ذكر تفرق ممالك الأندلس   
ثم إن الأندلس  اقتسمه أصحاب الأطراف والرؤساء ، فتغلب كل إنسان على شيء منه ، فصاروا مثل ملوك الطوائف ، وكان ذلك أضر على المسلمين فطمع بسببه العدو الكافر ، خذله الله ، فيهم ، ولم يكن لهم اجتماع إلى أن ملكه أمير المسلمين   علي بن يوسف بن تاشفين  ، على ما نذكره إن شاء الله . 
فأما قرطبة  فاستولى عليها   أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور  ، المقدم ذكره ، وكان من وزارة الدولة العامرية ، قديم الرئاسة ، موصوفا بالدهاء والعقل ، ولم يدخل في شيء من الفتن قبل هذا ( بل كان يتصاون عنها ) فلما خلا له الجو   [ ص: 629 ] وأمكنته الفرصة ، وثب عليها فتولى أمرها وقام بحمايتها ، ولم يتنقل إلى رتبة الإمارة ظاهرا ، بل دبرها تدبيرا لم يسبق إليه ، وأظهر أنه حام للبلد إلى أن يجيء من يستحقه ، ويتفق عليه الناس ، فيسلمه إليه ، ورتب البوابين والحشم على أبواب قصور الإمارة ، ولم يتحول هو عن داره إليها ، وجعل ما يرتفع من الأموال السلطانية بأيدي رجال رتبهم لذلك ، وهو المشرف عليهم ، وصير أهل الأسواق جندا ، وجعل أرزاقهم ربح أموال تكون بأيديهم دينا عليهم ، فيكون الربح لهم ، ورأس المال باقيا عليهم ، وكان يتعهدهم في الأوقات المتفرقة لينظر كيف حفظهم لها ، وفرق السلاح عليهم ، فكان أحدهم لا يفارقه سلاحه حتى يعجل حضوره إن احتاج إليه . 
وكان جهور يشهد الجنائز ، ويعود المرضى ، ويحضر الأفراح على طريقة الصالحين ، وهو مع ذلك يدبر الأمر تدبير الملوك ، وكان مأمون الجانب ، وأمن الناس في أيامه ، وبقي كذلك إلى أن مات في صفر سنة خمس وثلاثين وأربعمائة ، وقام بأمرها بعده ابنه   أبو الوليد محمد بن جهور  على هذا التدبير إلى أن مات ، فغلب عليها الأمير الملقب  بالمأمون  ، صاحب طليطلة  ، فدبرها إلى أن مات بها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					