[ ص: 97 ] 144
ثم دخلت سنة أربع وأربعين ومائة
في هذه السنة سير
أبو جعفر الناس من
الكوفة والبصرة والجزيرة والموصل إلى غزو
الديلم ، واستعمل عليهم
محمد بن أبي العباس السفاح .
وفيها رجع
المهدي من
خراسان إلى
العراق ، وبنى
بريطة ابنة عمه السفاح .
وفيها حج
المنصور ، واستعمل على عسكره
والميرة خازم بن خزيمة .
ذكر استعمال
رياح بن عثمان المري على
المدينة وأمر
محمد بن عبد الله بن الحسن
وفيها استعمل
المنصور على
المدينة رياح بن عثمان المري ، وعزل
محمد بن خالد بن عبد الله القسري عنها .
وكان سبب عزله وعزل
زياد قبله أن
المنصور أهمه أمر
محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وتخلفهما عن الحضور عنده مع من حضره من
بني هاشم عام حج أيام
nindex.php?page=showalam&ids=14485السفاح سنة ست وثلاثين ، وذكر أن
محمد بن عبد الله كان يزعم أن
المنصور ممن بايعه ليلة تشاور
بنو هاشم بمكة فيمن يعقدون له الخلافة حين اضطرب أمر
مروان بن محمد ، فلما حج
المنصور سنة ست وثلاثين سأل عنهما ، فقال له
زياد بن عبد الله الحارثي : ما يهمك من أمرهما ، أنا آتيك بهما . وكان معه
بمكة ، فرده
المنصور إلى
المدينة .
[ ص: 98 ] فلما استخلف
المنصور لم يكن همه إلا أمر
محمد والمسألة عنه وما يريد ، فدعا
بني هاشم رجلا رجلا يسأله سرا عنه ، فكلهم يقول : قد علم أنك عرفته يطلب هذا الأمر ، فهو يخافك على نفسه ، وهو لا يريد لك خلافا ، وما أشبه هذا الكلام ، إلا
nindex.php?page=showalam&ids=14441الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، فإنه أخبره خبره وقال له : والله ما آمن وثوبه عليك ، فإنه لا ينام عنك ، فأيقظ بكلامه من لا ينام ، فكان
موسى بن عبد الله بن الحسن يقول بعد ذلك : اللهم اطلب
حسن بن زيد بدمائنا .
ثم ألح
المنصور على
عبد الله بن الحسن في إحضار ابنه
محمد سنة حج ، فقال
عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=16045لسليمان بن علي بن عبد الله بن عباس : يا أخي بيننا من الصهر والرحم ما تعلم ، فما ترى ؟ فقال
سليمان : والله لكأنني أنظر إلى أخي
nindex.php?page=showalam&ids=16451عبد الله بن علي حين الستر بينه وبيننا وهو يشير إلينا : هذا الذي فعلتم بي ، فلو كان عافيا عفا عن عمه . فقبل
عبد الله رأي
سليمان ، وعلم أنه قد صدقه ولم يظهر ابنه .
ثم إن
المنصور اشترى رقيقا من رقيق الأعراب ، وأعطى الرجل منهم البعير ، والرجل البعيرين ، والرجل الذود ، وفرقهم في طلب
محمد في ظهر
المدينة ، وكان الرجل منهم يرد الماء كالمار ، وكالضال يسألون عنه ، وبعث
المنصور عينا آخر ، وكتب معه كتابا على ألسن الشيعة إلى
محمد يذكرون طاعتهم ومسارعتهم ، وبعث معه بمال وألطاف ، وقدم الرجل
المدينة فدخل على
عبد الله بن الحسن بن الحسن فسأله عن ابنه
محمد ، فذكر له ، فكتم له خبره ، فتردد الرجل إليه ، وألح في المسألة ، فذكر أنه في جبل
جهينة ، فقال له : امرر
بعلي ابن الرجل الصالح الذي يدعى الأغر ، وهو
بذي الإبر ، فهو يرشدك ، فأتاه فأرشده .
وكان
للمنصور كاتب على سره يتشيع ، فكتب إلى
عبد الله بن الحسن يخبره بذلك العين ، فلما قدم الكتاب ارتاعوا له وبعثوا
أبا هبار إلى
محمد وإلى
nindex.php?page=showalam&ids=15877علي بن الحسن يحذرهما الرجل ، فخرج
أبو هبار فنزل
بعلي بن الحسن وأخبره ، ثم سار إلى
محمد بن عبد الله في موضعه الذي هو به ، فإذا هو جالس في كهف ومعه جماعة من أصحابه ، وذلك العين معهم أعلاهم صوتا ، وأشدهم انبساطا .
فلما رأى
أبا هبار خافه ، فقال
أبو هبار لمحمد : لي حاجة . فقام معه ، فأخبره الخبر ، قال : فما الرأي ؟ قال : أرى إحدى ثلاث . قال : وما هي ؟ قال : تدعني أقتل هذا الرجل . قال : ما أنا مقارف دما إلا كرها . قال : أثقله حديدا وتنقله معك حيث تنقلب . قال : وهل لنا فرار مع الخوف والإعجال ؟ قال : نشده ونودعه عند بعض أهلك من
جهينة . قال : هذه إذا .
[ ص: 99 ] فرجعا فلم يريا الرجل . فقال محمد : أين الرجل ؟ قالوا : [ قام ] بركوة ماء وتوارى بهذا الطريق يتوضأ ، فطلبوه ولم يجدوه فكأن الأرض التأمت عليه ، وسعى على قدميه حتى اتصل بالطريق ، فمر به الأعراب معهم حمولة إلى
المدينة ، فقال لبعضهم : فرغ هذه الغرارة وأدخلنيها أكن عدلا لصاحبتها ولك كذا وكذا . ففعل وحمله حتى أقدمه
المدينة .
ثم قدم على
المنصور ، وأخبره خبره كله ، ونسي اسم
أبي هبار وكنيته وقال :
وبار . فكتب
أبو جعفر في طلب 9
وبار المري ، فحمل إليه رجل اسمه
وبر فسأله عن قصة
محمد فحلف أنه لا يعرف من ذلك شيئا ، فأمر به وضرب سبعمائة سوط وحبس حتى مات
المنصور .
ثم إنه أحضر
عقبة بن سلم الأزدي فقال : أريدك لأمر أنا به معني ، لم أزل أرتاد له رجلا عسى أن تكونه ، وإن كفيتنيه رفعتك . فقال : أرجو أن أصدق ظن أمير المؤمنين في . [ قال ] : فأخف شخصك ، واستر أمرك ، وأتني يوم كذا في وقت كذا .
فأتاه ذلك الوقت . فقال له : إن بني عمنا هؤلاء قد أبوا إلا كيدا لملكنا واغتيالا له ، ولهم شيعة
بخراسان بقرية كذا يكاتبونهم ، ويرسلون إليهم بصدقات أموالهم ، وألطاف من ألطاف بلادهم ، فاخرج
بكسا وألطاف وعين حتى تأتيهم متنكرا بكتاب تكتبه عن أهل هذه القرية ثم تعلم حالهم ، فإن كانوا نزعوا عن رأيهم فأحبب والله بهم وأقرب ، وإن كانوا على رأيهم عملت ذلك وكنت على حذر ، فاشخص حتى تلقى
عبد الله بن الحسن متخشعا ومتقشفا ، فإن جبهك ، وهو فاعل ، فاصبر وعاوده حتى يأنس بك ويلين لك ناحيته ، فإذا أظهر لك ما قبله فاعجل علي .
فشخص حتى قدم على
عبد الله ، فلقيه بالكتاب ، فأنكره ونهره وقال : ما أعرف هؤلاء القوم . فلم يزل يتردد إليه حتى قبل كتابه وألطافه وأنس به ، فسأله
عقبة الجواب . فقال : أما الكتاب ، فإني لا أكتب إلى أحد ، ولكن أنت كتابي إليهم ، فأقرئهم السلام ، وأعلمهم أنني خارج لوقت كذا وكذا .
ورجع
عقبة إلى
المنصور فأعلمه الخبر ، فأنشأ
المنصور الحج ، وقال
لعقبة : إذا لقيني
بنو الحسن فيهم
عبد الله بن الحسن فأنا مكرمه ، ورافع مجلسه ، وداع بالغداء ، فإذا فرغنا من طعامنا فلحظتك فامثل بين يديه قائما ، فإنه سيصرف عنك بصره ، فاستدر
[ ص: 100 ] حتى تغمز ظهره بإبهام رجلك حتى يملأ عينه منك ، ثم حسبك ، وإياك أن يراك ما دام يأكل .
فخرج إلى الحج ، فلما لقيه
بنو الحسن أجلس
عبد الله إلى جانبه ثم دعا بالغداء فأصابوا منه ، ثم رفع فأقبل على
عبد الله بن الحسن فقال له : قد علمت ما أعطيتني من العهود والمواثيق ألا تبغيني بسوء ولا تكيد لي سلطانا ؟ قال : فأنا على ذلك يا أمير المؤمنين . فلحظ
المنصور عقبة بن سلم فاستدار حتى وقف بين يدي
عبد الله فأعرض عنه ، فاستدار حتى قام وراء ظهره فغمزه بإصبعه ، فرفع رأسه فملأ عينه منه ، فوثب حتى قعد بين يدي
المنصور ، فقال : ( أقلني يا أمير المؤمنين ، أقالك الله ! قال : لا أقالني الله إن أقلتك ) ! ثم أمر بحبسه .
وكان
محمد قد قدم قبل ذلك
البصرة ، فنزلها في
بني راسب يدعو إلى نفسه ، وقيل : نزل على
عبد الله بن شيبان أحد
بني مرة بن عبيد ، ثم خرج منها ، فبلغ
المنصور مقدمه
البصرة ، فسار إليها مغذا ، فنزل عند الحر الأكبر ، فلقيه
nindex.php?page=showalam&ids=16711عمرو بن عبيد فقال له : يا
أبا عثمان هل
بالبصرة أحد تخافه على أمرنا ؟ قال : لا . قال : فاقتصر على قولك وانصرف . قال : نعم .
وكان
محمد قد سار عنها قبل مقدم
المنصور ، فرجع
المنصور ، واشتد الخوف على
محمد وإبراهيم ابني عبد الله فخرجا حتى أتيا
عدن ، ثم سارا إلى
السند ثم إلى
الكوفة ثم إلى
المدينة .
وكان
المنصور قد حج سنة أربعين ومائة ، فقسم أموالا عظيمة في
آل أبي طالب ، فلم يظهر
محمد وإبراهيم ، فسأل أباهما
عبد الله عنهما ، فقال : لا علم لي بهما ، فتغالظا ، فأمصه
nindex.php?page=showalam&ids=15337أبو جعفر المنصور حتى قال له : امصص كذا وكذا من أمك ! فقال : يا
أبا جعفر ، بأي أمهاتي تمصني ؟ !
nindex.php?page=showalam&ids=129أبفاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ أم
بفاطمة بنت الحسين بن علي ؟ أم
بأم إسحاق بنت طلحة ؟
nindex.php?page=showalam&ids=10640أم بخديجة بنت خويلد ؟ [ قال ] : لا بواحدة منهن ، ولكن
بالحرباء بنت قسامة بن زهير ! وهي امرأة من طيئ ، فقال
المسيب بن زهير : يا أمير المؤمنين ، دعني أضرب عنق ابن الفاعلة ! فقام
زياد بن عبد الله فألقى عليه رداءه وقال : هبه لي [ يا ] أمير المؤمنين ، فأستخرج لك ابنيه ، فتخلصه [ منه ] .
[ ص: 101 ] وكان
محمد وإبراهيم ابنا عبد الله قد تغيبا حين حج
المنصور سنة أربعين ومائة عن
المدينة ، وحج أيضا فاجتمعوا
بمكة وأرادوا اغتيال
المنصور ، فقال لهم
الأشتر عبد الله بن محمد : أنا أكفيكموه ! فقال
محمد : لا والله لا أقتله أبدا غيلة حتى أدعوه . فنقض ما كانوا أجمعوا عليه .
وكان قد دخل عليهم قائد من قواد
المنصور من
أهل خراسان اسمه
خالد بن حسان يدعى أبا العساكر على ألف رجل ، فنمى الخبر إلى
المنصور فطلب ، فلم يظفر به ، فظفر بأصحابه فقتلهم ، وأما القائد فإنه لحق
بمحمد بن عبد الله بن محمد .
ثم إن
المنصور حث
زياد بن عبد الله على طلب
محمد وإبراهيم ، فضمن له ذلك ووعده به ، فقدم
محمد المدينة قدمة ، فبلغ ذلك
زيادا ، فتلطف له ، وأعطاه الأمان على أن يظهر وجهه للناس ، فوعده
محمد ذلك ، فركب
زياد مع المساء وواعد
محمدا سوق الظهر ، وركب
محمد ، فتصايح الناس : يا
أهل المدينة ،
المهدي المهدي ! فوقف هو
وزياد ، فقال
زياد : يا أيها الناس ، هذا
محمد بن عبد الله بن الحسن ، ثم قال له : الحق بأي بلاد الله شئت . فتوارى
محمد .
وسمع
المنصور الخبر فأرسل
أبا الأزهر في جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعين ومائة إلى
المدينة ، فأمره أن يستعمل على
المدينة عبد العزيز بن المطلب ، وأن يقبض على
زياد وأصحابه ، ويسير بهم إليه ، فقدم
أبو الأزهر المدينة ، ففعل ما أمره ، وأخذ
زيادا وأصحابه ، وسار نحو
المنصور ، وخلف
زياد في بيت مال
المدينة ثمانين ألف دينار ، فسجنهم
المنصور ، ثم من عليهم بعد ذلك .
واستعمل
المنصور على
المدينة محمد بن خالد بن عبد الله القسري ، وأمره بطلب
محمد بن عبد الله ، وبسط يده في النفقة في طلبه . فقدم
المدينة في رجب سنة إحدى وأربعين ، فأخذ المال ورفع في محاسبته أموالا كثيرة أنفقها في طلب
محمد ، فاستبطأه
أبو جعفر واتهمه ، فكتب إليه يأمره بكشف
المدينة وأعراضها ، فطاف ببيوت الناس فلم يجد
محمدا .
فلما رأى
المنصور ما قد أخرج من الأموال ، ولم يظفر
بمحمد استشار
أبا العلاء - رجلا من
قيس عيلان - في أمر
محمد بن عبد الله وأخيه ، فقال : أرى أن تستعمل رجلا من ولد
الزبير أو
طلحة ، فإنهم يطلبونهما بذحل ، ويخرجونهما إليك . فقال : قاتلك الله ما أجود ما رأيت ! والله ما خفي علي هذا ، ولكنني أعاهد الله لا أنتقم من بني عمي وأهل
[ ص: 102 ] بيتي بعدوي وعدوهم ، ولكني أبعث عليهم صعلوكا من العرب يفعل بهم ما قلت .
فاستشار
يزيد بن يزيد السلمي وقال له : دلني على فتى مقل من
قيس أغنيه وأشرفه وأمكنه من سيد
اليمن ، يعني
ابن القسري ، [ قال ] : هو
رياح بن عثمان بن حيان المري ، فسيره أميرا على
المدينة في رمضان سنة أربع وأربعين .
وقيل : إن رياحا ضمن
للمنصور أن يخرج
محمدا وإبراهيم ابني عبد الله إن استعمله على
المدينة ، فاستعمله عليها ، فسار حتى دخلها ، فلما دخل دار
مروان ، وهي التي كان ينزلها الأمراء ، قال لحاجب كان له يقال له
أبو البختري : هذه دار
مروان ؟ قال : نعم . قال : أما إنها محلال مظعان ، ونحن أول من يظعن منها .
فلما تفرق الناس عنه قال لحاجبه : يا
أبا البختري ، خذ بيدي ندخل على هذا الشيخ ، يعني
عبد الله بن الحسن ، فدخلا عليه ، وقال
رياح : أيها الشيخ ، إن أمير المؤمنين والله ما استعملني لرحم قريبة ، ولا ليد سلفت إليه ، والله لا لعبت في كما لعبت
بزياد وابن القسري ، والله لأزهقن نفسك ، أو لتأتيني بابنيك
محمد وإبراهيم ! فرفع رأسه إليه وقال : نعم ، أما والله إنك لأزيرق
قيس المذبوح فيها كما تذبح الشاة ! .
قال
أبو البختري : فانصرف والله
رياح آخذا بيدي ، أجد برد يده ، وإن رجليه لتخطان الأرض مما كلمه . قال : فقلت له : إن هذا ما اطلع على الغيب . قال : إيها ، ويلك ! فوالله ما قال إلا ما سمع . فذبح كما تذبح الشاة .
ثم إنه دعا
بالقسري وسأله عن الأموال ، فضربه وسجنه ، وأخذ كاتبه رزاما وعاقبه فأكثر ، وطلب إليه أن يذكر ما أخذ
محمد بن خالد من الأموال ، وهو لا يجيبه ، فلما طال عليه العذاب أجابه إلى ذلك ، فقال له
رياح : أحضر الرفيعة وقت اجتماع الناس ، ففعل ذلك ، فلما اجتمع الناس أحضره فقال : أيها الناس إن الأمير أمرني أن أرفع على
ابن خالد ، وقد كتبت كتابا لأنجو به ، وإنا لنشهدكم أن كل ما فيه باطل . فأمر
رياح فضرب مائة سوط ، ورد إلى السجن .
وجد
رياح في طلب
محمد ، فأخبر أنه في شعب من
شعاب رضوى ،
جبل جهينة ، وهو في عمل ينبع ، فأمر عامله في طلب
محمد ، فهرب منه راجلا ، فأفلت وله
ابن صغير [ ص: 103 ] ولد في خوفه وهو مع جارية له فسقط من الجبل فتقطع ، فقال
محمد :
منخرق السربال يشكو الوجى تنكبه أطراف مرو حداد شرده الخوف فأزرى به
كذاك من يكره حر الجلاد قد كان في الموت له راحة
والموت حتم في رقاب العباد
.
وبينا
رياح يسير في
الحرة إذ لقي
محمدا ، فعدل
محمد إلى بئر هناك فجعل يستقي ، فقال
رياح : قاتله الله أعرابيا ما أحسن ذراعه ! .
[ ص: 97 ] 144
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَيَّرَ
أَبُو جَعْفَرٍ النَّاسَ مِنَ
الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالْجَزِيرَةِ وَالْمَوْصِلِ إِلَى غَزْوِ
الدَّيْلَمِ ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ
مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي الْعَبَّاسِ السَّفَّاحَ .
وَفِيهَا رَجَعَ
الْمَهْدِيُّ مِنْ
خُرَاسَانَ إِلَى
الْعِرَاقِ ، وَبَنَى
بِرَيْطَةَ ابْنَةِ عَمِّهِ السَّفَّاحِ .
وَفِيهَا حَجَّ
الْمَنْصُورُ ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى عَسْكَرِهِ
وَالْمِيرَةِ خَازِمَ بْنَ خُزَيْمَةَ .
ذِكْرُ اسْتِعْمَالِ
رِيَاحِ بْنِ عُثْمَانَ الْمُرِّيِّ عَلَى
الْمَدِينَةِ وَأَمْرِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ
وَفِيهَا اسْتَعْمَلَ
الْمَنْصُورُ عَلَى
الْمَدِينَةِ رِيَاحَ بْنَ عُثْمَانَ الْمُرِّيَّ ، وَعَزَلَ
مُحَمَّدَ بْنَ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيَّ عَنْهَا .
وَكَانَ سَبَبُ عَزْلِهِ وَعَزْلِ
زِيَادٍ قَبْلَهُ أَنَّ
الْمَنْصُورَ أَهَمَّهُ أَمْرُ
مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَتَخَلُّفُهُمَا عَنِ الْحُضُورِ عِنْدَهُ مَعَ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ
بَنِي هَاشِمٍ عَامَ حَجَّ أَيَّامَ
nindex.php?page=showalam&ids=14485السَّفَّاحِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ، وَذَكَرَ أَنَّ
مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ
الْمَنْصُورَ مِمَّنْ بَايَعَهُ لَيْلَةَ تَشَاوَرَ
بَنُو هَاشِمٍ بِمَكَّةَ فِيمَنْ يَعْقِدُونَ لَهُ الْخِلَافَةَ حِينَ اضْطَرَبَ أَمْرُ
مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، فَلَمَّا حَجَّ
الْمَنْصُورُ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ سَأَلَ عَنْهُمَا ، فَقَالَ لَهُ
زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَارِثِيُّ : مَا يُهِمُّكَ مِنْ أَمْرِهِمَا ، أَنَا آتِيكَ بِهِمَا . وَكَانَ مَعَهُ
بِمَكَّةَ ، فَرَدَّهُ
الْمَنْصُورُ إِلَى
الْمَدِينَةِ .
[ ص: 98 ] فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ
الْمَنْصُورُ لَمْ يَكُنْ هَمُّهُ إِلَّا أَمْرَ
مُحَمَّدٍ وَالْمَسْأَلَةَ عَنْهُ وَمَا يُرِيدُ ، فَدَعَا
بَنِي هَاشِمٍ رَجُلًا رَجُلًا يَسْأَلُهُ سِرًّا عَنْهُ ، فَكُلُّهُمْ يَقُولُ : قَدْ عَلِمَ أَنَّكَ عَرَفْتَهُ يَطْلُبُ هَذَا الْأَمْرَ ، فَهُوَ يَخَافُكَ عَلَى نَفْسِهِ ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ لَكَ خِلَافًا ، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا الْكَلَامَ ، إِلَّا
nindex.php?page=showalam&ids=14441الْحَسَنُ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، فَإِنَّهُ أَخْبَرَهُ خَبَرَهُ وَقَالَ لَهُ : وَاللَّهِ مَا آمَنُ وُثُوبَهُ عَلَيْكَ ، فَإِنَّهُ لَا يَنَامُ عَنْكَ ، فَأَيْقَظَ بِكَلَامِهِ مَنْ لَا يَنَامُ ، فَكَانَ
مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ : اللَّهُمَّ اطْلُبْ
حَسَنَ بْنَ زَيْدٍ بِدِمَائِنَا .
ثُمَّ أَلَحَّ
الْمَنْصُورُ عَلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ فِي إِحْضَارِ ابْنِهِ
مُحَمَّدٍ سَنَةَ حَجَّ ، فَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ nindex.php?page=showalam&ids=16045لِسُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ : يَا أَخِي بَيْنَنَا مِنَ الصِّهْرِ وَالرَّحِمِ مَا تَعْلَمُ ، فَمَا تَرَى ؟ فَقَالَ
سُلَيْمَانُ : وَاللَّهِ لَكَأَنَّنِي أَنْظُرُ إِلَى أَخِي
nindex.php?page=showalam&ids=16451عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ السِّتْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَنَا وَهُوَ يُشِيرُ إِلَيْنَا : هَذَا الَّذِي فَعَلْتُمْ بِي ، فَلَوْ كَانَ عَافِيًا عَفَا عَنْ عَمِّهِ . فَقَبِلَ
عَبْدُ اللَّهِ رَأْيَ
سُلَيْمَانَ ، وَعَلِمَ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَهُ وَلَمْ يُظْهِرِ ابْنَهُ .
ثُمَّ إِنَّ
الْمَنْصُورَ اشْتَرَى رَقِيقًا مِنْ رَقِيقِ الْأَعْرَابِ ، وَأَعْطَى الرَّجُلَ مِنْهُمُ الْبَعِيرَ ، وَالرَّجُلَ الْبَعِيرَيْنِ ، وَالرَّجُلَ الذَّوْدَ ، وَفَرَّقَهُمْ فِي طَلَبِ
مُحَمَّدٍ فِي ظَهْرِ
الْمَدِينَةِ ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَرِدُ الْمَاءَ كَالْمَارِّ ، وَكَالضَّالِّ يَسْأَلُونَ عَنْهُ ، وَبَعَثَ
الْمَنْصُورُ عَيْنًا آخَرَ ، وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا عَلَى أَلْسُنِ الشِّيعَةِ إِلَى
مُحَمَّدٍ يَذْكُرُونَ طَاعَتَهُمْ وَمُسَارَعَتَهُمْ ، وَبَعَثَ مَعَهُ بِمَالٍ وَأَلْطَافٍ ، وَقَدِمَ الرَّجُلُ
الْمَدِينَةَ فَدَخَلَ عَلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ فَسَأَلَهُ عَنِ ابْنِهِ
مُحَمَّدٍ ، فَذَكَرَ لَهُ ، فَكَتَمَ لَهُ خَبَرَهُ ، فَتَرَدَّدَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ ، وَأَلَحَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ، فَذَكَرَ أَنَّهُ فِي جَبَلِ
جُهَيْنَةَ ، فَقَالَ لَهُ : امْرُرْ
بِعَلِيٍّ ابْنِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ الَّذِي يُدْعَى الْأَغَرَّ ، وَهُوَ
بِذِي الْإِبَرِ ، فَهُوَ يُرْشِدُكَ ، فَأَتَاهُ فَأَرْشَدَهُ .
وَكَانَ
لِلْمَنْصُورِ كَاتِبٌ عَلَى سِرِّهِ يَتَشَيَّعُ ، فَكَتَبَ إِلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ الْعَيْنِ ، فَلَمَّا قَدِمَ الْكِتَابُ ارْتَاعُوا لَهُ وَبَعَثُوا
أَبَا هَبَّارٍ إِلَى
مُحَمَّدٍ وَإِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=15877عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ يُحَذِّرُهُمَا الرَّجُلَ ، فَخَرَجَ
أَبُو هَبَّارٍ فَنَزَلَ
بِعَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ وَأَخْبَرَهُ ، ثُمَّ سَارَ إِلَى
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي كَهْفٍ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، وَذَلِكَ الْعَيْنُ مَعَهُمْ أَعْلَاهُمْ صَوْتًا ، وَأَشَدُّهُمُ انْبِسَاطًا .
فَلَمَّا رَأَى
أَبَا هَبَّارٍ خَافَهُ ، فَقَالَ
أَبُو هَبَّارٍ لِمُحَمَّدٍ : لِي حَاجَةٌ . فَقَامَ مَعَهُ ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ ، قَالَ : فَمَا الرَّأْيُ ؟ قَالَ : أَرَى إِحْدَى ثَلَاثٍ . قَالَ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ : تَدَعُنِي أَقْتُلُ هَذَا الرَّجُلَ . قَالَ : مَا أَنَا مُقَارِفٌ دَمًا إِلَّا كَرْهًا . قَالَ : أَثْقِلْهُ حَدِيدًا وَتَنْقُلُهُ مَعَكَ حَيْثُ تَنْقَلِبُ . قَالَ : وَهَلْ لَنَا فِرَارٌ مَعَ الْخَوْفِ وَالْإِعْجَالِ ؟ قَالَ : نَشُدُّهُ وَنُودِعُهُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِكَ مِنْ
جُهَيْنَةَ . قَالَ : هَذِهِ إِذًا .
[ ص: 99 ] فَرَجَعَا فَلَمْ يَرَيَا الرَّجُلَ . فَقَالَ مُحَمَّدٌ : أَيْنَ الرَّجُلُ ؟ قَالُوا : [ قَامَ ] بِرَكْوَةِ مَاءٍ وَتَوَارَى بِهَذَا الطَّرِيقِ يَتَوَضَّأُ ، فَطَلَبُوهُ وَلَمْ يَجِدُوهُ فَكَأَنَّ الْأَرْضَ الْتَأَمَتْ عَلَيْهِ ، وَسَعَى عَلَى قَدَمَيْهِ حَتَّى اتَّصَلَ بِالطَّرِيقِ ، فَمَرَّ بِهِ الْأَعْرَابُ مَعَهُمْ حُمُولَةٌ إِلَى
الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ لِبَعْضِهِمْ : فَرِّغْ هَذِهِ الْغِرَارَةَ وَأَدْخِلْنِيهَا أَكُنْ عِدْلًا لِصَاحِبَتِهَا وَلَكَ كَذَا وَكَذَا . فَفَعَلَ وَحَمَلَهُ حَتَّى أَقْدَمَهُ
الْمَدِينَةَ .
ثُمَّ قَدِمَ عَلَى
الْمَنْصُورِ ، وَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ كُلَّهُ ، وَنَسِيَ اسْمَ
أَبِي هَبَّارٍ وَكُنْيَتَهُ وَقَالَ :
وَبَّارٌ . فَكَتَبَ
أَبُو جَعْفَرٍ فِي طَلَبِ 9
وَبَّارٍ الْمُرِّيِّ ، فَحُمِلَ إِلَيْهِ رَجُلٌ اسْمُهُ
وَبَرٌ فَسَأَلَهُ عَنْ قِصَّةِ
مُحَمَّدٍ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ، فَأَمَرَ بِهِ وَضُرِبَ سَبْعَمِائَةِ سَوْطٍ وَحُبِسَ حَتَّى مَاتَ
الْمَنْصُورُ .
ثُمَّ إِنَّهُ أَحْضَرَ
عُقْبَةَ بْنَ سَلَمٍ الْأَزْدِيَّ فَقَالَ : أُرِيدُكَ لِأَمْرٍ أَنَا بِهِ مَعْنِيٌّ ، لَمْ أَزَلْ أَرْتَادُ لَهُ رَجُلًا عَسَى أَنْ تَكُونَهُ ، وَإِنْ كَفَيْتَنِيهِ رَفَعْتُكَ . فَقَالَ : أَرْجُو أَنْ أَصْدُقَ ظَنَّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِيَّ . [ قَالَ ] : فَأَخْفِ شَخْصَكَ ، وَاسْتُرْ أَمْرَكَ ، وَأْتِنِي يَوْمَ كَذَا فِي وَقْتِ كَذَا .
فَأَتَاهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ . فَقَالَ لَهُ : إِنَّ بَنِي عَمِّنَا هَؤُلَاءِ قَدْ أَبَوْا إِلَّا كَيْدًا لِمُلْكِنَا وَاغْتِيَالًا لَهُ ، وَلَهُمْ شِيعَةٌ
بِخُرَاسَانَ بِقَرْيَةِ كَذَا يُكَاتِبُونَهُمْ ، وَيُرْسِلُونَ إِلَيْهِمْ بِصَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ ، وَأَلْطَافٍ مِنْ أَلْطَافِ بِلَادِهِمْ ، فَاخْرُجْ
بِكُسًا وَأَلْطَافٍ وَعَيْنٍ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ مُتَنَكِّرًا بِكِتَابٍ تَكْتُبُهُ عَنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ ثُمَّ تَعْلَمُ حَالَهُمْ ، فَإِنْ كَانُوا نَزَعُوا عَنْ رَأْيِهِمْ فَأَحْبِبْ وَاللَّهِ بِهِمْ وَأَقْرِبْ ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى رَأْيِهِمْ عَمِلْتُ ذَلِكَ وَكُنْتُ عَلَى حَذَرٍ ، فَاشْخَصْ حَتَّى تَلْقَى
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ مُتَخَشِّعًا وَمُتَقَشِّفًا ، فَإِنْ جَبَهَكَ ، وَهُوَ فَاعِلٌ ، فَاصْبِرْ وَعَاوِدْهُ حَتَّى يَأْنَسَ بِكَ وَيُلِينَ لَكَ نَاحِيَتَهُ ، فَإِذَا أَظْهَرَ لَكَ مَا قِبَلَهُ فَاعْجَلْ عَلَيَّ .
فَشَخَصَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى
عَبْدِ اللَّهِ ، فَلَقِيَهُ بِالْكِتَابِ ، فَأَنْكَرَهُ وَنَهَرَهُ وَقَالَ : مَا أَعْرِفُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ . فَلَمْ يَزَلْ يَتَرَدَّدُ إِلَيْهِ حَتَّى قَبِلَ كِتَابَهُ وَأَلْطَافَهُ وَأَنِسَ بِهِ ، فَسَأَلَهُ
عُقْبَةُ الْجَوَابَ . فَقَالَ : أَمَّا الْكِتَابُ ، فَإِنِّي لَا أَكْتُبُ إِلَى أَحَدٍ ، وَلَكِنْ أَنْتَ كِتَابِي إِلَيْهِمْ ، فَأَقْرِئْهُمُ السَّلَامَ ، وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّنِي خَارِجٌ لِوَقْتِ كَذَا وَكَذَا .
وَرَجَعَ
عُقْبَةُ إِلَى
الْمَنْصُورِ فَأَعْلَمَهُ الْخَبَرَ ، فَأَنْشَأَ
الْمَنْصُورُ الْحَجَّ ، وَقَالَ
لِعَقَبَةَ : إِذَا لَقِيَنِي
بَنُو الْحَسَنِ فِيهِمْ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ فَأَنَا مُكْرِمُهُ ، وَرَافِعٌ مَجْلِسَهُ ، وَدَاعٍ بِالْغَدَاءِ ، فَإِذَا فَرَغْنَا مِنْ طَعَامِنَا فَلَحَظْتُكَ فَامْثُلْ بَيْنَ يَدَيْهِ قَائِمًا ، فَإِنَّهُ سَيَصْرِفُ عَنْكَ بَصَرَهُ ، فَاسْتَدِرْ
[ ص: 100 ] حَتَّى تَغْمِزَ ظَهْرَهُ بِإِبْهَامِ رِجْلِكَ حَتَّى يَمْلَأَ عَيْنَهُ مِنْكَ ، ثُمَّ حَسْبُكَ ، وَإِيَّاكَ أَنْ يَرَاكَ مَا دَامَ يَأْكُلُ .
فَخَرَجَ إِلَى الْحَجِّ ، فَلَمَّا لَقِيَهُ
بَنُو الْحَسَنِ أَجْلَسَ
عَبْدَ اللَّهِ إِلَى جَانِبِهِ ثُمَّ دَعَا بِالْغَدَاءِ فَأَصَابُوا مِنْهُ ، ثُمَّ رُفِعَ فَأَقْبَلَ عَلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ فَقَالَ لَهُ : قَدْ عَلِمْتَ مَا أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ أَلَّا تَبْغِيَنِي بِسُوءٍ وَلَا تَكِيدَ لِي سُلْطَانًا ؟ قَالَ : فَأَنَا عَلَى ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . فَلَحَظَ
الْمَنْصُورُ عُقْبَةَ بْنَ سَلَمٍ فَاسْتَدَارَ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ
عَبْدِ اللَّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ، فَاسْتَدَارَ حَتَّى قَامَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَغَمَزَهُ بِإِصْبَعِهِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَمَلَأَ عَيْنَهُ مِنْهُ ، فَوَثَبَ حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيِ
الْمَنْصُورِ ، فَقَالَ : ( أَقِلْنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَقَالَكَ اللَّهُ ! قَالَ : لَا أَقَالَنِي اللَّهُ إِنْ أَقَلْتُكَ ) ! ثُمَّ أَمَرَ بِحَبْسِهِ .
وَكَانَ
مُحَمَّدٌ قَدْ قَدِمَ قَبْلَ ذَلِكَ
الْبَصْرَةَ ، فَنَزَلَهَا فِي
بَنِي رَاسِبٍ يَدْعُو إِلَى نَفْسِهِ ، وَقِيلَ : نَزَلَ عَلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَيْبَانَ أَحَدِ
بَنِي مُرَّةَ بْنِ عُبَيْدٍ ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا ، فَبَلَغَ
الْمَنْصُورَ مَقْدِمُهُ
الْبَصْرَةَ ، فَسَارَ إِلَيْهَا مُغِذًّا ، فَنَزَلَ عِنْدَ الْحُرِّ الْأَكْبَرِ ، فَلَقِيَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16711عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ فَقَالَ لَهُ : يَا
أَبَا عُثْمَانَ هَلْ
بِالْبَصْرَةِ أَحَدٌ تَخَافُهُ عَلَى أَمْرِنَا ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : فَاقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِكَ وَانْصَرِفْ . قَالَ : نَعَمْ .
وَكَانَ
مُحَمَّدٌ قَدْ سَارَ عَنْهَا قَبْلَ مَقْدِمِ
الْمَنْصُورِ ، فَرَجَعَ
الْمَنْصُورُ ، وَاشْتَدَّ الْخَوْفُ عَلَى
مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ فَخَرَجَا حَتَّى أَتَيَا
عَدَنَ ، ثُمَّ سَارَا إِلَى
السِّنْدِ ثُمَّ إِلَى
الْكُوفَةِ ثُمَّ إِلَى
الْمَدِينَةِ .
وَكَانَ
الْمَنْصُورُ قَدْ حَجَّ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ ، فَقَسَّمَ أَمْوَالًا عَظِيمَةً فِي
آلِ أَبِي طَالِبٍ ، فَلَمْ يَظْهَرْ
مُحَمَّدٌ وَإِبْرَاهِيمُ ، فَسَأَلَ أَبَاهُمَا
عَبْدَ اللَّهِ عَنْهُمَا ، فَقَالَ : لَا عِلْمَ لِي بِهِمَا ، فَتَغَالَظَا ، فَأَمَصَّهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15337أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ حَتَّى قَالَ لَهُ : امْصُصْ كَذَا وَكَذَا مِنْ أُمِّكَ ! فَقَالَ : يَا
أَبَا جَعْفَرٍ ، بِأَيِّ أُمَّهَاتِي تُمِصُّنِي ؟ !
nindex.php?page=showalam&ids=129أَبِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ أَمْ
بِفَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ؟ أَمْ
بِأُمِّ إِسْحَاقَ بِنْتِ طَلْحَةَ ؟
nindex.php?page=showalam&ids=10640أَمْ بِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ ؟ [ قَالَ ] : لَا بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ، وَلَكِنْ
بِالْحِرْبَاءِ بِنْتِ قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ ! وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ طَيِّئٍ ، فَقَالَ
الْمُسَيَّبُ بْنُ زُهَيْرٍ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ ابْنِ الْفَاعِلَةِ ! فَقَامَ
زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأَلْقَى عَلَيْهِ رِدَاءَهُ وَقَالَ : هَبْهُ لِي [ يَا ] أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَأَسْتَخْرِجْ لَكَ ابْنَيْهِ ، فَتَخَلَّصَهُ [ مِنْهُ ] .
[ ص: 101 ] وَكَانَ
مُحَمَّدٌ وَإِبْرَاهِيمُ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ قَدْ تَغَيَّبَا حِينَ حَجَّ
الْمَنْصُورُ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ عَنِ
الْمَدِينَةِ ، وَحَجَّ أَيْضًا فَاجْتَمَعُوا
بِمَكَّةَ وَأَرَادُوا اغْتِيَالَ
الْمَنْصُورِ ، فَقَالَ لَهُمُ
الْأَشْتَرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ : أَنَا أَكْفِيكُمُوهُ ! فَقَالَ
مُحَمَّدٌ : لَا وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُهُ أَبَدًا غِيلَةً حَتَّى أَدْعُوَهُ . فَنَقَضَ مَا كَانُوا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ .
وَكَانَ قَدْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ قَائِدٌ مِنْ قُوَّادِ
الْمَنْصُورِ مِنْ
أَهْلِ خُرَاسَانَ اسْمُهُ
خَالِدُ بْنُ حَسَّانٍ يُدْعَى أَبَا الْعَسَاكِرِ عَلَى أَلْفِ رَجُلٍ ، فَنَمَّى الْخَبَرَ إِلَى
الْمَنْصُورِ فَطُلِبَ ، فَلَمْ يُظْفَرْ بِهِ ، فَظَفِرَ بِأَصْحَابِهِ فَقَتَلَهُمْ ، وَأَمَّا الْقَائِدُ فَإِنَّهُ لَحِقَ
بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ .
ثُمَّ إِنَّ
الْمَنْصُورَ حَثَّ
زِيَادَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى طَلَبِ
مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ ، فَضَمِنَ لَهُ ذَلِكَ وَوَعَدَهُ بِهِ ، فَقَدِمَ
مُحَمَّدٌ الْمَدِينَةَ قَدْمَةً ، فَبَلَغَ ذَلِكَ
زِيَادًا ، فَتَلَطَّفَ لَهُ ، وَأَعْطَاهُ الْأَمَانَ عَلَى أَنْ يُظْهِرَ وَجْهَهُ لِلنَّاسِ ، فَوَعَدَهُ
مُحَمَّدٌ ذَلِكَ ، فَرَكِبَ
زِيَادٌ مَعَ الْمَسَاءِ وَوَاعَدَ
مُحَمَّدًا سُوقَ الظُّهْرِ ، وَرَكِبَ
مُحَمَّدٌ ، فَتَصَايَحَ النَّاسُ : يَا
أَهْلَ الْمَدِينَةِ ،
الْمَهْدِيُّ الْمَهْدِيُّ ! فَوَقَفَ هُوَ
وَزِيَادٌ ، فَقَالَ
زِيَادٌ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، هَذَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : الْحَقْ بِأَيِّ بِلَادِ اللَّهِ شِئْتَ . فَتَوَارَى
مُحَمَّدٌ .
وَسَمِعَ
الْمَنْصُورُ الْخَبَرَ فَأَرْسَلَ
أَبَا الْأَزْهَرِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ إِلَى
الْمَدِينَةِ ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ عَلَى
الْمَدِينَةِ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ الْمُطَّلِبِ ، وَأَنْ يَقْبِضَ عَلَى
زِيَادٍ وَأَصْحَابِهِ ، وَيَسِيرَ بِهِمْ إِلَيْهِ ، فَقَدِمَ
أَبُو الْأَزْهَرِ الْمَدِينَةَ ، فَفَعَلَ مَا أَمَرَهُ ، وَأَخَذَ
زِيَادًا وَأَصْحَابَهُ ، وَسَارَ نَحْوَ
الْمَنْصُورِ ، وَخَلَّفَ
زِيَادٌ فِي بَيْتِ مَالِ
الْمَدِينَةِ ثَمَانِينَ أَلْفَ دِينَارٍ ، فَسَجَنَهُمْ
الْمَنْصُورُ ، ثُمَّ مَنَّ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ .
وَاسْتَعْمَلَ
الْمَنْصُورُ عَلَى
الْمَدِينَةِ مُحَمَّدَ بْنَ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيَّ ، وَأَمَرَهُ بِطَلَبِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَبَسَطَ يَدَهُ فِي النَّفَقَةِ فِي طَلَبِهِ . فَقَدِمَ
الْمَدِينَةَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ ، فَأَخَذَ الْمَالَ وَرَفَعَ فِي مُحَاسَبَتِهِ أَمْوَالًا كَثِيرَةً أَنْفَقَهَا فِي طَلَبِ
مُحَمَّدٍ ، فَاسْتَبْطَأَهُ
أَبُو جَعْفَرٍ وَاتَّهَمَهُ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِكَشْفِ
الْمَدِينَةِ وَأَعْرَاضِهَا ، فَطَافَ بِبُيُوتِ النَّاسِ فَلَمْ يَجِدْ
مُحَمَّدًا .
فَلَمَّا رَأَى
الْمَنْصُورُ مَا قَدْ أَخْرَجَ مِنَ الْأَمْوَالِ ، وَلَمْ يَظْفَرْ
بِمُحَمَّدٍ اسْتَشَارَ
أَبَا الْعَلَاءِ - رَجُلًا مِنْ
قَيْسِ عَيْلَانَ - فِي أَمْرِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَخِيهِ ، فَقَالَ : أَرَى أَنْ تَسْتَعْمِلَ رَجُلًا مِنْ وَلَدِ
الزُّبَيْرِ أَوْ
طَلْحَةَ ، فَإِنَّهُمْ يَطْلُبُونَهُمَا بِذَحْلٍ ، وَيُخْرِجُونَهُمَا إِلَيْكَ . فَقَالَ : قَاتَلَكَ اللَّهُ مَا أَجْوَدَ مَا رَأَيْتَ ! وَاللَّهِ مَا خَفِيَ عَلَيَّ هَذَا ، وَلَكِنَّنِي أُعَاهِدُ اللَّهَ لَا أَنْتَقِمُ مِنْ بَنِي عَمِّي وَأَهْلِ
[ ص: 102 ] بَيْتِي بِعَدُوِّي وَعَدُوِّهِمْ ، وَلَكِنِّي أَبْعَثُ عَلَيْهِمْ صُعْلُوكًا مِنَ الْعَرَبِ يَفْعَلُ بِهِمْ مَا قُلْتَ .
فَاسْتَشَارَ
يَزِيدَ بْنَ يَزِيدَ السُّلَمِيَّ وَقَالَ لَهُ : دُلَّنِي عَلَى فَتًى مُقِلٍّ مِنْ
قَيْسٍ أُغْنِيهِ وَأُشَرِّفُهُ وَأُمَكِّنُهُ مِنْ سَيِّدِ
الْيَمَنِ ، يَعْنِي
ابْنَ الْقَسْرِيِّ ، [ قَالَ ] : هُوَ
رِيَاحُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَيَّانَ الْمُرِّيُّ ، فَسَيَّرَهُ أَمِيرًا عَلَى
الْمَدِينَةِ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ .
وَقِيلَ : إِنَّ رِيَاحًا ضَمِنَ
لِلْمَنْصُورِ أَنْ يُخْرِجَ
مُحَمَّدًا وَإِبْرَاهِيمَ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ إِنِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى
الْمَدِينَةِ ، فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَيْهَا ، فَسَارَ حَتَّى دَخَلَهَا ، فَلَمَّا دَخَلَ دَارَ
مَرْوَانَ ، وَهِيَ الَّتِي كَانَ يَنْزِلُهَا الْأُمَرَاءُ ، قَالَ لِحَاجِبٍ كَانَ لَهُ يُقَالُ لَهُ
أَبُو الْبَخْتَرِيِّ : هَذِهِ دَارُ
مَرْوَانَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : أَمَا إِنَّهَا مِحْلَالٌ مِظْعَانٌ ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَظْعَنُ مِنْهَا .
فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ قَالَ لِحَاجِبِهِ : يَا
أَبَا الْبَخْتَرِيِّ ، خُذْ بِيَدِي نَدْخُلْ عَلَى هَذَا الشَّيْخِ ، يَعْنِي
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ ، فَدَخَلَا عَلَيْهِ ، وَقَالَ
رِيَاحٌ : أَيُّهَا الشَّيْخُ ، إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاللَّهِ مَا اسْتَعْمَلَنِي لِرَحِمٍ قَرِيبَةٍ ، وَلَا لِيَدٍ سَلَفَتْ إِلَيْهِ ، وَاللَّهِ لَا لَعِبْتَ فِيَّ كَمَا لَعِبْتَ
بِزِيَادٍ وَابْنِ الْقَسْرِيِّ ، وَاللَّهِ لَأُزْهِقَنَّ نَفْسَكَ ، أَوْ لَتَأْتِيَنِّي بِابْنَيْكَ
مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ ! فَرَفَعَ رَأَسَهُ إِلَيْهِ وَقَالَ : نَعَمْ ، أَمَا وَاللَّهِ إِنَّكَ لَأُزَيْرِقُ
قَيْسٍ الْمَذْبُوحُ فِيهَا كَمَا تُذْبَحُ الشَّاةُ ! .
قَالَ
أَبُو الْبَخْتَرِيِّ : فَانْصَرَفَ وَاللَّهِ
رِيَاحٌ آخِذًا بِيَدِي ، أَجِدُ بَرْدَ يَدِهِ ، وَإِنَّ رِجْلَيْهِ لَتَخُطَّانِ الْأَرْضَ مِمَّا كَلَّمَهُ . قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ هَذَا مَا اطَّلَعَ عَلَى الْغَيْبِ . قَالَ : إِيهًا ، وَيْلَكَ ! فَوَاللَّهِ مَا قَالَ إِلَّا مَا سَمِعَ . فَذُبِحَ كَمَا تُذْبَحُ الشَّاةُ .
ثُمَّ إِنَّهُ دَعَا
بِالْقَسْرِيِّ وَسَأَلَهُ عَنِ الْأَمْوَالِ ، فَضَرَبَهُ وَسَجَنَهُ ، وَأَخَذَ كَاتِبَهُ رِزَامًا وَعَاقَبَهُ فَأَكْثَرَ ، وَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ مَا أَخَذَ
مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ مِنَ الْأَمْوَالِ ، وَهُوَ لَا يُجِيبُهُ ، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ الْعَذَابُ أَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ ، فَقَالَ لَهُ
رِيَاحٌ : أَحْضِرِ الرَّفِيعَةَ وَقْتَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ أَحْضَرَهُ فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الْأَمِيرَ أَمَرَنِي أَنْ أَرْفَعَ عَلَى
ابْنِ خَالِدٍ ، وَقَدْ كَتَبْتُ كِتَابًا لِأَنْجُوَ بِهِ ، وَإِنَّا لَنُشْهِدُكُمْ أَنَّ كُلَّ مَا فِيهِ بَاطِلٌ . فَأَمَرَ
رِيَاحٌ فَضُرِبَ مِائَةَ سَوْطٍ ، وَرُدَّ إِلَى السِّجْنِ .
وَجَدَّ
رِيَاحٌ فِي طَلَبِ
مُحَمَّدٍ ، فَأُخْبِرَ أَنَّهُ فِي شِعْبٍ مِنْ
شِعَابِ رَضْوَى ،
جَبَلِ جُهَيْنَةَ ، وَهُوَ فِي عَمَلِ يَنْبُعَ ، فَأَمَرَ عَامِلَهُ فِي طَلَبِ
مُحَمَّدٍ ، فَهَرَبَ مِنْهُ رَاجِلًا ، فَأَفْلَتَ وَلَهُ
ابْنٌ صَغِيرٌ [ ص: 103 ] وُلِدَ فِي خَوْفِهِ وَهُوَ مَعَ جَارِيَةٍ لَهُ فَسَقَطَ مِنَ الْجَبَلِ فَتَقَطَّعَ ، فَقَالَ
مُحَمَّدٌ :
مُنْخَرِقُ السِّرْبَالِ يَشْكُو الْوَجَى تَنْكُبُهُ أَطْرَافُ مَرْوِ حِدَادْ شَرَّدَهُ الْخَوْفُ فَأَزْرَى بِهِ
كَذَاكَ مَنْ يَكْرَهُ حَرَّ الْجِلَادْ قَدْ كَانَ فِي الْمَوْتِ لَهُ رَاحَةٌ
وَالْمَوْتُ حَتْمٌ فِي رِقَابِ الْعِبَادْ
.
وَبَيْنَا
رِيَاحٌ يَسِيرُ فِي
الْحَرَّةِ إِذْ لَقِيَ
مُحَمَّدًا ، فَعَدَلَ
مُحَمَّدٌ إِلَى بِئْرٍ هُنَاكَ فَجَعَلَ يَسْتَقِي ، فَقَالَ
رِيَاحٌ : قَاتَلَهُ اللَّهُ أَعْرَابِيًّا مَا أَحْسَنَ ذِرَاعَهُ ! .