[ ص: 109 ] 145
ثم دخلت سنة خمس وأربعين ومائة
ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33800ظهور محمد بن عبد الله بن الحسن
في هذه السنة كان ظهور
nindex.php?page=showalam&ids=16989محمد بن عبد الله بن الحسنبن الحسن بن علي بن أبي طالب بالمدينة ، لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة ، وقيل : رابع عشر شهر رمضان . وقد ذكرنا فيما تقدم أخباره وتبعته وحمل
المنصور أهله إلى
العراق .
فلما حملهم وسار بهم رد
رياحا إلى
المدينة أميرا عليها ، فألح في طلب
محمد وضيق عليه ، وطلبه حتى سقط ابنه فمات ، وأرهقه الطلب يوما ، فتدلى في بئر
بالمدينة يناول أصحابه الماء ، وانغمس في الماء إلى حلقه ، وكان بدنه لا يخفى لعظمه ، وبلغ
رياحا خبر
محمد وأنه
بالمذار ، فركب نحوه في جنده ، فتنحى
محمد عن طريقه واختفى في
دار الجهنية ، فحيث لم يره
رياح رجع إلى دار
مروان .
وكان الذي أعلم
رياحا سليمان بن عبد الله بن أبي سبرة .
فلما اشتد الطلب
بمحمد خرج قبل وقته الذي واعد أخاه
إبراهيم على الخروج فيه .
وقيل : بل خرج
محمد لميعاده مع أخيه ، وإنما أخوه تأخر لجدري لحقه ، وكان
عبيد الله بن عمرو بن أبي ذئب ،
وعبد الحميد بن جعفر يقولان
لمحمد بن عبد الله : ما تنتظر بالخروج ! فوالله ما على هذه الأمة أشأم منك . اخرج ولو وحدك . فتحرك بذلك أيضا .
وأتى
رياحا الخبر أن
محمدا خارج الليلة ، فأحضر
محمد بن عمران بن إبراهيم بن [ ص: 110 ] محمد قاضي
المدينة ،
والعباس بن عبد الله بن الحارث بن العباس وغيرهما عنده ، فصمت طويلا ثم قال لهم : يا أهل
المدينة ، أمير المؤمنين يطلب
محمدا في شرق الأرض وغربها وهو بين أظهركم ، وأقسم بالله لئن خرج لأقتلنكم أجمعين ! .
وقال
لمحمد بن عمران : أنت قاضي أمير المؤمنين فادع عشيرتك ، وأرسل لتجمع
بني زهرة ، فأرسل فجاءوا في جمع كثير فأجلسهم بالباب ، فأرسل فأخذ نفرا من
العلويين وغيرهم ، فيهم :
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ،
والحسين بن علي بن الحسين بن علي ،
والحسن بن علي بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي ، ورجال من
قريش فيهم
إسماعيل بن أيوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن المغيرة وابنه
خالد .
فبينما هم عنده إذ ظهر
محمد ، فسمعوا التكبير ، فقال
ابن مسلم بن عقبة المري : أطعني في هؤلاء واضرب أعناقهم . فقال له
الحسين بن علي بن الحسين بن علي : والله ما ذاك إليك ، إنا لعلى السمع والطاعة .
وأقبل
محمد من
المذار في مائة وخمسين رجلا ، فأتى في
بني سلمة بهؤلاء تفاؤلا بالسلامة ، وقصد السجن فكسر بابه وأخرج من فيه ، وكان فيهم
محمد بن خالد بن عبد الله القسري ،
وابن أخي النذير بن يزيد ورزام ، فأخرجهم وجعل على الرجالة
خوات بن بكير بن خوات بن جبير ، وأتى
دار الإمارة وهو يقول لأصحابه : لا تقتلوا إلا يقتلوا .
فامتنع منهم
رياح ، فدخلوا من باب المقصورة ، وأخذوا
رياحا أسيرا وأخاه
عباسا ،
وابن مسلم بن عقبة المري فحبسهم في
دار الإمارة .
ثم خرج إلى المسجد فصعد المنبر فخطب الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد : فإنه قد كان من أمر هذا الطاغية عدو الله
أبي جعفر ما لم يخف عليكم من بنائه القبة الخضراء التي بناها معاندة لله في ملكه ، وتصغيرا
للكعبة الحرام ، وإنما أخذ الله
فرعون حين قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أنا ربكم الأعلى ، وإن أحق الناس بالقيام في هذا الدين أبناء
[ ص: 111 ] المهاجرين والأنصار المواسين ، اللهم إنهم قد أحلوا حرامك وحرموا حلالك ، وآمنوا من أخفت وأخافوا من آمنت ! اللهم فأحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تغادر منهم أحدا ! أيها الناس ، إني والله ما خرجت [ من ] بين أظهركم وأنتم عندي أهل قوة ولا شدة ، ولكني اخترتكم لنفسي ! والله ما جئت هذه وفي الأرض مصر يعبد الله فيه إلا وقد أخذ لي فيه البيعة !
وكان
المنصور يكتب إلى
محمد على ألسن قواده يدعونه إلى الظهور ويخبرونه أنهم معه ، فكان
محمد يقول : لو التقينا مال إلي القواد كلهم .
واستولى
محمد على
المدينة واستعمل عليها
عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير ، وعلى قضائها :
عبد العزيز بن المطلب بن عبد الله المخزومي ، وعلى بيت السلاح :
nindex.php?page=showalam&ids=16379عبد العزيز الدراوردي ، وعلى الشرط :
أبا القلمس عثمان بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، وعلى ديوان العطاء :
nindex.php?page=showalam&ids=15176عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة ، وقيل : كان على شرطه :
عبد الحميد بن جعفر فعزله .
وأرسل
محمد إلى
محمد بن عبد العزيز : إني كنت لأظنك ستنصرنا وتقوم معنا . فاعتذر إليه وقال : أفعل ، ثم انسل منه وأتى
مكة . ولم يتخلف عن
محمد أحد من وجوه الناس إلا نفر ، منهم :
الضحاك بن عثمان بن عبد الله بن خالد بن حزام ،
وعبد الله بن المنذر بن المغيرة بن عبد الله بن خالد ،
وأبو سلمة بن عبيد الله بن عبيد الله بن عمر ،
وخبيب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير .
وكان
أهل المدينة قد استفتوا
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس في الخروج مع
محمد وقالوا : إن في أعناقنا بيعة
لأبي جعفر ، فقال : إنما بايعتم مكرهين ، وليس على مكره يمين . فأسرع الناس إلى
محمد ولزم
مالك بيته .
فأرسل
محمد إلى
إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وكان شيخا كبيرا ،
[ ص: 112 ] فدعاه إلى بيعته ، فقال : يا ابن أخي أنت والله مقتول فكيف أبايعك ؟ فارتدع الناس عنه قليلا .
وكان
بنو معاوية بن عبد الله بن جعفر قد أسرعوا إلى
محمد ، فأتت
حمادة بنت معاوية إلى
إسماعيل بن عبد الله وقالت له : يا عم إن إخوتي قد أسرعوا إلى ابن خالهم ، وإنك إن قلت هذه المقالة ثبطت الناس عنه ، فيقتل ابن خالي وإخوتي . فأبى
إسماعيل إلا النهي عنه .
فيقال : إن
حمادة عدت عليه فقتلته ، فأراد
محمد الصلاة عليه فمنعه
عبد الله بن إسماعيل وقال : أتأمر بقتل أبي وتصلي عليه ؟ فنحاه الحرس وصلى عليه
محمد .
ولما ظهر
محمد كان
محمد بن خالد القسري بالمدينة في حبس
رياح فأطلقه .
وقال
ابن خالد : فلما سمعت دعوته التي دعا إليها على المنبر قلت : هذه دعوة حق ، والله لأبلين لله فيها بلاء حسنا . فقلت : يا أمير المؤمنين ، إنك قد خرجت بهذا البلد ، والله لو وقف على نقب من أنقابه أحد لمات أهله جوعا وعطشا ، فانهض معي فإنما هي عشر حتى أضربه بمائة ألف سيف .
فأبى علي ، فبينا أنا عنده إذ قال : ما وجدنا من خير المتاع شيئا أجود من شيء وجدناه عند
ابن أبي فروة ختن
أبي الخصيب ، وكان انتبه ، قال : فقلت : ألا أراك قد أبصرت خير المتاع ! فكتبت إلى
المنصور فأخبرته بقلة من معه ، فأخذني
محمد فحبسني حتى أطلقني
nindex.php?page=showalam&ids=16752عيسى بن موسى بعد قتله بأيام .
وكان رجل من
آل أويس بن أبي سرح العامري ،
عامر بن لؤي ، اسمه
الحسين بن صخر بالمدينة لما ظهر
محمد ، فسار من ساعته إلى
المنصور فبلغه في تسعة أيام ، فقدم ليلا ، فقام على أبواب
المدينة فصاح حتى علموا به وأدخلوه ، فقال
الربيع : ما حاجتك هذه الساعة وأمير المؤمنين نائم ؟ قال : لا بد لي منه .
فدخل عليه فقال : يا أمير المؤمنين خرج
محمد بن عبد الله بالمدينة ! قال : قتلته والله إن كنت صادقا ، أخبرني من معه . فسمى له من معه من وجوه
أهل المدينة وأهل بيته . قال : أنت رأيته وعاينته ؟ قال : أنا رأيته وعاينته وكلمته على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسا ، فأدخله
أبو [ ص: 113 ] جعفر بيتا ، فلما أصبح جاء رسول
لسعيد بن دينار غلام
nindex.php?page=showalam&ids=16752عيسى بن موسى يلي أمواله
بالمدينة فأخبره بأمر
محمد ، وتواترت عليه أخباره ، فأخرج
الأويسي ، فقال : لأوطئن الرجال عقبيك ولأغنينك ! فأمر له بتسعة آلاف درهم لكل ليلة ألف درهم .
وأشفق من
محمد ، فقال له
الحارثي المنجم : يا أمير المؤمنين ، ما يجزعك منه ؟ والله لو ملك الأرض ما لبث إلا تسعين يوما .
فأرسل
المنصور إلى عمه
nindex.php?page=showalam&ids=16451عبد الله بن علي ، وهو محبوس : إن هذا الرجل قد خرج فإن كان عندك رأي فأشر به علينا ، وكان ذا رأي عندهم ، فقال : إن المحبوس محبوس الرأي . فأرسل إليه
المنصور : لو جاءني حتى يضرب بابي ما أخرجتك ، وأنا خير لك منه ، وهو ملك أهل بيتك .
فأعاد عليه
عبد الله : ارتحل الساعة حتى تأتي
الكوفة فاجثم على أكبادهم ، فإنهم شيعة أهل هذا البيت وأنصارهم ، ثم احففها بالمسالح ، فمن خرج منها إلى وجه من الوجوه أو أتاها من وجه من الوجوه فاضرب عنقه ، وابعث إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16019سلم بن قتيبة ينحدر إليك ، وكان
بالري ، واكتب إلى
أهل الشام فمرهم أن يحملوا إليك من أهل البأس والنجدة ما حمل البريد فأحسن جوائزهم ووجههم مع سلم . ففعل .
وقيل : أرسل
المنصور إلى
عبد الله مع إخوته يستشيرونه في أمر
محمد ، وقال لهم : لا يعلم
عبد الله أني أرسلتكم إليه . فلما دخلوا عليه قال : لأمر ما جئتم ، ما جاء بكم جميعا وقد هجرتموني مذ دهر ؟ قالوا : إنا استأذنا أمير المؤمنين ، فأذن لنا . قال : ليس هذا بشيء ، فما الخبر ؟ قالوا : خرج
محمد بن عبد الله . قال : فما ترون
ابن سلامة صانعا ؟ يعني
المنصور . قالوا : لا ندري والله . قال : إن البخل قد قتله ، فمروه فليخرج الأموال وليعط الأجناد ، فإن غلب فما أسرع ما يعود إليه ماله ، وإن غلب لم يقدم صاحبه على دينار ولا درهم .
ولما ورد الخبر على
المنصور بخروج
محمد كان
المنصور قد خط
مدينة بغداد بالقصب ، فسار إلى
الكوفة ومعه
عبد الله بن الربيع بن عبيد الله بن المداد ، ، فقال له
[ ص: 114 ] المنصور : إن
محمدا قد خرج
بالمدينة . فقال
عبد الله : هلك وأهلك ، خرج في غير عدد ولا رجال .
حدثني
سعيد بن عمرو بن جعدة المخزومي قال : كنت مع
مروان يوم الزاب واقفا ، فقال لي
مروان : من هذا الذي يقاتلني ؟ قلت :
عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس . قال : وددت والله أن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب يقاتلني مكانه ، إن
عليا وولده لا حظ لهم في هذا الأمر ، وهل هو إلا رجل من
بني هاشم وابن عم رسول الله معه ريح
الشام ونصر
الشام ؟ يا
ابن جعدة أتدري ما حملني أن عقدت
لعبد الله وعبيد الله بعدي وتركت
عبد الملك وهو أكبر من
عبيد الله ؟ قال
ابن جعدة : لا . قال : وجدت الذي يلي هذا الأمر
عبد الله وعبيد الله ، وكان
عبيد الله أقرب إلى
عبد الله من
عبد الملك ، فعقدت له ، فاستخلفه
المنصور على صحة ذلك ، فحلف له ، فسري عنه .
ولما بلغ
المنصور خبر ظهور
محمد قال
لأبي أيوب وعبد الملك : هل من رجل تعرفانه بالرأي يجمع رأيه إلى رأينا ؟ قالا :
بالكوفة بديل بن يحيى ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=14485السفاح يشاوره ، فأرسل إليه وقال له : إن
محمدا قد ظهر
بالمدينة . قال : فاشحن
الأهواز بالجنود . قال : إنه ظهر
بالمدينة ! قال : قد فهمت وإنما
الأهواز الباب الذي تؤتون منه . فلما ظهر
إبراهيم بالبصرة قال له
المنصور ذلك ، قال : فعاجله بالجنود واشغل
الأهواز عليه .
وشاور
المنصور أيضا
جعفر بن حنظلة البهراني عند ظهور
محمد ، فقال : وجه الجنود إلى
البصرة . قال : انصرف حتى أرسل إليك . فلما صار
إبراهيم إلى
البصرة أرسل إليه فقال له ذلك ، فقال : إني خفت بادرة الجنود . قال : وكيف خفت
البصرة ؟ قال : لأن
محمدا ظهر
بالمدينة وليسوا أهل الحرب ، بحسبهم أن يقيموا شأن أنفسهم ،
وأهل الكوفة تحت قدمك ،
وأهل الشام أعداء
آل أبي طالب ، فلم يبق إلا
البصرة .
ثم إن
المنصور كتب إلى
محمد : بسم الله الرحمن الرحيم (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ) الآيتين ، ولك عهد الله وميثاقه ، وذمة رسوله أن أؤمنك ، وجميع ولدك ، وإخوتك ، وأهل بيتك ومن اتبعكم على دمائكم وأموالكم ، وأسوغك
[ ص: 115 ] ما أصبت من دم أو مال ، وأعطيك ألف ألف درهم ، وما سألت من الحوائج ، وأنزلك من البلاد حيث شئت ، وأن أطلق من في حبسي من أهل بيتك .
وأن أؤمن كل من جاءك وبايعك واتبعك أو دخل في شيء من أمرك ثم لا أتبع أحدا منهم بشيء كان منه أبدا ، فإن أردت أن تتوثق لنفسك فوجه إلي من أحببت يأخذ لك من الأمان والعهد والميثاق ما تتوثق به ، والسلام .
فكتب إليه
محمد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=1طسم nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=2تلك آيات الكتاب المبين nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=3نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون ) إلى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=6يحذرون ) وأنا أعرض عليك من الأمان مثل ما عرضت علي ، فإن الحق حقنا وإنما ادعيتم هذا الأمر بنا وخرجتم له بشيعتنا وحظيتم بفضله ، فإن أبانا
عليا كان الوصي وكان الإمام ، فكيف ورثتم ولايته ، وولده أحياء ؟
ثم قد علمت أنه لم يطلب الأمر أحد له مثل نسبنا وشرفنا وحالنا وشرف آبائنا ، لسنا من أبناء اللعناء ولا الطرداء ولا الطلقاء ، وليس يمت أحد من
بني هاشم بمثل الذي نمت به من القرابة والسابقة والفضل ، وإنا بنو أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فاطمة بنت
عمرو في الجاهلية ، وبنو بنته
فاطمة في الإسلام دونكم .
إن الله اختارنا واختار لنا ، فوالدنا من النبيين
محمد أفضلهم ، ومن السلف أولهم إسلاما
علي ، ومن الأزواج أفضلهن
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة الطاهرة وأول من صلى [ إلى ] القبلة ، ومن البنات خيرهن
فاطمة سيدة نساء العالمين وأهل الجنة ، ومن المولودين في الإسلام
حسن وحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وإن
هاشما ولد
عليا مرتين ، وإن
عبد المطلب ولد
حسنا مرتين ، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولدني مرتين من قبل
حسن وحسين .
وإني أوسط
بني هاشم نسبا وأصرحهم أبا ، لم تعرق في
العجم ، ولم تنازع في أمهات الأولاد ، فما زال الله يختار لي الآباء ،
[ ص: 116 ] والأمهات في الجاهلية والإسلام حتى اختار لي في الأشرار ، ( فأنا ابن أرفع الناس درجة في الجنة ، وأهونهم عذابا في النار ) ، ولك الله علي إن دخلت في طاعتي وأجبت دعوتي أن أؤمنك على نفسك ومالك وعلى كل أمر أحدثته إلا حدا من حدود الله أو حقا لمسلم أو معاهد ، فقد علمت ما يلزمني من ذلك .
وأنا أولى بالأمر منك وأوفى بالعهد ، لأنك أعطيتني من الأمان والعهد ما أعطيته رجالا قبلي ، فأي الأمانات تعطيني ؟ أمان
ابن هبيرة ، أم أمان عمك
nindex.php?page=showalam&ids=16451عبد الله بن علي ، أم أمان
أبي مسلم ؟
فلما ورد كتابه على
المنصور قال له
nindex.php?page=showalam&ids=11809أبو أيوب المورياني : دعني أجبه عليه . قال : لا إذا تقارعنا على الأحساب ، فدعني وإياه . ثم كتب إليه
المنصور : بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد فقد بلغني كلامك وقرأت كتابك ، فإذا جل فخرك بقرابة النساء لتضل به الجفاة والغوغاء ، ولم يجعل الله النساء كالعمومة والآباء ، ولا كالعصبة والأولياء ، لأن الله جعل العم أبا ، وبدأ به في كتابه على الوالدة الدنيا ، ولو كان اختيار الله لهن على قدر قرابتهن كانت
آمنة أقربهن رحما ، وأعظمهن حقا ، وأول من يدخل الجنة ، [ غدا ] ولكن اختيار الله لخلقه على علمه فيما مضى منهم واصطفائه لهم .
وأما ما ذكرت من
فاطمة أم
أبي طالب وولادتها فإن الله لم يرزق أحدا من ولدها الإسلام لا بنتا ولا ابنا ، ولو أن رجلا رزق الإسلام بالقرابة رزقه
عبد الله ولكان أولاهم بكل خير في الدنيا والآخرة ، ولكن الأمر لله يختار لدينه من يشاء ، قال الله تعالى :
[ ص: 117 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=56إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) . ولقد بعث الله
محمدا - صلى الله عليه وسلم - وله عمومة أربعة ، فأنزل الله ، عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وأنذر عشيرتك الأقربين ) فأنذرهم ودعاهم ، فأجاب اثنان ، أحدهما أبي ، وأبى اثنان ، أحدهما أبوك ، فقطع الله ولايتهما منه ولم يجعل بينه وبينهما إلا ولا ذمة ولا ميراثا .
وزعمت أنك ابن أخف أهل النار عذابا وابن خير الأشرار ، وليس في الكفر بالله صغير ، ولا في عذاب الله خفيف ولا يسير ، وليس في الشر خيار ، ولا ينبغي لمؤمن يؤمن بالله أن يفخر بالنار ، وسترد فتعلم (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=227وسيعلم الذين ظلموا ) الآية .
وأما أمر
حسن وأن
عبد المطلب ولده مرتين وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولدك مرتين ، فخير الأولين والآخرين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يلده
هاشم إلا مرة ، ولا
عبد المطلب إلا مرة . وزعمت أنك أوسط
بني هاشم وأصرحهم أما وأبا ، وأنه لم يلدك
العجم ولم تعرق فيك أمهات الأولاد ، فقد رأيتك فخرت على
بني هاشم طرا ، فانظر ، ويحك ، أين أنت من الله غدا ! فإنك قد تعديت طورك وفخرت على من هو خير منك نفسا وأبا وأولادا وأخا
إبراهيم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وما خيار بني أبيك خاصة وأهل الفضل منهم إلا بنو أمهات الأولاد ، ما ولد فيكم بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل من
علي بن الحسين ، وهو لأم ولد ، ولهو خير من جدك
حسن بن حسن ، وما كان فيكم بعده مثل
محمد بن علي ، وجدته أم ولد ، ولهو خير من أبيك ، ولا مثل ابنه
جعفر وجدته أم ولد ، وهو خير منك .
[ ص: 118 ] وأما قولك إنكم بنو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن الله تعالى يقول في كتابه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=40ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ) ولكنكم بنو بنته ، وإنها لقرابة قريبة ، ولكنها لا يجوز لها الميراث ، ولا ترث الولاية ، ولا يجوز لها الإمامة ، فكيف تورث بها ؟ ولقد طلبها أبوك بكل وجه فأخرج
فاطمة نهارا ، ومرضها سرا ، ودفنها ليلا ، فأبى الناس إلا الشيخين ، ولقد جاءت السنة التي لا اختلاف فيها بين المسلمين أن الجد أبا الأم والخال والخالة لا يورثون .
وأما ما فخرت به من
علي وسابقته ، فقد حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوفاة فأمر غيره بالصلاة ثم أخذ الناس رجلا بعد رجل فلم يأخذوه ، وكان في الستة فتركوه كلهم دفعا له عنها ، ولم يروا له حقا فيها .
وأما
عبد الرحمن فقدم عليه
عثمان وهو له متهم ، وقاتله
طلحة والزبير ، وأبى
سعد بيعته فأغلق بابه دونه ، ثم بايع
معاوية بعده ، ثم طلبها بكل وجه وقاتل عليها وتفرق عنه أصحابه وشك فيه شيعته قبل الحكومة ، ثم حكم حكمين رضي بهما ، وأعطاهما عهد الله وميثاقه ، فاجتمعا على خلعه ، ثم كان
حسن فباعها من
معاوية بخرق ودراهم ، ولحق
بالحجاز ، وأسلم شيعته بيد
معاوية ، ودفع الأمر إلى غير أهله ، وأخذ مالا من غير ولائه ولا حله ، فإن كان لكم فيها شيء فقد بعتموه وأخذتم ثمنه .
ثم خرج عمك
حسين على
ابن مرجانة ، فكان الناس معه عليه حتى قتلوه ، وأتوا برأسه إليه ، ثم خرجتم على
بني أمية فقتلوكم وصلبوكم على جذوع النخل ، وأحرقوكم بالنيران ، ونفوكم من البلدان ، حتى قتل
يحيى بن زيد بخراسان ، وقتلوا رجالكم ، وأسروا الصبية والنساء
[ ص: 119 ] وحملوهم بلا وطاء في المحامل كالسبي المجلوب إلى
الشام .
حتى خرجنا عليهم فطلبنا بثأركم ، وأدركنا بدمائكم ، وأورثناكم أرضهم وديارهم ، وسنينا سلفكم وفضلناه ، فاتخذت ذلك علينا حجة ، وظننت أنا إنما ذكرنا أباك للتقدمة منا له على
حمزة والعباس وجعفر ، وليس ذلك كما ظننت ، ولكن خرج هؤلاء من الدنيا سالمين متسلما منهم ، مجتمعا عليهم بالفضل ، وابتلي أبوك بالقتال والحرب ، وكانت
بنو أمية تلعنه كما تلعن الكفرة في الصلاة المكتوبة ، فاحتججنا [ له ] وذكرناهم فضله وعنفناهم وظلمناهم بما نالوا منه .
فلقد علمت أن مكرمتنا في الجاهلية سقاية الحاج الأعظم ، وولاية زمزم ، فصارت
للعباس من بين إخوته ، فنازعنا فيها أبوك فقضى لنا عليه
عمر ، فلم نزل نليها في الجاهلية والإسلام ، ولقد قحط
أهل المدينة فلم يتوسل
عمر إلى ربه ولم يتقرب إليه إلا بأبينا حتى نعشهم الله ، وسقاهم الغيث وأبوك حاضر لم يتوسل به ، ولقد علمت أنه لم يبق أحد من
بني عبد المطلب بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - غيره فكانت وراثة من عمومته ، ثم طلب هذا الأمر غير واحد من
بني هاشم فلم ينله إلا ولده ، فالسقاية سقايته ، وميراث النبي له ، والخلافة في ولده ، فلم يبق شرف ولا فضل في جاهلية ولا إسلام في الدنيا والآخرة إلا
والعباس وارثه مورثه .
وأما ما ذكرت من
بدر ، فإن الإسلام جاء
والعباس يمون
أبا طالب وعياله ، وينفق عليهم للأزمة التي أصابته ، ولولا أن
العباس أخرج إلى
بدر كارها لمات
طالب وعقيل جوعا ، وللحسا جفان
عتبة وشيبة ، ولكنه كان من
المطعمين فأذهب عنكم العار والسبة وكفاكم النفقة والمئونة ، ثم فدى
عقيلا يوم
بدر ، فكيف تفخر علينا وقد علناكم في الكفر وفديناكم [ من الأسر ] وحزنا عليكم مكارم الآباء ، وورثنا دونكم
[ ص: 120 ] خاتم الأنبياء ، وطلبنا بثأركم فأدركنا منه ما عجزتم عنه ، ولم تدركوا لأنفسكم ! والسلام عليكم ورحمة الله .
فكان
محمد قد استعمل
محمد بن الحسن بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب على
مكة ،
والقاسم بن إسحاق على
اليمن ،
وموسى بن عبد الله على
الشام ، فأما
محمد بن الحسن والقاسم فسارا إلى
مكة ، فخرج إليهما
السري بن عبد الله عامل
المنصور على
مكة فلقيهما
ببطن أذاخر فهزماه .
ودخل
محمد مكة وأقام بها يسيرا ، فأتاه كتاب
محمد بن عبد الله يأمره بالمسير إليه فيمن معه ويخبره بمسير
nindex.php?page=showalam&ids=16752عيسى بن موسى إليه ليحاربه ، فسار إليه من
مكة هو
والقاسم ، فبلغه بنواحي
قديد قتل
محمد ، فهرب هو وأصحابه وتفرقوا .
فلحق
محمد بن الحسن بإبراهيم فأقام عنده حتى قتل
إبراهيم ، واختفى
القاسم بالمدينة حتى أخذت له ابنة
عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر - امرأة
عيسى - الأمان له ولإخوته
معاوية وغيره .
وأما
موسى بن عبد الله فسار نحو
الشام ومعه
رزام مولى محمد بن خالد القسري ، فانسل منه
رزام وسار إلى
المنصور برسالة من مولاه
محمد القسري ، فظهر
محمد بن عبد الله على ذلك ، فحبس
محمدا القسري ، ووصل
موسى إلى
الشام فرأى منهم سوء رد عليه وغلظة ، فكتب إليه
محمد : أخبرك أني لقيت
الشام وأهله ، فكان أحسنهم قولا الذي قال : والله لقد مللنا البلاء وضقنا حتى ما فينا لهذا الأمر موضع ولا بنا به حاجة ، ومنهم طائفة تحلف لئن أصبحنا من ليلتنا وأمسينا من غد ليرفعن أمرنا ، فكتبت إليك وقد غيبت وجهي ، وخفت على نفسي . ثم رجع إلى
المدينة .
وقيل : أتى
البصرة وأرسل صاحبا له يشتري له طعاما ، فاشتراه وجاء به على حمال أسود فأدخله الدار التي سكنها وخرج ، فلم يكن بأسرع من أن كبست الدار وأخذ
موسى وابنه
عبد الله وغلامه ، فأخذوا وحملوا إلى
محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس .
فلما رأى
موسى قال : لا قرب الله قرابتكم ، ولا حيا وجوهكم ! تركت البلاد كلها إلا بلدا أنا فيه ، فإن وصلت أرحامكم أغضبت أمير المؤمنين ، وإن أطعته قطعت
[ ص: 121 ] أرحامكم .
ثم أرسلهم إلى
المنصور ، فأمر فضرب
موسى وابنه كل واحد خمسمائة سوط ، فلم يتأوهوا . فقال
المنصور : أعذرت أهل الباطل في صبرهم ، فما بال هؤلاء ؟ فقال
موسى : أهل الحق أولى بالصبر . ثم أخرجهم وأمر بهم فسجنوا .
(
خبيب بن ثابت : بالخاء المعجمة المضمومة ، وببائين موحدتين وبينهما ياء مثناة من تحتها ) .
[ ص: 109 ] 145
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=33800ظُهُورِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَ ظُهُورُ
nindex.php?page=showalam&ids=16989مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِبْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِالْمَدِينَةِ ، لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ ، وَقِيلَ : رَابِعَ عَشَرَ شَهْرِ رَمَضَانَ . وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَخْبَارَهُ وَتَبِعَتَهُ وَحَمْلَ
الْمَنْصُورِ أَهْلَهُ إِلَى
الْعِرَاقِ .
فَلَمَّا حَمَلَهُمْ وَسَارَ بِهِمْ رَدَّ
رِيَاحًا إِلَى
الْمَدِينَةِ أَمِيرًا عَلَيْهَا ، فَأَلَحَّ فِي طَلَبِ
مُحَمَّدٍ وَضَيَّقَ عَلَيْهِ ، وَطَلَبَهُ حَتَّى سَقَطَ ابْنُهُ فَمَاتَ ، وَأَرْهَقَهُ الطَّلَبُ يَوْمًا ، فَتَدَلَّى فِي بِئْرٍ
بِالْمَدِينَةِ يُنَاوِلُ أَصْحَابَهُ الْمَاءَ ، وَانْغَمَسَ فِي الْمَاءِ إِلَى حَلْقِهِ ، وَكَانَ بَدَنُهُ لَا يَخْفَى لِعِظَمِهِ ، وَبَلَغَ
رِيَاحًا خَبَرُ
مُحَمَّدٍ وَأَنَّهُ
بِالْمَذَارِ ، فَرَكِبَ نَحْوَهُ فِي جُنْدِهِ ، فَتَنَحَّى
مُحَمَّدٌ عَنْ طَرِيقِهِ وَاخْتَفَى فِي
دَارِ الْجُهَنِيَّةِ ، فَحَيْثُ لَمْ يَرَهُ
رِيَاحٌ رَجَعَ إِلَى دَارِ
مَرْوَانَ .
وَكَانَ الَّذِي أَعْلَمَ
رِيَاحًا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ .
فَلَمَّا اشْتَدَّ الطَّلَبُ
بِمُحَمَّدٍ خَرَجَ قَبْلَ وَقْتِهِ الَّذِي وَاعَدَ أَخَاهُ
إِبْرَاهِيمَ عَلَى الْخُرُوجِ فِيهِ .
وَقِيلَ : بَلْ خَرَجَ
مُحَمَّدٌ لِمِيعَادِهِ مَعَ أَخِيهِ ، وَإِنَّمَا أَخُوهُ تَأَخَّرَ لِجُدَرِيٍّ لَحِقَهُ ، وَكَانَ
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي ذِئْبٍ ،
وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ يَقُولَانِ
لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : مَا تَنْتَظِرُ بِالْخُرُوجِ ! فَوَاللَّهِ مَا عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ أَشْأَمُ مِنْكَ . اخْرُجْ وَلَوْ وَحْدَكَ . فَتَحَرَّكَ بِذَلِكَ أَيْضًا .
وَأَتَى
رِيَاحًا الْخَبَرُ أَنَّ
مُحَمَّدًا خَارِجٌ اللَّيْلَةَ ، فَأَحْضَرَ
مُحَمَّدَ بْنَ عِمْرَانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ [ ص: 110 ] مُحَمَّدٍ قَاضِيَ
الْمَدِينَةِ ،
وَالْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَغَيْرَهُمَا عِنْدَهُ ، فَصَمَتَ طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : يَا أَهْلَ
الْمَدِينَةِ ، أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَطْلُبُ
مُحَمَّدًا فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا وَهُوَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ، وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَئِنْ خَرَجَ لَأَقْتُلَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ! .
وَقَالَ
لِمُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانِ : أَنْتَ قَاضِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَادْعُ عَشِيرَتَكَ ، وَأَرْسِلْ لِتَجْمَعَ
بَنِي زُهْرَةَ ، فَأَرْسَلَ فَجَاءُوا فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ فَأَجْلَسَهُمْ بِالْبَابِ ، فَأَرْسَلَ فَأَخَذَ نَفَرًا مِنَ
الْعَلَوِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ ، فِيهِمْ :
nindex.php?page=showalam&ids=15639جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ،
وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ،
وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، وَرِجَالٌ مِنْ
قُرَيْشٍ فِيهِمْ
إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَابْنُهُ
خَالِدٌ .
فَبَيْنَمَا هُمْ عِنْدَهُ إِذْ ظَهَرَ
مُحَمَّدٌ ، فَسَمِعُوا التَّكْبِيرَ ، فَقَالَ
ابْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ الْمُرِّيُّ : أَطِعْنِي فِي هَؤُلَاءِ وَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ . فَقَالَ لَهُ
الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ : وَاللَّهِ مَا ذَاكَ إِلَيْكَ ، إِنَّا لَعَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ .
وَأَقْبَلَ
مُحَمَّدٌ مِنَ
الْمَذَارِ فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا ، فَأَتَى فِي
بَنِي سَلِمَةَ بِهَؤُلَاءِ تَفَاؤُلًا بِالسَّلَامَةِ ، وَقَصَدَ السِّجْنَ فَكَسَرَ بَابَهُ وَأَخْرَجَ مَنْ فِيهِ ، وَكَانَ فِيهِمْ
مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ ،
وَابْنُ أَخِي النُّذَيْرِ بْنِ يَزِيدَ وَرِزَامٌ ، فَأَخْرَجَهُمْ وَجَعَلَ عَلَى الرَّجَّالَةِ
خَوَّاتَ بْنَ بُكَيْرِ بْنِ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَأَتَى
دَارَ الْإِمَارَةِ وَهُوَ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ : لَا تَقْتُلُوا إِلَّا يَقْتُلُوا .
فَامْتَنَعَ مِنْهُمْ
رِيَاحٌ ، فَدَخَلُوا مِنْ بَابِ الْمَقْصُورَةِ ، وَأَخَذُوا
رِيَاحًا أَسِيرًا وَأَخَاهُ
عَبَّاسًا ،
وَابْنَ مُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ الْمُرِّيَّ فَحَبَسَهُمْ فِي
دَارِ الْإِمَارَةِ .
ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَ النَّاسَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِ هَذَا الطَّاغِيَةِ عَدُوِّ اللَّهِ
أَبِي جَعْفَرٍ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكُمْ مِنْ بِنَائِهِ الْقُبَّةَ الْخَضْرَاءَ الَّتِي بَنَاهَا مُعَانَدَةً لِلَّهِ فِي مُلْكِهِ ، وَتَصْغِيرًا
لِلْكَعْبَةِ الْحَرَامِ ، وَإِنَّمَا أَخَذَ اللَّهُ
فِرْعَوْنَ حِينَ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ، وَإِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِالْقِيَامِ فِي هَذَا الدِّينِ أَبْنَاءُ
[ ص: 111 ] الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الْمُوَاسِينَ ، اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ قَدْ أَحَلُّوا حَرَامَكَ وَحَرَّمُوا حَلَالَكَ ، وَآمَنُوا مَنْ أَخَفْتَ وَأَخَافُوا مَنْ آمَنْتَ ! اللَّهُمَّ فَأَحْصِهِمْ عَدَدًا ، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا ، وَلَا تُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ! أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنِّي وَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ [ مِنْ ] بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ وَأَنْتُمْ عِنْدِي أَهْلُ قُوَّةٍ وَلَا شِدَّةٍ ، وَلَكِنِّي اخْتَرْتُكُمْ لِنَفْسِي ! وَاللَّهِ مَا جِئْتُ هَذِهِ وَفِي الْأَرْضِ مِصْرٌ يُعْبَدُ اللَّهُ فِيهِ إِلَّا وَقَدْ أُخِذَ لِي فِيهِ الْبَيْعَةُ !
وَكَانَ
الْمَنْصُورُ يَكْتُبُ إِلَى
مُحَمَّدٍ عَلَى أَلْسُنِ قُوَّادِهِ يَدْعُونَهُ إِلَى الظُّهُورِ وَيُخْبِرُونَهُ أَنَّهُمْ مَعَهُ ، فَكَانَ
مُحَمَّدٌ يَقُولُ : لَوِ الْتَقَيْنَا مَالَ إِلَيَّ الْقُوَّادُ كُلُّهُمْ .
وَاسْتَوْلَى
مُحَمَّدٌ عَلَى
الْمَدِينَةِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا
عُثْمَانَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، وَعَلَى قَضَائِهَا :
عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيَّ ، وَعَلَى بَيْتِ السِّلَاحِ :
nindex.php?page=showalam&ids=16379عَبْدَ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيَّ ، وَعَلَى الشُّرَطِ :
أَبَا الْقَلَمَّسِ عُثْمَانَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَعَلَى دِيوَانِ الْعَطَاءِ :
nindex.php?page=showalam&ids=15176عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، وَقِيلَ : كَانَ عَلَى شُرَطِهِ :
عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ فَعَزَلَهُ .
وَأَرْسَلَ
مُحَمَّدٌ إِلَى
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : إِنِّي كُنْتُ لَأَظُنُّكَ سَتَنْصُرُنَا وَتَقُومُ مَعَنَا . فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ وَقَالَ : أَفْعَلُ ، ثُمَّ انْسَلَّ مِنْهُ وَأَتَى
مَكَّةَ . وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ
مُحَمَّدٍ أَحَدٌ مِنْ وُجُوهِ النَّاسِ إِلَّا نَفَرٌ ، مِنْهُمْ :
الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ حِزَامٍ ،
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ،
وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ،
وَخُبَيْبُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ .
وَكَانَ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَدِ اسْتَفْتَوْا
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ فِي الْخُرُوجِ مَعَ
مُحَمَّدٍ وَقَالُوا : إِنَّ فِي أَعْنَاقِنَا بَيْعَةً
لِأَبِي جَعْفَرٍ ، فَقَالَ : إِنَّمَا بَايَعْتُمْ مُكْرَهِينَ ، وَلَيْسَ عَلَى مُكْرَهٍ يَمِينٌ . فَأَسْرَعَ النَّاسُ إِلَى
مُحَمَّدٍ وَلَزِمَ
مَالِكٌ بَيْتَهُ .
فَأَرْسَلَ
مُحَمَّدٌ إِلَى
إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا ،
[ ص: 112 ] فَدَعَاهُ إِلَى بَيْعَتِهِ ، فَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي أَنْتَ وَاللَّهِ مَقْتُولٌ فَكَيْفَ أُبَايِعُكَ ؟ فَارْتَدَعَ النَّاسُ عَنْهُ قَلِيلًا .
وَكَانَ
بَنُو مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَدْ أَسْرَعُوا إِلَى
مُحَمَّدٍ ، فَأَتَتْ
حَمَّادَةُ بِنْتُ مُعَاوِيَةَ إِلَى
إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَتْ لَهُ : يَا عَمِّ إِنَّ إِخْوَتِي قَدْ أَسْرَعُوا إِلَى ابْنِ خَالِهِمْ ، وَإِنَّكَ إِنْ قُلْتَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ ثَبَّطْتَ النَّاسَ عَنْهُ ، فَيُقْتَلُ ابْنُ خَالِي وَإِخْوَتِي . فَأَبَى
إِسْمَاعِيلُ إِلَّا النَّهْيَ عَنْهُ .
فَيُقَالُ : إِنَّ
حَمَّادَةَ عَدَتْ عَلَيْهِ فَقَتَلَتْهُ ، فَأَرَادَ
مُحَمَّدٌ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فَمَنَعَهُ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَقَالَ : أَتَأْمُرُ بِقَتْلِ أَبِي وَتُصَلِّي عَلَيْهِ ؟ فَنَحَّاهُ الْحَرَسُ وَصَلَّى عَلَيْهِ
مُحَمَّدٌ .
وَلَمَّا ظَهَرَ
مُحَمَّدٌ كَانَ
مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْقَسْرِيُّ بِالْمَدِينَةِ فِي حَبْسِ
رِيَاحٍ فَأَطْلَقَهُ .
وَقَالَ
ابْنُ خَالِدٍ : فَلَمَّا سَمِعْتُ دَعْوَتَهُ الَّتِي دَعَا إِلَيْهَا عَلَى الْمِنْبَرِ قُلْتُ : هَذِهِ دَعْوَةُ حَقٍّ ، وَاللَّهِ لَأُبْلِيَنَّ لِلَّهِ فِيهَا بَلَاءً حَسَنًا . فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّكَ قَدْ خَرَجْتَ بِهَذَا الْبَلَدِ ، وَاللَّهِ لَوْ وَقَفَ عَلَى نَقْبٍ مِنْ أَنْقَابِهِ أَحَدٌ لَمَاتَ أَهْلُهُ جُوعًا وَعَطَشًا ، فَانْهَضْ مَعِي فَإِنَّمَا هِيَ عَشْرٌ حَتَّى أَضْرِبَهُ بِمِائَةِ أَلْفِ سَيْفٍ .
فَأَبَى عَلَيَّ ، فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إِذْ قَالَ : مَا وَجَدْنَا مِنْ خَيْرِ الْمَتَاعِ شَيْئًا أَجْوَدَ مِنْ شَيْءٍ وَجَدْنَاهُ عِنْدَ
ابْنِ أَبِي فَرْوَةَ خَتَنِ
أَبِي الْخَصِيبِ ، وَكَانَ انْتَبَهَ ، قَالَ : فَقُلْتُ : أَلَا أَرَاكَ قَدْ أَبْصَرْتَ خَيْرَ الْمَتَاعِ ! فَكَتَبْتُ إِلَى
الْمَنْصُورِ فَأَخْبَرْتُهُ بِقِلَّةِ مَنْ مَعَهُ ، فَأَخَذَنِي
مُحَمَّدٌ فَحَبَسَنِي حَتَّى أَطْلَقَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=16752عِيسَى بْنُ مُوسَى بَعْدَ قَتْلِهِ بِأَيَّامٍ .
وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ
آلِ أُوَيْسِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ الْعَامِرِيِّ ،
عَامِرُ بْنُ لُؤَيٍّ ، اسْمُهُ
الْحُسَيْنُ بْنُ صَخْرٍ بِالْمَدِينَةِ لَمَّا ظَهَرَ
مُحَمَّدٌ ، فَسَارَ مِنْ سَاعَتِهِ إِلَى
الْمَنْصُورِ فَبَلَغَهُ فِي تِسْعَةِ أَيَّامٍ ، فَقَدِمَ لَيْلًا ، فَقَامَ عَلَى أَبْوَابِ
الْمَدِينَةِ فَصَاحَ حَتَّى عَلِمُوا بِهِ وَأَدْخَلُوهُ ، فَقَالَ
الرَّبِيعُ : مَا حَاجَتُكَ هَذِهِ السَّاعَةَ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ نَائِمٌ ؟ قَالَ : لَا بُدَّ لِي مِنْهُ .
فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ خَرَجَ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِالْمَدِينَةِ ! قَالَ : قَتَلْتَهُ وَاللَّهِ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا ، أَخْبِرْنِي مَنْ مَعَهُ . فَسَمَّى لَهُ مَنْ مَعَهُ مِنْ وُجُوهِ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ . قَالَ : أَنْتَ رَأَيْتَهُ وَعَايَنْتَهُ ؟ قَالَ : أَنَا رَأَيْتُهُ وَعَايَنْتُهُ وَكَلَّمْتُهُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسًا ، فَأَدْخَلَهُ
أَبُو [ ص: 113 ] جَعْفَرٍ بَيْتًا ، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ رَسُولٌ
لِسَعِيدِ بْنِ دِينَارٍ غُلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=16752عِيسَى بْنِ مُوسَى يَلِي أَمْوَالَهُ
بِالْمَدِينَةِ فَأَخْبَرَهُ بِأَمْرِ
مُحَمَّدٍ ، وَتَوَاتَرَتْ عَلَيْهِ أَخْبَارُهُ ، فَأَخْرَجَ
الْأُوَيْسِيَّ ، فَقَالَ : لَأُوَطِّئِنَّ الرِّجَالَ عَقِبَيْكَ وَلَأُغْنِيَنَّكَ ! فَأَمَرَ لَهُ بِتِسْعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ لِكُلِّ لَيْلَةٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ .
وَأَشْفَقَ مِنْ
مُحَمَّدٍ ، فَقَالَ لَهُ
الْحَارِثِيُّ الْمُنَجِّمُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَا يُجْزِعُكَ مِنْهُ ؟ وَاللَّهِ لَوْ مَلَكَ الْأَرْضَ مَا لَبِثَ إِلَّا تِسْعِينَ يَوْمًا .
فَأَرْسَلَ
الْمَنْصُورُ إِلَى عَمِّهِ
nindex.php?page=showalam&ids=16451عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ ، وَهُوَ مَحْبُوسٌ : إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ خَرَجَ فَإِنْ كَانَ عِنْدَكَ رَأْيٌ فَأَشِرْ بِهِ عَلَيْنَا ، وَكَانَ ذَا رَأْيٍ عِنْدَهُمْ ، فَقَالَ : إِنَّ الْمَحْبُوسَ مَحْبُوسُ الرَّأْيِ . فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ
الْمَنْصُورُ : لَوْ جَاءَنِي حَتَّى يَضْرِبَ بَابِي مَا أَخْرَجْتُكَ ، وَأَنَا خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ ، وَهُوَ مَلِكُ أَهْلِ بَيْتِكَ .
فَأَعَادَ عَلَيْهِ
عَبْدُ اللَّهِ : ارْتَحِلِ السَّاعَةَ حَتَّى تَأْتِيَ
الْكُوفَةَ فَاجْثُمْ عَلَى أَكْبَادِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ شِيعَةُ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ وَأَنْصَارُهُمْ ، ثُمَّ احْفُفْهَا بِالْمَسَالِحِ ، فَمَنْ خَرَجَ مِنْهَا إِلَى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ أَوْ أَتَاهَا مِنْ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ ، وَابْعَثْ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16019سَلْمِ بْنِ قُتَيْبَةَ يَنْحَدِرُ إِلَيْكَ ، وَكَانَ
بِالرَّيِّ ، وَاكْتُبْ إِلَى
أَهْلِ الشَّامِ فَمُرْهُمْ أَنْ يَحْمِلُوا إِلَيْكَ مِنْ أَهْلِ الْبَأْسِ وَالنَّجْدَةِ مَا حَمَلَ الْبَرِيدُ فَأَحْسِنْ جَوَائِزَهُمْ وَوَجِّهْهُمْ مَعَ سَلْمٍ . فَفَعَلَ .
وَقِيلَ : أَرْسَلَ
الْمَنْصُورُ إِلَى
عَبْدِ اللَّهِ مَعَ إِخْوَتِهِ يَسْتَشِيرُونَهُ فِي أَمْرِ
مُحَمَّدٍ ، وَقَالَ لَهُمْ : لَا يَعْلَمُ
عَبْدُ اللَّهِ أَنِّي أَرْسَلْتُكُمْ إِلَيْهِ . فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالَ : لِأَمْرٍ مَا جِئْتُمْ ، مَا جَاءَ بِكُمْ جَمِيعًا وَقَدْ هَجَرْتُمُونِي مُذْ دَهْرٍ ؟ قَالُوا : إِنَّا اسْتَأْذَنَّا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَأَذِنَ لَنَا . قَالَ : لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ ، فَمَا الْخَبَرُ ؟ قَالُوا : خَرَجَ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ . قَالَ : فَمَا تَرَوْنَ
ابْنَ سَلَّامَةَ صَانِعًا ؟ يَعْنِي
الْمَنْصُورَ . قَالُوا : لَا نَدْرِي وَاللَّهِ . قَالَ : إِنَّ الْبُخْلَ قَدْ قَتَلَهُ ، فَمُرُوهُ فَلْيُخْرِجِ الْأَمْوَالَ وَلْيُعْطِ الْأَجْنَادَ ، فَإِنْ غَلَبَ فَمَا أَسْرَعَ مَا يَعُودُ إِلَيْهِ مَالُهُ ، وَإِنْ غُلِبَ لَمْ يَقْدَمْ صَاحِبُهُ عَلَى دِينَارٍ وَلَا دِرْهَمٍ .
وَلَمَّا وَرَدَ الْخَبَرُ عَلَى
الْمَنْصُورِ بِخُرُوجِ
مُحَمَّدٍ كَانَ
الْمَنْصُورُ قَدْ خَطَّ
مَدِينَةَ بَغْدَادَ بِالْقَصَبِ ، فَسَارَ إِلَى
الْكُوفَةِ وَمَعَهُ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمِدَادِ ، ، فَقَالَ لَهُ
[ ص: 114 ] الْمَنْصُورُ : إِنَّ
مُحَمَّدًا قَدْ خَرَجَ
بِالْمَدِينَةِ . فَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ : هَلَكَ وَأَهْلَكَ ، خَرَجَ فِي غَيْرِ عُدَدٍ وَلَا رِجَالٍ .
حَدَّثَنِي
سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَعْدَةَ الْمَخْزُومِيُّ قَالَ : كُنْتُ مَعَ
مَرْوَانَ يَوْمَ الزَّابِ وَاقِفًا ، فَقَالَ لِي
مَرْوَانُ : مَنْ هَذَا الَّذِي يُقَاتِلُنِي ؟ قُلْتُ :
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ . قَالَ : وَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يُقَاتِلُنِي مَكَانَهُ ، إِنَّ
عَلِيًّا وَوَلَدَهُ لَا حَظَّ لَهُمْ فِي هَذَا الْأَمْرِ ، وَهَلْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ مِنْ
بَنِي هَاشِمٍ وَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ مَعَهُ رِيحُ
الشَّامِ وَنَصْرُ
الشَّامِ ؟ يَا
ابْنَ جَعْدَةَ أَتَدْرِي مَا حَمَلَنِي أَنْ عَقَدْتُ
لِعَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بَعْدِي وَتَرَكْتُ
عَبْدَ الْمَلِكِ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ ؟ قَالَ
ابْنُ جَعْدَةَ : لَا . قَالَ : وَجَدْتُ الَّذِي يَلِي هَذَا الْأَمْرَ
عَبْدَ اللَّهِ وَعُبَيْدَ اللَّهِ ، وَكَانَ
عُبَيْدُ اللَّهِ أَقْرَبَ إِلَى
عَبْدِ اللَّهِ مِنْ
عَبْدِ الْمَلِكِ ، فَعَقَدْتُ لَهُ ، فَاسْتَخْلَفَهُ
الْمَنْصُورُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ ، فَحَلَفَ لَهُ ، فَسُرِّيَ عَنْهُ .
وَلَمَّا بَلَغَ
الْمَنْصُورَ خَبَرُ ظُهُورِ
مُحَمَّدٍ قَالَ
لِأَبِي أَيُّوبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ : هَلْ مِنْ رَجُلٍ تَعْرِفَانِهِ بِالرَّأْيِ يَجْمَعُ رَأْيَهُ إِلَى رَأْيِنَا ؟ قَالَا :
بِالْكُوفَةِ بُدَيْلُ بْنُ يَحْيَى ، وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=14485السَّفَّاحُ يُشَاوِرُهُ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ : إِنَّ
مُحَمَّدًا قَدْ ظَهَرَ
بِالْمَدِينَةِ . قَالَ : فَاشْحَنِ
الْأَهْوَازَ بِالْجُنُودِ . قَالَ : إِنَّهُ ظَهَرَ
بِالْمَدِينَةِ ! قَالَ : قَدْ فَهِمْتُ وَإِنَّمَا
الْأَهْوَازُ الْبَابُ الَّذِي تُؤْتَوْنَ مِنْهُ . فَلَمَّا ظَهَرَ
إِبْرَاهِيمُ بِالْبَصْرَةِ قَالَ لَهُ
الْمَنْصُورُ ذَلِكَ ، قَالَ : فَعَاجِلْهُ بِالْجُنُودِ وَاشْغَلِ
الْأَهْوَازَ عَلَيْهِ .
وَشَاوَرَ
الْمَنْصُورُ أَيْضًا
جَعْفَرَ بْنَ حَنْظَلَةَ الْبَهْرَانِيَّ عِنْدَ ظُهُورِ
مُحَمَّدٍ ، فَقَالَ : وَجِّهِ الْجُنُودَ إِلَى
الْبَصْرَةِ . قَالَ : انْصَرِفْ حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكَ . فَلَمَّا صَارَ
إِبْرَاهِيمُ إِلَى
الْبَصْرَةِ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ ، فَقَالَ : إِنِّي خِفْتُ بَادِرَةَ الْجُنُودِ . قَالَ : وَكَيْفَ خِفْتَ
الْبَصْرَةَ ؟ قَالَ : لِأَنَّ
مُحَمَّدًا ظَهَرَ
بِالْمَدِينَةِ وَلَيْسُوا أَهْلَ الْحَرْبِ ، بِحَسْبِهِمْ أَنْ يُقِيمُوا شَأْنَ أَنْفُسِهِمْ ،
وَأَهْلُ الْكُوفَةِ تَحْتَ قَدَمِكَ ،
وَأَهْلُ الشَّامِ أَعْدَاءُ
آلِ أَبِي طَالِبٍ ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا
الْبَصْرَةُ .
ثُمَّ إِنَّ
الْمَنْصُورَ كَتَبَ إِلَى
مُحَمَّدٍ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ) الْآيَتَيْنِ ، وَلَكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ ، وَذِمَّةُ رَسُولِهِ أَنْ أُؤَمِّنَكَ ، وَجَمِيعَ وَلَدِكِ ، وَإِخْوَتَكَ ، وَأَهْلَ بَيْتِكِ وَمَنِ اتَّبَعَكُمْ عَلَى دِمَائِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَأُسَوِّغُكَ
[ ص: 115 ] مَا أَصَبْتَ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ ، وَأُعْطِيكَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَمَا سَأَلْتَ مِنَ الْحَوَائِجِ ، وَأُنْزِلُكَ مِنَ الْبِلَادِ حَيْثُ شِئْتَ ، وَأَنْ أُطْلِقَ مَنْ فِي حَبْسِي مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ .
وَأَنْ أُؤَمِّنَ كُلَّ مَنْ جَاءَكَ وَبَايَعَكَ وَاتَّبَعَكَ أَوْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِكَ ثُمَّ لَا أَتَّبِعُ أَحَدًا مِنْهُمْ بِشَيْءٍ كَانَ مِنْهُ أَبَدًا ، فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَتَوَثَّقَ لِنَفْسِكَ فَوَجِّهْ إِلَيَّ مَنْ أَحْبَبْتَ يَأْخُذُ لَكَ مِنَ الْأَمَانِ وَالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ مَا تَتَوَثَّقُ بِهِ ، وَالسَّلَامُ .
فَكَتَبَ إِلَيْهِ
مُحَمَّدٌ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=1طسم nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=2تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=3نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) إِلَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=6يَحْذَرُونَ ) وَأَنَا أَعْرِضُ عَلَيْكَ مِنَ الْأَمَانِ مِثْلَ مَا عَرَضْتَ عَلَيَّ ، فَإِنَّ الْحَقَّ حَقُّنَا وَإِنَّمَا ادَّعَيْتُمْ هَذَا الْأَمْرَ بِنَا وَخَرَجْتُمْ لَهُ بِشِيعَتِنَا وَحَظِيتُمْ بِفَضْلِهِ ، فَإِنَّ أَبَانَا
عَلِيًّا كَانَ الْوَصِيَّ وَكَانَ الْإِمَامَ ، فَكَيْفَ وَرِثْتُمْ وِلَايَتَهُ ، وَوَلَدُهُ أَحْيَاءٌ ؟
ثُمَّ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَمْ يَطْلُبِ الْأَمْرَ أَحَدٌ لَهُ مِثْلُ نَسَبِنَا وَشَرَفِنَا وَحَالِنَا وَشَرَفِ آبَائِنَا ، لَسْنَا مِنْ أَبْنَاءِ اللُّعَنَاءِ وَلَا الطُّرَدَاءِ وَلَا الطُّلَقَاءِ ، وَلَيْسَ يَمُتُّ أَحَدٌ مِنْ
بَنِي هَاشِمٍ بِمِثْلِ الَّذِي نَمُتُّ بِهِ مِنَ الْقُرَابَةِ وَالسَّابِقَةِ وَالْفَضْلِ ، وَإِنَّا بَنُو أُمِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَاطِمَةَ بِنْتِ
عَمْرٍو فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَبَنُو بِنْتِهِ
فَاطِمَةَ فِي الْإِسْلَامِ دُونَكُمْ .
إِنَّ اللَّهِ اخْتَارَنَا وَاخْتَارَ لَنَا ، فَوَالِدُنَا مِنَ النَّبِيِّينَ
مُحَمَّدٌ أَفْضَلُهُمْ ، وَمِنَ السَّلَفِ أَوَّلُهُمْ إِسْلَامًا
عَلِيٌّ ، وَمِنَ الْأَزْوَاجِ أَفْضَلُهُنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=10640خَدِيجَةُ الطَّاهِرَةُ وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى [ إِلَى ] الْقِبْلَةِ ، وَمِنَ الْبَنَاتِ خَيْرُهُنَّ
فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَأَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَمِنَ الْمَوْلُودِينَ فِي الْإِسْلَامِ
حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ
هَاشِمًا وَلَدَ
عَلِيًّا مَرَّتَيْنِ ، وَإِنَّ
عَبْدَ الْمُطَّلِبِ وَلَدَ
حَسَنًا مَرَّتَيْنِ ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَدَنِي مَرَّتَيْنِ مِنْ قِبَلِ
حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ .
وَإِنِّي أَوْسَطُ
بَنِي هَاشِمٍ نَسَبًا وَأَصْرَحُهُمْ أَبًا ، لَمْ تُعَرِّقْ فِيَّ
الْعَجَمُ ، وَلَمْ تُنَازِعْ فِيَّ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ ، فَمَا زَالَ اللَّهُ يَخْتَارُ لِي الْآبَاءَ ،
[ ص: 116 ] وَالْأُمَّهَاتِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ حَتَّى اخْتَارَ لِي فِي الْأَشْرَارِ ، ( فَأَنَا ابْنُ أَرْفَعِ النَّاسِ دَرَجَةً فِي الْجَنَّةِ ، وَأَهْوَنِهِمْ عَذَابًا فِي النَّارِ ) ، وَلَكَ اللَّهُ عَلَيَّ إِنْ دَخَلْتَ فِي طَاعَتِي وَأَجَبْتَ دَعْوَتِي أَنْ أُؤَمِّنَكَ عَلَى نَفْسِكَ وَمَالِكَ وَعَلَى كُلِّ أَمْرٍ أَحْدَثْتَهُ إِلَّا حَدًّا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ أَوْ حَقًّا لِمُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهِدٍ ، فَقَدْ عَلِمْتَ مَا يَلْزَمُنِي مِنْ ذَلِكَ .
وَأَنَا أَوْلَى بِالْأَمْرِ مِنْكَ وَأَوْفَى بِالْعَهْدِ ، لِأَنَّكَ أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْأَمَانِ وَالْعَهْدِ مَا أَعْطَيْتَهُ رِجَالًا قَبْلِي ، فَأَيُّ الْأَمَانَاتِ تُعْطِينِي ؟ أَمَانُ
ابْنِ هُبَيْرَةَ ، أَمْ أَمَانُ عَمِّكَ
nindex.php?page=showalam&ids=16451عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ ، أَمْ أَمَانُ
أَبِي مُسْلِمٍ ؟
فَلَمَّا وَرَدَ كِتَابُهُ عَلَى
الْمَنْصُورِ قَالَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11809أَبُو أَيُّوبَ الْمُورِيَانِيُّ : دَعْنِي أُجِبْهُ عَلَيْهِ . قَالَ : لَا إِذَا تَقَارَعْنَا عَلَى الْأَحْسَابِ ، فَدَعْنِي وَإِيَّاهُ . ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ
الْمَنْصُورُ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي كَلَامُكَ وَقَرَأْتُ كِتَابَكَ ، فَإِذَا جُلُّ فَخْرِكَ بِقَرَابَةِ النِّسَاءِ لِتُضِلَّ بِهِ الْجُفَاةَ وَالْغَوْغَاءَ ، وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ النِّسَاءَ كَالْعُمُومَةِ وَالْآبَاءِ ، وَلَا كَالْعَصَبَةِ وَالْأَوْلِيَاءِ ، لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْعَمَّ أَبًا ، وَبَدَأَ بِهِ فِي كِتَابِهِ عَلَى الْوَالِدَةِ الدُّنْيَا ، وَلَوْ كَانَ اخْتِيَارُ اللَّهِ لَهُنَّ عَلَى قَدْرِ قَرَابَتِهِنَّ كَانَتْ
آمِنَةُ أَقْرَبَهُنَّ رَحِمًا ، وَأَعْظَمَهُنَّ حَقًّا ، وَأَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ، [ غَدًا ] وَلَكِنَّ اخْتِيَارَ اللَّهِ لِخَلْقِهِ عَلَى عِلْمِهِ فِيمَا مَضَى مِنْهُمْ وَاصْطِفَائِهِ لَهُمْ .
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ
فَاطِمَةَ أُمِّ
أَبِي طَالِبٍ وَوِلَادَتِهَا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْزُقْ أَحَدًا مِنْ وَلَدِهَا الْإِسْلَامَ لَا بِنْتًا وَلَا ابْنًا ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا رُزِقَ الْإِسْلَامَ بِالْقَرَابَةِ رُزِقَهُ
عَبْدُ اللَّهِ وَلَكَانَ أَوْلَاهُمْ بِكُلِّ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَلَكِنَّ الْأَمْرَ لِلَّهِ يَخْتَارُ لِدِينِهِ مَنْ يَشَاءُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
[ ص: 117 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=56إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) . وَلَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَهُ عُمُومَةٌ أَرْبَعَةٌ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) فَأَنْذَرَهُمْ وَدَعَاهُمْ ، فَأَجَابَ اثْنَانِ ، أَحَدُهُمَا أَبِي ، وَأَبَى اثْنَانِ ، أَحَدُهُمَا أَبُوكَ ، فَقَطَعَ اللَّهُ وِلَايَتَهُمَا مِنْهُ وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَلَا مِيرَاثًا .
وَزَعَمْتَ أَنَّكَ ابْنُ أَخَفِّ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا وَابْنُ خَيْرِ الْأَشْرَارِ ، وَلَيْسَ فِي الْكُفْرِ بِاللَّهِ صَغِيرٌ ، وَلَا فِي عَذَابِ اللَّهِ خَفِيفٌ وَلَا يَسِيرٌ ، وَلَيْسَ فِي الشَّرِّ خِيَارٌ ، وَلَا يَنْبَغِي لِمُؤْمِنٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ أَنْ يَفْخَرَ بِالنَّارِ ، وَسَتَرِدُ فَتَعْلَمُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=227وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) الْآيَةَ .
وَأَمَّا أَمْرُ
حَسَنٍ وَأَنَّ
عَبْدَ الْمُطَّلِبِ وَلَدَهُ مَرَّتَيْنِ وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَدَكَ مَرَّتَيْنِ ، فَخَيْرُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَلِدْهُ
هَاشِمٌ إِلَّا مَرَّةً ، وَلَا
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلَّا مَرَّةً . وَزَعَمْتَ أَنَّكَ أَوْسَطُ
بَنِي هَاشِمٍ وَأَصْرَحُهُمْ أُمًّا وَأَبًا ، وَأَنَّهُ لَمْ يَلِدْكَ
الْعَجَمُ وَلَمْ تُعَرِّقْ فِيكَ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ ، فَقَدْ رَأَيْتُكَ فَخَرْتَ عَلَى
بَنِي هَاشِمٍ طُرًّا ، فَانْظُرْ ، وَيْحَكَ ، أَيْنَ أَنْتَ مِنَ اللَّهِ غَدًا ! فَإِنَّكَ قَدْ تَعَدَّيْتَ طَوْرَكَ وَفَخَرْتَ عَلَى مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ نَفْسًا وَأَبًا وَأَوْلَادًا وَأَخًا
إِبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَمَا خِيَارُ بَنِي أَبِيكَ خَاصَّةً وَأَهْلُ الْفَضْلِ مِنْهُمْ إِلَّا بَنُو أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ ، مَا وُلِدَ فِيكُمْ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ
عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، وَهُوَ لِأُمِّ وَلَدٍ ، وَلَهُوَ خَيْرٌ مِنْ جَدِّكَ
حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ ، وَمَا كَانَ فِيكُمْ بَعْدَهُ مِثْلُ
مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، وَجَدَّتُهُ أُمُّ وَلَدٍ ، وَلَهُوَ خَيْرٌ مِنْ أَبِيكَ ، وَلَا مِثْلُ ابْنِهِ
جَعْفَرٍ وَجَدَّتُهُ أُمُّ وَلَدٍ ، وَهُوَ خَيْرٌ مِنْكَ .
[ ص: 118 ] وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنَّكُمْ بَنُو رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=40مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ) وَلَكِنَّكُمْ بَنُو بِنْتِهِ ، وَإِنَّهَا لَقَرَابَةٌ قَرِيبَةٌ ، وَلَكِنَّهَا لَا يَجُوزُ لَهَا الْمِيرَاثُ ، وَلَا تَرِثُ الْوِلَايَةَ ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا الْإِمَامَةُ ، فَكَيْفَ تُورَثُ بِهَا ؟ وَلَقَدْ طَلَبَهَا أَبُوكَ بِكُلِّ وَجْهٍ فَأَخْرَجَ
فَاطِمَةَ نَهَارًا ، وَمَرَّضَهَا سِرًّا ، وَدَفَنَهَا لَيْلًا ، فَأَبَى النَّاسُ إِلَّا الشَّيْخَيْنِ ، وَلَقَدْ جَاءَتِ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْجَدَّ أَبَا الْأُمِّ وَالْخَالَ وَالْخَالَةَ لَا يُورَثُونَ .
وَأَمَّا مَا فَخَرْتَ بِهِ مِنْ
عَلِيٍّ وَسَابِقَتِهِ ، فَقَدْ حَضَرَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَفَاةُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ أَخَذَ النَّاسُ رَجُلًا بَعْدَ رَجُلٍ فَلَمْ يَأْخُذُوهُ ، وَكَانَ فِي السِّتَّةِ فَتَرَكُوهُ كُلُّهُمْ دَفْعًا لَهُ عَنْهَا ، وَلَمْ يَرَوْا لَهُ حَقًّا فِيهَا .
وَأَمَّا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَدَّمَ عَلَيْهِ
عُثْمَانَ وَهُوَ لَهُ مُتَّهِمٌ ، وَقَاتَلَهُ
طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ ، وَأَبَى
سَعْدٌ بَيْعَتَهُ فَأَغْلَقَ بَابَهُ دُونَهُ ، ثُمَّ بَايَعَ
مُعَاوِيَةَ بَعْدَهُ ، ثُمَّ طَلَبَهَا بِكُلِّ وَجْهٍ وَقَاتَلَ عَلَيْهَا وَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَشَكَّ فِيهِ شِيعَتُهُ قَبْلَ الْحُكُومَةِ ، ثُمَّ حَكَّمَ حَكَمَيْنِ رَضِيَ بِهِمَا ، وَأَعْطَاهُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ ، فَاجْتَمَعَا عَلَى خَلْعِهِ ، ثُمَّ كَانَ
حَسَنٌ فَبَاعَهَا مِنْ
مُعَاوِيَةَ بِخِرَقٍ وَدَرَاهِمَ ، وَلَحِقَ
بِالْحِجَازِ ، وَأَسْلَمَ شِيعَتَهُ بِيَدِ
مُعَاوِيَةَ ، وَدَفَعَ الْأَمْرَ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ ، وَأَخَذَ مَالًا مِنْ غَيْرِ وَلَائِهِ وَلَا حِلِّهِ ، فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فِيهَا شَيْءٌ فَقَدْ بِعْتُمُوهُ وَأَخَذْتُمْ ثَمَنَهُ .
ثُمَّ خَرَجَ عَمُّكَ
حُسَيْنٌ عَلَى
ابْنِ مَرْجَانَةَ ، فَكَانَ النَّاسُ مَعَهُ عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلُوهُ ، وَأَتَوْا بِرَأْسِهِ إِلَيْهِ ، ثُمَّ خَرَجْتُمْ عَلَى
بَنِي أُمَيَّةَ فَقَتَلُوكُمْ وَصَلَبُوكُمْ عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ ، وَأَحْرَقُوكُمْ بِالنِّيرَانِ ، وَنَفَوْكُمْ مِنَ الْبُلْدَانِ ، حَتَّى قُتِلَ
يَحْيَى بْنُ زَيْدٍ بِخُرَاسَانَ ، وَقَتَلُوا رِجَالَكُمْ ، وَأَسَرُوا الصِّبْيَةَ وَالنِّسَاءَ
[ ص: 119 ] وَحَمَلُوهُمْ بِلَا وِطَاءٍ فِي الْمَحَامِلِ كَالسَّبْيِ الْمَجْلُوبِ إِلَى
الشَّامِ .
حَتَّى خَرَجْنَا عَلَيْهِمْ فَطَلَبْنَا بِثَأْرِكُمْ ، وَأَدْرَكْنَا بِدِمَائِكُمْ ، وَأَوْرَثْنَاكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ ، وَسَنَّيْنَا سَلَفَكُمْ وَفَضَّلْنَاهُ ، فَاتَّخَذْتَ ذَلِكَ عَلَيْنَا حُجَّةً ، وَظَنَنْتَ أَنَّا إِنَّمَا ذَكَرْنَا أَبَاكَ لِلتَّقْدِمَةِ مِنَّا لَهُ عَلَى
حَمْزَةَ وَالْعَبَّاسِ وَجَعْفَرٍ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا ظَنَنْتَ ، وَلَكِنْ خَرَجَ هَؤُلَاءِ مِنَ الدُّنْيَا سَالِمِينَ مُتَسَلَّمًا مِنْهُمْ ، مُجْتَمَعًا عَلَيْهِمْ بِالْفَضْلِ ، وَابْتُلِيَ أَبُوكَ بِالْقِتَالِ وَالْحَرْبِ ، وَكَانَتْ
بَنُو أُمَيَّةَ تَلْعَنُهُ كَمَا تَلْعَنُ الْكَفَرَةَ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ ، فَاحْتَجَجْنَا [ لَهُ ] وَذَكَّرْنَاهُمْ فَضْلَهُ وَعَنَّفْنَاهُمْ وَظَلَمْنَاهُمْ بِمَا نَالُوا مِنْهُ .
فَلَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مَكْرُمَتَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ سِقَايَةُ الْحَاجِّ الْأَعْظَمِ ، وَوِلَايَةُ زَمْزَمَ ، فَصَارَتْ
لِلْعَبَّاسِ مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِهِ ، فَنَازَعَنَا فِيهَا أَبُوكَ فَقَضَى لَنَا عَلَيْهِ
عُمَرُ ، فَلَمْ نَزَلْ نَلِيهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ، وَلَقَدْ قَحَطَ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَلَمْ يَتَوَسَّلْ
عُمَرُ إِلَى رَبِّهِ وَلَمْ يَتَقَرَّبْ إِلَيْهِ إِلَّا بِأَبِينَا حَتَّى نَعَشَهُمُ اللَّهُ ، وَسَقَاهُمُ الْغَيْثَ وَأَبُوكَ حَاضِرٌ لَمْ يُتَوَسَّلْ بِهِ ، وَلَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ
بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُهُ فَكَانَتْ وِرَاثَةٌ مِنْ عُمُومَتِهِ ، ثُمَّ طَلَبَ هَذَا الْأَمْرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ
بَنِي هَاشِمٍ فَلَمْ يَنَلْهُ إِلَّا وَلَدُهُ ، فَالسِّقَايَةُ سِقَايَتُهُ ، وَمِيرَاثُ النَّبِيِّ لَهُ ، وَالْخِلَافَةُ فِي وَلَدِهِ ، فَلَمْ يَبْقَ شَرَفٌ وَلَا فَضْلٌ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا
وَالْعَبَّاسُ وَارِثُهُ مُوَرِّثُهُ .
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ
بَدْرٍ ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ جَاءَ
وَالْعَبَّاسُ يُمَوِّنُ
أَبَا طَالِبٍ وَعِيَالَهُ ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمْ لِلْأَزْمَةِ الَّتِي أَصَابَتْهُ ، وَلَوْلَا أَنَّ
الْعَبَّاسَ أُخْرِجَ إِلَى
بَدْرٍ كَارِهًا لَمَاتَ
طَالِبٌ وَعَقِيلٌ جُوعًا ، وَلَلَحَسَا جِفَانَ
عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مِنَ
الْمُطْعِمِينَ فَأَذْهَبَ عَنْكُمُ الْعَارَ وَالسُّبَّةَ وَكَفَاكُمُ النَّفَقَةَ وَالْمَئُونَةَ ، ثُمَّ فَدَى
عَقِيلًا يَوْمَ
بَدْرٍ ، فَكَيْفَ تَفْخَرُ عَلَيْنَا وَقَدْ عُلْنَاكُمْ فِي الْكُفْرِ وَفَدَيْنَاكُمْ [ مِنَ الْأَسْرِ ] وَحُزْنَا عَلَيْكُمْ مَكَارِمَ الْآبَاءِ ، وَوَرِثْنَا دُونَكُمْ
[ ص: 120 ] خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ ، وَطَلَبْنَا بِثَأْرِكُمْ فَأَدْرَكْنَا مِنْهُ مَا عَجَزْتُمْ عَنْهُ ، وَلَمْ تُدْرِكُوا لِأَنْفُسِكُمْ ! وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ .
فَكَانَ
مُحَمَّدٌ قَدِ اسْتَعْمَلَ
مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَى
مَكَّةَ ،
وَالْقَاسِمَ بْنَ إِسْحَاقَ عَلَى
الْيَمَنِ ،
وَمُوسَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى
الشَّامِ ، فَأَمَّا
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالْقَاسِمُ فَسَارَا إِلَى
مَكَّةَ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا
السَّرِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَامِلُ
الْمَنْصُورِ عَلَى
مَكَّةَ فَلَقِيَهُمَا
بِبَطْنِ أَذَاخِرَ فَهَزَمَاهُ .
وَدَخَلَ
مُحَمَّدٌ مَكَّةَ وَأَقَامَ بِهَا يَسِيرًا ، فَأَتَاهُ كِتَابُ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ فِيمَنْ مَعَهُ وَيُخْبِرُهُ بِمَسِيرِ
nindex.php?page=showalam&ids=16752عِيسَى بْنِ مُوسَى إِلَيْهِ لِيُحَارِبَهُ ، فَسَارَ إِلَيْهِ مِنْ
مَكَّةَ هُوَ
وَالْقَاسِمُ ، فَبَلَغَهُ بِنَوَاحِي
قُدَيْدٍ قَتْلُ
مُحَمَّدٍ ، فَهَرَبَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَتَفَرَّقُوا .
فَلَحِقَ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِبْرَاهِيمَ فَأَقَامَ عِنْدَهُ حَتَّى قُتِلَ
إِبْرَاهِيمُ ، وَاخْتَفَى
الْقَاسِمُ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى أَخَذَتْ لَهُ ابْنَةُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ - امْرَأَةُ
عِيسَى - الْأَمَانَ لَهُ وَلِإِخْوَتِهِ
مُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِ .
وَأَمَّا
مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَسَارَ نَحْوَ
الشَّامِ وَمَعَهُ
رِزَامٌ مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْقَسْرِيِّ ، فَانْسَلَّ مِنْهُ
رِزَامٌ وَسَارَ إِلَى
الْمَنْصُورِ بِرِسَالَةٍ مِنْ مَوْلَاهُ
مُحَمَّدٍ الْقَسْرِيِّ ، فَظَهَرَ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ ، فَحَبَسَ
مُحَمَّدًا الْقَسْرِيَّ ، وَوَصَلَ
مُوسَى إِلَى
الشَّامِ فَرَأَى مِنْهُمْ سُوءَ رَدٍّ عَلَيْهِ وَغِلْظَةً ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ
مُحَمَّدٌ : أُخْبِرُكَ أَنِّي لَقِيتُ
الشَّامَ وَأَهْلَهُ ، فَكَانَ أَحْسَنَهُمْ قَوْلًا الَّذِي قَالَ : وَاللَّهِ لَقَدْ مَلِلْنَا الْبَلَاءَ وَضِقْنَا حَتَّى مَا فِينَا لِهَذَا الْأَمْرِ مَوْضِعٌ وَلَا بِنَا بِهِ حَاجَةٌ ، وَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ تَحْلِفُ لَئِنْ أَصْبَحْنَا مِنْ لَيْلَتِنَا وَأَمْسَيْنَا مِنْ غَدٍ لَيُرْفَعَنَّ أَمْرُنَا ، فَكَتَبْتُ إِلَيْكَ وَقَدْ غَيَّبْتُ وَجْهِي ، وَخِفْتُ عَلَى نَفْسِي . ثُمَّ رَجَعَ إِلَى
الْمَدِينَةِ .
وَقِيلَ : أَتَى
الْبَصْرَةَ وَأَرْسَلَ صَاحِبًا لَهُ يَشْتَرِي لَهُ طَعَامًا ، فَاشْتَرَاهُ وَجَاءَ بِهِ عَلَى حَمَّالٍ أَسْوَدَ فَأَدْخَلَهُ الدَّارَ الَّتِي سَكَنَهَا وَخَرَجَ ، فَلَمْ يَكُنْ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ كُبِسَتِ الدَّارُ وَأُخِذَ
مُوسَى وَابْنُهُ
عَبْدُ اللَّهِ وَغُلَامُهُ ، فَأُخِذُوا وَحُمِلُوا إِلَى
مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ .
فَلَمَّا رَأَى
مُوسَى قَالَ : لَا قَرَّبَ اللَّهُ قَرَابَتَكُمْ ، وَلَا حَيَّا وُجُوهَكُمْ ! تَرَكْتَ الْبِلَادَ كُلَّهَا إِلَّا بَلَدًا أَنَا فِيهِ ، فَإِنْ وَصَلْتُ أَرْحَامَكُمْ أَغْضَبْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَإِنْ أَطَعْتُهُ قَطَعْتُ
[ ص: 121 ] أَرْحَامَكُمْ .
ثُمَّ أَرْسَلَهُمْ إِلَى
الْمَنْصُورِ ، فَأَمَرَ فَضُرِبَ
مُوسَى وَابْنُهُ كُلُّ وَاحِدٍ خَمْسَمِائَةِ سَوْطٍ ، فَلَمْ يَتَأَوَّهُوا . فَقَالَ
الْمَنْصُورُ : أَعْذَرْتُ أَهْلَ الْبَاطِلِ فِي صَبْرِهِمْ ، فَمَا بَالُ هَؤُلَاءِ ؟ فَقَالَ
مُوسَى : أَهْلُ الْحَقِّ أَوْلَى بِالصَّبْرِ . ثُمَّ أَخْرَجَهُمْ وَأَمَرَ بِهِمْ فَسُجِنُوا .
(
خُبَيْبُ بْنُ ثَابِتٍ : بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَضْمُومَةِ ، وَبِبَائَيْنِ مُوَحَّدَتَيْنِ وَبَيْنَهُمَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتِهَا ) .