[ ص: 194 ] ذكر عود  شهاب الدين  من الهند  وحصره خوارزم وانهزامه من الخطا  
في هذه السنة ، في رمضان ، عاد  شهاب الدين الغوري  إلى خراسان  من قصد الهند  ، وسبب ذلك أنه بلغه حصر  خوارزم شاه  هراة  ، وموت  ألب غازي  نائبه بها ، فعاد حنقا على  خوارزم شاه  ، فلما بلغ ميمند عدل على طريق أخرى قاصدا إلى خوارزم ، فأرسل إليه  خوارزم شاه  يقول له : ارجع إلي لأحاربك ، وإلا سرت إلى هراة  ، ومنها إلى غزنة    . 
وكان  خوارزم شاه  قد سار من سرخس  إلى مرو  ، فأقام بظاهرها ، فأعاد إليه  شهاب الدين  جوابه : لعلك تنهزم كما فعلت تلك الدفعة ، لكن خوارزم  تجمعنا ، ففرق  خوارزم شاه  عساكره ، وأحرق ما جمعه من العلف ، ورحل يسابق  شهاب الدين  إلى خوارزم ، فسبقه إليها ، فقطع الطريق وأجرى المياه فيها ، فتعذر على  شهاب الدين  سلوكها ، وأقام أربعين يوما يصلحها حتى أمكنه الوصول إلى خوارزم ، والتقى العسكران بسوقرا ، ومعناه الماء الأسود ، فجرى بينهم قتال شديد كثر القتلى فيه بين الفريقين ، وممن قتل من الغورية  الحسين المرغني  وغيره ، وأسر جماعة من الخوارزمية . فأمر  شهاب الدين  بقتلهم فقتلوا . 
وأرسل  خوارزم شاه  إلى الأتراك  الخطا يستنجدهم ، وهم حينئذ أصحاب ما وراء النهر  ، فاستعدوا ، وساروا إلى بلاد الغورية ، فلما بلغ  شهاب الدين  ذلك عاد عن خوارزم  ، فلقي أوائلهم في صحراء أندخوي أول صفر سنة إحدى وستمائة ، فقتل فيهم وأسر كثيرا ، فلما كان اليوم الثاني دهمه من الخطا ما لا طاقة له بهم ، فانهزم المسلمون هزيمة قبيحة ، وكان أول من انهزم  الحسين بن خرميل  صاحب طالقان  ، وتبعه الناس ، وبقي  شهاب الدين  في نفر يسير ، وقتل بيده أربعة أفيال لأنها أعيت ، وأخذ الكفار فيلين ، ودخل  شهاب الدين أندخوي  فيمن معه ، وحصره الكفار ، ثم صالحوه على أن يعطيهم فيلا آخر ، ففعل وخلص . 
ووقع الخبر في جميع بلاده بأنه قد عدم ، وكثرت الأراجيف بذلك ، ثم وصل إلى الطالقان  في سبعة نفر ، وقد قتل أكثر عسكره ، ونهبت خزائنه جميعها ، فلم يبق منها شيء ، فأخرج له  الحسين بن خرميل  صاحب الطالقان  خياما وجميع ما يحتاج   [ ص: 195 ] إليه ، وسار إلى غزنة  ، وأخذ معه  الحسين بن خرميل     ; لأنه قيل له عنه إنه شديد الخوف لانهزامه ، وإنه قال : إذا سار السلطان هربت إلى  خوارزم شاه  ، فأخذه معه ، وجعله أمير حاجب . 
ولما وقع الخبر بقتله جمع  تاج الدين ألدز  ، وهو مملوك اشتراه  شهاب الدين  ، أصحابه وقصد قلعة غزنة  ليصعد إليها ، فمنعه مستحفظها ، فعاد إلى داره ، فأقام بها ، وأفسد الخلج وسائر المفسدين في البلاد ، وقطعوا الطرق ، وقتلوا كثيرا ، فلما عاد  شهاب الدين  إلى غزنة  بلغه ما فعله ألدز ، فأراد قتله ، فشفع فيه سائر المماليك ، فأطلقه ، ثم اعتذر ، وسار  شهاب الدين  في البلاد ، فقتل من المفسدين من تلك الأمم نفرا كثيرا . 
وكان له أيضا مملوك آخر اسمه  أيبك بال تر  ، فسلم من المعركة ولحق بالهند  ، ودخل المولتان ، وقتل نائب السلطان بها وملك البلد ، وأخذ الأموال السلطانية ، وأساء السيرة في الرعية ، وأخذ أموالهم ، وقال : قتل السلطان ، وأنا السلطان ، وكان يحمله على ذلك ويحسنه له إنسان اسمه  عمر بن يزان  ، وكان زنديقا ، ففعل ما أمره ، وجمع المفسدين ، وأخذ الأموال ، فأخاف الطريق ، فبلغ خبره إلى  شهاب الدين  فسار إلى الهند  ، وأرسل إليه عسكرا ، فأخذوه ومعه  عمر بن [ يزان     ] فقتلهما أقبح قتلة ، وقتل من وافقهما ، في جمادى الآخرة من سنة إحدى وستمائة ، ولما رآهم قتلى قرأ ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا    ) الآية ، وأمر  شهاب الدين  فنودي في جميع بلاده بالتجهز لقتال الخطا وغزوهم والأخذ بثأرهم . 
وقيل : كان سبب انهزامه أنه لما عاد إلى الخطا من خوارزم فرق عسكره في المفازة التي في طريقه لقلة الماء ، وكان الخطا قد نزلوا على طريق المفازة ، فكلما خرج من أصحابه طائفة فتكوا فيهم بالقتل والأسر ، ومن سلم من عسكره انهزم نحو البلاد ، ولم يرجع إليه أحد يعلم الحال ، وجاء  شهاب الدين  في ساقة العسكر في عشرين ألف فارس ولم يعلم الحال ، فلما خرج من البرية لقيه الخطا مستريحين ، وهو   [ ص: 196 ] ومن معه قد تعبوا وأعيوا ، وكان الخطا أضعاف أصحابه ، فقاتلهم عامة نهاره ، وحمى نفسه منهم ، وحصروه في أندخوي ، فجرى بينهم في عدة أيام أربعة عشر مصافا منها مصاف واحد كان من العصر إلى الغد بكرة ، ثم إنه بعد ذلك سير طائفة من عسكره ليلا سرا ، وأمرهم أن يرجعوا إليه بكرة كأنهم قد أتوه مددا من بلاده ، فلما فعل ذلك خافه الخطا ، وقال لهم صاحب سمرقند  وكان مسلما ، وهو في طاعة الخطا ، وقد خاف على الإسلام والمسلمين إن هم ظفروا  بشهاب الدين  ، فقال لهم : إن هذا الرجل لا تجدونه قط أضعف منه لما خرج من المفازة ، ومع ضعفه وتعبه وقلة من معه لم نظفر به ، والأمداد أتته وكأنكم بعساكره ، وقد أقبلت من كل طريق ، وحينئذ نطلب الخلاص منه فلا نقدر عليه ، والرأي لنا الصلح معه ، فأجابوا إلى ذلك ، فأرسلوا إليه في الصلح . 
وكان صاحب سمرقند  قد أرسل إليه وعرفه الحال سرا ، وأمره بإظهار الامتناع من الصلح أولا والإجابة إليه أخيرا ، فلما أتته الرسل امتنع ، وأظهر القوة بانتظار الأمداد ، وطال الكلام ، فاصطلحوا على أن الخطا لا يعبرون النهر إلى بلاده ، ولا هو يعبره إلى بلادهم ، ورجعوا عنه وخلص هو وعاد إلى بلاده ، والباقي نحو ما تقدم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					