الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو شج رأس إنسان موضحة فصارت منقلة فاختلفا في ذلك فقال المشجوج صارت منقلة بضربتك وعليك أرش المنقلة وقال الشاج لا بل صارت منقلة بضربة أخرى حدثت فالقياس على السن أن يكون القول قول الشاج ، وفي الاستحسان القول قول المشجوج ، وللقياس وجهان : أحدهما أن المضروب والمشجوج يدعيان على الضارب والشاج الضمان وهما ينكران ، والقول قول المنكر مع يمينه والثاني أنه وقع التعارض بين قوليهما ، والضمان لم يكن واجبا فلا تجب بالشك .

                                                                                                                                وإلى هذا أشار محمد في الأصل فقال استحسن في السن لورود الأثر ، والأثر عن إبراهيم النخعي رحمه الله ، وللاستحسان وجهان من الفرق : أحدهما أن الظاهر شاهد للمضروب في مسألة السن ; لأن سبب السقوط حصل من الضارب وهو الضرب المحرك لأن التحرك سبب السقوط فكان الظاهر شاهدا للمضروب بخلاف الشجة ; لأن الشجة الموضحة لا تكون سببا لصيرورتها منقلة فلم يكن الظاهر شاهدا له ، والقول قول من يشهد له الظاهر .

                                                                                                                                والثاني أنه لما جرى التأجيل حولا في السن ، والتأجيل مدة الحول لانتظار ما يكون من الضربة فإذا جاء في الحول ، وقد سقطت سنه فقد جاء بما وقع له الانتظار من الضربة في مدة الانتظار فكان الظاهر شاهدا له ( فأما ) الشجة فلم يقدر في انتظارها وقت فكان القول قول الشاج في قدر الشجة ، وإن جاء بعد مضي السنة فالقول قول الضارب ; لأن التأجيل مدة الحول لاستقرار حال السن لظهور حالها في هذه المدة عادة فإذا لم يجئ دل على سلامتها عن السقوط بالضربة فكان السقوط محالا إلى سبب حادث فكان الظاهر شاهدا للضارب أو لم يشهد لأحدهما فيبقى المضروب مدعيا ضمانا على الضارب ، وهو ينكر فالقول قوله .

                                                                                                                                أو يقع التعارض فيقع الشك في وجوب الضمان ، والضمان لا يجب بالشك .

                                                                                                                                وكذا على الوجه الثاني زمان ما بعد الحول لم يجعل لانتظار حال السن فاحتمل السقوط من ضربة أخرى من غيره ، واحتمل من ضربته فلا يمكن القول بوجوب الضمان مع وقوع الشك في وجوبه ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية