وأما العتق والطلاق : فإن موجب الكلام وجودهما ، فإذا وجد الشرط وجد العتق والطلاق . وإذا وقعا لم يرتفعا بعد وقوعهما ؛ لأنهما لا يقبلان الفسخ ، بخلاف ما لو قال : إن فعلت كذا فلله علي أن أعتق . فإنه هنا لم يعلق العتق ، وإنما علق وجوبه بالشرط ، فيخير بين فعل هذا الإعتاق الذي أوجبه على نفسه وبين الكفارة التي هي بدل عنه ، ولهذا لو
nindex.php?page=treesubj&link=7431قال : إذا مت فعبدي حر ، عتق بموته من غير حاجة
[ ص: 325 ] إلى الإعتاق ، ولم يكن له فسخ هذا التدبير عند الجمهور إلا قولا
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي ، ورواية عن
أحمد ، وفي بيعه الخلاف المشهور . ولو
nindex.php?page=treesubj&link=7446وصى بعتقه فقال : إذا مت فأعتقوه ، كان له الرجوع في ذلك كسائر الوصايا ، [ وكان له بيعه هنا ، وإن لم يجز بيع المدبر ] .
ذكر
أبو عبد الله إبراهيم بن محمد [ بن محمد ] بن عرفة في تاريخه : أن
المهدي لما رأى ما أجمع عليه رأي أهل بيته من العهد [ إلى ابنه ] عزم على خلع
عيسى ودعاهم إلى البيعة
لموسى ، فامتنع
عيسى من الخلع ، وزعم أن عليه أيمانا تخرجه من أملاكه وتطلق نساءه ، فأحضر له
المهدي nindex.php?page=showalam&ids=13373ابن علاثة nindex.php?page=showalam&ids=14429ومسلم بن خالد الزنجي وجماعة من الفقهاء ، فأفتوه بما يخرجه عن يمينه ، واعتاض عما يلزمه في يمينه [ بمال كثير ذكره ] ولم يزل به إلى أن خلع نفسه وبويع
للمهدي ولموسى الهادي بعده .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور فقال في
nindex.php?page=treesubj&link=7431_16428العتق المعلق على وجه اليمين : يجزئه كفارة يمين ، كنذر اللجاج والغضب ؛ لأجل ما تقدم من حديث
ليلى بنت العجماء التي أفتاها
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة أم المؤمنين ،
وزينب ربيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكفارة يمين في قولها : " إن لم أفرق بينك وبين امرأتك فكل مملوك لي محرر " . وهذه القصة هي مما اعتمده الفقهاء المستدلون في مسألة نذر اللجاج والغضب ، لكن توقف
أحمد وأبو عبيد عن العتق فيها لما ذكرته من الفرق ، وعارض
أحمد ذلك .
وأما الطلاق فلم يبلغ
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبا ثور فيه أثر فتوقف عنه ، مع أن
[ ص: 326 ] القياس عنده مساواته للعتق ، لكن خاف أن يكون مخالفا للإجماع .
والصواب : أن الخلاف في الجميع - في الطلاق وغيره - كما سنذكره ، ولو لم ينقل في الطلاق نفسه خلاف معين لكان فتيا من أفتى من الصحابة في الحلف بالعتاق بكفارة يمين من باب التنبيه على الحلف بالطلاق . فإنه إذا كان نذر العتق الذي هو قربة لما خرج مخرج اليمين أجزأت فيه الكفارة ، فالحلف بالطلاق الذي ليس بقربة : إما أن تجزئ فيه الكفارة ، [ أو لا ] يجب فيه شيء على قول من يقول : نذر غير الطاعة لا شيء فيه . ويكون قوله : " إن فعلت كذا فأنت طالق " بمنزلة قوله : " فعلي أن أطلقك " ، كما كان عند أولئك الصحابة ومن وافقهم قوله : " فعبيدي أحرار " بمنزلة قوله : " فعلي أن أعتقهم " .
على أني إلى الساعة لم يبلغني عن أحد من الصحابة كلام في الحلف بالطلاق ، وذاك - والله أعلم - لأن الحلف بالطلاق لم يكن قد حدث في زمانهم ، وإنما ابتدعه الناس في زمن التابعين ومن بعدهم ، فاختلف فيه التابعون ومن بعدهم ، فأحد القولين : أنه يقع به كما تقدم ، والقول الثاني : أنه لا يلزمه الوقوع . ذكر
عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
nindex.php?page=showalam&ids=16446ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول : الحلف بالطلاق ليس شيئا ، قلت : أكان يراه يمينا ؟ قال : لا أدري .
فقد أخبر
nindex.php?page=showalam&ids=16446ابن طاوس عن أبيه أنه كان لا يراه موقعا للطلاق ، وتوقف في كونه يمينا يوجب الكفارة ؛ لأنه من باب نذر ما لا قربة فيه . وفي كون مثل هذا يمينا خلاف مشهور . وهذا قول أهل الظاهر ،
كداود nindex.php?page=showalam&ids=13064وأبي محمد بن حزم ، لكن بناء على أنه لا يقع طلاق معلق ولا عتق معلق .
[ ص: 327 ] واختلفوا في المؤجل ، وهو بناء على ما تقدم من أن العقود لا يصح منها إلا ما دل نص أو إجماع على وجوبه أو جوازه ، وهو مبني على ثلاث مقدمات يخالفون فيها :
إحداها : كون الأصل تحريم العقود .
الثانية : أنه لا يباح إلا ما كان في معنى المنصوص .
الثالثة : أن الطلاق المؤجل والمعلق لم يندرج في عموم النصوص .
وأما المأخذ المتقدم من كون هذا كنذر اللجاج والغضب [ فهذا قياس قول الذين جوزوا التكفير في نذر اللجاج والغضب ] وفرقوا بين نذر التبرر ونذر الغضب ، فإن هذا الفرق يوجب الفرق بين المعلق الذي يقصد وقوعه عند الشرط ، وبين المعلق المحلوف به الذي يقصد عدم وقوعه ، إلا أن يصح الفرق المذكور بين كون المعلق هو الوجود أو الوجوب . وسنتكلم عليه .
وقد ذكرنا أن هذا القول يخرج على أصول
أحمد من مواضع ذكرناها . وكذلك هو أيضا لازم لمن قال في نذر اللجاج والغضب بكفارة ، كما هو ظاهر مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وإحدى الروايتين عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، التي اختارها أكثر متأخري أصحابه ، وإحدى الروايتين عن
ابن القاسم ، التي اختارها كثير من متأخري المالكية . فإن التسوية بين الحلف بالنذر والحلف بالعتق هو المتوجه . ولهذا كان هذا من أقوى حجج القائلين بوجوب الوفاء في الحلف بالنذر ، فإنهم قاسوه على الحلف بالطلاق والعتاق ، واعتقده بعض المالكية مجمعا عليه .
[ ص: 328 ] وأيضا فإذا حلف بصيغة القسم ، كقوله : عبيدي أحرار لأفعلن ، أو نسائي طوالق لأفعلن ، فهو بمنزلة قوله : مالي صدقة لأفعلن ، وعلي الحج لأفعلن .
والذي يوضح التسوية : أن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إنما اعتمد في الطلاق المعلق على فدية الخلع ، فقال في
nindex.php?page=showalam&ids=13920البويطي - وهو كتاب مصري من أجود كتبه - : وذلك أن الفقهاء يسمون الطلاق المعلق بسبب : طلاقا بصفة ، ويسمون ذلك الشرط صفة . ويقولون : " إذا وجدت الصفة في زمان البينونة ، وإذا لم توجد الصفة " ، ونحو ذلك .
وهذه التسمية لها وجهان :
أحدهما : أن هذا الطلاق موصوف بصفة ، ليس طلاقا مجردا عن صفة . فإنه إذا قال : أنت طالق في أول السنة ، أو إذا طهرت ، فقد وصف الطلاق بالزمان الخاص . فإن الظرف صفة للمظروف . وكذلك إذا قال : إن أعطيتني ألفا فأنت طالق ، فقد وصفه بعوضه .
والثاني : أن نحاة
الكوفة يسمون حروف الجر ونحوها حروف الصفات . فلما كان هذا معلقا بالحروف التي قد تسمى حروف الصفات ، سمي طلاقا بصفة ، كما لو قال : أنت طالق بألف .
والوجه الأول هو الأصل ، فإن هذا يعود إليه ، إذ النحاة إنما سموا حروف الجر حروف الصفات ؛ لأن الجار والمجرور يصير في المعنى صفة لما تعلق به .
فإذا كان
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره إنما اعتمدوا في الطلاق الموصوف على طلاق الفدية المذكور في القرآن ، وقاسوا كل طلاق بصفة عليه ، صار هذا كما أن النذر المعلق بشرط مذكور في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=75ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين [ ص: 329 ] [ التوبة ] . ومعلوم أن النذر المعلق بشرط هو نذر بصفة ، وقد فرقوا بين
النذر المقصود شرطه ، وبين النذر المقصود عدم شرطه الذي خرج مخرج اليمين . [ فكذلك ] يفرق بين الطلاق المقصود وصفه كالخلع ؛ حيث المقصود فيه العوض ، والطلاق المحلوف به ، الذي يقصد عدمه وعدم شرطه ، فإنه إنما يقاس بما في الكتاب والسنة ما أشبهه . ومعلوم ثبوت الفرق بين الصفة المقصودة وبين الصفة المحلوف عليها التي يقصد عدمها ، كما فرق بينهما في النذر سواء . والدليل على هذا القول : الكتاب والسنة والأثر والاعتبار .
وَأَمَّا الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ : فَإِنَّ مُوجَبَ الْكَلَامِ وُجُودُهُمَا ، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وُجِدَ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ . وَإِذَا وَقَعَا لَمْ يَرْتَفِعَا بَعْدَ وُقُوعِهِمَا ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ الْفَسْخَ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ . فَإِنَّهُ هُنَا لَمْ يُعَلِّقِ الْعِتْقَ ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ وُجُوبَهُ بِالشَّرْطِ ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِ هَذَا الْإِعْتَاقِ الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَبَيْنَ الْكَفَّارَةِ الَّتِي هِيَ بَدَلٌ عَنْهُ ، وَلِهَذَا لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=7431قَالَ : إِذَا مُتُّ فَعَبْدِي حُرٌّ ، عَتَقَ بِمَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ
[ ص: 325 ] إِلَى الْإِعْتَاقِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فَسْخُ هَذَا التَّدْبِيرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ إِلَّا قَوْلًا
nindex.php?page=showalam&ids=13790لِلشَّافِعِيِّ ، وَرِوَايَةً عَنْ
أحمد ، وَفِي بَيْعِهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ . وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=7446وَصَّى بِعِتْقِهِ فَقَالَ : إِذَا مُتُّ فَأَعْتِقُوهُ ، كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ كَسَائِرِ الْوَصَايَا ، [ وَكَانَ لَهُ بَيْعُهُ هُنَا ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ ] .
ذَكَرَ
أبو عبد الله إبراهيم بن محمد [ بن محمد ] بن عرفة فِي تَارِيخِهِ : أَنَّ
المهدي لَمَّا رَأَى مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ رَأْيُ أَهْلِ بَيْتِهِ مِنَ الْعَهْدِ [ إِلَى ابْنِهِ ] عَزَمَ عَلَى خَلْعِ
عيسى وَدَعَاهُمْ إِلَى الْبَيْعَةِ
لموسى ، فَامْتَنَعَ
عيسى مِنَ الْخَلْعِ ، وَزَعَمَ أَنَّ عَلَيْهِ أَيْمَانًا تُخْرِجُهُ مِنْ أَمْلَاكِهِ وَتُطَلِّقُ نِسَاءَهُ ، فَأَحْضَرَ لَهُ
المهدي nindex.php?page=showalam&ids=13373ابْنَ عُلَاثَةَ nindex.php?page=showalam&ids=14429وَمُسْلِمَ بْنَ خَالِدٍ الزَّنْجِيَّ وَجَمَاعَةً مِنَ الْفُقَهَاءِ ، فَأَفْتَوْهُ بِمَا يُخْرِجُهُ عَنْ يَمِينِهِ ، وَاعْتَاضَ عَمَّا يَلْزَمُهُ فِي يَمِينِهِ [ بِمَالٍ كَثِيرٍ ذَكَرَهُ ] وَلَمْ يَزَلْ بِهِ إِلَى أَنْ خَلَعَ نَفْسَهُ وَبُويِعَ
للمهدي ولموسى الهادي بَعْدَهُ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=showalam&ids=11956أَبُو ثَوْرٍ فَقَالَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=7431_16428الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ : يُجْزِئُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، كَنَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ ؛ لِأَجْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ
ليلى بنت العجماء الَّتِي أَفْتَاهَا
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة أم المؤمنين ،
وزينب ربيبة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ فِي قَوْلِهَا : " إِنْ لَمْ أُفَرِّقْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ امْرَأَتِكَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي مُحَرَّرٌ " . وَهَذِهِ الْقِصَّةُ هِيَ مِمَّا اعْتَمَدَهُ الْفُقَهَاءُ الْمُسْتَدِلُّونَ فِي مَسْأَلَةِ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ ، لَكِنْ تَوَقَّفَ
أحمد وأبو عبيد عَنِ الْعِتْقِ فِيهَا لِمَا ذَكَرْتُهُ مِنَ الْفَرْقِ ، وَعَارَضَ
أحمد ذَلِكَ .
وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَلَمْ يَبْلُغْ
nindex.php?page=showalam&ids=11956أَبَا ثَوْرٍ فِيهِ أَثَرٌ فَتَوَقَّفَ عَنْهُ ، مَعَ أَنَّ
[ ص: 326 ] الْقِيَاسَ عِنْدَهُ مُسَاوَاتُهُ لِلْعِتْقِ ، لَكِنْ خَافَ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ .
وَالصَّوَابُ : أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَمِيعِ - فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ - كَمَا سَنَذْكُرُهُ ، وَلَوْ لَمْ يُنْقَلْ فِي الطَّلَاقِ نَفْسِهِ خِلَافٌ مُعَيَّنٌ لَكَانَ فُتْيَا مَنْ أَفْتَى مِنَ الصَّحَابَةِ فِي الْحَلِفِ بِالْعَتَاقِ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ عَلَى الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ . فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ نَذْرُ الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ قُرْبَةٌ لَمَّا خَرَجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ أَجْزَأَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ ، فَالْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ الَّذِي لَيْسَ بِقُرْبَةٍ : إِمَّا أَنْ تُجْزِئَ فِيهِ الْكَفَّارَةُ ، [ أَوْ لَا ] يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : نَذْرُ غَيْرِ الطَّاعَةِ لَا شَيْءَ فِيهِ . وَيَكُونُ قَوْلُهُ : " إِنْ فَعَلْتِ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ " بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : " فَعَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَكِ " ، كَمَا كَانَ عِنْدَ أُولَئِكَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ قَوْلُهُ : " فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ " بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : " فَعَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُمْ " .
عَلَى أَنِّي إِلَى السَّاعَةِ لَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ كَلَامٌ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ ، وَذَاكَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَدَثَ فِي زَمَانِهِمْ ، وَإِنَّمَا ابْتَدَعَهُ النَّاسُ فِي زَمَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، فَاخْتَلَفَ فِيهِ التَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ : أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْوُقُوعُ . ذَكَرَ
عبد الرزاق عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=16446ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ لَيْسَ شَيْئًا ، قُلْتُ : أَكَانَ يَرَاهُ يَمِينًا ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي .
فَقَدْ أَخْبَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=16446ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَاهُ مُوقِعًا لِلطَّلَاقِ ، وَتَوَقَّفَ فِي كَوْنِهِ يَمِينًا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ نَذْرِ مَا لَا قُرْبَةَ فِيهِ . وَفِي كَوْنِ مِثْلِ هَذَا يَمِينًا خِلَافٌ مَشْهُورٌ . وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ ،
كداود nindex.php?page=showalam&ids=13064وأبي محمد بن حزم ، لَكِنْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ مُعَلَّقٌ وَلَا عِتْقٌ مُعَلَّقٌ .
[ ص: 327 ] وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُؤَجَّلِ ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعُقُودَ لَا يَصِحُّ مِنْهَا إِلَّا مَا دَلَّ نَصٌّ أَوْ إِجْمَاعٌ عَلَى وُجُوبِهِ أَوْ جَوَازِهِ ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى ثَلَاثِ مُقَدِّمَاتٍ يُخَالِفُونَ فِيهَا :
إِحْدَاهَا : كَوْنُ الْأَصْلِ تَحْرِيمُ الْعُقُودِ .
الثَّانِيَةُ : أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إِلَّا مَا كَانَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ .
الثَّالِثَةُ : أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُؤَجَّلَ وَالْمُعَلَّقَ لَمْ يَنْدَرِجْ فِي عُمُومِ النُّصُوصِ .
وَأَمَّا الْمَأْخَذُ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ كَوْنِ هَذَا كَنَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ [ فَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ الَّذِينَ جَوَّزُوا التَّكْفِيرَ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ ] وَفَرَّقُوا بَيْنَ نَذْرِ التَّبَرُّرِ وَنَذْرِ الْغَضَبِ ، فَإِنَّ هَذَا الْفَرْقَ يُوجِبُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُعَلَّقِ الَّذِي يُقْصَدُ وُقُوعُهُ عِنْدَ الشَّرْطِ ، وَبَيْنَ الْمُعَلَّقِ الْمَحْلُوفِ بِهِ الَّذِي يُقْصَدُ عَدَمُ وُقُوعِهِ ، إِلَّا أَنْ يَصِحَّ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ بَيْنَ كَوْنِ الْمُعَلَّقِ هُوَ الْوُجُودُ أَوِ الْوُجُوبُ . وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يَخْرُجُ عَلَى أُصُولِ
أحمد مِنْ مَوَاضِعَ ذَكَرْنَاهَا . وَكَذَلِكَ هُوَ أَيْضًا لَازِمٌ لِمَنْ قَالَ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ بِكَفَّارَةٍ ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، الَّتِي اخْتَارَهَا أَكْثَرُ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِهِ ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ
ابن القاسم ، الَّتِي اخْتَارَهَا كَثِيرٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ . فَإِنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْحَلِفِ بِالنَّذْرِ وَالْحَلِفِ بِالْعِتْقِ هُوَ الْمُتَوَجِّهُ . وَلِهَذَا كَانَ هَذَا مِنْ أَقْوَى حُجَجِ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْوَفَاءِ فِي الْحَلِفِ بِالنَّذْرِ ، فَإِنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ، وَاعْتَقَدَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ .
[ ص: 328 ] وَأَيْضًا فَإِذَا حَلَفَ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ ، كَقَوْلِهِ : عَبِيدِي أَحْرَارٌ لَأَفْعَلَنَّ ، أَوْ نِسَائِي طَوَالِقُ لَأَفْعَلَنَّ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : مَالِي صَدَقَةٌ لَأَفْعَلَنَّ ، وَعَلَيَّ الْحَجُّ لَأَفْعَلَنَّ .
وَالَّذِي يُوَضِّحُ التَّسْوِيَةَ : أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيَّ إِنَّمَا اعْتَمَدَ فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى فِدْيَةِ الْخُلْعِ ، فَقَالَ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=13920الْبُوَيْطِيِّ - وَهُوَ كِتَابٌ مِصْرِيٌّ مِنْ أَجْوَدِ كُتُبِهِ - : وَذَلِكَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يُسَمُّونَ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ بِسَبَبٍ : طَلَاقًا بِصِفَةٍ ، وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ الشَّرْطَ صِفَةً . وَيَقُولُونَ : " إِذَا وُجِدَتِ الصِّفَةُ فِي زَمَانِ الْبَيْنُونَةِ ، وَإِذَا لَمْ تُوجَدِ الصِّفَةُ " ، وَنَحْوَ ذَلِكَ .
وَهَذِهِ التَّسْمِيَةُ لَهَا وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ هَذَا الطَّلَاقَ مَوْصُوفٌ بِصِفَةٍ ، لَيْسَ طَلَاقًا مُجَرَّدًا عَنْ صِفَةٍ . فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ ، أَوْ إِذَا طَهُرْتِ ، فَقَدْ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِالزَّمَانِ الْخَاصِّ . فَإِنَّ الظَّرْفَ صِفَةٌ لِلْمَظْرُوفِ . وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ : إِنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَقَدْ وَصَفَهُ بِعِوَضِهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ نُحَاةَ
الْكُوفَةِ يُسَمُّونَ حُرُوفَ الْجَرِّ وَنَحْوِهَا حُرُوفَ الصِّفَاتِ . فَلَمَّا كَانَ هَذَا مُعَلَّقًا بِالْحُرُوفِ الَّتِي قَدْ تُسَمَّى حُرُوفَ الصِّفَاتِ ، سُمِّيَ طَلَاقًا بِصِفَةٍ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ .
وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ هُوَ الْأَصْلُ ، فَإِنَّ هَذَا يَعُودُ إِلَيْهِ ، إِذِ النُّحَاةُ إِنَّمَا سَمَّوْا حُرُوفَ الْجَرِّ حُرُوفَ الصِّفَاتِ ؛ لِأَنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ يَصِيرُ فِي الْمَعْنَى صِفَةً لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ .
فَإِذَا كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ إِنَّمَا اعْتَمَدُوا فِي الطَّلَاقِ الْمَوْصُوفِ عَلَى طَلَاقِ الْفِدْيَةِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ ، وَقَاسُوا كُلَّ طَلَاقٍ بِصِفَةٍ عَلَيْهِ ، صَارَ هَذَا كَمَا أَنَّ النَّذْرَ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطٍ مَذْكُورٍ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=75وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ [ ص: 329 ] [ التَّوْبَةِ ] . وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّذْرَ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطٍ هُوَ نَذْرٌ بِصِفَةٍ ، وَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ
النذر الْمَقْصُودِ شَرْطُهُ ، وَبَيْنَ النَّذْرِ الْمَقْصُودِ عَدَمُ شَرْطِهِ الَّذِي خَرَجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ . [ فَكَذَلِكَ ] يُفَرَّقُ بَيْنَ الطَّلَاقِ الْمَقْصُودِ وَصْفُهُ كَالْخُلْعِ ؛ حَيْثُ الْمَقْصُودُ فِيهِ الْعِوَضُ ، وَالطَّلَاقِ الْمَحْلُوفِ بِهِ ، الَّذِي يُقْصَدُ عَدَمُهُ وَعَدَمُ شَرْطِهِ ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُقَاسُ بِمَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا أَشْبَهَهُ . وَمَعْلُومٌ ثُبُوتُ الْفَرْقِ بَيْنَ الصِّفَةِ الْمَقْصُودَةِ وَبَيْنَ الصِّفَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا الَّتِي يُقْصَدُ عَدَمُهَا ، كَمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي النَّذْرِ سَوَاءً . وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ : الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْأَثَرُ وَالِاعْتِبَارُ .