الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر الفتنة بين عامر ومنصور وقتل منصور بإفريقية

وفي هذه السنة وقع الاختلاف بين عامر بن نافع وبين منصور بن نصر بإفريقية ، وسبب ذلك أن منصورا كان كثير الحسد . . . وسار بهم من تونس إلى [ منصور ] وهو بقصره بطنبذة ، فحصره ، حتى فني ما كان عنده من الماء ، فراسله منصور وطلب منه الأمان على أن يركب سفينة ويتوجه إلى المشرق ، فأجابه إلى ذلك ، فخرج منصور أول [ ص: 552 ] الليل مختفيا يريد الأربس ، فلما أصبح عامر ولم ير لمنصور أثرا طلبه حتى أدركه ، فاقتتلوا وانهزم منصور ، ودخل الأربس فتحصن بها ، وحصره عامر ، ونصب عليه منجنيقا .

فلما اشتد الحصار على أهل الأربس قالوا لمنصور : إما أن تخرج عنا ، وإلا سلمناك إلى عامر ، فقد أضر بنا الحصار . فاستمهلهم حتى يصلح أمره ، فأمهلوه ، وأرسل إلى عبد السلام بن المفرج ، وهو من قواد الجيش ، يسأله الاجتماع به ، فأتاه ، فكلمه منصور من فوق السور واعتذر ، وطلب منه أن يأخذ له أمانا من عامر حتى يسير إلى المشرق ، فأجابه عبد السلام إلى ذلك ، واستعطف له عامرا ، فأمنه على أن يسير إلى تونس ، ويأخذ أهله وحاشيته ويسير بهم إلى الشرق .

فخرج إليه ، فسيره مع خيل إلى تونس ، وأمر رسوله سرا أن يسير به إلى مدينة جربة ، ويسجنه بها ، ففعل ذلك ، وسجن معه أخاه حمدون .

فلما علم عبد السلام ذلك عظم عليه ، وكتب عامر إلى أخيه ، وهو عامله على جربة ، يأمره بقتل منصور وأخيه حمدون ، ولا يراجع فيهما ، فحضر عندهما ، وأقرأهما الكتاب ، فطلب منصور منه دواة وقرطاسا ليكتب وصيته ، فأمر له بذلك ، فلم يقدر [ أن ] يكتب ، وقال : فاز المقتول بخير الدنيا والآخرة . ثم قتلهما ، وبعث برأسيهما إلى أخيه ، واستقامت الأمور لعامر بن نافع ، ورجع عبد السلام بن المفرج إلى مدينة باجة ، وبقي عامر بن نافع بمدينة تونس ، وتوفي سلخ ربيع الآخر سنة أربع عشرة ومائتين ، فلما وصل خبره إلى زيادة الله قال : الآن وضعت الحرب أوزارها . وأرسل بنوه إلى زيادة الله يطلبون الأمان ، فأمنهم وأحسن إليهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية