( فصل ) :
وأما بيان
nindex.php?page=treesubj&link=9239_9240ما يسقط القصاص بعد وجوبه فالمسقط له أنواع : منها فوات محل القصاص بأن مات من عليه القصاص بآفة سماوية ; لأنه لا يتصور بقاء الشيء في غير محله ، وإذا سقط القصاص بالموت لا تجب الدية عندنا ; لأن القصاص هو الواجب عينا عندنا ، وهو أحد قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - ، وعلى قوله الآخر تجب الدية ، وقد بينا فساده فيما تقدم ، وكذا
nindex.php?page=treesubj&link=9240_9299إذا قتل من عليه القصاص بغير حق أو بحق بالردة والقصاص بأن قتل إنسانا فقتل به قصاصا يسقط القصاص ، ولا يجب لما قلنا ، وكذلك القصاص الواجب فيما دون النفس إذا فات ذلك العضو بآفة سماوية أو قطع بغير حق يسقط القصاص من غير مال عندنا لما قلنا ، وإن قطع بحق بأن قطع يد غيره فقطع به أو سرق مال إنسان فقطع يسقط القصاص أيضا لفوات محله ، لكن يجب أرش اليد فيقع الفرق في موضعين أحدهما بين القتل والقطع بحق .
والثاني بين القطع بغير حق ، وبين القطع بحق ، والفرق أنه إذا قطع طرفه بحق فقد قضى به حقا واجبا عليه فجعل كالقائم ، وجعل صاحبه ممسكا له تقديرا كأنه أمسكه حقيقة ، وتعذر استيفاء القصاص لعذر الخطأ ، ونحو ذلك ، وهناك يجب الأرش ، كذا هذا ، وهذا المعنى لم يوجد فيما إذا قطع بغير حق ; لأنه لم يقض حقا واجبا عليه ، وفي القتل إن قضى حقا واجبا عليه ، لكن لا يملك أن يجعل ممسكا للنفس بعد موته تقديرا ; لأنه لا يتصور حقيقة بخلاف الطرف ، والله تعالى أعلم ومنها
nindex.php?page=treesubj&link=9244_9242العفو ، والكلام فيه في ثلاثة مواضع : أحدها : في بيان ركنه ، والثاني : في بيان شرائط الركن ، والثالث : في بيان حكمه أما ركنه فهو أن يقول العافي عفوت أو أسقطت أو أبرأت أو وهبت ، وما يجري هذا المجرى .
وأما الشرائط فمنها أن يكون العفو من صاحب الحق ; لأنه إسقاط الحق ، وإسقاط الحق ولا حق محال فلا يصح العفو من الأجنبي لعدم الحق ، ولا من الأب ، والجد في قصاص وجب للصغير ; لأن الحق للصغير لا لهما ، وإنما لهما ولاية استيفاء حق وجب للصغير ، ولأن ولايتهما مقيدة بالنظر للصغير ، والعفو ضرر محض ; لأنه إسقاط الحق أصلا ، ورأسا فلا يملكانه ، ولهذا لا يملكه السلطان فيما له ولاية الاستيفاء على ما بينا ، والله تعالى أعلم ومنها أن يكون العافي عاقلا .
( ومنها ) أن يكون بالغا ، فلا يصح العفو من الصبي ، والمجنون ، وإن كان الحق ثابتا لهما ; لأنه من التصرفات المضرة المحضة فلا يملكانه كالطلاق ، والعتاق ، ونحو ذلك ( وأما )
nindex.php?page=treesubj&link=9250_9248_9251حكم العفو فالعفو في الأصل لا يخلو إما أن يكون من الولي ، وإما أن يكون من المجروح ، فإن كان من الولي لا يخلو من أن يكون منه بعد الموت أو قبل الموت بعد الجرح ، فإن كان بعد الموت فإما أن يكون الولي واحدا ، وإما أن يكون أكثر ، فإن كان واحدا بأن كان القاتل
[ ص: 247 ] والمقتول واحدا فعفا عن القاتل سقط القصاص ; لأن استيفاءه لتحقق معنى الحياة ، وهذا المعنى يحصل بدون الاستيفاء بالعفو ; لأنه إذا عفا فالظاهر أنه لا يطلب الثأر بعد العفو ، فلا يقصد قتل القاتل فلا يقصد القاتل قتله فيحصل معنى الحياة بدون الاستيفاء ، فيسقط القصاص لحصول ما شرع له استيفاؤه بدونه ، وهكذا قال
الحسن - رحمه الله - في تأويل قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=32ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } أي من أحياها بالعفو ، وقيل في قوله تبارك وتعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178ذلك تخفيف من ربكم ورحمة } أن ذلك العفو والصلح على ما قيل أن حكم التوراة القتل لا غير ، وحكم الإنجيل العفو بغير بدل لا غير ، فخفف سبحانه وتعالى على هذه الأمة فشرع العفو بلا بدل أصلا ، والصلح ببدل سواء عفا عن الكل أو عن البعض ; لأن القصاص لا يتجزأ وذكر البعض فيما لا يتبعض ذكر الكل كالطلاق ، وتسليم الشفعة ، وغيرهما ، وإذا سقط القصاص بالعفو لا ينقلب مالا عندنا ; لأن حق الولي في القصاص عينا ، وهو أحد قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - ، وقد أسقطه لا إلى بدل ، ومن له الحق إذا أسقط حقه مطلقا ، وهو من أهل الإسقاط ، والمحل قابل للسقوط يسقط مطلقا كالإبراء عن الدين ، ونحو ذلك .
وعلى قوله الآخر الواجب أحدهما ، فإذا عفا عن القصاص انصرف الواجب تصحيحا لتصرفه كمن له على آخر دراهم أو دنانير ، ولا ينوي أحدهما بعينه ، فأبرأه المديون عن أحدهما ، ليس له أن يطالبه بالآخر لما قلنا ، كذا هذا ، ولو
nindex.php?page=treesubj&link=24379_9288_9149عفا عنه ثم قتله بعد العفو يجب عليه القصاص عند عامة العلماء رضي الله عنهم .
وقال بعض الناس : لا يجب ، واحتجوا بقوله تبارك وتعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم } جعل جزاء المعتدي ، وهو القاتل بعد العفو العذاب الأليم ، وهو عذاب الآخرة - نستجير بالله سبحانه وتعالى من هوله - فلو وجب القصاص في الدنيا لصار المذكور بعض الجزاء ، ولأن القصاص في الدنيا يرفع عذاب الآخرة لقوله عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14399السيف محاء للذنوب } ، وفيه نسخ الآية الشريفة .
( ولنا ) عمومات القصاص من غير فصل بين شخص وشخص ، وحال وحال ، إلا شخصا أو حالا قيد بدليل ، وكذا الحكمة التي لها شرع القصاص ، وهو الحياة على ما بينا يقتضي الوجوب .
وأما الآية فقد قيل في بعض وجوه التأويل : إن العذاب الأليم ههنا هو القصاص فإن القتل غاية العذاب الدنيوي في الإيلام فعلى هذا التأويل كانت الآية حجة عليهم ، وتحتمل هذا وتحتمل ما قالوا فلا تكون حجة مع الاحتمال ، وإن كان القصاص أكثر بأن قتل رجلان واحدا ، فإن عفا عنهما سقط القصاص أصلا ; لما ذكرنا ، وإن عفا عن أحدهما سقط القصاص عنه ، وله أن يقتل الآخر لأنه استحق على كل واحد منهما قصاصا كاملا ، والعفو عن أحدهما لا يوجب العفو عن الآخر ، وذكر في المنتقى عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف - رحمه الله - أنه يسقط القصاص عنهما ; لأن طريق إيجاب القصاص عليهما أن يجعل كل واحد منهما قاتلا على الانفراد كأن ليس معه غيره ، إذ القتل تفويت الحياة ، ولا يتصور تفويت حياة واحدة من كل واحد منهما على الكمال فيجعل كل واحد منهما قاتلا على الانفراد ، ويجعل قتل صاحبه عدما في حقه ، فإذا عفا عن أحدهما ، والعفو عن القاتل جعل فعل الآخر عدما تقديرا فيورث شبهة ، والقصاص لا يستوفى مع الشبهة .
وهذا ليس بسديد ; لأن طريق إيجاب القصاص عليهما ليس ما ذكر ، وليس القتل اسما لتفويت الحياة بل هو اسم لفعل مؤثر في فوات الحياة عادة ، وهذا حصل لكل واحد منهما على الكمال ، فالعفو عن أحدهما لا يؤثر في الآخر ، هذا إذا كان الولي واحدا ، فأما إذا كان اثنين أو أكثر فعفا أحدهما سقط القصاص عن القاتل ; لأنه سقط نصيب العافي بالعفو فيسقط نصيب الآخر ضرورة أنه لا يتجزأ إذ القصاص قصاص واحد فلا يتصور استيفاء بعضه دون بعض ، وينقلب نصيب الآخر مالا بإجماع الصحابة الكرام - رضي الله تعالى عنهم - فإنه روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس رضي الله تعالى عنهم ، ولم ينقل أنه أنكر أحد عليهم فيكون إجماعا ، وقيل : إن قوله تبارك وتعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178فمن عفي له من أخيه شيء } نزلت في دم بين شركاء يعفو أحدهم عن القاتل فللآخرين أن يتبعوه بالمعروف في نصيبهم ; لأنه قال سبحانه ، وتعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178فمن عفي له من أخيه شيء } ، وهذا العفو عن بعض الحق ، ويكون نصيب الآخر ، وهو
[ ص: 248 ] نصف الدية في مال القاتل ; لأن القتل عمد إلا أنه تعذر استيفاء القصاص لما ذكرنا ، والعاقلة لا تعقل العمد ، ويؤخذ منه في ثلاث سنين عند
أصحابنا الثلاثة ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر في سنتين .
( وجه ) قوله أن الواجب نصف الدية فيؤخذ في سنتين كما
nindex.php?page=treesubj&link=23611_23610_9387لو قطع يد إنسان خطأ ، ووجب عليه نصف الدية ، أنه يؤخذ في سنتين ، كذا ههنا .
( ولنا ) أن الواجب جزء مما يؤخذ في ثلاث سنين ، وحكم الجزء حكم الكل بخلاف القطع فإن الواجب هناك كل لا جزء ; لأن كل دية يد واحدة هذا القدر ، إلا أنه قدر كل ديتها بنصف دية النفس ، وهذا لا ينفي أن يكون كل دية الطرف .
( فَصْلٌ ) :
وَأَمَّا بَيَانُ
nindex.php?page=treesubj&link=9239_9240مَا يُسْقِطُ الْقِصَاصَ بَعْدَ وُجُوبِهِ فَالْمُسْقِطُ لَهُ أَنْوَاعٌ : مِنْهَا فَوَاتُ مَحَلِّ الْقِصَاصِ بِأَنْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ; لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الشَّيْءِ فِي غَيْر مَحَلِّهِ ، وَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ بِالْمَوْتِ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ عِنْدَنَا ; لِأَنَّ الْقِصَاصَ هُوَ الْوَاجِبُ عَيْنًا عِنْدَنَا ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَعَلَى قَوْلِهِ الْآخَرِ تَجِبُ الدِّيَةُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَكَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=9240_9299إذَا قُتِلَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ بِحَقٍّ بِالرِّدَّةِ وَالْقِصَاصِ بِأَنْ قَتَلَ إنْسَانًا فَقُتِلَ بِهِ قِصَاصًا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ ، وَلَا يَجِبُ لِمَا قُلْنَا ، وَكَذَلِكَ الْقِصَاصُ الْوَاجِبُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إذَا فَاتَ ذَلِكَ الْعُضْوُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ قُطِعَ بِغَيْرِ حَقٍّ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ مِنْ غَيْرِ مَالٍ عِنْدَنَا لِمَا قُلْنَا ، وَإِنْ قُطِعَ بِحَقٍّ بِأَنْ قَطَعَ يَدَ غَيْرِهِ فَقُطِعَ بِهِ أَوْ سَرَقَ مَالَ إنْسَانٍ فَقُطِعَ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ أَيْضًا لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ ، لَكِنْ يَجِبُ أَرْشُ الْيَدِ فَيَقَعُ الْفَرْقُ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ بِحَقٍّ .
وَالثَّانِي بَيْنَ الْقَطْعِ بِغَيْرِ حَقٍ ، وَبَيْنَ الْقَطْعِ بِحَقٍّ ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا قَطَعَ طَرَفَهُ بِحَقٍّ فَقَدْ قَضَى بِهِ حَقًّا وَاجِبًا عَلَيْهِ فَجُعِلَ كَالْقَائِمِ ، وَجُعِلَ صَاحِبُهُ مُمْسِكًا لَهُ تَقْدِيرًا كَأَنَّهُ أَمْسَكَهُ حَقِيقَةً ، وَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ لِعُذْرِ الْخَطَأِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَهُنَاكَ يَجِبُ الْأَرْشُ ، كَذَا هَذَا ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ فِيمَا إذَا قُطِعَ بِغَيْرِ حَقٍّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ حَقًّا وَاجِبًا عَلَيْهِ ، وَفِي الْقَتْلِ إنْ قَضَى حَقًّا وَاجِبًا عَلَيْهِ ، لَكِنْ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُجْعَلَ مُمْسِكًا لِلنَّفْسِ بَعْدَ مَوْتِهِ تَقْدِيرًا ; لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الطَّرَفِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمِنْهَا
nindex.php?page=treesubj&link=9244_9242الْعَفْوُ ، وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ : أَحَدُهَا : فِي بَيَانِ رُكْنِهِ ، وَالثَّانِي : فِي بَيَانِ شَرَائِطِ الرُّكْنِ ، وَالثَّالِثُ : فِي بَيَانِ حُكْمِهِ أَمَّا رُكْنُهُ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْعَافِي عَفَوْتُ أَوْ أَسْقَطْتُ أَوْ أَبْرَأْتُ أَوْ وَهَبْتُ ، وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى .
وَأَمَّا الشَّرَائِطُ فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْعَفْوُ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ ; لِأَنَّهُ إسْقَاطُ الْحَقِّ ، وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ وَلَا حَقَّ مُحَالٌ فَلَا يَصِحُّ الْعَفْوُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ لِعَدَمِ الْحَقِّ ، وَلَا مِنْ الْأَبِ ، وَالْجَدِّ فِي قِصَاصٍ وَجَبَ لِلصَّغِيرِ ; لِأَنَّ الْحَقَّ لِلصَّغِيرِ لَا لَهُمَا ، وَإِنَّمَا لَهُمَا وِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ حَقٍّ وَجَبَ لِلصَّغِيرِ ، وَلِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا مُقَيَّدَةٌ بِالنَّظَرِ لِلصَّغِيرِ ، وَالْعَفْوُ ضَرَرٌ مَحْضٌ ; لِأَنَّهُ إسْقَاطُ الْحَقِّ أَصْلًا ، وَرَأْسًا فَلَا يَمْلِكَانِهِ ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ السُّلْطَانُ فِيمَا لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْعَافِي عَاقِلًا .
( وَمِنْهَا ) أَنْ يَكُونَ بَالِغًا ، فَلَا يَصِحُّ الْعَفْوُ مِنْ الصَّبِيِّ ، وَالْمَجْنُونِ ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ ثَابِتًا لَهُمَا ; لِأَنَّهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمُضِرَّةِ الْمَحْضَةِ فَلَا يَمْلِكَانِهِ كَالطَّلَاقِ ، وَالْعَتَاقِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ( وَأَمَّا )
nindex.php?page=treesubj&link=9250_9248_9251حُكْمُ الْعَفْوِ فَالْعَفْوُ فِي الْأَصْلِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْوَلِيِّ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَجْرُوحِ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْوَلِيِّ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ قَبْلَ الْمَوْتِ بَعْدَ الْجُرْحِ ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ وَاحِدًا ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ ، فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا بِأَنْ كَانَ الْقَاتِلُ
[ ص: 247 ] وَالْمَقْتُولُ وَاحِدًا فَعَفَا عَنْ الْقَاتِلِ سَقَطَ الْقِصَاصُ ; لِأَنَّ اسْتِيفَاءَهُ لِتَحَقُّقِ مَعْنَى الْحَيَاةِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَحْصُلُ بِدُونِ الِاسْتِيفَاءِ بِالْعَفْوِ ; لِأَنَّهُ إذَا عَفَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَطْلُبُ الثَّأْرَ بَعْدَ الْعَفْوِ ، فَلَا يَقْصِدُ قَتْلَ الْقَاتِلِ فَلَا يَقْصِدُ الْقَاتِلُ قَتْلَهُ فَيَحْصُلُ مَعْنَى الْحَيَاةِ بِدُونِ الِاسْتِيفَاءِ ، فَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ لِحُصُولِ مَا شُرِعَ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ بِدُونِهِ ، وَهَكَذَا قَالَ
الْحَسَنُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=32وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } أَيْ مَنْ أَحْيَاهَا بِالْعَفْوِ ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } أَنَّ ذَلِكَ الْعَفْوَ وَالصُّلْحَ عَلَى مَا قِيلَ أَنَّ حُكْمَ التَّوْرَاةِ الْقَتْلُ لَا غَيْرُ ، وَحُكْمُ الْإِنْجِيلِ الْعَفْوُ بِغَيْرِ بَدَلٍ لَا غَيْرُ ، فَخَفَّفَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ فَشَرَعَ الْعَفْوَ بِلَا بَدَلٍ أَصْلًا ، وَالصُّلْحَ بِبَدَلٍ سَوَاءٌ عَفَا عَنْ الْكُلِّ أَوْ عَنْ الْبَعْضِ ; لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَزَّأُ وَذِكْرُ الْبَعْضِ فِيمَا لَا يَتَبَعَّضُ ذِكْرُ الْكُلِّ كَالطَّلَاقِ ، وَتَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ ، وَغَيْرِهِمَا ، وَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ بِالْعَفْوِ لَا يَنْقَلِبُ مَالًا عِنْدَنَا ; لِأَنَّ حَقَّ الْوَلِيِّ فِي الْقِصَاصِ عَيْنًا ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَقَدْ أَسْقَطَهُ لَا إلَى بَدَلٍ ، وَمَنْ لَهُ الْحَقُّ إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ مُطْلَقًا ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْقَاطِ ، وَالْمَحَلِّ قَابِلٌ لِلسُّقُوطِ يَسْقُطُ مُطْلَقًا كَالْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَعَلَى قَوْلِهِ الْآخَرِ الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا ، فَإِذَا عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ انْصَرَفَ الْوَاجِبُ تَصْحِيحًا لَتَصَرُّفِهِ كَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ ، وَلَا يَنْوِي أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ ، فَأَبْرَأَهُ الْمَدْيُونُ عَنْ أَحَدِهِمَا ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْآخَرِ لِمَا قُلْنَا ، كَذَا هَذَا ، وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=24379_9288_9149عَفَا عَنْهُ ثُمَّ قَتَلَهُ بَعْدَ الْعَفْوِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ : لَا يَجِبُ ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } جَعَلَ جَزَاءَ الْمُعْتَدِي ، وَهُوَ الْقَاتِلُ بَعْدَ الْعَفْوِ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ، وَهُوَ عَذَابُ الْآخِرَةِ - نَسْتَجِيرُ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ هَوْلِهِ - فَلَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الدُّنْيَا لَصَارَ الْمَذْكُورُ بَعْضَ الْجَزَاءِ ، وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ فِي الدُّنْيَا يَرْفَعُ عَذَابَ الْآخِرَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14399السَّيْفُ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ } ، وَفِيهِ نَسْخُ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ .
( وَلَنَا ) عُمُومَاتُ الْقِصَاصِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ شَخْصٍ وَشَخْصٍ ، وَحَالٍ وَحَالٍ ، إلَّا شَخْصًا أَوْ حَالًا قُيِّدَ بِدَلِيلٍ ، وَكَذَا الْحِكْمَةُ الَّتِي لَهَا شُرِعَ الْقِصَاصُ ، وَهُوَ الْحَيَاةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ .
وَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ قِيلَ فِي بَعْضِ وُجُوهِ التَّأْوِيلِ : إنَّ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ هَهُنَا هُوَ الْقِصَاصُ فَإِنَّ الْقَتْلَ غَايَةُ الْعَذَابِ الدُّنْيَوِيِّ فِي الْإِيلَامِ فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ كَانَتْ الْآيَةُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ ، وَتَحْتَمِلُ هَذَا وَتَحْتَمِلُ مَا قَالُوا فَلَا تَكُونُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ ، وَإِنْ كَانَ الْقِصَاصُ أَكْثَرَ بِأَنْ قَتَلَ رَجُلَانِ وَاحِدًا ، فَإِنْ عَفَا عَنْهُمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ أَصْلًا ; لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ عَفَا عَنْ أَحَدِهِمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْهُ ، وَلَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْآخَرَ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِصَاصًا كَامِلًا ، وَالْعَفْوُ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ الْعَفْوَ عَنْ الْآخَرِ ، وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنْهُمَا ; لِأَنَّ طَرِيقَ إيجَابِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمَا أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاتِلًا عَلَى الِانْفِرَادِ كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ ، إذْ الْقَتْلُ تَفْوِيتُ الْحَيَاةِ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ تَفْوِيتُ حَيَاةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ فَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاتِلًا عَلَى الِانْفِرَادِ ، وَيُجْعَلُ قَتْلُ صَاحِبِهِ عَدَمًا فِي حَقِّهِ ، فَإِذَا عَفَا عَنْ أَحَدِهِمَا ، وَالْعَفْوُ عَنْ الْقَاتِلِ جَعَلَ فِعْلَ الْآخَرِ عَدَمًا تَقْدِيرًا فَيُورِثُ شُبْهَةً ، وَالْقِصَاصُ لَا يُسْتَوْفَى مَعَ الشُّبْهَةِ .
وَهَذَا لَيْسَ بِسَدِيدٍ ; لِأَنَّ طَرِيقَ إيجَابِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمَا لَيْسَ مَا ذُكِرَ ، وَلَيْسَ الْقَتْلُ اسْمًا لِتَفْوِيتِ الْحَيَاةِ بَلْ هُوَ اسْمٌ لَفِعْلٍ مُؤَثِّرٌ فِي فَوَاتِ الْحَيَاةِ عَادَةً ، وَهَذَا حَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ ، فَالْعَفْوُ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْآخَرِ ، هَذَا إذَا كَانَ الْوَلِيُّ وَاحِدًا ، فَأَمَّا إذَا كَانَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَعَفَا أَحَدُهُمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْ الْقَاتِلِ ; لِأَنَّهُ سَقَطَ نَصِيبُ الْعَافِي بِالْعَفْوِ فَيَسْقُطُ نَصِيبُ الْآخَرِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ إذْ الْقِصَاصُ قِصَاصٌ وَاحِدٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ اسْتِيفَاءُ بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ ، وَيَنْقَلِبُ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنٍ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْكَرَ أَحَدٌ عَلَيْهِمْ فَيَكُونَ إجْمَاعًا ، وَقِيلَ : إنَّ قَوْلَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } نَزَلَتْ فِي دَمٍ بَيْنَ شُرَكَاءَ يَعْفُو أَحَدُهُمْ عَنْ الْقَاتِلِ فَلِلْآخَرَيْنِ أَنْ يَتَّبِعُوهُ بِالْمَعْرُوفِ فِي نَصِيبِهِمْ ; لِأَنَّهُ قَالَ سُبْحَانَهُ ، وَتَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } ، وَهَذَا الْعَفْوُ عَنْ بَعْضِ الْحَقِّ ، وَيَكُونُ نَصِيبُ الْآخَرِ ، وَهُوَ
[ ص: 248 ] نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ ; لِأَنَّ الْقَتْلَ عَمْدٌ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عِنْدَ
أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ ، وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=15922زُفَرَ فِي سَنَتَيْنِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ نِصْفُ الدِّيَةِ فَيُؤْخَذُ فِي سَنَتَيْنِ كَمَا
nindex.php?page=treesubj&link=23611_23610_9387لَوْ قَطَعَ يَدَ إنْسَانٍ خَطَأً ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ ، أَنَّهُ يُؤْخَذُ فِي سَنَتَيْنِ ، كَذَا هَهُنَا .
( وَلَنَا ) أَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِمَّا يُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ، وَحُكْمُ الْجُزْءِ حُكْمَ الْكُلِّ بِخِلَافِ الْقَطْعِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ كُلٌّ لَا جُزْءٌ ; لِأَنَّ كُلَّ دِيَةِ يَدٍ وَاحِدَةٍ هَذَا الْقَدْرُ ، إلَّا أَنَّهُ قَدَّرَ كُلَّ دِيَتِهَا بِنِصْفِ دِيَةِ النَّفْسِ ، وَهَذَا لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ كُلَّ دِيَةِ الطَّرَفِ .