ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33791ولاية زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب إفريقية
وفي هذه السنة سادس ذي الحجة توفي
أبو العباس عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب ، أمير
إفريقية ، وكانت إمارته خمس سنين ونحو شهرين .
وكان سبب موته أنه حدد على كل فدان في عمله ثمانية عشر دينارا كل سنة ،
[ ص: 486 ] فضاق الناس لذلك وشكا بعضهم إلى بعض ، فتقدم إليه رجل من الصالحين ، اسمه
حفص بن عمر الجزري ، مع رجال من الصالحين ، فنهوه عن ذلك ووعظوه ، وخوفوه العذاب في الآخرة ، وسوء الذكر في الدنيا ، وزوال النعمة ، فإن الله - تعالى اسمه وجل ثناؤه -
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=11لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال .
فلم يجبهم
أبو العباس عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب أمير
إفريقية المذكور إلى ما طلبوا ، فخرجوا من عنده إلى
القيروان ، فقال لهم
حفص : لو أننا نتوضأ للصلاة ونصلي ، ونسأل الله - تعالى - أن يخفف عن الناس ؟ ففعلوا ذلك ، فما لبث إلا خمسة أيام حتى خرجت قرحة تحت أذنه ، فلم ينشب أن مات منها ، وكان أجمل أهل زمانه ، ولما مات ولي بعده أخوه
زيادة الله بن إبراهيم ، وبقي أميرا رخي البال ( وادعا ، والدنيا ) عنده آمنة .
ثم جهز جيشا في أسطول البحر ، وكان مراكب كثيرة ، إلى مدينة
سردانية ، وهي
للروم ، ( فعطب بعضها ) بعد أن غنموا من الروم وقتلوا كثيرا ، فلما عاد من سلم منهم أحسن إليهم زيادة الله ووصلهم .
فلما كان سنة سبع ومائتين خرج عليه
زياد بن سهل المعروف بابن الصقلبية ، وجمع جمعا كثيرا ، وحصر مدينة
باجة ، فسير إليه
زيادة الله العساكر ، فأزالوه عنها ، وقتلوا من وافقه على المخالفة .
وفي سنة ثمان ومائتين نقل إلى
زيادة الله أن
منصور بن نصير الطنبذي يريد المخالفة عليه
بتونس ، وهو يسعى في ذلك ، ويكاتب الجند ، فلما تحققه سير إليه قائدا اسمه
محمد بن حمزة في ثلاثمائة فارس ، وأمره أن يخفي خبره ، ويجد السير إلى
تونس ، فلا يشعر به
منصور حتى يأخذه فيحمله إليه .
فسار
محمد ودخل
تونس ، فلم يجد
منصورا بها ، كان قد توجه إلى قصره
[ ص: 487 ] بطنبذة ، فأرسل إليه
محمد قاضي
تونس ، ومعه أربعون شيخا ، يقبحون له الخلاف ، وينهونه عنه ، ويأمرونه بالطاعة ، فساروا إليه واجتمعوا به وذكروا له ذلك ، فقال
منصور : ما خالفت طاعة الأمير ، وأنا سائر معكم إلى
محمد ومن معه إلى الأمير ، ولكن أقيموا معي يومنا هذا ، حتى نعمل له ولمن معه ضيافة .
فأقاموا عنده ، وسير
منصور لمحمد ولمن معه الإقامة الحسنة الكثيرة من الغنم والبقر وغير ذلك من أنواع ما يؤكل ، فكتب إليه يقول : إنني صائر إليك مع القاضي والجماعة . فركن
محمد إلى ذلك ، وأمر بالغنم فذبحت ، وأكل هو ومن معه ، وشربوا الخمر .
فلما أمسى
منصور سجن القاضي ومن معه ، وسار مجدا فيمن عنده من أصحابه سرا إلى
تونس ، فدخلوا دار الصناعة وفيها
محمد وأصحابه ، فأمر بالطبول فضربت ، وكبر هو وأصحابه ، فوثب
محمد وأصحابه إلى سلاحهم وقد عمل فيهم الشراب ، وأحاط بهم
منصور ومن معه ، وأقبلت العامة من كل مكان ، فرجموهم بالحجارة ، واقتتلوا عامة الليل ، فقتل من كان مع
محمد ، ولم يسلم منهم إلا من نجا إلى البحر ، فسبح حتى تخلص ، وذلك في صفر .
وأصبح
منصور ، فاجتمع عليه الجند وقالوا : نحن لا نثق بك ، ولا نأمن أن يخلبك
زيادة الله ، ويستميلك بدنياه فتميل إليه ، فإن أحببت أن نكون معك فاقتل أحدا من أهله ممن عندك ! فأحضر
إسماعيل بن سفيان بن سالم بن عقال ، وهو من أهل
زيادة الله ، فكان هو العامل على
تونس ، فلما حضر أمر بقتله .
فلما سمع
زيادة الله الخبر سير جيشا كثيفا ، واستعمل عليهم
غلبون ، واسمه الأغلب بن عبد الله بن الأغلب ، وهو وزير
زيادة الله ، إلى
منصور الطنبذي ، فلما ودعهم
زيادة الله تهددهم بالقتل إن انهزموا ، فلما وصلوا إلى
تونس خرج إليهم
منصور ، فقاتلهم ، فانهزم جيش
زيادة الله عاشر ربيع الأول ، فقال القواد الذين فيه
لغلبون : لا نأمن
زيادة الله على أنفسنا ، فإن أخذت لنا أمانا حضرنا عنده . وفارقوه واستولوا على عدة مدن فأخذوها ، منها :
باجة ،
والجزيرة ،
وصطفورة ،
ومسر ،
والأربس ، وغيرها ، فاضطربت
[ ص: 488 ] إفريقية ، واجتمع الجند كلهم إلى
منصور ، أطاعوه لسوء سيرة
زيادة الله معهم .
فلما كثر جمع
منصور سار إلى
القيروان فحصرها في جمادى الأولى ، وخندق على نفسه ، وكان بينه وبين
زيادة الله وقائع كثيرة ، وعمر
منصور سور
القيروان [ فوالاه ] أهلها ، فبقي الحصار عليه أربعين يوما .
ثم إن
زيادة الله عبأ أصحابه وجمعهم ، وسار معهم الفارس والراجل ، فكانوا خلقا كثيرا ، فلما رآهم
منصور راعه ما رأى وهاله ، ولم يكن يعرف ذلك من
زيادة الله ، لما كان فيه من الوهن ، فزحف
منصور إليه بنفسه أيضا ، فالتقوا ، واقتتلوا قتالا شديدا ، وانهزم
منصور ومن معه ، ومضوا هاربين ، وقتل منهم خلق كثير ، وذلك منتصف جمادى الآخرة ، وأمر
زيادة الله أن ينتقم من
أهل القيروان بما جنوه من مساعدة
منصور والقتال معه ، بما تقدم أولا من مساعدة
عمران بن مجالد لما قاتل أباه
nindex.php?page=showalam&ids=12362إبراهيم بن الأغلب ، فمنعه أهل العلم والدين ، فكف عنهم ، وخرب سور
القيروان .
ولما انهزم
منصور فارقه كثير من أصحابه الذين صاروا معه ، منهم :
عامر بن نافع ،
وعبد السلام بن المفرج ، إلى البلاد التي تغلبوا عليها ، ثم إن
زيادة الله سير جيشا ، سنة تسع ومائتين ، إلى مدينة
سبيبة ، واستعمل عليهم
محمد بن عبد الله بن الأغلب ، وكان بها جمع من الجند الذين صاروا مع
منصور ، عليهم
عمر بن نافع ، فالتقوا في العشرين من المحرم ، واقتتلوا ، فانهزم
ابن الأغلب ، وعاد هو ومن معه إلى
القيروان ، فعظم الأمر على
زيادة الله ، وجمع الرجال وبذل الأموال .
وكان عيال الجند الذين مع
منصور بالقيروان ، فلم يعرض لهم
زيادة الله ، فقال الجند
لمنصور : الرأي أن تحتال في نقل [ العيال ] من
القيروان لنأمن عليهم . فسار بهم
منصور إلى
القيروان ، وحصر
زيادة الله ستة عشر يوما ، ولم يكن منهم قتال ، وأخرج الجند نساءهم وأولادهم من
القيروان ، وانصرف
منصور إلى
تونس ، ولم يبق بيد
زيادة الله من
إفريقية كلها إلا
قابس ،
والساحل ،
ونفزاوة ،
وطرابلس ، فإنهم تمسكوا بطاعته .
وأرسل الجند إلى
زيادة الله : أن ارحل عنا ، وخل
إفريقية ، ولك الأمان على نفسك ومالك ، ومن ضمه قصرك . فضاق به وغمه الأمر ، فقال له
سفيان بن سوادة : مكني من عسكرك لأختار منهم مائتي فارس ، وأسير بهم إلى
نفزاوة ، فقد بلغني أن
عامر بن نافع يريد قصدهم ، فإن ظفرت كان الذي تحب ، وإن تكن الأخرى عملت برأيك . فأمره بذلك ،
[ ص: 489 ] فأخذ مائتي فارس وسار إلى
نفزاوة ، فدعا برابرها إلى نصرته ، فأجابوه وسارعوا إليه ، وأقبل
عامر بن نافع في العسكر إليهم ، فالتقوا ، واقتتلوا ، فانهزم
عامر ومن معه ، وكثر القتل فيهم ، ورجع عامر إلى
قسطيلية ، فجبى أموالها ليلا ونهارا في ثلاثة أيام ، وساروا عنها ، واستخلف عليها من يضبطها ، فهرب منها أيضا خوفا من أهلها ، فأرسل
أهل قسطيلية إلى
nindex.php?page=showalam&ids=15557ابن سوادة ، وسألوه أن يجيء إليهم ، فسار إليهم وملك
قسطيلية وضبطها .
وقد قيل : إن هذه الحوادث المذكورة سنة ثمان وتسع ومائتين إنما كانت سنة تسع وعشر ومائتين .
(
طنبذة بضم الطاء المهملة وسكون النون وضم الباء الموحدة وبذال معجمة وآخره هاء .
وصطفورة بفتح الصاد وسكون الطاء وضم الفاء وسكون الواو وآخره هاء .
وسبيبة بفتح السين المهملة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء تحتها نقطتان وفتح الباء الثانية الموحدة وآخره هاء .
ونفزاوة بالنون والفاء الساكنة وفتح الزاي وبعد الألف واو ثم هاء ) .
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=33791وِلَايَةِ زِيَادَةِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَغْلَبِ إِفْرِيقِيَّةَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ سَادِسَ ذِي الْحِجَّةِ تُوُفِّيَ
أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَغْلَبِ ، أَمِيرُ
إِفْرِيقِيَّةَ ، وَكَانَتْ إِمَارَتُهُ خَمْسَ سِنِينَ وَنَحْوَ شَهْرَيْنِ .
وَكَانَ سَبَبَ مَوْتِهِ أَنَّهُ حَدَّدَ عَلَى كُلِّ فَدَّانٍ فِي عَمَلِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِينَارًا كُلَّ سَنَةٍ ،
[ ص: 486 ] فَضَاقَ النَّاسُ لِذَلِكَ وَشَكَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الصَّالِحِينَ ، اسْمُهُ
حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْجَزَرِيُّ ، مَعَ رِجَالٍ مِنَ الصَّالِحِينَ ، فَنَهَوْهُ عَنْ ذَلِكَ وَوَعَظُوهُ ، وَخَوَّفُوهُ الْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ ، وَسُوءَ الذِّكْرِ فِي الدُّنْيَا ، وَزَوَالَ النِّعْمَةِ ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى اسْمُهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ -
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=11لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ .
فَلَمْ يُجِبْهُمْ
أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَغْلَبِ أَمِيرُ
إِفْرِيقِيَّةَ الْمَذْكُورُ إِلَى مَا طَلَبُوا ، فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ إِلَى
الْقَيْرَوَانِ ، فَقَالَ لَهُمْ
حَفْصٌ : لَوْ أَنَّنَا نَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَنُصْلِي ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى - أَنْ يُخَفِّفَ عَنِ النَّاسِ ؟ فَفَعَلُوا ذَلِكَ ، فَمَا لَبِثَ إِلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ حَتَّى خَرَجَتْ قُرْحَةٌ تَحْتَ أُذُنِهِ ، فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ مَاتَ مِنْهَا ، وَكَانَ أَجْمَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ ، وَلَمَّا مَاتَ وَلِيَ بَعْدَهُ أَخُوهُ
زِيَادَةُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، وَبَقِيَ أَمِيرًا رَخِيَّ الْبَالِ ( وَادِعًا ، وَالدُّنْيَا ) عِنْدَهُ آمِنَةٌ .
ثُمَّ جَهَّزَ جَيْشًا فِي أُسْطُولِ الْبَحْرِ ، وَكَانَ مَرَاكِبَ كَثِيرَةً ، إِلَى مَدِينَةِ
سَرْدَانِيَةَ ، وَهِيَ
لِلرُّومِ ، ( فَعَطِبَ بَعْضُهَا ) بَعْدَ أَنْ غَنِمُوا مِنَ الرُّومِ وَقَتَلُوا كَثِيرًا ، فَلَمَّا عَادَ مَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ أَحْسَنَ إِلَيْهِمْ زِيَادَةُ اللَّهِ وَوَصَلَهُمْ .
فَلَمَّا كَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمِائَتَيْنِ خَرَجَ عَلَيْهِ
زِيَادُ بْنُ سَهْلٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الصَّقْلِبِيَّةِ ، وَجَمَعَ جَمْعًا كَثِيرًا ، وَحَصَرَ مَدِينَةَ
بَاجَةَ ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ
زِيَادَةُ اللَّهِ الْعَسَاكِرَ ، فَأَزَالُوهُ عَنْهَا ، وَقَتَلُوا مَنْ وَافَقَهُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ .
وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَمِائَتَيْنِ نُقِلَ إِلَى
زِيَادَةِ اللَّهِ أَنَّ
مَنْصُورَ بْنَ نُصَيْرٍ الطُّنْبُذِيَّ يُرِيدُ الْمُخَالَفَةَ عَلَيْهِ
بِتُونُسَ ، وَهُوَ يَسْعَى فِي ذَلِكَ ، وَيُكَاتِبُ الْجُنْدَ ، فَلَمَّا تَحَقَّقَهُ سَيَّرَ إِلَيْهِ قَائِدًا اسْمُهُ
مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ فَارِسٍ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُخْفِيَ خَبَرَهُ ، وَيَجِدَّ السَّيْرَ إِلَى
تُونُسَ ، فَلَا يَشْعُرُ بِهِ
مَنْصُورٌ حَتَّى يَأْخُذَهُ فَيَحْمِلَهُ إِلَيْهِ .
فَسَارَ
مُحَمَّدٌ وَدَخَلَ
تُونُسَ ، فَلَمْ يَجِدْ
مَنْصُورًا بِهَا ، كَانَ قَدْ تَوَجَّهَ إِلَى قَصْرِهِ
[ ص: 487 ] بِطُنْبُذَةَ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ
مُحَمَّدٌ قَاضِيَ
تُونُسَ ، وَمَعَهُ أَرْبَعُونَ شَيْخًا ، يُقَبِّحُونَ لَهُ الْخِلَافَ ، وَيَنْهَوْنَهُ عَنْهُ ، وَيَأْمُرُونَهُ بِالطَّاعَةِ ، فَسَارُوا إِلَيْهِ وَاجْتَمَعُوا بِهِ وَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ ، فَقَالَ
مَنْصُورٌ : مَا خَالَفْتُ طَاعَةَ الْأَمِيرِ ، وَأَنَا سَائِرٌ مَعَكُمْ إِلَى
مُحَمَّدٍ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى الْأَمِيرِ ، وَلَكِنْ أَقِيمُوا مَعِي يَوْمَنَا هَذَا ، حَتَّى نَعْمَلَ لَهُ وَلِمَنْ مَعَهُ ضِيَافَةً .
فَأَقَامُوا عِنْدَهُ ، وَسَيَّرَ
مَنْصُورٌ لِمُحَمَّدٍ وَلِمَنْ مَعَهُ الْإِقَامَةَ الْحَسَنَةَ الْكَثِيرَةَ مِنَ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ مَا يُؤْكَلُ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَقُولُ : إِنَّنِي صَائِرٌ إِلَيْكَ مَعَ الْقَاضِي وَالْجَمَاعَةِ . فَرَكَنَ
مُحَمَّدٌ إِلَى ذَلِكَ ، وَأَمَرَ بِالْغَنَمِ فَذُبِحَتْ ، وَأَكَلَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ ، وَشَرِبُوا الْخَمْرَ .
فَلَمَّا أَمْسَى
مَنْصُورٌ سَجَنَ الْقَاضِي وَمَنْ مَعَهُ ، وَسَارَ مُجِدًّا فِيمَنْ عِنْدَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ سِرًّا إِلَى
تُونُسَ ، فَدَخَلُوا دَارَ الصِّنَاعَةِ وَفِيهَا
مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ ، فَأَمَرَ بِالطُّبُولِ فَضُرِبَتْ ، وَكَبَّرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ، فَوَثَبَ
مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ إِلَى سِلَاحِهِمْ وَقَدْ عَمِلَ فِيهِمُ الشَّرَابُ ، وَأَحَاطَ بِهِمْ
مَنْصُورٌ وَمَنْ مَعَهُ ، وَأَقْبَلَتِ الْعَامَّةُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ، فَرَجَمُوهُمْ بِالْحِجَارَةِ ، وَاقْتَتَلُوا عَامَّةَ اللَّيْلِ ، فَقُتِلَ مَنْ كَانَ مَعَ
مُحَمَّدٍ ، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ نَجَا إِلَى الْبَحْرِ ، فَسَبَحَ حَتَّى تَخَلَّصَ ، وَذَلِكَ فِي صَفَرٍ .
وَأَصْبَحَ
مَنْصُورٌ ، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْجُنْدُ وَقَالُوا : نَحْنُ لَا نَثِقُ بِكَ ، وَلَا نَأْمَنُ أَنْ يَخْلُبَكَ
زِيَادَةُ اللَّهِ ، وَيَسْتَمِيلَكَ بِدُنْيَاهُ فَتَمِيلَ إِلَيْهِ ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ نَكُونَ مَعَكَ فَاقْتُلْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهِ مِمَّنْ عِنْدَكَ ! فَأَحْضَرَ
إِسْمَاعِيلَ بْنَ سُفْيَانَ بْنِ سَالِمِ بْنِ عِقَالٍ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ
زِيَادَةِ اللَّهِ ، فَكَانَ هُوَ الْعَامِلُ عَلَى
تُونُسَ ، فَلَمَّا حَضَرَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ .
فَلَمَّا سَمِعَ
زِيَادَةُ اللَّهِ الْخَبَرَ سَيَّرَ جَيْشًا كَثِيفًا ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ
غَلْبُونَ ، وَاسْمُهُ الْأَغْلَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَغْلَبِ ، وَهُوَ وَزِيرُ
زِيَادَةِ اللَّهِ ، إِلَى
مَنْصُورٍ الطُّنْبُذِيِّ ، فَلَمَّا وَدَّعَهُمْ
زِيَادَةُ اللَّهِ تَهَدَّدَهُمْ بِالْقَتْلِ إِنِ انْهَزَمُوا ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى
تُونُسَ خَرَجَ إِلَيْهِمْ
مَنْصُورٌ ، فَقَاتَلَهُمْ ، فَانْهَزَمَ جَيْشُ
زِيَادَةِ اللَّهِ عَاشِرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ، فَقَالَ الْقُوَّادُ الَّذِينَ فِيهِ
لِغَلْبُونَ : لَا نَأْمَنُ
زِيَادَةَ اللَّهِ عَلَى أَنْفُسِنَا ، فَإِنْ أَخَذْتَ لَنَا أَمَانًا حَضَرْنَا عِنْدَهُ . وَفَارَقُوهُ وَاسْتَوْلَوْا عَلَى عِدَّةِ مُدُنٍ فَأَخَذُوهَا ، مِنْهَا :
بَاجَةُ ،
وَالْجَزِيرَةُ ،
وَصَطْفُورَةُ ،
وَمِسْرُ ،
وَالْأُرْبُسُ ، وَغَيْرُهَا ، فَاضْطَرَبَتْ
[ ص: 488 ] إِفْرِيقِيَّةُ ، وَاجْتَمَعَ الْجُنْدُ كُلُّهُمْ إِلَى
مَنْصُورٍ ، أَطَاعُوهُ لِسُوءِ سِيرَةِ
زِيَادَةِ اللَّهِ مَعَهُمْ .
فَلَمَّا كَثُرَ جَمْعُ
مَنْصُورٍ سَارَ إِلَى
الْقَيْرَوَانِ فَحَصَرَهَا فِي جُمَادَى الْأُولَى ، وَخَنْدَقَ عَلَى نَفْسِهِ ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
زِيَادَةِ اللَّهِ وَقَائِعُ كَثِيرَةٌ ، وَعَمَّرَ
مَنْصُورٌ سُورَ
الْقَيْرَوَانِ [ فَوَالَاهُ ] أَهْلُهَا ، فَبَقِيَ الْحِصَارُ عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا .
ثُمَّ إِنَّ
زِيَادَةَ اللَّهِ عَبَّأَ أَصْحَابَهُ وَجَمَعَهُمْ ، وَسَارَ مَعَهُمُ الْفَارِسُ وَالرَّاجِلُ ، فَكَانُوا خَلْقًا كَثِيرًا ، فَلَمَّا رَآهُمْ
مَنْصُورٌ رَاعَهُ مَا رَأَى وَهَالَهُ ، وَلَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْ
زِيَادَةِ اللَّهِ ، لِمَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْوَهْنِ ، فَزَحَفَ
مَنْصُورٌ إِلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَيْضًا ، فَالْتَقَوْا ، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا ، وَانْهَزَمَ
مَنْصُورٌ وَمَنْ مَعَهُ ، وَمَضَوْا هَارِبِينَ ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ ، وَذَلِكَ مُنْتَصَفَ جُمَادَى الْآخِرَةِ ، وَأَمَرَ
زِيَادَةُ اللَّهِ أَنْ يُنْتَقَمَ مِنْ
أَهْلِ الْقَيْرَوَانِ بِمَا جَنَوْهُ مِنْ مُسَاعَدَةِ
مَنْصُورٍ وَالْقِتَالِ مَعَهُ ، بِمَا تَقَدَّمَ أَوْلًا مِنْ مُسَاعَدَةِ
عِمْرَانَ بْنِ مُجَالِدٍ لَمَّا قَاتَلَ أَبَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12362إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْأَغْلَبِ ، فَمَنَعَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ ، فَكَفَّ عَنْهُمْ ، وَخَرَّبَ سُورَ
الْقَيْرَوَانِ .
وَلَمَّا انْهَزَمَ
مَنْصُورٌ فَارَقَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ صَارُوا مَعَهُ ، مِنْهُمْ :
عَامِرُ بْنُ نَافِعٍ ،
وَعَبْدُ السَّلَامِ بْنُ الْمُفَرِّجِ ، إِلَى الْبِلَادِ الَّتِي تَغَلَّبُوا عَلَيْهَا ، ثُمَّ إِنَّ
زِيَادَةَ اللَّهِ سَيَّرَ جَيْشًا ، سَنَةَ تِسْعٍ وَمِائَتَيْنِ ، إِلَى مَدِينَةِ
سَبِيبَةَ ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ
مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَغْلَبِ ، وَكَانَ بِهَا جَمْعٌ مِنَ الْجُنْدِ الَّذِينَ صَارُوا مَعَ
مَنْصُورٍ ، عَلَيْهِمْ
عُمَرُ بْنُ نَافِعٍ ، فَالْتَقَوْا فِي الْعِشْرِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ ، وَاقْتَتَلُوا ، فَانْهَزَمَ
ابْنُ الْأَغْلَبِ ، وَعَادَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى
الْقَيْرَوَانِ ، فَعَظُمَ الْأَمْرُ عَلَى
زِيَادَةِ اللَّهِ ، وَجَمْعِ الرِّجَالِ وَبَذْلِ الْأَمْوَالِ .
وَكَانَ عِيَالُ الْجُنْدِ الَّذِينَ مَعَ
مَنْصُورٍ بِالْقَيْرَوَانِ ، فَلَمْ يَعْرِضْ لَهُمْ
زِيَادَةُ اللَّهِ ، فَقَالَ الْجُنْدُ
لِمَنْصُورٍ : الرَّأْيُ أَنْ تَحْتَالَ فِي نَقْلِ [ الْعِيَالِ ] مِنَ
الْقَيْرَوَانِ لِنَأْمَنَ عَلَيْهِمْ . فَسَارَ بِهِمْ
مَنْصُورٌ إِلَى
الْقَيْرَوَانِ ، وَحَصَرَ
زِيَادَةَ اللَّهِ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ قِتَالٌ ، وَأَخْرَجَ الْجُنْدُ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ مِنَ
الْقَيْرَوَانِ ، وَانْصَرَفَ
مَنْصُورٌ إِلَى
تُونُسَ ، وَلَمْ يَبْقَ بِيَدِ
زِيَادَةِ اللَّهِ مِنْ
إِفْرِيقِيَّةَ كُلِّهَا إِلَّا
قَابِسُ ،
وَالسَّاحِلُ ،
وَنِفْزَاوَةُ ،
وَطَرَابُلُسُ ، فَإِنَّهُمْ تَمَسَّكُوا بِطَاعَتِهِ .
وَأَرْسَلَ الْجُنْدُ إِلَى
زِيَادَةِ اللَّهِ : أَنِ ارْحَلْ عَنَّا ، وَخَلِّ
إِفْرِيقِيَّةَ ، وَلَكَ الْأَمَانُ عَلَى نَفْسِكَ وَمَالِكَ ، وَمَنْ ضَمَّهُ قَصْرُكَ . فَضَاقَ بِهِ وَغَمَّهُ الْأَمْرُ ، فَقَالَ لَهُ
سُفْيَانُ بْنُ سَوَادَةَ : مَكِّنِي مِنْ عَسْكَرِكَ لِأَخْتَارَ مِنْهُمْ مِائَتَيْ فَارِسٍ ، وَأَسِيرَ بِهِمْ إِلَى
نِفْزَاوَةَ ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ
عَامِرَ بْنَ نَافِعٍ يُرِيدُ قَصْدَهُمْ ، فَإِنْ ظَفِرْتُ كَانَ الَّذِي تُحِبُّ ، وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى عَمِلْتَ بِرَأْيِكَ . فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ ،
[ ص: 489 ] فَأَخَذَ مِائَتَيْ فَارِسٍ وَسَارَ إِلَى
نِفْزَاوَةَ ، فَدَعَا بَرَابِرَهَا إِلَى نُصْرَتِهِ ، فَأَجَابُوهُ وَسَارَعُوا إِلَيْهِ ، وَأَقْبَلَ
عَامِرُ بْنُ نَافِعٍ فِي الْعَسْكَرِ إِلَيْهِمْ ، فَالْتَقَوْا ، وَاقْتَتَلُوا ، فَانْهَزَمَ
عَامِرٌ وَمَنْ مَعَهُ ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِيهِمْ ، وَرَجَعَ عَامِرٌ إِلَى
قَسْطِيلِيَةَ ، فَجَبَى أَمْوَالَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَسَارُوا عَنْهَا ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا مَنْ يَضْبُطُهَا ، فَهَرَبَ مِنْهَا أَيْضًا خَوْفًا مِنْ أَهْلِهَا ، فَأَرْسَلَ
أَهْلُ قَسْطِيلِيَةَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=15557ابْنِ سَوَادَةَ ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يَجِيءَ إِلَيْهِمْ ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ وَمَلَكَ
قَسْطِيلِيَةَ وَضَبَطَهَا .
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْحَوَادِثَ الْمَذْكُورَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعٍ وَمِائَتَيْنِ إِنَّمَا كَانَتْ سَنَةَ تِسْعٍ وَعَشْرٍ وَمِائَتَيْنِ .
(
طُنْبُذَةُ بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَآخِرُهُ هَاءٌ .
وَصَطْفُورَةُ بِفَتْحِ الصَّادِ وَسُكُونِ الطَّاءِ وَضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَآخِرُهُ هَاءٌ .
وَسَبِيبَةُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ تَحْتَهَا نُقْطَتَانِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الثَّانِيَةِ الْمُوَحَّدَةِ وَآخِرُهُ هَاءٌ .
وَنِفْزَاوَةُ بِالنُّونِ وَالْفَاءِ السَّاكِنَةِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَبَعْدَ الْأَلْفِ وَاوٌ ثُمَّ هَاءٌ ) .