فصل  
شرك الوساطة   
ووقعت مسألة وهي : أن المشرك إنما قصده تعظيم جناب الرب تبارك وتعالى ، وأنه لعظمته لا ينبغي الدخول عليه إلا بالوسائط والشفعاء كحال الملوك ، فالمشرك لم يقصد الاستهانة بجناب الربوبية ، وإنما قصد تعظيمه ، وقال : إنما أعبد هذه الوسائط لتقربني إليه وتدلني وتدخلني عليه ، فهو المقصود وهذه وسائل وشفعاء ، فلم كان هذا القدر موجبا لسخطه وغضبه تبارك وتعالى ، ومخلدا في النار ، وموجبا لسفك دماء أصحابه ، واستباحة حريمهم وأموالهم ؟  
وترتب على هذا سؤال آخر ، وهو أنه  هل يجوز أن يشرع الله سبحانه لعباده التقرب إليه بالشفعاء والوسائط   ، فيكون تحريم هذا إنما استفيد من الشرع ، أم ذلك قبيح في الفطر والعقول ، يمتنع أن تأتي به شريعة ؟ بل جاءت الشرائع بتقرير ما في الفطر والعقول من قبحه الذي هو أقبح من كل قبيح ؟ وما السبب في كونه لا يغفره من دون سائر الذنوب ؟ كما قال تعالى :  إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء      [ سورة النساء : 48 ]  
فتأمل هذا السؤال ، واجمع قلبك وذهنك على جوابه ولا تستهونه ، فإن به يحصل الفرق بين المشركين والموحدين ، والعالمين بالله والجاهلين به ، وأهل الجنة وأهل النار .  
نوعا الشرك  
فنقول ، وبالله التوفيق والتأييد ، ومنه نستمد المعونة والتسديد ، فإنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع .  
الشرك شركان      :  
شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله .  
وشرك في عبادته ومعاملته ، وإن كان صاحبه يعتقد أنه سبحانه لا شريك له في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله .  
 [ ص: 130 ] والشرك الأول نوعان     :  
أحدهما :  شرك التعطيل      : وهو أقبح أنواع الشرك ، كشرك  فرعون  إذ قال :  وما رب العالمين      [ سورة الشعراء : 23 ] .  
وقال تعالى مخبرا عنه أنه قال  لهامان     :  وقال فرعون ياهامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب   أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا      [ سورة غافر : 36 - 37 ] فالشرك والتعطيل متلازمان : فكل مشرك معطل وكل معطل مشرك ، لكن الشرك لا يستلزم أصل التعطيل ، بل يكون المشرك مقرا بالخالق سبحانه وصفاته ، ولكنه معطل حق التوحيد .  
التعطيل  
وأصل الشرك وقاعدته التي يرجع إليها ، هو التعطيل ، وهو ثلاثة أقسام :  
تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه .  
وتعطيل الصانع سبحانه عن كماله المقدس ، بتعطيل أسمائه وصفاته وأفعاله .  
وتعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد .  
ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود الذين يقولون : ما ثم خالق ومخلوق ولا هاهنا شيئان ، بل الحق المنزه هو عين الخلق المشبه . ومنه شرك الملاحدة القائلين بقدم العالم وأبديته ، وأنه لم يكن معدوما أصلا ، بل لم يزل ولا يزال ، والحوادث بأسرها مستندة عندهم إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها ، ويسمونها بالعقول والنفوس . ومن هذا شرك من عطل أسماء الرب تعالى وأوصافه وأفعاله من غلاة  الجهمية   والقرامطة   ، فلم يثبتوا له اسما ولا صفة ، بل جعلوا المخلوق أكمل منه ، إذ كمال الذات بأسمائها وصفاتها .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					