ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33763محاربة علي بن عيسى وطاهر
ثم إن
الأمين أمر
علي بن عيسى بن ماهان بالمسير لحرب
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون .
وكان سبب مسيره ، دون غيره ، أن
ذا الرياستين كان له عين عند
nindex.php?page=showalam&ids=14912الفضل بن الربيع يرجع إلى قوله ورأيه ، فكتب
ذو الرياستين إلى ذلك الرجل يأمره أن يشير بإنفاذ
nindex.php?page=showalam&ids=13486ابن ماهان لحربهم ، وكان مقصوده أن
nindex.php?page=showalam&ids=13486ابن ماهان لما ولي
خراسان أيام
الرشيد ، أساء السيرة في أهلها فظلمهم ، فعزله
الرشيد لذلك ، ونفر أهل
خراسان عنه ، وأبغضوه ، فأراد
ذو الرياستين أن يزداد أهل
خراسان جدا في محاربة
الأمين وأصحابه .
ففعل ذلك الرجل ما أمر
ذو الرياستين ، فأمر
الأمين nindex.php?page=showalam&ids=13486ابن ماهان بالمسير .
وقيل : كان سببه أن
عليا قال
للأمين : إن أهل
خراسان كتبوا إليه يذكرون أنه إن قصدهم هو أطاعوه ، وانقادوا له ، وإن كان غيره فلا ! فأمره بالمسير ، وأقطعه كور الجبل كلها :
نهاوند ،
وهمذان ،
وقم ،
وأصبهان ، وغير ذلك ، وولاه حربها وخراجها ، وأعطاه الأموال ، وحكمه في الخزائن ، وجهز معه خمسين ألف فارس .
[ ص: 412 ] وكتب إلى
أبي دلف القاسم بن ( إدريس بن عيسى ) العجلي ،
وهلال بن عبد الله الحضرمي بالانضمام إليه ، وأمده بالأموال والرجال شيئا بعد شيء .
فلما عزم على المسير من
بغداذ ركب إلى باب
زبيدة أم
الأمين ليودعها ، فقالت له : يا
علي ! إن أمير المؤمنين [ و ] إن كان ولدي وإليه انتهت شفقتي ، فإني على
عبد الله منعطفة مشفقة ، لما يحدث عليه من مكروه وأذى ، وإنما ابني ملك نافس أخاه في سلطانه [ وغاره على ما في يده ] ، والكريم يأكل لحمه ويميقه غيره ، فاعرف
لعبد الله حق ولادته وأخوته ، ولاتجبهه بالكلام ، فإنك لست [ له ] بنظير ، ولا تقتسره اقتسار العبيد ، ولا توهنه بقيد ولا غل ، ولا تمنع عنه جارية ولا خادما ، ولا تعنف عليه في السير ، ولا تساوه في المسير ، ولا تركب قبله ، وخذ بركابه [ إذا ركب ] ، وإن شتمك فاحتمل منه .
ثم دفعت إليه قيدا من فضة ، وقالت : إن صار إليك فقيده بهذا القيد ! فقال لها : سأفعل ( مثل ) ما أمرت .
ثم خرج
علي بن عيسى في شعبان ، وركب
الأمين يشيعه ، ومعه القواد والجنود ، وذكر مشايخ
بغداذ أنهم لم يروا عسكرا أكثر رجالا ، وأفره كراعا ، وأتم عدة وسلاحا - من عسكره . ووصاه
الأمين ، وأمره إن قاتله
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون أن يحرص على أسره .
ثم سار فلقيه القوافل عند جلولاء ، فسألهم فقالوا له : إن
طاهرا مقيم
بالري يعرض أصحابه ، ويرم آلته ، والأمداد تأتيه من
خراسان ، وهو يستعد للقتال ، فيقول : إنما
طاهر شوكة من أغصاني ، وما مثل
طاهر يتولى الجيوش ، ثم قال لأصحابه : ما بينكم وبين أن ينقصف انقصاف الشجر من الريح ، والريح العاصف - إلا أن يبلغه عبورنا عقبة
همذان ، فإن السخال لا تقوى على النطاح ، والبغال لا صبر لها على لقاء الأسد ، وإن
[ ص: 413 ] أقام تعرض لحد السيف وأسنة الرماح ، وإذا ( قاربنا
الري ودنونا منهم ) فت ذلك في أعضادهم .
ثم أنفذ الكتب إلى ملوك
الديلم وطبرستان ، وما والاها من الملوك ، يعدهم الصلات ، وأهدى لهم التيجان والأسورة وغيرها ، وأمرهم أن يقطعوا طريق
خراسان ، فأجابوه إلى ذلك ، وسار حتى أتى أول أعمال
الري ، وهو قليل الاحتيال ، فقال له جماعة من أصحابه : لو أركبت العيون ، وعملت خندقا لأصحابك ، وبعثت الطلائع لأمنت البيات ، وفعلت الرأي ، فقال : مثل
طاهر لا يستعد له ، وإن حاله يئول إلى أمرين : إما [ أن ] يتحصن
بالري فيبيته أهلها ، فيكفونا أمره ، وإما أن يرجع ويتركها ، إذا قربت خيلنا منه ، فقالوا له : لو كان عزمه تركها والرجوع لفعل ، فإننا قد قربنا منه فلم يفعل .
ولما صار بينه وبين
الري عشرة فراسخ استشار
طاهر أصحابه ، وأشاروا عليه أن يقيم
بالري ، ويدافع القتال إلى أن يأتيه من
خراسان المدد ، وقائد يتولى الأمور دونه ، وقالوا له : إن مقامك [ بمدينة
الري ] أرفق بأصحابك [ وبك ] ، وأقدر لهم على الميرة ، وأكن من البرد ، وتعتصم بالبيوت ، وتقدر على المماطلة ، فقال
طاهر : إن الرأي ليس ما رأيتم ، إن أهل
الري لعلي هائبون ، ومن سطوته مشفقون ، ومعه من أعراب البوادي وصعاليك الجبال والقرايا كثير ، ولست آمن إن أقمت
بالري ، أن يثب أهلها بنا خوفا من
علي ، وما الرأي إلا أن نسير إليه ، فإن ظفرنا ، وإلا عولنا عليها ، فقاتلناه فيها إلى أن يأتينا مدد .
فنادى
طاهر في أصحابه فخرج من
الري في أقل من أربعة آلاف فارس ، وعسكر على خمسة فراسخ ، فأتاه
أحمد بن هشام ، وكان على شرطة
طاهر ، فقال له : إن أتانا
علي بن عيسى فقال : أنا عامل أمير المؤمنين ، وأقررنا له بذلك ، فليس لنا أن نحاربه ، فقال
طاهر : لم يأتني في ذلك شيء . فقال : دعني وما أريد ، فقال : افعل ! فصعد المنبر ، فخلع
محمدا ، ودعا
للمأمون بالخلافة ، وساروا عنها ، وقال له بعض أصحابه : إن جندك
[ ص: 414 ] قد هابوا هذا الجيش ، فلو أخرت القتال إلى أن يشامهم أصحابك ، ويأنسوا بهم ، ويعرفوا وجه المأخذ في قتالهم ، قال : إني لا أوتى من قلة تجربة وحزم ، إن أصحابي قليل ، والقوم عظيم سوادهم ، كثير عددهم ، فإن أخرت القتال اطلعوا على قلتنا ، واستمالوا من معي برهبة أو رغبة ، فيخذلني أهل الصبر والحفاظ ، ولكن ألف الرجال بالرجال ، وأقحم الخيل على الخيل ، وأعتمد على الطاعة والوفاء ، وأصبر صبر محتسب للخير ، حريص على الفوز بالشهادة ، فإن نصرنا الله فذلك الذي نريده ونرجوه ، وإن يكن الأخرى فلست بأول من قاتل ( وقتل ، وما عند الله أجزل وأفضل .
وقال
علي لأصحابه : بادروهم ، فإنهم قليلون ) ، ولو وجدوا حرارة السيوف وطعن الرماح لم يصبروا عليها .
وعبى جنده ميمنة وميسرة وقلبا ، وعبى عشر رايات ، مع كل راية مائة رجل ، وقدمها راية راية ، وجعل بين كل رايتين غلوة سهم ، وأمر أمراءها إذا قاتلت الراية الأولى وطال قتالهم أن تتقدم التي تليها ، وتتأخر هي حتى تستريح ، وجعل أصحاب الجواشن أمام الرايات ، ووقف في شجعان أصحابه .
وعبى
طاهر أصحابه كراديس ، وسار بهم يحرضهم ، ويوصيهم ، ويرجيهم .
وهرب من أصحاب
طاهر نفر إلى
علي ، فجلد بعضهم ، وأهان الباقين ، فكان ذلك مما ألب الباقين على قتاله ، وزحف الناس بعضهم إلى بعض ، فقال
أحمد بن هشام لطاهر : ألا تذكر
علي بن عيسى البيعة التي أخذها هو علينا
للمأمون خاصة معاشر أهل
خراسان ؟ قال : أفعل . فأخذ البيعة فعلقها على رمح ، وقام بين الصفين ، وطلب الأمان فأمنه
علي بن عيسى ، فقال له : ألا تتقي الله - عز وجل - أليس هذه نسخة البيعة التي
[ ص: 415 ] أخذتها أنت خاصة ؟ اتق الله ، فقد بلغت باب قبرك ! فقال
علي : من أتاني به فله ألف درهم ، فشتمه أصحاب
أحمد ، وخرج من أصحاب
علي رجل يقال له
حاتم الطائي ، فحمل عليه
طاهر ، وأخذ السيف بيديه وضربه ، فصرعه ، فلذلك سمي
طاهر ذا اليمينين .
ووثب أهل
الري فأغلقوا باب المدينة ، فقال
طاهر لأصحابه : اشتغلوا بمن أمامكم عمن خلفكم ، فإنه لا ينجيكم إلا الجد والصدق . ثم اقتتلوا قتالا شديدا ، وحملت ميمنة علي على ميسرة
طاهر ، فانهزمت هزيمة منكرة ، وميسرته على ميمنة
طاهر ، فأزالتها عن موضعها ، فقال
طاهر : اجعلوا جدكم وبأسكم على القلب ، واحملوا حملة خارجية ، فإنكم متى فضضتم منها راية واحدة رجعت أوائلها على أواخرها . فصبر أصحابه صبرا صادقا ، وحملوا على أول رايات القلب ، فهزموهم ، وأكثروا فيهم القتل ، ورجعت الرايات بعضها على بعض ، فانتفضت ميمنة علي .
ورأى ميمنة
طاهر وميسرته ما فعل أصحابهم ، فرجعوا على من بإزائهم ، فهزموهم ، وانتهت الهزيمة إلى
علي ، فجعل ينادي أصحابه : أين أصحاب الخواص ، والجوائز ، والأسورة ، والأكاليل ، إلى الكرة بعد الفرة ! فرماه رجل من أصحاب
طاهر بسهم فقتله ، قيل كان داود سياه ، وحمل رأسه إلى
طاهر ، وشدت يداه إلى رجليه ، وحمل على خشبة إلى
طاهر ، فأمر به فألقي في بئر ، فأعتق
طاهر من كان عنده من غلمانه شكرا لله - تعالى - وتمت الهزيمة ، ووضع أصحاب
طاهر فيهم السيوف ، وتبعوهم فرسخين واقعوهم فيها اثنتي عشرة مرة ، في كل ذلك ينهزم عسكر
الأمين ، وأصحاب
طاهر يقتلون ويأسرون حتى حال الليل بينهم ، وغنموا غنيمة عظيمة .
ونادى
طاهر : من ألقى سلاحه فهو آمن . وطرحوا أسلحتهم ونزلوا عن دوابهم ، ورجع
طاهر إلى
الري ، وكتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون وذي الرياستين : " بسم الله الرحمن الرحيم ، كتابي إلى أمير المؤمنين ، ورأس
علي بن عيسى بين يدي ، وخاتمه في إصبعي ، وجنده مصرفون تحت أمري ، والسلام " .
[ ص: 416 ] فورد الكتاب مع البريد في ثلاثة أيام ، وبينهما نحو من خمسين ومائتي فرسخ ، فدخل
ذو الرياستين على
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون ، فهنأه بالفتح ، وأمر الناس ، فدخلوا عليه ، فسلموا عليه بالخلافة ، ثم وصل رأس
علي بعد الكتاب بيومين ، فطيف به في
خراسان .
ولما وصل الكتاب بالفتح كان
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون قد جهز
هرثمة في جيش كثير ليسيره نجدة
لطاهر ، فأتاه الخبر بالفتح .
وأما
الأمين فإنه أتاه نعي
علي بن عيسى وهو يصطاد السمك ، فقال للذي أخبره : ويلك دعني ، فإن
كوثرا قد اصطاد سمكتين ، وأنا ما صدت شيئا بعد .
ثم بعث
الفضل إلى
نوفل الخادم ، وهو وكيل
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون على
مكة بالسواد ، والناظر في أمر أولاده
ببغداذ ، وكان
للمأمون معه ألف ألف درهم كان قد وصله بها
الرشيد ، فأخذ جميع ما عنده ، وقبض ضياعه وغلاته ، فقال بعض شعراء
بغداذ في ذلك :
أضاع الخلافة غش الوزير وفسق الأمير وجهل المشير ففضل وزير ، وبكر مشير
يريدان ما فيه حتف الأمير وما ذاك إلا طريق غرور
وشر المسالك طرق الغرور
في عدة أبيات تركتها لما فيها من القذف الفاحش ، ولقد عجبت
لأبي جعفر حيث ذكرها مع ورعه .
وندم
الأمين على نكثه وغدره ، ومشى القواد بعضهم إلى بعض في النصف من شوال ، فاتفقوا على طلب الأرزاق والشغب ، ففعلوا ذلك ، ففرق فيهم مالا كثيرا بعد أن قاتلهم
عبد الله بن خازم ، فمنعه
الأمين .
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=33763مُحَارِبَةِ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى وَطَاهِرٍ
ثُمَّ إِنَّ
الْأَمِينَ أَمَرَ
عَلِيَّ بْنَ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ بِالْمَسِيرِ لِحَرْبِ
nindex.php?page=showalam&ids=15128الْمَأْمُونِ .
وَكَانَ سَبَبَ مَسِيرِهِ ، دُونَ غَيْرِهِ ، أَنَّ
ذَا الرِّيَاسَتَيْنِ كَانَ لَهُ عَيْنٌ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14912الْفَضْلِ بْنِ الرَّبِيعِ يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِهِ وَرَأْيِهِ ، فَكَتَبَ
ذُو الرِّيَاسَتَيْنِ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُشِيرَ بِإِنْفَاذِ
nindex.php?page=showalam&ids=13486ابْنِ مَاهَانَ لِحَرْبِهِمْ ، وَكَانَ مَقْصُودُهُ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13486ابْنَ مَاهَانَ لَمَّا وَلِيَ
خُرَاسَانَ أَيَّامَ
الرَّشِيدِ ، أَسَاءَ السِّيرَةَ فِي أَهْلِهَا فَظَلَمَهُمْ ، فَعَزَلَهُ
الرَّشِيدُ لِذَلِكَ ، وَنَفَرَ أَهْلُ
خُرَاسَانَ عَنْهُ ، وَأَبْغَضُوهُ ، فَأَرَادَ
ذُو الرِّيَاسَتَيْنِ أَنْ يَزْدَادَ أَهْلُ
خُرَاسَانَ جِدًّا فِي مُحَارَبَةِ
الْأَمِينِ وَأَصْحَابِهِ .
فَفَعَلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مَا أَمَرَ
ذُو الرِّيَاسَتَيْنِ ، فَأَمَرَ
الْأَمِينُ nindex.php?page=showalam&ids=13486ابْنَ مَاهَانَ بِالْمَسِيرِ .
وَقِيلَ : كَانَ سَبَبَهُ أَنَّ
عَلِيًّا قَالَ
لِلْأَمِينِ : إِنَّ أَهْلَ
خُرَاسَانَ كَتَبُوا إِلَيْهِ يَذْكُرُونَ أَنَّهُ إِنْ قَصَدَهُمْ هُوَ أَطَاعُوهُ ، وَانْقَادُوا لَهُ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ فَلَا ! فَأَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ ، وَأَقْطَعَهُ كُوَرَ الْجَبَلِ كُلَّهَا :
نَهَاوَنْدَ ،
وَهَمَذَانَ ،
وَقُمَّ ،
وَأَصْبَهَانَ ، وَغَيْرَ ذَلِكَ ، وَوَلَّاهُ حَرْبَهَا وَخَرَاجَهَا ، وَأَعْطَاهُ الْأَمْوَالَ ، وَحَكَّمَهُ فِي الْخَزَائِنِ ، وَجَهَّزَ مَعَهُ خَمْسِينَ أَلْفَ فَارِسٍ .
[ ص: 412 ] وَكَتَبَ إِلَى
أَبِي دُلَفَ الْقَاسِمِ بْنِ ( إِدْرِيسَ بْنِ عِيسَى ) الْعِجْلِيِّ ،
وَهِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيِّ بِالِانْضِمَامِ إِلَيْهِ ، وَأَمَدَّهُ بِالْأَمْوَالِ وَالرِّجَالِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ .
فَلَمَّا عَزَمَ عَلَى الْمَسِيرِ مِنْ
بَغْدَاذَ رَكِبَ إِلَى بَابِ
زُبَيْدَةَ أُمِّ
الْأَمِينِ لِيُوَدِّعَهَا ، فَقَالَتْ لَهُ : يَا
عَلِيُّ ! إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ [ وَ ] إِنْ كَانَ وَلَدِي وَإِلَيْهِ انْتَهَتْ شَفَقَتِي ، فَإِنِّي عَلَى
عَبْدِ اللَّهِ مُنْعَطِفَةٌ مُشْفِقَةٌ ، لِمَا يَحْدُثُ عَلَيْهِ مِنْ مَكْرُوهٍ وَأَذًى ، وَإِنَّمَا ابْنِي مَلِكٌ نَافَسَ أَخَاهُ فِي سُلْطَانِهِ [ وَغَارَهُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ ] ، وَالْكَرِيمُ يَأْكُلُ لَحْمَهُ وَيُمِيقُهُ غَيْرَهُ ، فَاعْرِفْ
لِعَبْدِ اللَّهِ حَقَّ وِلَادَتِهِ وَأُخُوَّتِهِ ، وَلَاتَجْبَهْهُ بِالْكَلَامِ ، فَإِنَّكَ لَسْتَ [ لَهُ ] بِنَظِيرٍ ، وَلَا تَقْتَسِرْهُ اقْتِسَارَ الْعَبِيدِ ، وَلَا تُوَهِّنْهُ بِقَيْدٍ وَلَا غُلٍّ ، وَلَا تَمْنَعْ عَنْهُ جَارِيَةً وَلَا خَادِمًا ، وَلَا تَعْنُفْ عَلَيْهِ فِي السَّيْرِ ، وَلَا تُسَاوِهِ فِي الْمَسِيرِ ، وَلَا تَرْكَبْ قَبْلَهُ ، وَخُذْ بِرِكَابِهِ [ إِذَا رَكِبَ ] ، وَإِنْ شَتَمَكَ فَاحْتَمِلْ مِنْهُ .
ثُمَّ دَفَعَتْ إِلَيْهِ قَيْدًا مِنْ فِضَّةٍ ، وَقَالَتْ : إِنْ صَارَ إِلَيْكَ فَقَيِّدْهُ بِهَذَا الْقَيْدِ ! فَقَالَ لَهَا : سَأَفْعَلُ ( مِثْلَ ) مَا أَمَرْتِ .
ثُمَّ خَرَجَ
عَلِيُّ بْنُ عِيسَى فِي شَعْبَانَ ، وَرَكِبَ
الْأَمِينُ يُشَيِّعُهُ ، وَمَعَهُ الْقُوَّادُ وَالْجُنُودُ ، وَذَكَرَ مَشَايِخُ
بَغْدَاذَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا عَسْكَرًا أَكْثَرَ رِجَالًا ، وَأَفْرَهَ كُرَاعًا ، وَأَتَمَّ عُدَّةً وَسِلَاحًا - مِنْ عَسْكَرِهِ . وَوَصَّاهُ
الْأَمِينُ ، وَأَمَرَهُ إِنْ قَاتَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15128الْمَأْمُونُ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى أَسْرِهِ .
ثُمَّ سَارَ فَلَقِيَهُ الْقَوَافِلُ عِنْدَ جَلُولَاءَ ، فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا لَهُ : إِنَّ
طَاهِرًا مُقِيمٌ
بِالرَّيِّ يَعْرِضُ أَصْحَابَهُ ، وَيَرُمُّ آلَتَهُ ، وَالْأَمْدَادُ تَأْتِيهِ مِنْ
خُرَاسَانَ ، وَهُوَ يَسْتَعِدُّ لِلْقِتَالِ ، فَيَقُولُ : إِنَّمَا
طَاهِرٌ شَوْكَةٌ مِنْ أَغْصَانِي ، وَمَا مِثْلُ
طَاهِرٍ يَتَوَلَّى الْجُيُوشَ ، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَنْ يَنْقَصِفَ انْقِصَافَ الشَّجَرِ مِنَ الرِّيحِ ، وَالرِّيحِ الْعَاصِفِ - إِلَّا أَنْ يَبْلُغَهُ عُبُورُنَا عَقَبَةَ
هَمَذَانَ ، فَإِنَّ السِّخَالَ لَا تَقْوَى عَلَى النِّطَاحِ ، وَالْبِغَالَ لَا صَبْرَ لَهَا عَلَى لِقَاءِ الْأَسَدِ ، وَإِنْ
[ ص: 413 ] أَقَامَ تَعَرَّضَ لِحَدِّ السَّيْفِ وَأَسِنَّةِ الرِّمَاحِ ، وَإِذَا ( قَارَبْنَا
الرَّيَّ وَدَنَوْنَا مِنْهُمْ ) فَتَّ ذَلِكَ فِي أَعْضَادِهِمْ .
ثُمَّ أَنْفَذَ الْكُتُبَ إِلَى مُلُوكِ
الدَّيْلَمِ وَطَبَرِسْتَانَ ، وَمَا وَالَاهَا مِنَ الْمُلُوكِ ، يَعِدُهُمُ الصِّلَاتِ ، وَأَهْدَى لَهُمُ التِّيجَانَ وَالْأَسْوِرَةَ وَغَيْرَهَا ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقْطَعُوا طَرِيقَ
خُرَاسَانَ ، فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ ، وَسَارَ حَتَّى أَتَى أَوَّلَ أَعْمَالِ
الرَّيِّ ، وَهُوَ قَلِيلُ الِاحْتِيَالِ ، فَقَالَ لَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ : لَوْ أَرْكَبْتَ الْعُيُونَ ، وَعَمِلْتَ خَنْدَقًا لِأَصْحَابِكَ ، وَبَعَثْتَ الطَّلَائِعَ لَأَمِنْتَ الْبَيَاتَ ، وَفَعَلْتَ الرَّأْيَ ، فَقَالَ : مِثْلُ
طَاهِرٍ لَا يُسْتَعَدُّ لَهُ ، وَإِنَّ حَالَهُ يَئُولُ إِلَى أَمْرَيْنِ : إِمَّا [ أَنْ ] يَتَحَصَّنَ
بِالرَّيِّ فَيُبَيِّتَهُ أَهْلُهَا ، فَيَكْفُونَا أَمْرَهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَرْجِعَ وَيَتْرُكَهَا ، إِذَا قَرُبَتْ خَيْلُنَا مِنْهُ ، فَقَالُوا لَهُ : لَوْ كَانَ عَزْمُهُ تَرْكَهَا وَالرُّجُوعَ لَفَعَلَ ، فَإِنَّنَا قَدْ قَرُبْنَا مِنْهُ فَلَمْ يَفْعَلْ .
وَلَمَّا صَارَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الرَّيِّ عَشَرَةُ فَرَاسِخَ اسْتَشَارَ
طَاهِرٌ أَصْحَابَهُ ، وَأَشَارُوا عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ
بِالرَّيِّ ، وَيُدَافِعَ الْقِتَالَ إِلَى أَنْ يَأْتِيَهُ مِنْ
خُرَاسَانَ الْمَدَدُ ، وَقَائِدٌ يَتَوَلَّى الْأُمُورَ دُونَهُ ، وَقَالُوا لَهُ : إِنَّ مُقَامَكَ [ بِمَدِينَةِ
الرَّيِّ ] أَرْفَقُ بِأَصْحَابِكَ [ وَبِكَ ] ، وَأَقْدَرُ لَهُمْ عَلَى الْمِيرَةِ ، وَأَكَنُّ مِنَ الْبَرْدِ ، وَتَعْتَصِمُ بِالْبُيُوتِ ، وَتَقْدِرُ عَلَى الْمُمَاطَلَةِ ، فَقَالَ
طَاهِرٌ : إِنَّ الرَّأْيَ لَيْسَ مَا رَأَيْتُمْ ، إِنَّ أَهْلَ
الرَّيِّ لِعَلِيٍّ هَائِبُونَ ، وَمِنْ سَطْوَتِهِ مُشْفِقُونَ ، وَمَعَهُ مِنْ أَعْرَابِ الْبَوَادِي وَصَعَالِيكِ الْجِبَالِ وَالْقَرَايَا كَثِيرٌ ، وَلَسْتُ آمَنُ إِنْ أَقَمْتُ
بِالرَّيِّ ، أَنْ يَثِبَ أَهْلُهَا بِنَا خَوْفًا مِنْ
عَلِيٍّ ، وَمَا الرَّأْيُ إِلَّا أَنْ نَسِيرَ إِلَيْهِ ، فَإِنْ ظَفِرْنَا ، وَإِلَّا عَوَّلْنَا عَلَيْهَا ، فَقَاتَلْنَاهُ فِيهَا إِلَى أَنْ يَأْتِيَنَا مَدَدٌ .
فَنَادَى
طَاهِرٌ فِي أَصْحَابِهِ فَخَرَجَ مِنَ
الرَّيِّ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافِ فَارِسٍ ، وَعَسْكَرَ عَلَى خَمْسَةِ فَرَاسِخَ ، فَأَتَاهُ
أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ ، وَكَانَ عَلَى شُرْطَةِ
طَاهِرٍ ، فَقَالَ لَهُ : إِنْ أَتَانَا
عَلِيُّ بْنُ عِيسَى فَقَالَ : أَنَا عَامِلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَقْرَرْنَا لَهُ بِذَلِكَ ، فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُحَارِبَهُ ، فَقَالَ
طَاهِرٌ : لَمْ يَأْتِنِي فِي ذَلِكَ شَيْءٌ . فَقَالَ : دَعْنِي وَمَا أُرِيدُ ، فَقَالَ : افْعَلْ ! فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ، فَخَلَعَ
مُحَمَّدًا ، وَدَعَا
لِلْمَأْمُونِ بِالْخِلَافَةِ ، وَسَارُوا عَنْهَا ، وَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : إِنَّ جُنْدَكَ
[ ص: 414 ] قَدْ هَابُوا هَذَا الْجَيْشَ ، فَلَوْ أَخَّرْتَ الْقِتَالَ إِلَى أَنْ يَشَامَّهُمْ أَصْحَابُكَ ، وَيَأْنَسُوا بِهِمْ ، وَيَعْرِفُوا وَجْهَ الْمَأْخَذِ فِي قِتَالِهِمْ ، قَالَ : إِنِّي لَا أُوتَى مِنْ قِلَّةِ تَجْرِبَةٍ وَحَزْمٍ ، إِنَّ أَصْحَابِي قَلِيلٌ ، وَالْقَوْمُ عَظِيمٌ سَوَادُهُمْ ، كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ ، فَإِنْ أَخَّرْتُ الْقِتَالَ اطَّلَعُوا عَلَى قِلَّتِنَا ، وَاسْتَمَالُوا مَنْ مَعِي بِرَهْبَةٍ أَوْ رَغْبَةٍ ، فَيَخْذُلُنِي أَهْلُ الصَّبْرِ وَالْحِفَاظِ ، وَلَكِنْ أَلُفُّ الرِّجَالَ بِالرِّجَالِ ، وَأُقْحِمُ الْخَيْلَ عَلَى الْخَيْلِ ، وَأَعْتَمِدُ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْوَفَاءِ ، وَأَصْبِرُ صَبْرَ مُحْتَسِبٍ لِلْخَيْرِ ، حَرِيصٍ عَلَى الْفَوْزِ بِالشَّهَادَةِ ، فَإِنْ نَصَرَنَا اللَّهُ فَذَلِكَ الَّذِي نُرِيدُهُ وَنَرْجُوهُ ، وَإِنْ يَكُنِ الْأُخْرَى فَلَسْتُ بِأَوَّلِ مَنْ قَاتَلَ ( وَقُتِلَ ، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ أَجْزَلُ وَأَفْضَلُ .
وَقَالَ
عَلِيٌّ لِأَصْحَابِهِ : بَادِرُوهُمْ ، فَإِنَّهُمْ قَلِيلُونَ ) ، وَلَوْ وَجَدُوا حَرَارَةَ السُّيُوفِ وَطَعْنَ الرِّمَاحِ لَمْ يَصْبِرُوا عَلَيْهَا .
وَعَبَّى جُنْدَهُ مَيْمَنَةً وَمَيْسَرَةً وَقَلْبًا ، وَعَبَّى عَشْرَ رَايَاتٍ ، مَعَ كُلِّ رَايَةٍ مِائَةُ رَجُلٍ ، وَقَدَّمَهَا رَايَةً رَايَةً ، وَجَعَلَ بَيْنَ كُلِّ رَايَتَيْنِ غَلْوَةِ سَهْمٍ ، وَأَمَرَ أُمَرَاءَهَا إِذَا قَاتَلَتِ الرَّايَةُ الْأُولَى وَطَالَ قِتَالُهُمْ أَنْ تَتَقَدَّمَ الَّتِي تَلِيهَا ، وَتَتَأَخَّرَ هِيَ حَتَّى تَسْتَرِيحَ ، وَجَعَلَ أَصْحَابَ الْجَوَاشِنِ أَمَامَ الرَّايَاتِ ، وَوَقَفَ فِي شُجْعَانِ أَصْحَابِهِ .
وَعَبَّى
طَاهِرٌ أَصْحَابَهُ كَرَادِيسَ ، وَسَارَ بِهِمْ يُحَرِّضُهُمْ ، وَيُوصِيهِمْ ، وَيُرَجِّيهِمْ .
وَهَرَبَ مِنْ أَصْحَابِ
طَاهِرٍ نَفَرٌ إِلَى
عَلِيٍّ ، فَجَلَدَ بَعْضَهُمْ ، وَأَهَانَ الْبَاقِينَ ، فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا أَلَّبَ الْبَاقِينَ عَلَى قِتَالِهِ ، وَزَحَفَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ، فَقَالَ
أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ لِطَاهِرٍ : أَلَا تُذَكِّرُ
عَلِيَّ بْنَ عِيسَى الْبَيْعَةَ الَّتِي أَخَذَهَا هُوَ عَلَيْنَا
لِلْمَأْمُونِ خَاصَّةً مَعَاشِرَ أَهْلِ
خُرَاسَانَ ؟ قَالَ : أَفْعَلُ . فَأَخَذَ الْبَيْعَةَ فَعَلَّقَهَا عَلَى رُمْحٍ ، وَقَامَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ ، وَطَلَبَ الْأَمَانَ فَأَمَّنَهُ
عَلِيُّ بْنُ عِيسَى ، فَقَالَ لَهُ : أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَلَيْسَ هَذِهِ نُسْخَةَ الْبَيْعَةِ الَّتِي
[ ص: 415 ] أَخَذْتَهَا أَنْتَ خَاصَّةً ؟ اتَّقِ اللَّهَ ، فَقَدْ بَلَغْتَ بَابَ قَبْرِكَ ! فَقَالَ
عَلِيٌّ : مَنْ أَتَانِي بِهِ فَلَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَشَتَمَهُ أَصْحَابُ
أَحْمَدَ ، وَخَرَجَ مِنْ أَصْحَابِ
عَلِيٍّ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ
حَاتِمٌ الطَّائِيُّ ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ
طَاهِرٌ ، وَأَخَذَ السَّيْفَ بِيَدَيْهِ وَضَرَبَهُ ، فَصَرَعَهُ ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ
طَاهِرٌ ذَا الْيَمِينَيْنِ .
وَوَثَبَ أَهْلُ
الرَّيِّ فَأَغْلَقُوا بَابَ الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ
طَاهِرٌ لِأَصْحَابِهِ : اشْتَغِلُوا بِمَنْ أَمَامَكُمْ عَمَّنْ خَلْفَكُمْ ، فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّيكُمْ إِلَّا الْجِدُّ وَالصِّدْقُ . ثُمَّ اقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا ، وَحَمَلَتْ مَيْمَنَةُ عَلِيٍّ عَلَى مَيْسَرَةِ
طَاهِرٍ ، فَانْهَزَمَتْ هَزِيمَةً مُنْكَرَةً ، وَمَيْسَرَتُهُ عَلَى مَيْمَنَةِ
طَاهِرٍ ، فَأَزَالَتْهَا عَنْ مَوْضِعِهَا ، فَقَالَ
طَاهِرٌ : اجْعَلُوا جِدَّكُمْ وَبَأْسَكُمْ عَلَى الْقَلْبِ ، وَاحْمِلُوا حَمْلَةً خَارِجِيَّةً ، فَإِنَّكُمْ مَتَى فَضَضْتُمْ مِنْهَا رَايَةً وَاحِدَةً رَجَعَتْ أَوَائِلُهَا عَلَى أَوَاخِرِهَا . فَصَبَرَ أَصْحَابُهُ صَبْرًا صَادِقًا ، وَحَمَلُوا عَلَى أَوَّلِ رَايَاتِ الْقَلْبِ ، فَهَزَمُوهُمْ ، وَأَكْثَرُوا فِيهِمُ الْقَتْلَ ، وَرَجَعَتِ الرَّايَاتُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ ، فَانْتَفَضَتْ مَيْمَنَةُ عَلِيٍّ .
وَرَأَى مَيْمَنَةُ
طَاهِرٍ وَمَيْسَرَتُهُ مَا فَعَلَ أَصْحَابُهُمْ ، فَرَجَعُوا عَلَى مَنْ بِإِزَائِهِمْ ، فَهَزَمُوهُمْ ، وَانْتَهَتِ الْهَزِيمَةُ إِلَى
عَلِيٍّ ، فَجَعَلَ يُنَادِي أَصْحَابَهُ : أَيْنَ أَصْحَابُ الْخَوَاصِّ ، وَالْجَوَائِزِ ، وَالْأَسْوِرَةِ ، وَالْأَكَالِيلِ ، إِلَى الْكَرَّةِ بَعْدَ الْفَرَّةِ ! فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ
طَاهِرٍ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ ، قِيلَ كَانَ دَاوُدَ سِيَاهَ ، وَحُمِلَ رَأْسُهُ إِلَى
طَاهِرٍ ، وَشُدَّتْ يَدَاهُ إِلَى رِجْلَيْهِ ، وَحُمِلَ عَلَى خَشَبَةٍ إِلَى
طَاهِرٍ ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُلْقِيَ فِي بِئْرٍ ، فَأَعْتَقَ
طَاهِرٌ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ غِلْمَانِهِ شُكْرًا لِلَّهِ - تَعَالَى - وَتَمَّتِ الْهَزِيمَةُ ، وَوَضَعَ أَصْحَابُ
طَاهِرٍ فِيهِمُ السُّيُوفَ ، وَتَبِعُوهُمْ فَرْسَخَيْنِ وَاقَعُوهُمْ فِيهَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً ، فِي كُلِّ ذَلِكَ يَنْهَزِمُ عَسْكَرُ
الْأَمِينِ ، وَأَصْحَابُ
طَاهِرٍ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ حَتَّى حَالَ اللَّيْلُ بَيْنَهُمْ ، وَغَنِمُوا غَنِيمَةً عَظِيمَةً .
وَنَادَى
طَاهِرٌ : مَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ . وَطَرَحُوا أَسْلِحَتَهُمْ وَنَزَلُوا عَنْ دَوَابِّهِمْ ، وَرَجَعَ
طَاهِرٌ إِلَى
الرَّيِّ ، وَكَتَبَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=15128الْمَأْمُونِ وَذِي الرِّيَاسَتَيْنِ : " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، كِتَابِي إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَرَأْسُ
عَلِيِّ بْنِ عِيسَى بَيْنَ يَدَيَّ ، وَخَاتَمُهُ فِي إِصْبَعِي ، وَجُنْدُهُ مُصَرَّفُونَ تَحْتَ أَمْرِي ، وَالسَّلَامُ " .
[ ص: 416 ] فَوَرَدَ الْكِتَابُ مَعَ الْبَرِيدِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَبَيْنَهُمَا نَحْوٌ مِنْ خَمْسِينَ وَمِائَتَيْ فَرْسَخٍ ، فَدَخَلَ
ذُو الرِّيَاسَتَيْنِ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=15128الْمَأْمُونِ ، فَهَنَّأَهُ بِالْفَتْحِ ، وَأَمَرَ النَّاسَ ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ ، ثُمَّ وَصَلَ رَأْسُ
عَلِيٍّ بَعْدَ الْكِتَابِ بِيَوْمَيْنِ ، فَطِيفَ بِهِ فِي
خُرَاسَانَ .
وَلَمَّا وَصَلَ الْكِتَابُ بِالْفَتْحِ كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=15128الْمَأْمُونُ قَدْ جَهَّزَ
هَرْثَمَةَ فِي جَيْشٍ كَثِيرٍ لِيُسَيِّرَهُ نَجْدَةً
لِطَاهِرٍ ، فَأَتَاهُ الْخَبَرُ بِالْفَتْحِ .
وَأَمَّا
الْأَمِينُ فَإِنَّهُ أَتَاهُ نَعْيُ
عَلِيِّ بْنِ عِيسَى وَهُوَ يَصْطَادُ السَّمَكَ ، فَقَالَ لِلَّذِي أَخْبَرَهُ : وَيْلَكَ دَعْنِي ، فَإِنَّ
كَوْثَرًا قَدِ اصْطَادَ سَمَكَتَيْنِ ، وَأَنَا مَا صِدْتُ شَيْئًا بَعْدُ .
ثُمَّ بَعَثَ
الْفَضْلُ إِلَى
نَوْفَلٍ الْخَادِمِ ، وَهُوَ وَكِيلُ
nindex.php?page=showalam&ids=15128الْمَأْمُونِ عَلَى
مَكَّةَ بِالسَّوَادِ ، وَالنَّاظِرُ فِي أَمْرِ أَوْلَادِهِ
بِبَغْدَاذَ ، وَكَانَ
لِلْمَأْمُونِ مَعَهُ أَلْفُ أَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ قَدْ وَصَلَهُ بِهَا
الرَّشِيدُ ، فَأَخَذَ جَمِيعَ مَا عِنْدَهُ ، وَقَبَضَ ضِيَاعَهُ وَغَلَّاتِهِ ، فَقَالَ بَعْضُ شُعَرَاءِ
بَغْدَاذَ فِي ذَلِكَ :
أَضَاعَ الْخِلَافَةَ غِشُّ الْوَزِيرِ وَفِسْقُ الْأَمِيرِ وَجَهْلُ الْمُشِيرِ فَفَضْلٌ وَزِيرٌ ، وَبَكْرٌ مُشِيرٌ
يُرِيدَانِ مَا فِيهِ حَتْفُ الْأَمِيرِ وَمَا ذَاكَ إِلَّا طَرِيقُ غُرُورٍ
وَشَرُّ الْمَسَالِكِ طُرُقُ الْغُرُورِ
فِي عِدَّةِ أَبْيَاتٍ تَرَكْتُهَا لِمَا فِيهَا مِنَ الْقَذْفِ الْفَاحِشِ ، وَلَقَدْ عَجِبْتُ
لِأَبِي جَعْفَرٍ حَيْثُ ذَكَرَهَا مَعَ وَرَعِهِ .
وَنَدِمَ
الْأَمِينُ عَلَى نَكْثِهِ وَغَدْرِهِ ، وَمَشَى الْقُوَّادُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فِي النِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ ، فَاتَّفَقُوا عَلَى طَلَبِ الْأَرْزَاقِ وَالشَّغْبِ ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ ، فَفَرَّقَ فِيهِمْ مَالًا كَثِيرًا بَعْدَ أَنْ قَاتَلَهُمْ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ ، فَمَنَعَهُ
الْأَمِينُ .