( فصل ) :
وأما بيان حكم ما يقع عليه الإكراه فنقول - وبالله التوفيق - أما التصرفات الحسية فيتعلق بها حكمان : أحدهما يرجع إلى الآخرة ، والثاني يرجع إلى الدنيا أما الذي يرجع إلى الآخرة فنقول - وبالله التوفيق - .
التصرفات الحسية التي يقع عليها الإكراه في حق أحكام الآخرة ثلاثة أنواع : نوع هو مباح ، ونوع هو مرخص ، ونوع هو حرام ليس بمباح ولا مرخص .
( أما )
nindex.php?page=treesubj&link=24930_17194_10067_16906_23988_16905_24889النوع الذي هو مباح فأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وشرب الخمر إذا كان الإكراه تاما بأن كان بوعيد تلف ; لأن هذه الأشياء مما تباح عند الاضطرار قال الله تبارك وتعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=119إلا ما اضطررتم إليه } ، أي دعتكم شدة المجاعة إلى أكلها ، والاستثناء من التحريم إباحة وقد تحقق الاضطرار بالإكراه فيباح له التناول بل لا يباح له الامتناع عنه ، ولو امتنع عنه حتى قتل يؤاخذ به كما في حالة المخمصة ; لأنه بالامتناع عنه صار ملقيا نفسه في التهلكة ، والله سبحانه وتعالى نهى عن ذلك بقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } ، وإن كان الإكراه ناقصا لا يحل له الإقدام عليه ولا يرخص أيضا ; لأنه لا يفعله للضرورة بل لدفع الغم عن نفسه ، فكانت الحرمة بحكمها قائمة ، وكذلك لو كان الإكراه بالإجاعة بأن قال : لتفعلن كذا وإلا لأجيعنك لا يحل له أن يفعل حتى يجيئه من الجوع ما يخاف منه تلف النفس أو العضو ; لأن الضرورة لا تتحقق إلا في تلك الحالة والله تعالى أعلم .
( فَصْلٌ ) :
وَأَمَّا بَيَانُ حُكْمِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْإِكْرَاهُ فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ - أَمَّا التَّصَرُّفَاتُ الْحِسِّيَّةُ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمَانِ : أَحَدُهُمَا يَرْجِعُ إلَى الْآخِرَةِ ، وَالثَّانِي يَرْجِعُ إلَى الدُّنْيَا أَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْآخِرَةِ فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ - .
التَّصَرُّفَاتُ الْحِسِّيَّةُ الَّتِي يَقَعُ عَلَيْهَا الْإِكْرَاهُ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ : نَوْعٌ هُوَ مُبَاحٌ ، وَنَوْعٌ هُوَ مُرَخَّصٌ ، وَنَوْعٌ هُوَ حَرَامٌ لَيْسَ بِمُبَاحٍ وَلَا مُرَخَّصٍ .
( أَمَّا )
nindex.php?page=treesubj&link=24930_17194_10067_16906_23988_16905_24889النَّوْعُ الَّذِي هُوَ مُبَاحٌ فَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَشُرْبُ الْخَمْرِ إذَا كَانَ الْإِكْرَاهُ تَامًّا بِأَنْ كَانَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِمَّا تُبَاحُ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=119إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } ، أَيْ دَعَتْكُمْ شِدَّةُ الْمَجَاعَةِ إلَى أَكْلِهَا ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ التَّحْرِيمِ إبَاحَةٌ وَقَدْ تَحَقَّقَ الِاضْطِرَارُ بِالْإِكْرَاهِ فَيُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُلُ بَلْ لَا يُبَاحُ لَهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ ، وَلَوْ امْتَنَعَ عَنْهُ حَتَّى قُتِلَ يُؤَاخَذُ بِهِ كَمَا فِي حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ ; لِأَنَّهُ بِالِامْتِنَاعِ عَنْهُ صَارَ مُلْقِيًا نَفْسَهُ فِي التَّهْلُكَةِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَهَى عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ } ، وَإِنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ نَاقِصًا لَا يَحِلُّ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ وَلَا يُرَخَّصُ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ لِلضَّرُورَةِ بَلْ لِدَفْعِ الْغَمِّ عَنْ نَفْسِهِ ، فَكَانَتْ الْحُرْمَةُ بِحُكْمِهَا قَائِمَةً ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِالْإِجَاعَةِ بِأَنْ قَالَ : لَتَفْعَلَنَّ كَذَا وَإِلَّا لَأُجِيعَنَّكَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ حَتَّى يَجِيئَهُ مِنْ الْجُوعِ مَا يُخَافُ مِنْهُ تَلَفُ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ ; لِأَنَّ الضَّرُورَةَ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .