ذكر خلافة المنصور
وفي هذه السنة عقد السفاح عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس لأخيه أبي جعفر عبد الله بن محمد بالخلافة من بعده ، وجعله ولي عهد المسلمين ، ومن بعد أبي جعفر ولد أخيه عيسى بن موسى بن محمد بن علي ، وجعل العهد في ثوب ، وختمه بخاتمه وخواتيم أهل بيته ، ودفعه إلى عيسى بن موسى .
فلما توفي السفاح كان أبو جعفر بمكة ، فأخذ البيعة لأبي جعفر عيسى بن موسى ، وكتب إليه يعلمه وفاة السفاح والبيعة له ، فلقيه الرسول بمنزل صفية فقال : صفت لنا إن شاء الله .
وكتب إلى أبي مسلم يستدعيه ، وكان أبو جعفر قد تقدم ، فأقبل أبو مسلم إليه . فلما جلس وألقى إليه كتابه قرأه وبكى واسترجع ونظر إلى أبي جعفر ، وقد جزع جزعا شديدا ، فقال : ما هذا الجزع وقد أتتك الخلافة ؟ قال : أتخوف شر عمي عبد الله بن علي وشغبه علي . قال : لا تخفه فأنا أكفيكه إن شاء الله ، إنما عامة جنده ومن معه أهل [ ص: 51 ] خراسان وهم لا يعصونني . فسري عنه . وبايع أبو مسلم والناس ، وأقبلا حتى قدما الكوفة .
وقيل : إن أبا مسلم هو الذي كان تقدم على أبي جعفر ، فعرف الخبر قبله فكتب إليه : عافاك الله ومتع بك ، إنه أتاني أمر أفظعني وبلغ مني مبلغا لم يبلغه مني شيء قط ، وفاة أمير المؤمنين ، فنسأل الله أن يعظم أجرك ويحسن الخلافة عليك ، إنه ليس من أهلك أحد أشد تعظيما لحقك وأصفى نصيحة [ لك ] وحرصا على ما يسرك مني . ثم مكث يومين وكتب إلى أبي جعفر ببيعته ، وإنما أراد ترهيب أبي جعفر .
قال : ورد أبو جعفر زياد بن عبد الله إلى مكة ، وكان عاملا عليها وعلى المدينة للسفاح ، وقيل : كان قد عزله قبل موته عن مكة ، وولاها العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس .
ولما بايع عيسى بن موسى الناس لأبي جعفر أرسل إلى عبد الله بن علي بالشام يخبره بوفاة السفاح ، وبيعة المنصور ويأمره بأخذ البيعة للمنصور ، وكان قد قدم قبل ذلك على السفاح فجعله على الصائفة ، وسير معه أهل الشام وخراسان ، فسار حتى بلغ دلوك ، ولم يدرك ، فأتاه موت السفاح ، فعاد بمن معه من الجيوش ، وقد بايع لنفسه .


