الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر عدة حوادث

في هذه السنة في المحرم قلد الراضي بالله ولديه أبا جعفر وأبا الفضل ناحيتي المشرق والمغرب مما بيده ، وكتب بذلك إلى البلاد .

وفيها في ليلة الثاني عشر من ذي القعدة ، وهي الليلة التي أوقع القرمطي بالحجاج ، انقضت الكواكب من أول الليل إلى آخره انقضاضا دائما مسرفا جدا لم يعهد مثله .

[ ص: 44 ] وفيها مات أبو بكر محمد بن ياقوت في الحبس بنفث الدم ، فأحضر القاضي والشهود ( وعرض عليهم ) ، فلم يروا به أثر ضرب ولا خنق ، وجذبوا شعره فلم يكن مسموما ، فسلم إلى أهله ، وأخذوا ماله وأملاكه ومعامليه ووكلاءه وكل من يخالطه .

وفيها كان بخراسان غلاء شديد ، ومات من أهلها خلق كثير من الجوع ، فعجز الناس عن دفنهم ، فكانوا يجمعون الغرباء والفقراء في دار إلى أن يتهيأ لهم تكفينهم ودفنهم .

وفيها جهز عماد الدولة بن بويه أخاه ركن الدولة الحسن إلى بلاد الجبل ، وسير معه العساكر بعد عوده لما قتل مرداويج ، فسار إلى أصبهان ، فاستولى عليها ، وأنزل عنها وعن عدة من بلاد الجبل نواب وشمكير ، وأقبل وشمكير وجهز العساكر نحوه ، وبقي هو وشمكير يتنازعان تلك البلاد ، وهي أصبهان وهمذان ، وقم ، وقاجان ، وكرج ، والري ، وكنكور ، وقزوين وغيرها .

وفيها في آخر جمادى الآخرة ، شغب الجند ببغداذ ، وقصدوا دار الوزير أبي علي بن مقلة وابنه ، وزاد شغبهم ، فمنعهم أصحاب ابن مقلة ، فاحتال الجند ونقبوا دار الوزير من ظهرها ودخلوها ، وملكوها وهرب الوزير وابنه إلى الجانب الغربي ، فلما سمع الساجية بذلك ، ركبوا إلى دار الوزير ، ورفقوا بالجند فردوهم ، وعاد الوزير وابنه إلى منازلهما .

واتهم الوزير بإثارة هذه الفتنة بعض أصحاب ابن ياقوت ، فأمر فنودي أن لا يقيم أحد منهم بمدينة السلام ، ثم عاود الجند الشغب حادي عشر ذي الحجة ، ونقبوا دار الوزير عدة نقوب ، فقاتلهم غلمانه ومنعوهم ، فركب صاحب الشرطة ، وحفظ السجون حتى لا تفتح ، ثم سكنوا من الشغب .

( وفي هذه السنة أطلق المظفر بن ياقوت من حبس الراضي بالله بشفاعة الوزير ابن مقلة ، وحلف للوزير أنه يواليه ولا ينحرف عنه ، ولا يسعى له ولا لولده بمكروه ، فلم يف له ( ولا لولده ) ووافق الحجرية عليه ، فجرى في حقه ما يكره .

[ ص: 45 ] وكان المظفر حقد على الوزير حين قتل أخوه لأنه اتهمه أنه سمه ) .

( وفيها أرسل ابن مقلة رسولا إلى محمد بن رائق بواسط ، وكان قد قطع الحمل عن الخليفة ، فطالبه بارتفاع البلاد ، واسط والبصرة وما بينهما ، فأحسن إلى الرسل وردهم برسالة ظاهرة إلى ابن مقلة مغالطة ، وأخرى باطنة إلى الخليفة الراضي بالله وحده ، مضمونها أنه إن استدعي إلى الحضرة وفوضت إليه الأمور وتدبير الدولة ، قام بكل ما يحتاج إليه من نفقات الخليفة وأرزاق الجند ، فلما سمع الخليفة الرسالة ، لم يعد إليه جوابها .

التالي السابق


الخدمات العلمية