( وأما ) النوع الثالث فأما المكره على القتل  فإن كان الإكراه تاما فلا قصاص عليه عند  أبي حنيفة   ومحمد  رضي الله عنهما ، ولكن يعزر ويجب على المكره ، وعند  أبي يوسف    - رحمه الله - لا يجب القصاص عليهما ولكن تجب الدية على المكره وعند  زفر    - رحمه الله - يجب القصاص على المكره دون المكره ، وعند  الشافعي    - رحمه الله - يجب عليهما . 
( وجه ) قول  الشافعي    - رحمه الله - أن القتل اسم لفعل يفضي إلى زهوق الحياة عادة ، وقد وجد في كل واحد منهما إلا أنه حصل من المكره مباشرة ومن المكره تسبيبا ، فيجب القصاص عليهما جميعا . 
( وجه ) قول  زفر    - رحمه الله - أن القتل وجد من المكره حقيقة حسا ومشاهدة ، وإنكار المحسوس مكابرة فوجب اعتباره منه دون المكره إذ الأصل اعتبار الحقيقة لا يجوز العدول عنها إلا بدليل . 
( وجه ) قول  أبي يوسف    - رحمه الله - أن المكره ليس بقاتل حقيقة بل هو مسبب للقتل ، وإنما القاتل هو المكره حقيقة ثم لما لم يجب القصاص عليه فلأن لا يجب على المكره أولى  [ ص: 180 ] 
( وجه ) قول  أبي حنيفة   ومحمد    - عليهما الرحمة - ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { عفوت عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه   } ، وعفو الشيء عفو عن موجبه فكان موجب المستكره عليه معفوا بظاهر الحديث ، ولأن القاتل هو المكره من حيث المعنى ، وإنما الموجود من المكره صورة القتل فأشبه الآلة إذ القتل مما يمكن اكتسابه بآلة الغير كإتلاف المال ، ثم المتلف هو المكره حتى كان الضمان عليه ، فكذا القاتل ألا ترى أنه إذا أكره على قطع يد نفسه له أن يقتص من المكره ، ولو كان هو القاطع حقيقة لما اقتص ، ولأن معنى الحياة أمر لا بد منه في باب القصاص قال الله تعالى : { ولكم في القصاص حياة    } 
ومعنى الحياة شرعا واستيفاء لا يحصل بشرع القصاص في حق المكره واستيفائه منه على ما مر في مسائل الخلاف ; لذلك وجب على المكره دون المكره ، وإن كان الإكراه ناقصا وجب القصاص على المكره بلا خلاف ; لأن الإكراه الناقص يسلب الاختيار أصلا فلا يمنع وجوب القصاص ، وكذلك لو كان المكره صبيا أو معتوها يعقل ما أمر به  فالقصاص على المكره عند  أبي حنيفة   ومحمد    - رحمهما الله - لما ذكرنا ، ولو كان الصبي المكره يعقل وهو مطاع أو بالغ مختلط العقل - وهو مسلط - لا قصاص عليه وعلى عاقلته الدية ; لأن عمد الصبي خطأ . 
ولو قال المكره على قتله المكره : اقتلني من غير إكراه فقتله  لا قصاص عليه عند أصحابنا الثلاثة     ; لأنه لو قتله من غير إذن لا يجب عليه ، فهذا أولى ، وعند  زفر  يجب عليه القصاص وكذا لا قصاص على المكره عندنا ، وفي وجوب الدية روايتان وموضع المسألة كتاب الديات ، ومن الأحكام التي تتعلق بالإكراه على القتل أن المكره على قتل مورثه لا يحرم الميراث عند أصحابنا الثلاثة     ; لما ذكرنا أن الموجود من المكره صورة القتل لا حقيقته بل هو في معنى الآلة ، فكان القتل مضافا إلى المكره ، ولأنه قتل لا يتعلق به وجوب القصاص ولا وجوب الكفارة فلا يوجب حرمان الميراث ، وعلى قياس قول  زفر   والشافعي    - رحمهما الله - يحرم الميراث ; لأنه يتعلق به وجوب القصاص . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					