ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33800الخلف بين بدر بن حسنويه وابنه هلال
في هذه السنة كانت حرب بين
بدر بن حسنويه الكردي وبين ابنه
هلال .
وكان سبب الوحشة بينهما أن
أم هلال كانت من
الشاذنجان ، فاعتزلها أبوه عند ولادته ، فنشأ
هلال مبعدا منه لا يميل إليه ، وكانت نعمة
بدر لابنه الآخر
أبي عيسى .
فلما كان في بعض الأيام خرج
هلال مع أبيه متصيدا ، فرأيا سبعا ، وكان
بدر إذا رأى سبعا قتله بيده ، فتقدم
هلال إلى الأسد بغير إذن أبيه فقتله ، فاغتاظ أبوه وقال : كأنك قد فتحت فتحا ، وأي فرق بين السبع والكلب ؟ ورأى إبعاده عنه لشدته ، فأقطعه الصامغان ، وسهل ذلك على
هلال لينفرد بنفسه عن أبيه ، فأول ما فعله أنه أساء مجاورة
ابن الماضي صاحب
شهرزور ، وكان موافقا لأبيه
بدر ، فنهى
بدر ابنه
هلالا عن معارضته فلم يسمع قوله ، وأرسل إلى
ابن الماضي يتهدده ، فأعاد
بدر [ ص: 564 ] مراسلة ابنه في معناه ، وتهدده إن تعرض بشيء هو له ، فكان جواب نهيه أنه جمع عسكره وحصر
شهرزور ففتحها ، وقتل
ابن الماضي وأهله ، وأخذ أموالهم . فورد على
بدر من ذلك ما أزعجه وأقلقه ، وأظهر السخط على
هلال .
وشرع
هلال يفسد جند أبيه ويستميلهم ويبذل لهم ، فكثر أصحاب
هلال لإحسانه إليهم وبذله المال لهم ، وأعرض الناس عن
بدر لإمساكه المال ، فسار كل واحد منهما إلى صاحبه ، فالتقيا على باب الدينور ، فلما تراءى الجمعان انحازت
الأكراد إلى
هلال ، فأخذ
بدر أسيرا ، وحمل إلى ابنه ، فأشير على
هلال بقتله ، وقالوا : لا يجوز أن تستبقيه بعدما أوحشته ، فقال : ما بلغ من عقوقي له أن أقتله ، وحضر عند أبيه وقال له : أنت الأمير ، وأنا مدبر جيشك . فخادعه أبوه بأن قال له : لا يسمعن هذا منك أحد فيكون هلاكنا جميعا ، وهذه القلعة لك ، والعلامة في تسليمها كذا وكذا ، واحفظ المال الذي بها ، فإنك الأمير ما دام الناس يظنون بقاءه ، وأريد أن تفرد لي قلعة أتفرغ فيها للعبادة . ففعل ذلك ، وأعطاه جملة من المال .
فلما استقر
بدر بالقلعة عمرها وحصنها ، وراسل
أبا الفتح بن عناز ،
وأبا عيسى شاذي بن محمد ، وهو
بأساداباذ ، يقول لكل واحد منهما ليقصد أعمال
هلال ويشعثها . فسار
أبو الفتح إلى
قرميسين فملكها ، وسار
أبو عيسى إلى
سابور خواست ، فنهب حلل
هلال ، ومضى إلى
نهاوند ، وبها
أبو بكر بن رافع ، فاتبعه
هلال إليها ووضع السيف في الديلم فقتل منهم أربعمائة نفس ، منهم تسعون أميرا ، وأسلم
ابن رافع أبا عيسى إلى
هلال فعفا عنه ، ولم يؤاخذه على فعله ، وأخذه معه .
وأرسل
بدر إلى الملك بهاء الدولة يستنجده فجهز
فخر الملك أبا غالب في جيش وسيره إلى
بدر ، فسار حتى وصل إلى
سابور خواست فقال
هلال لأبي عيسى شاذي : قد جاءت عساكر بهاء الدولة ، فما الرأي ؟ قال : الرأي أن تتوقف عن لقائهم ، وتبذل لبهاء الدولة الطاعة . وترضيه بالمال فإن لم يجيبوك فضيق عليهم ، وانصرف بين أيديهم ، فإنهم لا يستطيعون المطاولة ، ولا تظن هذا العسكر كمن لقيته بباب
نهاوند ، فإن أولئك ذللهم أبوك على ممر السنين .
[ ص: 565 ] فقال : غششتني ولم تنصحني ، وأردت بالمطاولة أن يقوى أبي وأضعف أنا ، وقتله ، وسار ليكبس العسكر ليلا . فلما وصل إليهم وقع الصوت ، فركب
فخر الملك في العساكر ، وجعل عند أثقالهم من يحميها ، وتقدم إلى قتال
هلال ، فلما رأى
هلال صعوبة الأمر ندم ، وعلم أن
أبا عيسى بن شاذي نصحه ، فندم على قتله ، ثم أرسل إلى
فخر الملك يقول له : إنني ما جئت لقتال وحرب ، إنما جئت لأكون قريبا منك وأنزل على حكمك ، فترد العسكر عن الحرب ، فإنني أدخل في الطاعة .
فمال
فخر الملك إلى هذا القول ، وأرسل الرسول إلى
بدر ليخبره بما جاء به . فلما رأى
بدر الرسول سبه وطرده ، وأرسل إلى
فخر الملك يقول له :
إن هذا مكر من
هلال ، لما رأى ضعفه ، والرأي أن لا تنفس خناقه . فلما سمع
فخر الملك الجواب قويت نفسه ، وكان يتهم
بدرا بالميل إلى ابنه وتقدم إلى الجيش بالحرب ، فقاتلوا ، فلم يكن أسرع من أن أتي
بهلال أسيرا ، فقبل الأرض ، وطلب أن لا يسلمه إلى أبيه فأجابه إلى ذلك ، وطلب علامته بتسليم القلعة ، فأعطاهم العلامة ، فامتنعت أمه ومن بالقلعة من التسليم ، وطلبوا الأمان ، فأمنهم
فخر الملك ، وصعد القلعة ومعه أصحابه ، ثم نزل منها وسلمها إلى
بدر ، وأخذ ما فيها من الأموال وغيرها ، وكانت عظيمة ، قيل : كان بها أربعون ألف
بدرة دراهم ، وأربعمائة
بدرة ذهبا ، سوى الجواهر النفيسة ، والثياب ، والسلاح وغير ذلك . وأكثر الشعراء ذكر هذا ، فممن قال
مهيار :
فظنوك تعبا بحمل العراق ، كأن لم يروك حملت الجبالا ولو لم تكن في العلو السماء
لما كان غنمك منها هلالا سريت إليه ، فكنت السرار
له ، ولبدر أبيه كمالا
وهي كثيرة .
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=33800الْخُلْفِ بَيْنَ بَدْرِ بْنِ حَسَنَوَيْهِ وَابْنِهِ هِلَالٍ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتْ حَرْبٌ بَيْنَ
بَدْرِ بْنِ حَسَنَوَيْهِ الْكُرْدِيِّ وَبَيْنَ ابْنِهِ
هِلَالٍ .
وَكَانَ سَبَبُ الْوَحْشَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّ
أُمَّ هِلَالٍ كَانَتْ مِنَ
الشَّاذَنْجَانَ ، فَاعْتَزَلَهَا أَبُوهُ عِنْدَ وِلَادَتِهِ ، فَنَشَأَ
هِلَالٌ مُبْعَدًا مِنْهُ لَا يَمِيلُ إِلَيْهِ ، وَكَانَتْ نِعْمَةُ
بَدْرٍ لِابْنِهِ الْآخَرِ
أَبِي عِيسَى .
فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ خَرَجَ
هِلَالٌ مَعَ أَبِيهِ مُتَصَيِّدًا ، فَرَأَيَا سَبُعًا ، وَكَانَ
بَدْرٌ إِذَا رَأَى سَبُعًا قَتَلَهُ بِيَدِهِ ، فَتَقَدَّمَ
هِلَالٌ إِلَى الْأَسَدِ بِغَيْرِ إِذَنْ أَبِيهِ فَقَتَلَهُ ، فَاغْتَاظَ أَبُوهُ وَقَالَ : كَأَنَّكَ قَدْ فَتَحْتَ فَتْحًا ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ السَّبُعِ وَالْكَلْبِ ؟ وَرَأَى إِبْعَادَهُ عَنْهُ لِشِدَّتِهِ ، فَأَقْطَعَهُ الصَّامَغَانَ ، وَسَهَّلَ ذَلِكَ عَلَى
هِلَالٍ لِيَنْفَرِدَ بِنَفْسِهِ عَنْ أَبِيهِ ، فَأَوَّلُ مَا فَعَلَهُ أَنَّهُ أَسَاءَ مُجَاوَرَةَ
ابْنِ الْمَاضِي صَاحِبِ
شَهْرَزُورَ ، وَكَانَ مُوَافِقًا لِأَبِيهِ
بَدْرٍ ، فَنَهَى
بَدْرٌ ابْنَهُ
هِلَالًا عَنْ مُعَارَضَتِهِ فَلَمْ يَسْمَعْ قَوْلَهُ ، وَأَرْسَلَ إِلَى
ابْنِ الْمَاضِي يَتَهَدَّدُهُ ، فَأَعَادَ
بَدْرٌ [ ص: 564 ] مُرَاسَلَةَ ابْنِهِ فِي مَعْنَاهُ ، وَتَهَدَّدَهُ إِنْ تَعَرَّضَ بِشَيْءٍ هُوَ لَهُ ، فَكَانَ جَوَابُ نَهْيِهِ أَنَّهُ جَمَعَ عَسْكَرَهُ وَحَصَرَ
شَهْرَزُورَ فَفَتَحَهَا ، وَقَتَلَ
ابْنَ الْمَاضِي وَأَهْلَهُ ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ . فَوَرَدَ عَلَى
بَدْرٍ مِنْ ذَلِكَ مَا أَزْعَجَهُ وَأَقْلَقَهُ ، وَأَظْهَرَ السُّخْطَ عَلَى
هِلَالٍ .
وَشَرَعَ
هِلَالٌ يُفْسِدُ جُنْدَ أَبِيهِ وَيَسْتَمِيلُهُمْ وَيَبْذُلُ لَهُمْ ، فَكَثُرَ أَصْحَابُ
هِلَالٍ لِإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ وَبَذْلِهِ الْمَالَ لَهُمْ ، وَأَعْرَضَ النَّاسُ عَنْ
بَدْرٍ لِإِمْسَاكِهِ الْمَالَ ، فَسَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ ، فَالْتَقَيَا عَلَى بَابِ الدِّينَوَرَ ، فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ انْحَازَتِ
الْأَكْرَادُ إِلَى
هِلَالٍ ، فَأُخِذَ
بَدْرٌ أَسِيرًا ، وَحُمِلَ إِلَى ابْنِهِ ، فَأُشِيرَ عَلَى
هِلَالٍ بِقَتْلِهِ ، وَقَالُوا : لَا يَجُوزُ أَنْ تَسْتَبْقِيَهُ بَعْدَمَا أَوْحَشْتَهُ ، فَقَالَ : مَا بَلَغَ مِنْ عُقُوقِي لَهُ أَنْ أَقْتُلَهُ ، وَحَضَرَ عِنْدَ أَبِيهِ وَقَالَ لَهُ : أَنْتَ الْأَمِيرُ ، وَأَنَا مُدَبِّرُ جَيْشِكِ . فَخَادَعُهُ أَبُوهُ بِأَنْ قَالَ لَهُ : لَا يَسْمَعَنَّ هَذَا مِنْكَ أَحَدٌ فَيَكُونَ هَلَاكُنَا جَمِيعًا ، وَهَذِهِ الْقَلْعَةُ لَكَ ، وَالْعَلَامَةُ فِي تَسْلِيمِهَا كَذَا وَكَذَا ، وَاحْفَظِ الْمَالَ الَّذِي بِهَا ، فَإِنَّكَ الْأَمِيرُ مَا دَامَ النَّاسُ يَظُنُّونَ بَقَاءَهُ ، وَأُرِيدُ أَنْ تُفْرِدَ لِي قَلْعَةً أَتَفَرَّغُ فِيهَا لِلْعِبَادَةِ . فَفَعَلَ ذَلِكَ ، وَأَعْطَاهُ جُمْلَةً مِنَ الْمَالِ .
فَلَمَّا اسْتَقَرَّ
بَدْرٌ بِالْقَلْعَةِ عَمَّرَهَا وَحَصَّنَهَا ، وَرَاسَلَ
أَبَا الْفَتْحِ بْنَ عَنَّازٍ ،
وَأَبَا عِيسَى شَاذِي بْنَ مُحَمَّدٍ ، وَهُوَ
بِأَسَادَابَاذَ ، يَقُولُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِيَقْصِدَ أَعْمَالَ
هِلَالٍ وَيُشَعِّثَهَا . فَسَارَ
أَبُو الْفَتْحِ إِلَى
قَرْمِيسِينَ فَمَلَكَهَا ، وَسَارَ
أَبُو عِيسَى إِلَى
سَابُورَ خَوَاسْتَ ، فَنَهَبَ حُلَلَ
هِلَالٍ ، وَمَضَى إِلَى
نَهَاوَنْدَ ، وَبِهَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ رَافِعٍ ، فَاتَّبَعَهُ
هِلَالٌ إِلَيْهَا وَوَضَعَ السَّيْفَ فِي الدَّيْلَمِ فَقَتَلَ مِنْهُمْ أَرْبَعَمِائَةِ نَفْسٍ ، مِنْهُمْ تِسْعُونَ أَمِيرًا ، وَأَسْلَمَ
ابْنُ رَافِعٍ أَبَا عِيسَى إِلَى
هِلَالٍ فَعَفَا عَنْهُ ، وَلَمْ يُؤَاخِذْهُ عَلَى فِعْلِهِ ، وَأَخَذَهُ مَعَهُ .
وَأَرْسَلَ
بَدْرٌ إِلَى الْمَلِكِ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ يَسْتَنْجِدُهُ فَجَهَّزَ
فَخْرَ الْمُلْكِ أَبَا غَالِبٍ فِي جَيْشٍ وَسَيَّرَهُ إِلَى
بَدْرٍ ، فَسَارَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى
سَابُورَ خَوَاسْتَ فَقَالَ
هِلَالٌ لِأَبِي عِيسَى شَاذِي : قَدْ جَاءَتْ عَسَاكِرُ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ ، فَمَا الرَّأْيُ ؟ قَالَ : الرَّأْيُ أَنْ تَتَوَقَّفَ عَنْ لِقَائِهِمْ ، وَتَبْذُلَ لِبَهَاءِ الدَّوْلَةِ الطَّاعَةَ . وَتُرْضِيهِ بِالْمَالِ فَإِنْ لَمْ يُجِيبُوكَ فَضَيِّقْ عَلَيْهِمْ ، وَانْصَرِفْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ، فَإِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْمُطَاوَلَةَ ، وَلَا تَظُنَّ هَذَا الْعَسْكَرَ كَمَنْ لَقِيتَهُ بِبَابِ
نَهَاوَنْدَ ، فَإِنَّ أُولَئِكَ ذَلَّلَهُمْ أَبُوكَ عَلَى مَمَرِّ السِّنِينَ .
[ ص: 565 ] فَقَالَ : غَشَشْتَنِي وَلَمْ تَنْصَحْنِي ، وَأَرَدْتَ بِالْمُطَاوَلَةِ أَنْ يَقْوَى أَبِي وَأَضْعُفَ أَنَا ، وَقَتَلَهُ ، وَسَارَ لِيَكْبِسَ الْعَسْكَرَ لَيْلًا . فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِمْ وَقَعَ الصَّوْتُ ، فَرَكِبَ
فَخْرُ الْمُلْكِ فِي الْعَسَاكِرِ ، وَجَعَلَ عِنْدَ أَثْقَالِهِمْ مَنْ يَحْمِيهَا ، وَتَقَدَّمَ إِلَى قِتَالِ
هِلَالٍ ، فَلَمَّا رَأَى
هِلَالٌ صُعُوبَةَ الْأَمْرِ نَدِمَ ، وَعَلِمَ أَنَّ
أَبَا عِيسَى بْنَ شَاذِي نَصَحَهُ ، فَنَدِمَ عَلَى قَتْلِهِ ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى
فَخْرِ الْمُلْكِ يَقُولُ لَهُ : إِنَّنِي مَا جِئْتُ لِقِتَالٍ وَحَرْبٍ ، إِنَّمَا جِئْتُ لِأَكُونَ قَرِيبًا مِنْكَ وَأَنْزِلَ عَلَى حُكْمِكَ ، فَتَرُدَّ الْعَسْكَرَ عَنِ الْحَرْبِ ، فَإِنَّنِي أَدْخُلُ فِي الطَّاعَةِ .
فَمَالَ
فَخْرُ الْمُلْكِ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ ، وَأَرْسَلَ الرَّسُولَ إِلَى
بَدْرٍ لِيُخْبِرَهُ بِمَا جَاءَ بِهِ . فَلَمَّا رَأَى
بَدْرٌ الرَّسُولَ سَبَّهُ وَطَرَدَهُ ، وَأَرْسَلَ إِلَى
فَخْرِ الْمُلْكِ يَقُولُ لَهُ :
إِنَّ هَذَا مَكْرٌ مِنْ
هِلَالٍ ، لَمَّا رَأَى ضَعْفَهُ ، وَالرَّأْيُ أَنْ لَا تُنَفِّسَ خِنَاقَهُ . فَلَمَّا سَمِعَ
فَخْرُ الْمُلْكِ الْجَوَابَ قَوِيَتْ نَفْسُهُ ، وَكَانَ يَتَّهِمُ
بَدْرًا بِالْمَيْلِ إِلَى ابْنِهِ وَتَقَدَّمَ إِلَى الْجَيْشِ بِالْحَرْبِ ، فَقَاتَلُوا ، فَلَمْ يَكُنْ أَسْرَعَ مِنْ أَنْ أُتِيَ
بِهِلَالٍ أَسِيرًا ، فَقَبَّلَ الْأَرْضَ ، وَطَلَبَ أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ إِلَى أَبِيهِ فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ ، وَطَلَبَ عَلَامَتَهُ بِتَسْلِيمِ الْقَلْعَةِ ، فَأَعْطَاهُمُ الْعَلَامَةَ ، فَامْتَنَعَتْ أُمُّهُ وَمَنْ بِالْقَلْعَةِ مِنَ التَّسْلِيمِ ، وَطَلَبُوا الْأَمَانَ ، فَأَمَّنَهُمْ
فَخْرُ الْمُلْكِ ، وَصَعِدَ الْقَلْعَةَ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ ، ثُمَّ نَزَلَ مِنْهَا وَسَلَّمَهَا إِلَى
بَدْرٍ ، وَأَخَذَ مَا فِيهَا مِنَ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا ، وَكَانَتْ عَظِيمَةً ، قِيلَ : كَانَ بِهَا أَرْبَعُونَ أَلْفَ
بَدْرَةٍ دَرَاهِمَ ، وَأَرْبَعُمِائَةِ
بَدْرَةٍ ذَهَبًا ، سِوَى الْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ ، وَالثِّيَابِ ، وَالسِّلَاحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَأَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ ذِكْرَ هَذَا ، فَمِمَّنْ قَالَ
مِهْيَارُ :
فَظَنُّوكَ تَعِبًا بِحَمْلِ الْعِرَاقِ ، كَأَنْ لَمْ يَرَوْكَ حَمَلْتَ الْجِبَالَا وَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِي الْعُلُوِّ السَّمَاءُ
لَمَا كَانَ غُنْمُكَ مِنْهَا هِلَالَا سَرَيْتَ إِلَيْهِ ، فَكُنْتَ السِّرَارَ
لَهُ ، وَلِبَدْرٍ أَبِيهِ كَمَالَا
وَهِيَ كَثِيرَةٌ .