ الْغَاصِبِ وَالْمُشَتَّرِي مِنْ الْغَاصِبِ ، كَذَا هَذَا
nindex.php?page=showalam&ids=11990وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْأَصْلَ مَضْمُونٌ بِالْغَصْبِ الْأَوَّلِ ، فَلَا يَقَعُ الْبَيْعُ وَالتَّسْلِيمُ غَصْبًا لَهُ ; لِأَنَّ غَصْبَ الْمَغْصُوبِ لَا يُتَصَوَّرُ ، وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ لَا يُتَصَوَّرُ إفْرَادُهَا بِالْغَصْبِ لِتَصِيرَ مَغْصُوبَةً بِالْبَيِّعِ وَالتَّسْلِيمِ ، بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ فَإِنْ إفْرَادَهَا بِالْغَصْبِ بِدُونِ الْأَصْلِ مُتَصَوَّرٌ ، فَلَمْ تَكُنْ مَغْصُوبَةً بِالْغَصْبِ الْأَوَّلِ لِانْعِدَامِهَا ، فَجَازَ أَنْ تَصِيرَ مَغْصُوبَةً بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ ، فَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الزِّيَادَتَيْنِ ، وَبِخِلَافِ الْقَتْل ; لِأَنَّ قَتْلَ الْمَغْصُوبِ مُتَصَوَّرٌ ; لِأَنَّ مَحَلَّ الْقَتْلِ غَيْرُ مَحَلِّ الْغَصْبِ ، فَمَحَلُّ الْقَتْلِ هُوَ الْحَيَاةُ ، وَمَحَلُّ الْغَصْبِ هُوَ مَالِيَّةُ الْعَيْنِ ، فَتَحَقُّقُ الْغَصْبِ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقُ الْقَتْلِ ، إلَّا أَنَّ الْمَضْمُونَ وَاحِدٌ ، وَالْمُسْتَحَقُّ لِلضَّمَانِ وَاحِدٌ ، فَيُخَيَّرُ ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ مَضْمُونٌ بِالْغَصْبِ السَّابِقِ لَا شَكَّ فِيهِ ، فَيَصِيرُ مَمْلُوكًا لِلْغَاصِبِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ .
( وَأَمَّا ) الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ : فَالزِّيَادَةُ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِ الْغَاصِبِ ; لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ فَتَكُونُ مِلْكَهُ ، فَكَانَ الْبَيْعُ وَالتَّسْلِيمُ وَالْمَنْعُ وَالِاسْتِخْدَامُ وَالِاسْتِهْلَاكُ فِي غَيْرِ بَنِي
آدَمَ تَصَرُّفًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ ، فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ فِي سَائِرِ أَمْلَاكِهِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ ; لِأَنَّا أَثْبَتْنَا الْمِلْكَ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ فَالْمُسْتَنَدُ يَظْهَرُ مِنْ وَجْهٍ وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْحَالِ مِنْ وَجْهٍ ، فَيُعْمَلُ بِشُبْهَةِ الظُّهُورِ فِي الزَّوَائِدِ الْمُتَّصِلَةِ وَبِشُبْهَةِ الِاقْتِصَارِ فِي الْمُنْفَصِلَةِ ، إذْ لَا يَكُونُ الْعَمَلُ بِهِ عَلَى الْعَكْسِ لِيَكُونَ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ .
( وَأَمَّا ) عَلَى طَرِيقِ الظُّهُورِ الْمَحْضِ فَتَخْرِيجُهُمَا مُشْكِلٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ ، بِخِلَافِ الْقَتْلِ ; لِأَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا يَضْمَنُ بِالْقَتْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ ، وَالْغَاصِب إنَّمَا مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ ; لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ لَا يَحْتَمِلُ التَّمَلُّكَ ، فَلَمْ يَكُنْ هُوَ بِالْقَتْلِ مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ ، لِهَذَا افْتَرَقَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
ثُمَّ عَلَى أَصْلِهَا : إذَا اخْتَارَ الْمَالِكُ تَضْمِينَ الْبَائِعِ ، هَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَقْتَ الْبَيْعِ ، وَبَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقْتَ الْغَصْبِ ، قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا : يَثْبُتُ ، وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ ; لِأَنَّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ عِنْدَ اتِّحَادِ الذِّمَّةِ مِنْ بَابِ السَّفَهِ ، بِخِلَافِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ; لِأَنَّ هُنَاكَ الذِّمَّةَ مُخْتَلِفَةٌ ، فَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَلِيًّا وَالْآخَر مُفْلِسًا ، فَكَانَ التَّخْيِيرُ مُفِيدًا وَبِخِلَافِ الْقَتْلِ ; لِأَنَّ ضَمَانَ الْقَتْلِ ضَمَانُ الدَّمِ وَأَنَّهُ مُؤَجَّلٌ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ ، وَضَمَانَ الْغَصْبِ ضَمَانُ الْمَالِ وَأَنَّهُ حَالٌّ ، فَكَانَ التَّخْيِيرُ مُفِيدًا ، ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=23652_24713إذَا ضَمَّنَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ قِيمَةَ الْمَغْصُوبِ وَقْتَ الْغَصْبِ أَوْ وَقْتَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ جَازَ الْبَيْعُ ; لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَالثَّمَنُ لَهُ ; لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=10711_23652_24713وَإِنْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ وَقْتَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ ; لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ .
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِالضَّمَانِ .